مجلة أدبية دورية تعنى بالشؤون الأدبية والثقافية رئيس التحرير : جاسم ال حمد الجياشي / مدير تحرير مريام سما
الثلاثاء، 28 فبراير 2017
نص /// للاستاذ نهاد معروف /// العراق
أعترفُ أمامَ جمعِ العشاقِ
بأنني خسرتُ معركتي بعدم الأكتراثِ،
دفنتُ شموخي بأروقةِ التراثِ.
وتعلمتُ كيفَ يحبُ الرجلُ سيدةً،
من دونِ مكابرةٍ ولا نفاقِ.
عيناكِ علمتني سنابلُ الاشتياقِ،
فأنا طفل كبيرٌ،
أمام حنانِ آمرأةٍ تُخيئني بالاحداقِ.
أعترفُ بأنكِ مدرسةٌ تعلم الرجالَ،
ما لم تعلمهم شقاوة أيام الانطلاقِ.
نهاد معروف.
بأنني خسرتُ معركتي بعدم الأكتراثِ،
دفنتُ شموخي بأروقةِ التراثِ.
وتعلمتُ كيفَ يحبُ الرجلُ سيدةً،
من دونِ مكابرةٍ ولا نفاقِ.
عيناكِ علمتني سنابلُ الاشتياقِ،
فأنا طفل كبيرٌ،
أمام حنانِ آمرأةٍ تُخيئني بالاحداقِ.
أعترفُ بأنكِ مدرسةٌ تعلم الرجالَ،
ما لم تعلمهم شقاوة أيام الانطلاقِ.
نهاد معروف.
أشراخ /// للاستاذ مصطفى الحاج حسين /// سوريا
أشراخ ...
وحدكَ .. تتعبّدُ خطاياكَ
تمضي في أرجاءِ الهروبِ
تسيّجُ خطوتكَ بالمديحِ
وتلعنُ قامةَ الدّربِ
عنقكَ .. تسبلهُ على سكينٍ
تنهمرُ ارتعاشاً
على حافةِ الجّرحِ
من دمكَ تعرّيتَ
صارَ اسمكَ ناصع الإنحناء
والرّيحُ على الجّمرِ
كَوَت انشداه الرّوح
رمّدتَ لهاثكَ
تبرّدتَ بالغبارِ
طوّحتَ بظهركَ للهاويةِ
وجئتَ بلا محيّا
سكنت وجهكَ السّهوبُ
بمقلتيكَ الجّحيمُ اختبأ
توزّعتَ على عنقكَ
شَربتَ الوريد
آلامكَ مضغتها
ورحتَ تجترَ الانكسار
عبثاً .. أن تختفي في جوفكَ
والنّبضُ بالرعدِ ينوء
وهذا الانكفاء نعشكَ
ترتدُّ .. من حيثُ الجّهات انغلقت
حاصرتكَ النّداءات
الذكريات مرايا
فأبصر ملامح منكَ .. تداعت
وهتافات كوّنها الاختناق
ماذا تقول ؟
وأنتَ من حاربَ الرّدة
وشرّعَ التّحاورَ
كنتَ تستبق النّبعَ لاروائنا
لاحتضاننا تنافس الدفء
وإذ نجوع
تصطاد لنا المستحيل
فمن علّمكَ الانطواء
لتلتفّ حولَ انكماشك ؟!
كيفَ اقتحمكَ الشّرود ؟
وأنتَ إذ تعتكف
تفاجئنا بالحلولِ
فهل ماتت نيّاتكَ
أم أفزعكَ التّرهل ؟!
ماأنتَ بالعبثي .. فتحيد
ما بالخائن أنتَ
فكن واضحاً للدّروبِ
انهج مسارَ الشّهيد
أمط لثام المخاوف
انهض من شتاتكَ
لا يريحكَ التّفرج
فانتفض من الهواجسِِ
جابه وجهكَ .. واشهر رؤاكَ
صرنا من أيادينا نرتعبُ
نتجسّسُ على خطانا كي لا تنفلت
حيارى نحنُ
بين تربّصنا والجنوح
بكاؤنا .. ماذا نسمّيهِ ؟!
والبلاد التي تلج المقابر
زوّدتنا بالوقتِ كي نفيق
كلّ هذا الضّياع .. لاختلافنا
على منصبٍ من فراغٍ
نتهمُ العابرينَ .. مخبرينَ
وننسى انقسامنا
جزّأتنا السّيادات
باسم التّطرف .. التّعقل
التّجدد .. والثّبات
قهقه السّوط
الذي علينا يلتفّ أفعى
زغرد الدّجى
فارتجل ميلادكَ الأبدي
وحّد أصابعنا في الكفِّ
لنرسمَ خلاصَ البلاد
لا رفيقٌ إلاّ أنتَ ..
لا أنصار إلاّ نحنُ
فانبثق من عنادنا
متوّجاً بالأفق .
مصطفى الحاج حسين .
حلب
وحدكَ .. تتعبّدُ خطاياكَ
تمضي في أرجاءِ الهروبِ
تسيّجُ خطوتكَ بالمديحِ
وتلعنُ قامةَ الدّربِ
عنقكَ .. تسبلهُ على سكينٍ
تنهمرُ ارتعاشاً
على حافةِ الجّرحِ
من دمكَ تعرّيتَ
صارَ اسمكَ ناصع الإنحناء
والرّيحُ على الجّمرِ
كَوَت انشداه الرّوح
رمّدتَ لهاثكَ
تبرّدتَ بالغبارِ
طوّحتَ بظهركَ للهاويةِ
وجئتَ بلا محيّا
سكنت وجهكَ السّهوبُ
بمقلتيكَ الجّحيمُ اختبأ
توزّعتَ على عنقكَ
شَربتَ الوريد
آلامكَ مضغتها
ورحتَ تجترَ الانكسار
عبثاً .. أن تختفي في جوفكَ
والنّبضُ بالرعدِ ينوء
وهذا الانكفاء نعشكَ
ترتدُّ .. من حيثُ الجّهات انغلقت
حاصرتكَ النّداءات
الذكريات مرايا
فأبصر ملامح منكَ .. تداعت
وهتافات كوّنها الاختناق
ماذا تقول ؟
وأنتَ من حاربَ الرّدة
وشرّعَ التّحاورَ
كنتَ تستبق النّبعَ لاروائنا
لاحتضاننا تنافس الدفء
وإذ نجوع
تصطاد لنا المستحيل
فمن علّمكَ الانطواء
لتلتفّ حولَ انكماشك ؟!
كيفَ اقتحمكَ الشّرود ؟
وأنتَ إذ تعتكف
تفاجئنا بالحلولِ
فهل ماتت نيّاتكَ
أم أفزعكَ التّرهل ؟!
ماأنتَ بالعبثي .. فتحيد
ما بالخائن أنتَ
فكن واضحاً للدّروبِ
انهج مسارَ الشّهيد
أمط لثام المخاوف
انهض من شتاتكَ
لا يريحكَ التّفرج
فانتفض من الهواجسِِ
جابه وجهكَ .. واشهر رؤاكَ
صرنا من أيادينا نرتعبُ
نتجسّسُ على خطانا كي لا تنفلت
حيارى نحنُ
بين تربّصنا والجنوح
بكاؤنا .. ماذا نسمّيهِ ؟!
والبلاد التي تلج المقابر
زوّدتنا بالوقتِ كي نفيق
كلّ هذا الضّياع .. لاختلافنا
على منصبٍ من فراغٍ
نتهمُ العابرينَ .. مخبرينَ
وننسى انقسامنا
جزّأتنا السّيادات
باسم التّطرف .. التّعقل
التّجدد .. والثّبات
قهقه السّوط
الذي علينا يلتفّ أفعى
زغرد الدّجى
فارتجل ميلادكَ الأبدي
وحّد أصابعنا في الكفِّ
لنرسمَ خلاصَ البلاد
لا رفيقٌ إلاّ أنتَ ..
لا أنصار إلاّ نحنُ
فانبثق من عنادنا
متوّجاً بالأفق .
مصطفى الحاج حسين .
حلب
مزمور يرقص بلا بخور /// للاستاذ باسم الفضلي /// العراق
( مزمور يرقص بلا بخور )
صهٍ ....:
الأساريرُ البور.. تغطي وجوهَ الأفياءِ الرمداءِ القلب
فلا تبحثْ عن قشِّ نبويِّ الإبر.. كي تجدَ في ثرثراتِه المعصومة حرفاً من إسمك
فالمناقيرُ المنفوشةُ الأقداح تترجمُ لغوَ السماء لعجائز القوارير المسلوبة الفحولة .
تكلمْ .... : .....................زززززززززريابُ الأجراسِ المنقوشة الأجنحة
يبحث عن هرطقةٍ تعيد اليه ألوانَ مواخيرِ الورودِ المرقَّمةِ الحواصل
ويصطاده ظلُّ عشٍّ مجانيِ الإشارة ، على غصنِ نَتِّ النازحين من بُرجِ الدواعش
الى الصفحات الإباحيةِ التزيل ..
لا صلااااااااااااااااااااةَ مشفَّرة القِبلة :
الحمير تقود الجماهير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ/ باسم الفضلي ـ العراق
صهٍ ....:
الأساريرُ البور.. تغطي وجوهَ الأفياءِ الرمداءِ القلب
فلا تبحثْ عن قشِّ نبويِّ الإبر.. كي تجدَ في ثرثراتِه المعصومة حرفاً من إسمك
فالمناقيرُ المنفوشةُ الأقداح تترجمُ لغوَ السماء لعجائز القوارير المسلوبة الفحولة .
تكلمْ .... : .....................زززززززززريابُ الأجراسِ المنقوشة الأجنحة
يبحث عن هرطقةٍ تعيد اليه ألوانَ مواخيرِ الورودِ المرقَّمةِ الحواصل
ويصطاده ظلُّ عشٍّ مجانيِ الإشارة ، على غصنِ نَتِّ النازحين من بُرجِ الدواعش
الى الصفحات الإباحيةِ التزيل ..
لا صلااااااااااااااااااااةَ مشفَّرة القِبلة :
الحمير تقود الجماهير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ/ باسم الفضلي ـ العراق
الاثنين، 27 فبراير 2017
علي جانبي النهر /// للشاعرة المبدعة هدى ابو العلا /// مصر
على جانبي النهر
.......................
ابحث عنه...
فى عيون الليل
فى شفاه
نجمة ظمئه
فى إبحار
سفينة متعبه
فى وجه
قمر مكتمل حزنه
فى تجاعيد
جبين الزمن
فى دهاليز الحكمه
بين انامل الورود
على جانبي النهر
بين اخدود الهذيان
ابحث عنه
اتوهم رؤاه
اهرول ادنو
اكاد المسه
يجرفني..
موج لا يهدأ
يزلزلني ...
صدى الأصوات
يبتعد...
كأنه لم يدنو
أاااه من عبث الأقدار.
هدى ابو العلا
.......................
ابحث عنه...
فى عيون الليل
فى شفاه
نجمة ظمئه
فى إبحار
سفينة متعبه
فى وجه
قمر مكتمل حزنه
فى تجاعيد
جبين الزمن
فى دهاليز الحكمه
بين انامل الورود
على جانبي النهر
بين اخدود الهذيان
ابحث عنه
اتوهم رؤاه
اهرول ادنو
اكاد المسه
يجرفني..
موج لا يهدأ
يزلزلني ...
صدى الأصوات
يبتعد...
كأنه لم يدنو
أاااه من عبث الأقدار.
هدى ابو العلا
يابحر عذراً /// للاديبة المتميزة فاطمة سعد الله /// تونس
يا بحرُ...عُذْراً..
وأنا أُحْصِي كَدَماتِ الفُصول...
قُلْتُ..أيّها البحرُ عُذْراً..
غَيّبْتُك عنْ أبْجدىيّتي..
محوْتُك منْ خارِطَتي...
فلكمْ أغْرقْتَ حُلْمي بملحك الجليدي..
تسلّل صوْتُ موجةٍ طائشةٍ يقول:
ابْقَيْ في رُكْنكِ الباردِ..
قُرْبَ مِدْفأةِ الذكرياتِ المنطفئةِ..
قصّرِي الوقْتَ ..أوْ اُقْتُليه..
ذرّيه..
إنْ شئتِ معَ حبّاتِ الّلبّ المالحةِ جدّاً..
ظلّ الرّدّ ..
غُصّةً في حُنْجُرَتي..
ترُومُ الذّوَبانَ والانصهارْ..
تعثّرتْ..على أهْدابِ الصمْتِ..
دمْعة..
أطفأتْ للغيابِ ألفَ شمعةٍ ..
وشمْعة..
ولكنْ رغْم ثِقْلِ الصمْتِ ..
وحيْرةٍ تسكنُ الحرْفَ..
تركضُ القصائدُ جرّاها بين ألفِ ليْت وليْت..
عُدْتُ..
فـــــــــــــــ قُلْتُ...
يَا شجرةَ السّنْديانِ الحانية
على نافذتي..
هُزّي إليْكِ بجِذْعِ الصّبْرِ ..غُصْناً..
اُنْسِجي للأماني..فجْرًا..
اُسْكُبي في أذِنِ الأمْواااااجِ لحْناً...
عسى الشّمْسُ تنْسى الغروب..
وثلْجُ الاغتِرابِ..يذوب..
ونبضاتُ هذا القلْبِ..تتوب..
فاطمة سعدالله /تونس .....6/2/2017
وأنا أُحْصِي كَدَماتِ الفُصول...
قُلْتُ..أيّها البحرُ عُذْراً..
غَيّبْتُك عنْ أبْجدىيّتي..
محوْتُك منْ خارِطَتي...
فلكمْ أغْرقْتَ حُلْمي بملحك الجليدي..
تسلّل صوْتُ موجةٍ طائشةٍ يقول:
ابْقَيْ في رُكْنكِ الباردِ..
قُرْبَ مِدْفأةِ الذكرياتِ المنطفئةِ..
قصّرِي الوقْتَ ..أوْ اُقْتُليه..
ذرّيه..
إنْ شئتِ معَ حبّاتِ الّلبّ المالحةِ جدّاً..
ظلّ الرّدّ ..
غُصّةً في حُنْجُرَتي..
ترُومُ الذّوَبانَ والانصهارْ..
تعثّرتْ..على أهْدابِ الصمْتِ..
دمْعة..
أطفأتْ للغيابِ ألفَ شمعةٍ ..
وشمْعة..
ولكنْ رغْم ثِقْلِ الصمْتِ ..
وحيْرةٍ تسكنُ الحرْفَ..
تركضُ القصائدُ جرّاها بين ألفِ ليْت وليْت..
عُدْتُ..
فـــــــــــــــ قُلْتُ...
يَا شجرةَ السّنْديانِ الحانية
على نافذتي..
هُزّي إليْكِ بجِذْعِ الصّبْرِ ..غُصْناً..
اُنْسِجي للأماني..فجْرًا..
اُسْكُبي في أذِنِ الأمْواااااجِ لحْناً...
عسى الشّمْسُ تنْسى الغروب..
وثلْجُ الاغتِرابِ..يذوب..
ونبضاتُ هذا القلْبِ..تتوب..
فاطمة سعدالله /تونس .....6/2/2017
سراب /// للاستاذ أحسان الموسوي /// العراق
سراب..
أنا لو رأيت الموت يخنق لهفتي
لفديت عمري للهوى وشبابي
.
ولكم جرعت الصاب في كأس الأسى
مذ كنت بين صبابتي وعذابي
.
سأهيم في جنح الظلام كأنني
قيس العصور ممزقا جلبابي
.
وأعد أوراقي لأكتب همسة
من صلب قلبي الهائم المتصابي
.
من بعد عمر في النوى أفنيته
في غفلة طرق الهوى في بابي
.
غيداء قد عشق الفؤاد جمالها
لمابدت في أفخر الأثواب
.
فدهشت من هذا الجمال وخلتني
مترنحا حتى فقدت صوابي
.
لما أفقت سألتني عن ما جرى
أحقيقة أم كان محض سراب
.
كانت غواية شاعر هذا المسا
رحلت على عجل بغير حساب
إحسان الموسوي البصري
أنا لو رأيت الموت يخنق لهفتي
لفديت عمري للهوى وشبابي
.
ولكم جرعت الصاب في كأس الأسى
مذ كنت بين صبابتي وعذابي
.
سأهيم في جنح الظلام كأنني
قيس العصور ممزقا جلبابي
.
وأعد أوراقي لأكتب همسة
من صلب قلبي الهائم المتصابي
.
من بعد عمر في النوى أفنيته
في غفلة طرق الهوى في بابي
.
غيداء قد عشق الفؤاد جمالها
لمابدت في أفخر الأثواب
.
فدهشت من هذا الجمال وخلتني
مترنحا حتى فقدت صوابي
.
لما أفقت سألتني عن ما جرى
أحقيقة أم كان محض سراب
.
كانت غواية شاعر هذا المسا
رحلت على عجل بغير حساب
إحسان الموسوي البصري
ومضات الآبار /// للاستاذ عادل نايف البعيني /// سوريا
ومضات...... الآبار
لا تَغُوري أيَّتُها البئرُ
دَعِي ماءَكِ يغْسِلُ جِرَاحَنا
وَيَمْحُو خَطَايانا
لِيَعُودَ الإنْسَانُ إِنْسِانا
***
سَتَبْقَى آبارُنا غَائِرَةً
مادُمْنا نَحْفُر لِبَعْضِنا حفراً
ونوسّعُ الهوَّةَ بَيْنَنا
*******
تَفَجَّري أَيَّتُها الآبارُ
وامْنَحِينا ماءَ الحياةْ
قَبْلَ أنْ تَجِفّ العُيُونُ
وَيَيْبَسُ الأَمَلُ
****
لِكُلِّ بِئْرٍ حَبْلٌ تُنْضَحُ بهِ الحَيَاةْ
إلاّ آبارَنا غَارَتْ
وَصُرْنا نَنْضَحُ منها الْمَوَاتْ
***
آبارُنا
يَشْرَبُ آبارَنَا الغَُرباءْ
وِشَفاهُنا التي أيْبَِسَها النِّفاقُ
تَسْتَجْدِي منهُمُ الْمَاءْ
محبتي
لا تَغُوري أيَّتُها البئرُ
دَعِي ماءَكِ يغْسِلُ جِرَاحَنا
وَيَمْحُو خَطَايانا
لِيَعُودَ الإنْسَانُ إِنْسِانا
***
سَتَبْقَى آبارُنا غَائِرَةً
مادُمْنا نَحْفُر لِبَعْضِنا حفراً
ونوسّعُ الهوَّةَ بَيْنَنا
*******
تَفَجَّري أَيَّتُها الآبارُ
وامْنَحِينا ماءَ الحياةْ
قَبْلَ أنْ تَجِفّ العُيُونُ
وَيَيْبَسُ الأَمَلُ
****
لِكُلِّ بِئْرٍ حَبْلٌ تُنْضَحُ بهِ الحَيَاةْ
إلاّ آبارَنا غَارَتْ
وَصُرْنا نَنْضَحُ منها الْمَوَاتْ
***
آبارُنا
يَشْرَبُ آبارَنَا الغَُرباءْ
وِشَفاهُنا التي أيْبَِسَها النِّفاقُ
تَسْتَجْدِي منهُمُ الْمَاءْ
محبتي
عاشق /// للاستاذ مصطفى الحاج حسين /// سوريا
عاشق ...
شعر : صطفى الحاج حسين .
عارياً من دمهِ
يرتدي بكاءهُ
يتشظّى في الطّرقاتِ
لافظاً خطاهُ
يدمدمُ انتحاره
نافضاً حلمه على قارعاتِ الجّرحِ
لا ينهضُ من صمتهِ
خائر القلب
كلّما انكفأ على عشقٍ
أو .. موت جديد
عالقاً في نزفهِ
يعاركُ انحداره
لا ينتمي لحزنه
أو .. لوقتهِ
ناصعٌ في قهرهِ
يلتاع من رؤياه
ظلَّ عاماً تلو سنة
وقتاً تلو موت
يناهضُ نبضه الوحشيّ
ويقارعُ انتماءه
كأنَّ على دمهِ سحنةٍ من جنونٍ
فوق خطاه بعضاً من خواءٍ
في حدقتيهِ هالة من حنينٍ
يرتدُّ إلى الأمامِ
حينَ الوراء يسابقهُ
يصادف شارعاً يعبر المارة
ينهزمُ إلى حقولِ الخلاء
حيثُ الأشجارُ تقطفُ زارعيها
وهناكَ قمرٌ ينبحُ
أكداسٌ من الشّكوى
فيستبصرُ بالغموضِ
يأوي إلى ارتحالهِ
قالَ :
لا أدخل مدينة تفرّخ العهر
لا أطأ أرضاً فقدت سروالها
لا المطر يغسل القحل
ولا الحبّ يطهّر العشّاق
هنا ..
انفلقَ حلمهُ
عن اسمِ حبيبتهِ
وماتَ
وكانت حبيبتهُ تقشّرُ قصائدهُ
قطعة حلوى .
مصطفى الحاج حسين .
حلب
شعر : صطفى الحاج حسين .
عارياً من دمهِ
يرتدي بكاءهُ
يتشظّى في الطّرقاتِ
لافظاً خطاهُ
يدمدمُ انتحاره
نافضاً حلمه على قارعاتِ الجّرحِ
لا ينهضُ من صمتهِ
خائر القلب
كلّما انكفأ على عشقٍ
أو .. موت جديد
عالقاً في نزفهِ
يعاركُ انحداره
لا ينتمي لحزنه
أو .. لوقتهِ
ناصعٌ في قهرهِ
يلتاع من رؤياه
ظلَّ عاماً تلو سنة
وقتاً تلو موت
يناهضُ نبضه الوحشيّ
ويقارعُ انتماءه
كأنَّ على دمهِ سحنةٍ من جنونٍ
فوق خطاه بعضاً من خواءٍ
في حدقتيهِ هالة من حنينٍ
يرتدُّ إلى الأمامِ
حينَ الوراء يسابقهُ
يصادف شارعاً يعبر المارة
ينهزمُ إلى حقولِ الخلاء
حيثُ الأشجارُ تقطفُ زارعيها
وهناكَ قمرٌ ينبحُ
أكداسٌ من الشّكوى
فيستبصرُ بالغموضِ
يأوي إلى ارتحالهِ
قالَ :
لا أدخل مدينة تفرّخ العهر
لا أطأ أرضاً فقدت سروالها
لا المطر يغسل القحل
ولا الحبّ يطهّر العشّاق
هنا ..
انفلقَ حلمهُ
عن اسمِ حبيبتهِ
وماتَ
وكانت حبيبتهُ تقشّرُ قصائدهُ
قطعة حلوى .
مصطفى الحاج حسين .
حلب
بين عدوين : قراءة في قصيدة الشاعر خليفة عموري " يتكفيء المنفى على السراب // للاستاذ أوس غريب // العراق
بين عدوين قراءة في قصيدة الشاعر خليفة عموري "يتكيء المنفى على السراب "
اولا: القراءة :
"يفتتح الشاعر قصيدته بهذا المقطع:
يتكىء المنفى على السراب
فأمسك بيد الريح
و الخيمة تنشد رحيل ذكرياتي
فأصحو و الغبار في عيني"
لنبدأ بتأمل الفعل يتكيء وما فيه من معاني الاستناد والاعتماد والتمكن ولكن حين يكون المستند والمعتمد والمتكأ هو السراب فكأنما صار اللاشيء ، مالا حقيقة له ، الوهم ، الكذب
يريد ان يقول انت من دون بلادك في لاشيء ، في كذبة ، في وهم ، في عدم .
" أمسك بيد الريح " يريد ان يزيدك بصيرة بنفسك فيقول لك انت في غير مستقر فالريح كائن الانتقال والرحيل وهو انتقال ورحيل بنى الشاعر نصه بتمامه على رفضه ومجابهته كما سنرى.
" الخيمة تنشد رحيل ذكرياتي
فأصحو والغبار في عيني "
الذكريات هي الحوادث الحاضرة في البال والذكريات تتصل بالمكان السليب ، بالمكان المتروك ، المكان الذي هربت منه لتنجو ببدنك ، المكان الذي طردت منه وأكرهت على مغادرته ؛ كأنما يقول لنا الشاعر : الذكريات هي من يقيم بعد أن رحل الجسد ؛ هكذا يقسم الشاعر الفلسطيني إلى قسمين مرتحل الى المنفى وهو الجسد وقسم مقيم ومتعلق بالوطن وهو الذكريات . ولما كان العدو الصهيوني وراء ارتحال الجسد فإن الخيمة ، اللجوء من يريد ارتحال الذكريات كما يدل الفعل تنشد الذي يعني طلب وأراد بإلحاف وإلحاح ، كأنما يقول لنا إن العدو الذي يستهدفنا عدوان بدأ الأول بجسدنا تاركا مهمة تصفية ذكرياتنا للعدو الثاني الاول هو الصهيوني والثاني هو اللجوء ، الاول بدأ المهمة والثاني أتمها أو يعمل على إتمامها .
يريد الشاعر ان يقول إن حماية الذكريات والدفاع عنها مقدمة لاسترداد موطنها واستعادته ، أي دحر اللجوء الذي هو الاستبدال بالوطن سواه ؛ الذي هو تخلي عنه وتخاذل في شأنه مقدمة لدحر الصهيوني.
هنا نتساءل كيف سيحمي الشاعر قضيته التي هي ذاكرته وذكرياته ، يقول الشاعر :
"أعيد رسم خارطتي
و أعلن ان التراب أقرب من حلم
حملته البنادق
و بقيت مثل الأمس
أفتح فمي للهواء الأصفر
وللوقت المفرود وجعا
وحزنا...
و أشلاء ربما سقطت مني
وانا احاول الضحك على نفسي"
يعاود رسم خارطته ليحمي ذكرياته ، يريد أن يحفظ الهيئة التي عليها وطنه بحدودها وتضاريسها كيما يستعيد الأحداث التي جرت فيها
لذلك فإن العودة تبدأ بمكافحة النسيان ، بالتذكر والتأكيد عليه ، برفض اللجوء ، ولما كان الوطن لا يستعاد بغير القوة فإن القوة يجب ان تلحقه وتتبعه ولا تهدأ او تسكن حتى تحرزه وهذا معنى تقدم التراب على البنادق . يقول الشاعر :
"الكل باع
ووحدي من بقي كاسد الحلم
فمن يشتريني
من "
هنا نتساءل لماذا الكل باع وبقي الشاعر وحده لا رفيق له لا شريك ، حتى نفهم هذا المعنى علينا ان نعود الى المقطع السابق ، بل إلى المقطعين السابقين : مقطع الخيمة التي تنشد رحيل الذكريات وجعل عيني الشاعر المتمسكتين بالوطن تمتلئان بالغبار والصحراء وزوال كل شيء
ومقطع الذكريات التي عبر عنها بقوله :
"أفتح فمي للهواء الأصفر
وللوقت المفرود وجعا
وحزنا...
و أشلاء ربما سقطت مني
وانا احاول ان الضحك على نفسي"
الكل باع لأن الذكريات مؤلمة ، لأن الذكريات فظيعه ، لأنها ذكريات وجع وحزن وهم وغم وكدر وكرب وبلاء ، ولهذا ومن شدة وطأة هذه الذكريات ما عاد الشاعر يعرف الاعضاء التي تتسابط أعضاؤه هو ام أعضاء سواه .
هنا وبعبقرية الفن يضيف الشاعر عدوا جديدا لا بد من محاربته ودحره هو النفس الأمارة بالتخاذل والاستسلام والتي نجحت مع الجميع وكادت من شدة مكرها تنجح معه كما تظهر عبارة " الضحك على نفسي " كأنما التمسك بهذه الأهوال والإصرار عليها بعد ان تخفف الجميع منها ضرب من الضحك على النفس ، ولما كانت قضية الشاعر أعظم من ان يفرط بها او يتنازل عنها فقد هزم نفسه وتحدى اللجوء الذي يغريه بالوطن البديل الذي لا اعمدة له غير السراب فقال معلنا بصوت مدوي يرشح بمرارة الوحدة والعزلة والبعد كما يدل قوله: انا من هناك "
وقوله "من يشتريني من " إذن هو وحده بلا معين ورفيق يناشد ويستصرخ ويهيب فهل من مجيب .
وتأتي الخاتمة وهي نهاية القصيدة واكتمال العزيمة والقرار الذي لا رجعة عنه معلنة التمسك بما لا يجوز نسيانه لأنه الوقود الذي سيشعل نار العدل وإحقاق الحق وعودة الماء إلى مجاريه يقول :
انا ابن هناك ..ولي رغبة ان احيا
دونا عني
فلست اللاجىء
ولن أكون ...
وهنا وإن كانت القراءة قد اكتملت والرسالة بانت وتوضحت يحسن التأمل في قول الشاعر :
لي رغبة أنا احيا
دونا عني
لماذا قال دونا عني
فقرن بين لفظة دون ولفظة عن ، الدون هو التحت ، هو الذي انخفض مستواه فانحط وذل هو ضد الفوق ، هو الحقير
وعن هي حرف المجاوزة والبعدية والمجاوزة والبعدية اقترنت بياء المتكلم كأنما يعلن الشاعر إعلانا قاطعا عن انفصاله عن ذلك اللاجيء المتلبس به : " لست اللاجيء ولن اكون "
لأنه يريد الانفكاك من الذلة والحقارة والضعة والمهانة فهل يجديه استصراخه ومناشدته اتمنى ذلك
ثانيا : نص الدراسة :
يتكىء المنفى على السراب
فأمسك بيد الريح
و الخيمة تنشد رحيل ذكرياتي
فأصحو و الغبار في عيني
أعيد رسم خارطتي
و أعلن ان التراب أقرب من حلم
حملته البنادق
و بقيت مثل الأمس
أفتح فمي للهواء الأصفر
وللوقت المفرود وجعا
وحزنا...
و أشلاء ربما سقطت مني
وانا احاول الضحك على نفسي
فالكل باع
و وحدي من بقي كاسد الحلم
فمن يشتريني
من...
انا ابن هناك ..ولي رغبة ان احيا
دونا عني
فلست اللاجىء
ولن أكون ...
اولا: القراءة :
"يفتتح الشاعر قصيدته بهذا المقطع:
يتكىء المنفى على السراب
فأمسك بيد الريح
و الخيمة تنشد رحيل ذكرياتي
فأصحو و الغبار في عيني"
لنبدأ بتأمل الفعل يتكيء وما فيه من معاني الاستناد والاعتماد والتمكن ولكن حين يكون المستند والمعتمد والمتكأ هو السراب فكأنما صار اللاشيء ، مالا حقيقة له ، الوهم ، الكذب
يريد ان يقول انت من دون بلادك في لاشيء ، في كذبة ، في وهم ، في عدم .
" أمسك بيد الريح " يريد ان يزيدك بصيرة بنفسك فيقول لك انت في غير مستقر فالريح كائن الانتقال والرحيل وهو انتقال ورحيل بنى الشاعر نصه بتمامه على رفضه ومجابهته كما سنرى.
" الخيمة تنشد رحيل ذكرياتي
فأصحو والغبار في عيني "
الذكريات هي الحوادث الحاضرة في البال والذكريات تتصل بالمكان السليب ، بالمكان المتروك ، المكان الذي هربت منه لتنجو ببدنك ، المكان الذي طردت منه وأكرهت على مغادرته ؛ كأنما يقول لنا الشاعر : الذكريات هي من يقيم بعد أن رحل الجسد ؛ هكذا يقسم الشاعر الفلسطيني إلى قسمين مرتحل الى المنفى وهو الجسد وقسم مقيم ومتعلق بالوطن وهو الذكريات . ولما كان العدو الصهيوني وراء ارتحال الجسد فإن الخيمة ، اللجوء من يريد ارتحال الذكريات كما يدل الفعل تنشد الذي يعني طلب وأراد بإلحاف وإلحاح ، كأنما يقول لنا إن العدو الذي يستهدفنا عدوان بدأ الأول بجسدنا تاركا مهمة تصفية ذكرياتنا للعدو الثاني الاول هو الصهيوني والثاني هو اللجوء ، الاول بدأ المهمة والثاني أتمها أو يعمل على إتمامها .
يريد الشاعر ان يقول إن حماية الذكريات والدفاع عنها مقدمة لاسترداد موطنها واستعادته ، أي دحر اللجوء الذي هو الاستبدال بالوطن سواه ؛ الذي هو تخلي عنه وتخاذل في شأنه مقدمة لدحر الصهيوني.
هنا نتساءل كيف سيحمي الشاعر قضيته التي هي ذاكرته وذكرياته ، يقول الشاعر :
"أعيد رسم خارطتي
و أعلن ان التراب أقرب من حلم
حملته البنادق
و بقيت مثل الأمس
أفتح فمي للهواء الأصفر
وللوقت المفرود وجعا
وحزنا...
و أشلاء ربما سقطت مني
وانا احاول الضحك على نفسي"
يعاود رسم خارطته ليحمي ذكرياته ، يريد أن يحفظ الهيئة التي عليها وطنه بحدودها وتضاريسها كيما يستعيد الأحداث التي جرت فيها
لذلك فإن العودة تبدأ بمكافحة النسيان ، بالتذكر والتأكيد عليه ، برفض اللجوء ، ولما كان الوطن لا يستعاد بغير القوة فإن القوة يجب ان تلحقه وتتبعه ولا تهدأ او تسكن حتى تحرزه وهذا معنى تقدم التراب على البنادق . يقول الشاعر :
"الكل باع
ووحدي من بقي كاسد الحلم
فمن يشتريني
من "
هنا نتساءل لماذا الكل باع وبقي الشاعر وحده لا رفيق له لا شريك ، حتى نفهم هذا المعنى علينا ان نعود الى المقطع السابق ، بل إلى المقطعين السابقين : مقطع الخيمة التي تنشد رحيل الذكريات وجعل عيني الشاعر المتمسكتين بالوطن تمتلئان بالغبار والصحراء وزوال كل شيء
ومقطع الذكريات التي عبر عنها بقوله :
"أفتح فمي للهواء الأصفر
وللوقت المفرود وجعا
وحزنا...
و أشلاء ربما سقطت مني
وانا احاول ان الضحك على نفسي"
الكل باع لأن الذكريات مؤلمة ، لأن الذكريات فظيعه ، لأنها ذكريات وجع وحزن وهم وغم وكدر وكرب وبلاء ، ولهذا ومن شدة وطأة هذه الذكريات ما عاد الشاعر يعرف الاعضاء التي تتسابط أعضاؤه هو ام أعضاء سواه .
هنا وبعبقرية الفن يضيف الشاعر عدوا جديدا لا بد من محاربته ودحره هو النفس الأمارة بالتخاذل والاستسلام والتي نجحت مع الجميع وكادت من شدة مكرها تنجح معه كما تظهر عبارة " الضحك على نفسي " كأنما التمسك بهذه الأهوال والإصرار عليها بعد ان تخفف الجميع منها ضرب من الضحك على النفس ، ولما كانت قضية الشاعر أعظم من ان يفرط بها او يتنازل عنها فقد هزم نفسه وتحدى اللجوء الذي يغريه بالوطن البديل الذي لا اعمدة له غير السراب فقال معلنا بصوت مدوي يرشح بمرارة الوحدة والعزلة والبعد كما يدل قوله: انا من هناك "
وقوله "من يشتريني من " إذن هو وحده بلا معين ورفيق يناشد ويستصرخ ويهيب فهل من مجيب .
وتأتي الخاتمة وهي نهاية القصيدة واكتمال العزيمة والقرار الذي لا رجعة عنه معلنة التمسك بما لا يجوز نسيانه لأنه الوقود الذي سيشعل نار العدل وإحقاق الحق وعودة الماء إلى مجاريه يقول :
انا ابن هناك ..ولي رغبة ان احيا
دونا عني
فلست اللاجىء
ولن أكون ...
وهنا وإن كانت القراءة قد اكتملت والرسالة بانت وتوضحت يحسن التأمل في قول الشاعر :
لي رغبة أنا احيا
دونا عني
لماذا قال دونا عني
فقرن بين لفظة دون ولفظة عن ، الدون هو التحت ، هو الذي انخفض مستواه فانحط وذل هو ضد الفوق ، هو الحقير
وعن هي حرف المجاوزة والبعدية والمجاوزة والبعدية اقترنت بياء المتكلم كأنما يعلن الشاعر إعلانا قاطعا عن انفصاله عن ذلك اللاجيء المتلبس به : " لست اللاجيء ولن اكون "
لأنه يريد الانفكاك من الذلة والحقارة والضعة والمهانة فهل يجديه استصراخه ومناشدته اتمنى ذلك
ثانيا : نص الدراسة :
يتكىء المنفى على السراب
فأمسك بيد الريح
و الخيمة تنشد رحيل ذكرياتي
فأصحو و الغبار في عيني
أعيد رسم خارطتي
و أعلن ان التراب أقرب من حلم
حملته البنادق
و بقيت مثل الأمس
أفتح فمي للهواء الأصفر
وللوقت المفرود وجعا
وحزنا...
و أشلاء ربما سقطت مني
وانا احاول الضحك على نفسي
فالكل باع
و وحدي من بقي كاسد الحلم
فمن يشتريني
من...
انا ابن هناك ..ولي رغبة ان احيا
دونا عني
فلست اللاجىء
ولن أكون ...
قراءة نقدية تحليلية : بقلم الاستاذ صالح هشام // الرباط المغرب / مورفولوجيا حكاية ( هين ) من التراث الشعبي
قراءة نقدية تحليلية :بقلم صالح هشام / الرباط / المغرب ٠
مورفولوجيا حكاية [ هينة ] من التراث الشعبي المغربي ٠
النص ------------------------ -----------------------------------------------
كان يا ما كان ، في يوم من الأيام ،خرجت ثلاث بنات للغابة من أجل جلب الحطب . وكانت واحدة منهن رفقة أخيها . فوجدت بنتان ( مغزلات صغيرة ) أما الثالثة وكان اسمها هينة وكانت رفقة أخيها فوجدت هراوة حديدية كبيرة .
وعندما قفلن راجعات إلى منازلهن . بدأت الهراوة التي وجدت هينة وأخوها : تكبر .....تكبر .....تكبر ......وبقيت هينة وأخوها لوحدهما في الغابة .. فحاولا حمل تلك الهراوة الحديدية لكنهما لم يفلحا في ذلك .
فجأة تحولت الهراوة غولا مخيفا وضخما وغريبا عجيبا .. فطلب هذا الغول يد [هينة] للزواج ..فقبلت ووافق أخوها أيضا خوفا منه ، رغم أنها كانت مخطوبة لابن عمها الذي كان في مهمة سفر خارج البلاد ! وعرفت[ هينة ]خاطبها الغول بمنزلها . فتركها تذهب رفقة أخيها لبيتهما !
وعندما أظلم الليل تسلل الغول قرب بيتها وبدأ يصرخ وينادي هينة :
-آهينة ، آهينة ، أعطيني جرعة ماء !
ولكن هينة عرفت أنه جاء ليخطفها ، ويتزوجها فأجابته :
-يعطيك عمي الماء !
ورجع الغول من حيث أتى . وفي اليوم الثاني بعد غروب الشمس حضر ونادى هينة :
-آهينة أعطيني شعلة نار !
عرفت هينة أنه جاء ليخطفها ويتزجها فأجابته :
-آعمي الغول ...يعطيك جدي شعلة النار !
فغضب منها وصاح فيها حاقدا :
-الدمار لك ..الويل لجدك !
غضب الغول وقفل راجعا إلى قصره . ومرت الأيام والشهور . فعاد الغول إلى قرية هينة ذات ليل دامس .. فترصد بها حتى خرجت للعب مع صديقاتها تحت جنح الليل ..فخطفها وفر بها هاربا إلى قصره وكان :بعيدا ٠٠٠بعيدا٠٠٠ وكان هذا القصر لا يدخله أحد كيف ما كان نوعه . وكان يمتلك فيه :
سبعين فرسا وسبعين كلبا وسبعين خروفا..... ومرت الأيام (دازت أيام وجات أيام ) والغول يذهب إلى الصيد . ويترك هينة وحيدة في القصر . وكانت تقضي يومها في البكاء وذات يوم عاد خاطبها من سفره الطويل . فسأل عن [هينة] فأخبره أهلها بأنها ماتت !
وعرفوه بقبرها وليوهموه بموتها .أخذوا خشبة ووضعوا فوقها [مجدول حرير ] !
أصبح خاطب هينة كل يوم يزور ذلك القبر ، وهو يبكي ويقرأ ما تيسر من الذكر الحكيم : وفي يوم من الأيام مرت قربه امرأة عجوز وكان يبكي هينة بحرقة . فقالت له العجوز :
-يا ولدي لماذا تبكي ؟
أجابها :
- يا والدة إني أبكي مخطوبتي هينة التي ماتت وأنا في سفر !
عرفت العجوز بأن أهل هينة كذبوا عليه وأوهموه بموتها فقالت له :
-يا ولدي هينة لم تمت وإنما اختطفها الغول . وتعيش معه الآن في قصره البعيد !
وعندما علم خاطب هينة أنها لا زالت حية فرح فرحا كبيرا . فقرر السفر للبحث عنها،ركب حصانا وتزود بالأكل وبالشرب ، وخرج يجوب البراري والقفار والغابات والجبال بحثا عن مخطوبته المخطوفة [ هينة] مر بالقرب من إحدى الوديان فقال له :
- يا وادي مالك جف ماؤك ؟
أجابه الوادي :
-جف ما ئي وزاد لما شربت منه هينة !
عرف الفارس أن هينة مرت من قرب هذا الوادي. وتابع طريقه، فوصل لشعب (بكسر الشين) عميق فقال له :
-يا شعب مالك عميق ؟
فأجابه الشعب:
-عمقت وزاد عمقي لما مرت هينة قربي !
وتابع طريقه حتى وصل إلى نهر خرج ماؤه عن ضفافه ، فقال له الفارس :
-يا نهر مالك فاضت مياهك ؟
فأجابه النهر ' فاضت مياهي وزات لما مرت هينة من هنا !
علم الفارس بأنه قريب من قصر الغول ، فتابع طريقه : زيد ....زيد ....زيد ......زيد ...
وإذا بقصر الغول يظهر له فرأى أمام بابه ديكا عجيبا ، فكلمه الفارس وقال له :
- اذهب واخبر[هينة] أني قدمت أبحث عنها!
ذهب الديك عند هينة وأخبرها بقدوم خاطبها وفارسها ، لكن هينة لم تصدقه ، عاد الديك من حيث أتى، وأخبره بأن هينة لم تصدقه بقدومه..فقال له الفارس :
- عد إليها واخطف لها صوفا في أظافرك ، فإنها ستتبعك وعنداك ستراني !
وفعل الديك ما أمره به الفارس...فتبعته هينة وقتها رأت خاطبها فعانقته عناقا حارا وبكت وبكى . وأحسنت ضيافته في قصر الغول . وعندما اقترب موعد عودة الغول من الصيد أخفت ابن عمها تحت قصعة من نحاس وأوصته عندما تنام وينام الغول : أن يستل شعرها من تحته شعرة ،شعرة ،شعرة !
وعندما قدم الغول اشتم رائحة البشر،قال لها :
-قنصري ، بنصري !
لعرب داخل للدار !
هينة يا بنت الغدار !
ولكن هينة أنكرت وأقسمت له بأنه لم يدخل أحد عندها في قصره ، فصدقها الغول وعندما أراد أن ينام أفرشت له سالفا من سوالفها وغطته بسالف آخر ، احمرت عينا الغول ، فعرفت هينة بأنه نام واستغرق في نومه!
خرج الفارس من تحت القصعة النحاسية وسل شعرها من تحت الغول شعرة ، شعرة . فقامت هينة برش جميع جنبات القصر وأتاثه بالحناء ، ولكنها نسيت أن ترش المهراس ، فهربت هي وفارسها وكان يحمل معه حفنة من الإبر وحفنة من النبال وحفنة من الملح . وعندما هربا من القصر بدأ المهراس الذي لم يرش يصرخ :
-طن ....فطن ...طن ....فطن ...هينة مشات !
طن ....فطن ....طن ...فطن ...هينة مشات !
فاستيقظ الغول من نومه واقتفى أثر هينة وخاطبها فكان كلما اقترب منهما رماه الفارس بالإبر ، فتخترق جلده فينشغل عنهما ليزيل هذه الإبر الكبيرة ، وعندما ينتهي يتبعهما . فيرميه الفارس بالنبال . وينشغل بإزالتها من لحمه وعندما ينتهي يتبعهما .وفي الأخير رماه الفارس بحفنة الملح فأصيب بالعمى وفاض بينهما وبينه النهر . توقف الغول عن اللحاق بهما . فقال لهينة :
- سأوصيكما والوصية لا تقتل ولا تحيي . في طريقكما ستجدان طائرين يتشاجران ، لا تصلحا بينهما. وستجدان نهرا اذا شربتما منه فلا تتنفسا ، وسيلقاكما في الطريق طائر سيطلب منكما أن يحلق لكما شعركما ، فلا تتركاه يفعل .، وامنعاه !
قفل الغول راجعا إلى قصره !
أما هينة وخاطبها فأكملا طريقهما وفعلا وجدا طائرين يتعاركان فلم يتدخلا لحل نزاعهما . ووجدا واد وشربا منه ولم يتنفسا . ووجدا طائرا كبيرا تحايل على خاطب هينة ليحلق له شعره . فانخدع الفارس ونسي وصية الغول وترك هذا الطائر يحلق له شعره ، ولكن هذا الطائر ابتلع الفارس ومعه حصانه وطار في السماء بكته هينة وتابعت طريقها وحدها فوجدت جلد سلوقية ( فصيلة من الكلاب) فلبسته وأكملت رحلتها ، فوصلت إلى أحد الدواوير وبقيت تعيش مع الكلاب ، وعندما تغرب الشمس يأتي ذلك الطائر الذي ابتلع خاطبها ويبدأ في مناداتها :
- هينة ! يا هينة أش عشاك الليلة ؟
فتجيبه هينة :
-عشائي النخالة ( قشور القمح بعد الطحين ) وركادي (نومي ) بين لخوالف (ستائر الخيمة من الشعر ) يوسف ، يا الغدار !
وبقيت هينة كلما أقبل الليل تناجي ذلك الطائر.
وفي يوم من الأيام اكتشفت حقيقة أمرها ، فسألها أهل الدوار من تكون ؟
-واش أنت خلقة ( إنسان ) أو ( جن ) ؟؟
وأجابتهم عن أسئلتهم :
- أنا خلقة من خلائق الله !
وحكت لهم قصة خاطبها مع الطائر وأن هذا الطائر الذي يأتي كل ليلة ويحاورها هو الذي ابتلع خاطبها . فألبسها هؤلاء الناس أحسن ما تلبس بناتهم من ثياب وأكرموها وأحسنوا ضيافتها ، ووعدوها بتخليص خاطبها من هذا الطائر ،وفي تلك الليلة اتى الطائر كعادته وقال:
- هينة يا هينة أش عشاك الليلة ؟
فأجابته هينه:
- عشائي لفتات ( أكلة شعبية مغربية ) ورقادي (نومي ) بين البنات ، يوسف يا الغدار !
واتفق سكان الدوار وذبحوا ثورا أسود لا بقعة بيضاء فيه . فهيؤوا وليمة لجميع الطيور وقسموا ذلك الثور إلى سبع قسمات من اللحم واكثروا الملح في قسمة من تلك القسمات فنزلت الطيور من السماء وأكلت حتى شبعت وكان معها الطائر الكبير الذي ابتلع خاطب هينة ، فطار جميع الطيور ، إلا هو فإنه لم يستطع الطيران ، فقبض عليه سكان الدوار وشرعوا في ضربه ضربا مبرحا و يقولون له:
-حط يوسف كما أكلته !
فيجيبهم :
-أحطه بلا عود (فرس ) !
ويبالغون في ضربه :
- حط يوسف كما أكلته !
فتقيأ الطائر خاطب هينة بفرسه وسيفه ، فقتلوه وأقاموا احتفالا كبيرا لهينة وخاطبها وتزوجا وأنجبا البنين والبنات وعاشا في هناء وسعادة في تباث بين البنين والبنات !
وامشات حجايتي مع الواد ..الواد وأنا كليت فواد ( أكلته ..فواد أحشاء الخروف ) وأنت كليت ( أكلت) خبزة وبراد ( براد الشاي )
ملاحظة :-----------------------------------------------------------------------
قمت بنقل هذا النص من العامية المغربية ومن لغته الأصلية إلى العربية الفصحى لتسهيل فهمه !
----------------------------------------------------------------------------------
التحليل والقراءة / مورفولوجيا الحكاية :
** الاستهلال :
ثلاث فتيات يخرجن إلى الغابة لجلب الحطب ، و[ هينة ] هي البنت الثالثة وكانت رفقة أخيها.
وجدت الفتاتان ( مغزلات صغيرة ) ووجدت هينة وأخوها هراوة كبيرة .انشغلت هينة وأخوها بحملها فبقيا وحدهما في الغابة ، تحولت الهراوة غولا ضخما ،مخيفا ومرعبا ،فيطلب يد هينة للزواج فتوافق مكرهة على ذلك فيتم الاتفاق على الزواج مع أخيها الذي قبل لتلافي غضبه فيعودان إلى البيت !
* قبل بداية التحليل التركيبي للحكاية أشير إلى أن الوحدات الوظيفية ذات طابع ثنائي على مستوى البطولة في الحكاية ، فالبطولة مزدوجة، أي أن البطل هو ابن عم [هينة ] وهو خاطبها وهي مخطوبته ، كما سنرى في هذه القراءة ، كما أننا سنكون بصدد شخصيتين شريرتين كل شخصية سببت الأذى لبطل بعينه ، فهينة يختطفها الغول وخاطبها يختطفه ذلك الطائر ويبتلعه بحصانه وسيفه ،وإن اختلفت عملية الاختطاف بينهما :
* الوحدات الوظيفية :
وهي 31 وحدة كما حددها بروب في كتابه [ مورفولوجيا الحكاية الخرافية ] وهي في هذه الحكاية كما يلي :
1-*تغيب كل من البطلين :
هينة تتغيب عن البيت للاحتطاب من الغابة وخاطبها يتغيب عن الأهل في مهمة سفر .
6*الشخصية الشريرة :
الغول والطائر ، فأما الأول أي الغول . يحاول أن يخدع هينة في الوقت الذي يناديها وهي في منزلها ويطلب منها الماء والنار ، فتكتشف الخدعة فلا تستسلم له ، أما الثاني (الطائر ) فيحاول خداع الخاطب ( ابن عم هينة ) في الوقت الذي يطلب منه أن يحلق له شعره ، فينخدع البطل ويبتلعه هذا الشرير .
7*البطل يستسلم لخداع الشخصية الشريرة :
يستسلم خاطب هينة للطائر ليحلق له شعره فيبتلعه .
9*10 : البطل يعقد العزم على تخليص هينة من أسر الغول في قصر بعيد .
11*البطل يترك الأهل ويخرج للمغامرة من أجل تخليص [هينة ] وهذا الغياب سيختلف عن الغياب الأول ، لأنه سيكون لا إراديا و لا مقصودا بل سيكون اضطراريا .
12* الشخصية المانحة :
في هذه الحكاية لا تمنح البطل الأداة السحرية ( العجوز ) وإنما تعرفه بمكان[ هينة ] وترشده إلى طريق قصر الغول بطريقة ضمنية ، وهذه الشخصية تتجسد في الواد والشعب (بكسر الشين ) إذ يسألهما البطل أسئلة لا علاقة لها بهينة ويجيبانه بطريقة غير مباشرة إلى مكانها .
15* البطل ينتقل إلى العالم المجهول :
أي إلى مكان قصر الغول ، حيث توجد [ هينة ] أسيرة .
21*الشخصية الشريرة تقتفي أثر البطلين :
أي عندما يستفيق الغول على رنين المهراس الذي نسيت هينة أن ترشه بالحناء
22*البطل يهزم الشخصية الشريرة :
خاطب [هينة ] ينتصر على الغول بأدواته السحرية (الابر والنبال والملح )!
19*زوال خطر الشخصية الشريرة :
رجوع الغول إلى قصره . وقتل الطائر الذي ابتلع البطل، على يد سكان الدوار الذي لجأت إليه [هينة ] في صورة سلوقية.
2*تحذير يوجه للبطلين لاجتناب فعل محظور:
ويتجلى ذلك في وصية الغول لهما بأن يشربا من الوادي دون تنفس وأن لا يحسما في خصام وأن لا يستسلم البطل لخداع الطائر .
3* ارتكاب المحظور :
استسلام البطل لحلق شعره من طرف الطائر الذي سيبتلعه .
23*البطلان يصلان إلى بلد غريب عنهما :
إذ لا يتعرف عليهما أحد لأن [هينة ] دخلت إلى الدوار في جلد سلوقية أما خاطبها فكان يزوره كل مساء على شكل طائر !
29* البطل الحقيقي يظهر في وضع جديد :
فهينة تظهر في صورة كلبة والبطل في صورة طائر !
30 * الشخصية الشريرة تعاقب :
الغول يعاقبه البطل سيفقده بصره بالأدوات السحرية والطائر سيقتل على يد سكان الدوار !
31* الخاتمة السعيدة :
البطلان يتزوجان وينجبان البنين والبنات!
** من خلال هذا التحليل التركيبي للحكاية يتضح لنا بأنها استوفت تقريبا كل الوحدات الوظيفية التي اعتمدها بروب لتحليل الحكاية الخرافية وهي لم ترد كاملة في هذا النص الحكائي ، كما أنها لم تلتزم الترتيب حسب كيفية بناء أحداث الحكاية وهذا ما نص عليه بروب بالفعل وقد وردت على هذا الشكل:
الوحدات1~6~9~10~11~12~15~23~18~19~2~3~23~29~30~31]
إلا أننا نلاحظ أن بعض الوحدات وردت متلازمة (2~3/ التحذير وارتكاب المحظور ) و الوحدتين (18~19/انهزام الشخصية الشريرة وزوال خطرها ) والوحدتين (30~31/ عقاب الشخصية السريرة وزواج البطلين )
إلا أن المثير في هذه الوحدات الوظيفية هما الوحدتان (2~3)ذلك أن التحذير هنا لم يرد من شخصية أخرى وإنما ورد من الشخصية الشريرة نفسها التي تسببت للبطلة في الاذى والتي خاض البطل غمار حربها لتخليص مخطوبته [هينة ] فرغم عداء الغول لهينة وخاطبها يحذرهما من الحسم في خصام أو الشرب من الوادي والتنفس . كما يحذر البطل من الاستسلام لذلك الطائر المخادع ويأتي التحذير من الشخصية الشريرة بعد الهزيمة ، وهذا يبدو لي فعلا متناقضا وغير منطقي ابدا لأنه لا يعقل أن تتحول الشخصية الشريرة إلى شخصية مانحة أو مساعدة . وهذا ما يدعو إلى المزيد من طرح السؤال لأن هناك سرا ما يخفيه الأنسان الشعبي وراء هذا التناقض ، خصوصا وأن الوحدتين تردان في بداية الحكاية تقريبا ، وهذا ما لا نلاحظه في هذه الحكاية كما أنها تكون في أحيان أخرى حافزا منشئا لحركة الحكاية ، والدافع لخروج البطل مغامرا متحديا الأهوال!
كما أننا نلاحظ أن مرحلة الانفصال والانتقال إلى ذلك العالم المجهول حتى الوصول لتحقيق الهدف لم تتميز بذلك الصراع الحاد خصوصا بين الشخصية الشريرة والبطل (ثنائية الخير والشر ) إذ لم يعان البطل من صعوبات ، وهذا يدل على عدم ظهور شخصيات أخرى شريرة تعرقل مسيرة البطل وتؤدي إلى تأزم الأحداث .
ولكن البطل في هذه المرحلةحقق الهدف في العالم المجهول دون استعانة بأداة سحرية خارقة تمكنه من الوصول إليه وإنما بأدوات بسيطة وإن اعتبرناها سحرية . إلا أن المنحة في هذه الحكاية كانت منحة إرشاد إلى قصر الغول بطريقة غير مباشرة ، ويتجلى ذلك- كما سبق- في الحوار الذي دار بين البطل والوادي والشعب (بكسر العين) ففي الوقت الذي سأل عن سبب جفاف الوادي أجيب بأن [هينة] اغتسلت بمائه كما أن الشعب أجابه بأن هينة مرت منه . أما الوادي الثاني فقد أرشده إلى الطريق لأن هينة تجلب منه الماء لقصر الغول ، هذه المرحلة إذن لم تعرف الصراع الحاد الذي لن يخوضه البطل إلا بعد العودة إلى عالم الواقع !
ولن تعرف الحكاية نقطة تأزم إلا في هذه المرحلة، وذلك لأن الشخصية الشريرة التي ستسبب له الأذى لن تظهر إلا بعد تخلصه من الأولى .أي بعد انتصاره على الغول وتخليص [هينة ]من قبضته وإن سبق أن أشرنا إلى أن شخصية الغول تظهر بشكل متناقض ، يزرع فينا نوعا من الشك باعتباره شخصية شريرة ، لأنه بعد الهزيمة دعا إلى فعل الخير وأوصى البطلين باجتناب فعل يراه محظورا، وهذا بطبيعة الحال لم نألفه في حكايات خرافية إلا في هذه (حكاية هينة ) .
ونشير إلى أن العجوز التي نبهت البطل إلى خدعة أهل[ هينة ] لا يمكن اعتبارها من الشخصيات الرئيسة في الحكاية لأن دورها انحصر فقط في إنشاء حركة الخروج ، في الوقت الذي حفزت البطل بشعور وإحساس مفاجئ للخروج والمغامرة من أجل الحصول على ضالته . وتبعا لهذا يمكن اعتبار العجوز قوة محفزة ودافعة لأنها هي التي كونت الحركة الأولى ( حركة الخروج ) والتي ترتبت عن كشف البطل أكذوبة[ موت هينة ]ومعرفة وجودها في قصر الغول .
أما الأخ فإن ظهوره كان نتيجة لتبرير عملية الاختطاف من البيت لا من الغابة ، فعند موافقته الغول على الزواج من أخته وعرفه بالبيت لاجتناب خطره ، تركهما الغول وانصرف إلى حال سبيله ، كما كان ظهور الأخ أيضا من أجل تبرير الوحدة رقم (1) أي محاولة الغول خداع البطلة عندماكان يناديها ويطلب منها الماء والنار.
ونظرا لضرورة التركيز في الحكاية على بطل بعينه وعلى حدث بعينه ،تم هذا التركيز على الخاطب (ابن عم هينة ) والمخطوبة وبالتالي اختفت الشخصيات الأخرى التي لا تلعب دورالبطولة!
ونظرا لكون الزواج من العناصر المهمة في الحكاية ، كان من المنتظر أن تتخلص [هينة ] من معاناة الأكل مع الكلاب والنوم تحت ستائر الخيام وأكل (النخالة) وخلعها جلد السلوقية الذي كانت تستر نفسها به ،وهذا سيتم عندما تكتشف حقيقتها من خلال الحوار الذي كان يدور بينها وبين ابن عمها في بطن الطائر :
-(هينة يا هينة اش عشاك الليلة ) ؟
-( عشاي النخالة وركادي بين لخوالف يوسف يا الغدار ) وبالتالي خلاص الخاطب من بطن الطائر الذي ابتلعه فيعودان معا إلى صورتهما الآدمية ليعلن زواجهما وتنتهي الحكاية نهاية سعيدة كما هو الشأن لمعظم الحكايات الشعبية والخرافية !
أشرت منذ البداية في تحليلي التركيبي إلى أن الحكاية تتميز بثنائية البطل والإقرار بهذا راجع إلى كون البطلين ( الخاطب والمخطوبة ) يتسمان بالخصائص نفسها التي يتميز بها بطل الحكاية الخرافية ، فكل منهما قام بالفعل نفسه الذي قام به الآخر ، وإن كان الاختلاف فقط في مرحلة الخروج ، وفي نوع الأذى الذي لحقهما من الشخصيتين الشريرتين الطائر /الغول !
فالبطلان سيعانيان من المتاعب نفسها منذ خروجهما من قصر الغول وإن خاض البطل مرحلة الانفصال لوحده ، فإن مرحلة الاتصال كانت فيها المشاق مشتركة بين البطلين . فقد اقتفى الغول أثرهما معا وعانيا من الأذى معا وغيرا شكلهما معا ، أي أن هينة كانت على شكل كلبة وخاطبها كان على شكل طائر . ووصلا إلى بلد آخر لم يعرفا فيه ، فبعض الوحدات الوظيفية إن لم نقل جلها مشتركة بين البطلين، ولكن ماذا يمكن أن نقول عن نوعية هذه البطولة ؟؟
إن البطل في هذه الحكاية لا ينمو من داخل نفسه أي أنه لم يكن بصدد امتحان يختبر فيه نفسه فيتوقع منه النجاح أو الفشل وإنما ينمو من الخارج ، أي من خلال قوى مساعدة وإن كانت هذه المساعدة غير مباشرة ، وذلك لأن البطل لم يكتشف قصر الغول بنفسه وإنما اكتشفه من خلال قوى مساعدة أرشدته بشكل غير مباشر إلى مكانها وأخبر بالتدريج إلى الهدف !
وعندما يصل إلى قصر الغول فإنه لا يتدبر خطة هجومية لتخليص هينة من أسرها، وإنما يسلك في ذلك مسلك الحيلة التي ستمكنه من إخراجها من هذا القصر ، هذه الخطة التي ستساهم فيها قوة مساعدة أخرى وهي الديك ، الذي سيخبر هينة بمجيء ابن عمها وليتم اللقاء بينهما في غياب الغول ، إذ ستخفيه تحت قصعة من نحاس، وتوصيه بأن يستل شعرها من تحت الغول عندما ينام. وتخفي عنه وجود بشر في القصر وقد كان على وشك كشف الحقيقة عندما اشتم رائحة البطل في قصره .
هكذا نجد أن البطل لم يبق أمامه من المغامرة إلا احترام ما أوصته به[ هينة ] وهذا ما حدث بالفعل ،كما أنه لم ينتصر على الشخصية الشريرة بنوعيها( الطائر والغول ) بالقوة الجسدية وإنما بأدوات بسيطة لكنها اعتبرت سحرية .(النبال / الملح /الإبر ) ولم يتخلص من الشخصية الثانية إلا من خلال مساعدة تلقاها من سكان الدوار ، الذين هم بدورهم لجؤوا إلى التحايل ، لقتل هذا الطائر.
أما [هينة ] فإنها لم تتخلص من الغول إلا برش جميع جنبات وأمتعة القصر بالحناء ، من هنا يتضح لنا بأن البطل بالفعل نما من طرف قوى مساعدة مكنته من تحقيق الهدف ،ولهذا لم يكن من المنتظر فشله في مهمته وذلك لأن المتلقي ألف هذا النوع من بعث الأمل في نفسه حيث سيؤول مصير كل من البطل والبطلة إلى نهاية سعيدة وهي الزواج !
ولكن هل يمكن الاقتصار على هذا التحليل التركيبي الذي لا يتجاوز الجانب الشكلي في الحكاية ؟؟
في اعتقادي أن ذلك لا يمكن أبدا أن يفي بالغرض المتوخى للكشف عن الدلالات والرموز وتفسير مغزى الحكاية الذي يعج بتشابك خيطي من دلالات ورموز وشفرات مختلفة ، فالحكاية لو كانت تهدف إلى زواج هينة بخاطبها لما التزمت بكل هذا التعقيد ، ولهربت مع ابن عمها في الوقت الذي خرجت فيه من القصر للقائه في غياب الغول للصيد ، وهذا يجعلنا نصرف النظر عن التحليل التركيبي إلى تحليل رمزي أكثر عمقا نتوخى منه الكشف عن الدلالات التي تثوي وراء الألفاظ ، لأن الحكاية لا تتكلم بألفاظ بقدر ما تتكلم بصور ورموز ، يجب تفسيرها في أنساقها التي وردت فيها ولأن الرمز لا يكتسي أهميته إلا في موضعه من النسق العام !
فما حركة البطل وسط هذا التشابك الخيطي من الرموز إلا إخراج لعمليات نفسية جد معقدة تفعل فعلها داخل كل فرد وتدفعه إلى اجتياز العقبات الواحدة تلو الأخرى ، رغم ما يواجهه من مشاق ومتاعب ، ومن فشل، حتى يصل إلى التكامل الشخصي غير المتناقض مع الناس، وذلك لأن هذه الوحدات الوظيفية التي تتحكم في بناء هذه الحكاية بمثابة دلالات نفسية وإن كان الفارق بين بطل الحكاية والواقع النفسي للإنسان متباين كل التباين ، فالبطل في الحكاية يمثل الأنموذج الذي لا يمكن أن تبوء مغامراته بالفشل ، عكس واقع الإنسان الذي يفشل وينجح تبعا لظروفه الاجتماعية والحياتية بصفة عامة !
إن مغامرة البطل ،منذ سماعه خبر اختطاف مخطوبته [هينة] وخروجه واتصاله بالعالم المجهول ، حتى العودة والاستقرار بالزواج منها ، ليس سوى صور رمزية ونفسية لتلك التناقضات والصراع الداخلي الذي يعاني منه الإنسان الشعبي المقهور ،من أجل الوصول إلى تحقيق الذات أو تحقيق تكامل شخصيته ، فخروج البطل إذن خروج من النفس المظلمة وتخطي العقبات والحواجز و تجاوز تلك التناقضات العنيفة التي يمر منها الإنسان ،كما أن الوصول لتحقيق تخليص هينة من الأسر هو تحقيق الإنسان لاتحاده بقرينته ، وتخليصها من الأسر ، هو إخراجها من العالم المجهول ، وتخليصها من قبضة الغول يعني تسليمها للشعور ، الذي لا يبدأ عمله إلا نتيجة للتضارب والصراع الداخلي الذي يعاني منه الإنسان وتحقيق هذا الهدف ، أي تخليص[ هينة ] أو الاتحاد بالقرينة يتطلب من البطل أن يكافح كفاحا مريرا من أجل الحفاظ عليها ، وذلك لأنه وإن حصل على هينة وفكه أسرها لا يعني ذلك أنه حقق الانتصار النهائي ، لأن هذا النجاح سيسلمه لمتاعب أخرى وللحفاظ على[ هينة ]على البطل أن يستخدم ثلاثة عناصر من الأهمية بمكان وهي عنصر التفكير والإحساس والإرادة ، لكون عدم استخدام عنصر من هذه العناصر سيؤدي حتما إلى فقدانها (القرينة ) .
فالغول يحذر البطل من الشرب والتنفس في الوقت نفسه من الوادي ، كما يحذره من الحسم في صراع الطائرين ،ويحذره من الطائر الذي يريد أن يحلق له شعره ، وقد استخدم البطل العناصر كلها بالنسبة لشربه من الوادي مع عدم التنفس كما أنه استخدمها في عدم الحسم في الشجار بين الطائرين . إلا أنه في المرحلة الثالثة تناسى التفكير والإرادة واستخدم عنصر الآحساس فقط ، ولهذا كان إدراكه تحذير الغول إدراكا سطحيا لأنه وعاه بلفظه لا بمضمونه ، ولم يواجه الموقف الأخير إلا بعنصر واحد هو الرغبة والإحساس بالحاجة الماسة إلى قص شعره ،ولهذا فشل فابتلعه الطائر ، وفقد هينة للمرة الثانية ٠
وهكذا نجد أن تحقيق النجاح في تخليص هينة من قبضة الغول لا يعني تحقيق التصالح بين الشعور واللاشعور ، أو تحقيق (الأنا ) بقدر ما يعني بداية خوض معارك أخرى يحقق فيها نجاحا معينا ٠ وقد يتحقق هذا النجاح بقتل الطائر ونهاية المغامرة بالزواج من هينة ، إذ يعني هذا تحقيق التكامل في الشخصية أي أن البطل سيتحد بقرينته (هينة ) بالفعل وبالتالي يحقق أناه ، لأنه سيستقر نفسيا ، فتزول التناقضات والصراعات الداخلية ٠
ويمثل أناس الدوار من جهة الجزء الواعي في الإنسان الذي تمكن من إعادة الروح المحلقة في الفضاء ، إلى العالم الواقعي / الأرضي ، ومن جهة أخرى القوة الروحية التي بقيت ساهرة على هينة ( القرينة ) على شكل كلبة ترعاها إلى أن سلمتها لقوة روحية أخرى وهي البطل الذي سيتزوجها ، وليست[ هينة ] في هذه الحالة إلا ذلك الوعي الجديد في الإنسان الذي يستلزم السهر عليه حتى ينمو ويترعرع .
فكان البطل حريصا على زياراتها الليلية ، سائلا عن أحوالها :
--( هينة يا هينة اش عشاك الليلة )
فتجيبه :
--(عشاي النخالة وركادي بين لخوالف )
و ما هذا التقرب من البطلة إلا دلالة على تساؤلات البطل عن جانبه الروحي الذي انفصم عنه لوجود عائق يمنع الالتحام به، وهذا العائق يتمثل في الطائر ٠وسيتم هذا الالتحام عندما تعود هينة إلى طبيعتها الإنسانية ،إذ ستتغير إجابتها :
- ( عشاي لفتات وركادي بين لبنات يوسف يا الغدار )
وتزول تلك القوة المانعة من الالتحام بقتل الطائر وعودة الخاطب إلى طبيعته كذلك ، فهينة وخاطبها يمثل كل منهما بالنسبة للآخر تلك الدوافع التي تجعل الإنسان يحس بالأنا ٠
وقد يتبادر إلى أذهاننا تساؤل عن سبب ودافع توظيف التفكير الشعبي تلك الأشياء والأدوات التي تتسم بالطول (الهراوة /المغزلات/ النبال/الإبر ٠٠٠) فإذا ما سلمنا بأن الصور والرموز في الحكاية الخرافية والأسطورة تشبه تلك الصور و الرموز في الحلم ، فإن علم النفس الفرويدي يعتبر هذه الصور والرموز المتسمة بالطول في الحلم تعبر عن تلك الغرائز الجنسية المكبوتة ، كما أن تصوير الأبطال في الحكاية في أشكال حيوانية ( البطلة /سلوقية٠٠ البطل /طائر )دلالة على الجانب الغريزي والبهيمي في الإنسان والذي يقوده في كثير من الأحيان إلى متاهات اللاشعور المظلمة !
كل هذه الدلالات تتجسد في الحكاية ( زميلات هينة / مغيزلات ٠٠٠هينة / هراوة حديدية/ الخاطب / الابر والنبال والملح ) ،( هينة تتحول كلبة / خاطبها يتحول طائرا ) !
فماهي دلالة الأمكنة في الحكاية باعتبارها من العناصر المهمة في كل حكاية دون استثناء ؟
فالغابة ليست إلا ذلك الجانب المظلم والخفي في اللاشعور ، ففيه يواجه الإنسان الظلام الداخلي والذي لن يتغلب عليه إلا عندما يكف عن الشك في حقيقة أمره ، وما هذا العالم المجهول الذي يتحرك فيه البطل وكأنه عالمه الواقعي المألوف ،ليس إلا ذلك العالم الذي يريد أن يحقق فيه النجاح ويقضي على الشر، ويرقى إلى مراتب عليا ، وتبعا لرؤية التفكير الشعبي فالبطل يتحرك في هذا العالم بكل حرية وبدون قيود وإن اعترضته عوائق كثيرة سيتغلب عليها لا محالة ٠
إن النزعة الوصولية في الإنسان الشعبي تجعل البطل يرقى إلى مراتب الملوك ، إذ يتزوج ذلك البطل المستضعف الملكات ويعتلي عرش مملكاتها ، وهذه ميزة من ميزات الحكاية الخرافية ، إلا أن حكايتنا سلكت مسلك البطل العادي الذي لا يصارع الخوارق من أجل الزواج بأميرة . وإنما يصارع من أجل الزواج بمحبوبته العادية الفقيرة و المقهورة ، فالبطلان لا تفرق بينهما فوارق طبقية أو اجتماعية ، بل ينتميان للمستوى الاجتماعي نفسه ، وقد بررت الحكاية عدم وجود هذه الفوارق منذ بدايتها الاستهلالية ٠
أما زمن الحكاية فهو ثنائية ضدية تتجلى في الليل والنهار ، فالبطل يصل إلى قصر الغول نهارا ويزور( هينة ) ليلا ، فهذه الثنائية الضدية ترمز إلى نقيضين هما : الأمل والنجاح والفشل واليأس ، فالوصول نهارا دلالة على النجاح وبلوغ الهدف وقد تم ذلك فعلا بتخليص هينة من قبضة الغول ، وهذه دلالة مستوحاة من كون النهار هو الذي يشع فيه نور النفس وتخامرها المسرة، إذ تغمر الدنيا بالنور وتختفي الأرواح الشريرة ، وهذا عكس الليل الذي كانت تتم فيه زيارة البطل البطلة باستمرار ، إذ ترمز هذه الفترة الزمنية إلى اليأس وموت الأمل ، لأن البطل كان أسيرا في بطن الطائر ، والبطلة أسيرة في جلد كلبة لتخفي حقيقتها عن سكان الدوار وإن كان ذلك مؤقتا لأنهم سيكشفون حقيقتها ، فالليل هو الفترة التي تضطرب فيها النفس لأنه يترك فيها آثارا سلبية ومخيفة فهو مسرح للأرواح الشريرة ومتنفس لسكان العالم السفلي ٠ وتبعا لهذه الدلالات نلاحظ أن الإنسان الشعبي عبر عن الموقفين الذين مر بهما البطل بالليل والنهار ، فالانتصار وتحقيق الهدف تم نهارا ، والفشل واليأس كان يخامر نفسه ليلا !
والليل يدل على عدم الانطلاق الروحي للإنسان ، ويمكن إدراج هذا التصور لبعض المعتقدات الشعبية القديمة لخلق الليل على سبيل الاستئناس يقول كراب على لسان من يعتقدون ذلك ( :( إن الله عندما خلق النهار وهو شيء مفيد وجميل أراد الشيطان أن يقلده ولكنه لم يستطع إلا صنع الليل وهو شيء لا يضاهيه كما أنه ضار٠٠ )
ويمكن الإشارة هنا إلى زمنين آخرين لكل منهما خصائصه في الحكاية : الزمن الخيالي والزمن المرن ويتعلق الأول بتقليص المسافة ويتعلق الثاني بمرونة الأبطال في الحكاية !
فالفكر الشعبي يقلص المسافة بين المرحلتين :
مرحلة الانفصال وبلوغ الهدف ومرحلة العودة والدفء العائلي الذي يتم بالزواج لإعلان استمرارية الحياة ، ويتجلى الزمن الخيالي الذي يقلص المسافة بين العالم المحسوس والعالم المجهول ، في كون البطل بمجرد علمه بخبر اختطاف محبوبته خرج مغامرا :فمر بواد جاف وشعب عميق وواد فائض ، كل هذا تم بسرعة خيالية كأن قصر الغول كان بجانب منزله ، وهذا التقليص الزمني يعزى إلى إخباره بمكان قصر الغول من طرف الوادي والشعب واللذين كان يسألهما عن أشياء لا علاقة لها بالبطلة فيوحيان له بقرب المسافة بينه وبين القصر ! ويرجع كذلك تقليص المسافة إلى كون العالم الذي كان يتحرك فيه البطل كأنه مألوف لديه ، أو كأنه يتحرك فيه بدون قيود ،إذ يصل البطل إلى قصر الغول بسرعة خيالية ، وهذا الزمن من خصائص هذه الحكاية !
أما الزمن الثاني : الزمن المرن فيتجلى في عبارات يوظفها الراوي (دازت أيام وجات أيام)أو قوله (سير يا أيام جي يا أيام ) فرغم أن البطلة قضت زمنا طويلا في قصر الغول وقضى البطل زمنا في بكائها كما قطعا أزمانا أخرى في المغامرة فإنهما لم يتغيرا إذ ظلا شابين كما كانا في العالم الواقعي وتبعا لهذا نقول إنهما خارجان عن حدود الزمان لا تصيبهما الشيخوخة والهرم !
وليست دلالة الزواج الرمزية في الحكاية إلا تحقيقا لسعادة يحلم بها الإنسان الشعبي، ولتحقيق ذلك لابد من خوض المغامرة وتخليص البطلة من الشر ، فكان من الضروري أن يضع الإنسان الشعبي هذه العقبات أمام البطلين التي يجب عليهما تحديها وتجاوزها بنجاح تام ، وإن كان هذا النجاح يعزى بشكل أو بآخر إلى قوى مساعدة مكنتهمامنه ،وبما أن الزواج يرمز إلى الاستقلال الكامل والحقيقي ، فإنه يرمز كذلك إلى تكامل الشخصية أي تحقيق الذات أو( الأنا ) أو التصالح بين الشعور واللاشعور ،بين الوعي واللاوعي وتجاوز هذه العقبات والعراقيل هو في حد ذاته تجاوز لذلك الصراع الداخلي، الذي يعاني منه الإنسان الشعبي قبل تحقيق التكامل .
وما هذا الصراع الذي خاضه البطل والبطلة ليس في حقيقة الأمر إلا ذلك الصراع الداخلي الذي يعاني منه الفكر المبدع لهذه الحكاية !
غير أن هذه الحكاية زودتنا بالحل المناسب لفك لغز هذا الصراع الذي خاضه البطلان في شكل رموز وصور تبعث في النفس أملا يتم تحققه بخلاص البطلين معا من الأسر ونهاية المغامرة بالزواج ٠
ورغم أن الأحداث والصراعات التي يخوضها أبطال الحكاية تبدو بعيدة عن المنطق ،فإننا نريد ها كذلك لأنها تجري أحداثها في عالم خيالي بعيد كل البعد عن الواقع ، الذي يقيدنا بقيود المنطق والعقل في الوقت الذي تتكسر فيه هذه القيود في عالم الخيال ، وبالتالي يتحقق ما يطمح له هذا الإنسان ، خصوصا وأن الحكاية تعبر عن كل تطلعاته وأحلامه . أيضا لأن الحكاية تمارس نشاطها في اتجاهين متباينين كل التباين : فهي من جهة تفهم الكون وتتعامل معه على أنها ترفضه لأنه لا يتفق مع نظرتها الأخلاقية والاجتماعية ومع تصورها للكيفية التي يجب أن يكون عليها هذا الكون ، ومن جهة أخرى تقترح عالما يرضي كل ما يخامر هذا التفكير الساذج من تطلعات!
تصور الحكاية رؤية الإنسان الشعبي لفكرة صراع :الخير والشر والفضيلة والرذيلة . والأخلاق واللاأخلاق ،حيث ترمز إلى الرذيلة مثلا بتلك الشخصيات الشريرة التي تقف كحاجز أمام الأبطال وتحاول منعهم من تحقيق قيمة الفضيلة والخير باعتبارهما من القيم العليا ، هذه الشخصيات الشريرة التي تسبب الأذى لفرد من أفراد الأسرة الذي لن يكون إلا البطل ! إن انتصار الشر غالبا ما يكون مؤقتا لأنه سرعان ما ينتصر البطل الساعي إلى نصرة الخير والأخيار ، فينال الأشرار عقابهم على أيدي هؤلاء الأبطال الذين يثق فيهم الإنسان الشعبي وينيطهم بمسؤولية تحقيق أحلامه وتطلعاته، التي عجز عن الظفر بها في العالم الواقعي.
*** الحكاية تدين الظلم وتنفيه عن هذه الطبقات الضعيفة والمحكومة والتي لا ترقى إلى المراتب العليا،إلا في هذا الحلم الذي يحققه الأبطال ، ويتضح ذلك سواء في هذه الحكاية أو غيرها في كون البطل يولد مستضعفا مهمشا ومن طبقة لا حول لها ولا قوة ، ولكنه ترعاه قوة غيبية وتقوده إلى تحقيق المآرب ، التي لن تكون إلا مآرب الجماعة ، التي تحققها في شخص هذا البطل ، فيصل إلى مراتب الملوك ويتزوج الملكات ويعتلي عروشا ضائعة في تلافيف تفكير شعبي حالم !
بقلم الاستاذ : صالح هشام / المغرب
الأحد 26 فبراير~ 2017 ~ الرباط
مورفولوجيا حكاية [ هينة ] من التراث الشعبي المغربي ٠
النص ------------------------ -----------------------------------------------
كان يا ما كان ، في يوم من الأيام ،خرجت ثلاث بنات للغابة من أجل جلب الحطب . وكانت واحدة منهن رفقة أخيها . فوجدت بنتان ( مغزلات صغيرة ) أما الثالثة وكان اسمها هينة وكانت رفقة أخيها فوجدت هراوة حديدية كبيرة .
وعندما قفلن راجعات إلى منازلهن . بدأت الهراوة التي وجدت هينة وأخوها : تكبر .....تكبر .....تكبر ......وبقيت هينة وأخوها لوحدهما في الغابة .. فحاولا حمل تلك الهراوة الحديدية لكنهما لم يفلحا في ذلك .
فجأة تحولت الهراوة غولا مخيفا وضخما وغريبا عجيبا .. فطلب هذا الغول يد [هينة] للزواج ..فقبلت ووافق أخوها أيضا خوفا منه ، رغم أنها كانت مخطوبة لابن عمها الذي كان في مهمة سفر خارج البلاد ! وعرفت[ هينة ]خاطبها الغول بمنزلها . فتركها تذهب رفقة أخيها لبيتهما !
وعندما أظلم الليل تسلل الغول قرب بيتها وبدأ يصرخ وينادي هينة :
-آهينة ، آهينة ، أعطيني جرعة ماء !
ولكن هينة عرفت أنه جاء ليخطفها ، ويتزوجها فأجابته :
-يعطيك عمي الماء !
ورجع الغول من حيث أتى . وفي اليوم الثاني بعد غروب الشمس حضر ونادى هينة :
-آهينة أعطيني شعلة نار !
عرفت هينة أنه جاء ليخطفها ويتزجها فأجابته :
-آعمي الغول ...يعطيك جدي شعلة النار !
فغضب منها وصاح فيها حاقدا :
-الدمار لك ..الويل لجدك !
غضب الغول وقفل راجعا إلى قصره . ومرت الأيام والشهور . فعاد الغول إلى قرية هينة ذات ليل دامس .. فترصد بها حتى خرجت للعب مع صديقاتها تحت جنح الليل ..فخطفها وفر بها هاربا إلى قصره وكان :بعيدا ٠٠٠بعيدا٠٠٠ وكان هذا القصر لا يدخله أحد كيف ما كان نوعه . وكان يمتلك فيه :
سبعين فرسا وسبعين كلبا وسبعين خروفا..... ومرت الأيام (دازت أيام وجات أيام ) والغول يذهب إلى الصيد . ويترك هينة وحيدة في القصر . وكانت تقضي يومها في البكاء وذات يوم عاد خاطبها من سفره الطويل . فسأل عن [هينة] فأخبره أهلها بأنها ماتت !
وعرفوه بقبرها وليوهموه بموتها .أخذوا خشبة ووضعوا فوقها [مجدول حرير ] !
أصبح خاطب هينة كل يوم يزور ذلك القبر ، وهو يبكي ويقرأ ما تيسر من الذكر الحكيم : وفي يوم من الأيام مرت قربه امرأة عجوز وكان يبكي هينة بحرقة . فقالت له العجوز :
-يا ولدي لماذا تبكي ؟
أجابها :
- يا والدة إني أبكي مخطوبتي هينة التي ماتت وأنا في سفر !
عرفت العجوز بأن أهل هينة كذبوا عليه وأوهموه بموتها فقالت له :
-يا ولدي هينة لم تمت وإنما اختطفها الغول . وتعيش معه الآن في قصره البعيد !
وعندما علم خاطب هينة أنها لا زالت حية فرح فرحا كبيرا . فقرر السفر للبحث عنها،ركب حصانا وتزود بالأكل وبالشرب ، وخرج يجوب البراري والقفار والغابات والجبال بحثا عن مخطوبته المخطوفة [ هينة] مر بالقرب من إحدى الوديان فقال له :
- يا وادي مالك جف ماؤك ؟
أجابه الوادي :
-جف ما ئي وزاد لما شربت منه هينة !
عرف الفارس أن هينة مرت من قرب هذا الوادي. وتابع طريقه، فوصل لشعب (بكسر الشين) عميق فقال له :
-يا شعب مالك عميق ؟
فأجابه الشعب:
-عمقت وزاد عمقي لما مرت هينة قربي !
وتابع طريقه حتى وصل إلى نهر خرج ماؤه عن ضفافه ، فقال له الفارس :
-يا نهر مالك فاضت مياهك ؟
فأجابه النهر ' فاضت مياهي وزات لما مرت هينة من هنا !
علم الفارس بأنه قريب من قصر الغول ، فتابع طريقه : زيد ....زيد ....زيد ......زيد ...
وإذا بقصر الغول يظهر له فرأى أمام بابه ديكا عجيبا ، فكلمه الفارس وقال له :
- اذهب واخبر[هينة] أني قدمت أبحث عنها!
ذهب الديك عند هينة وأخبرها بقدوم خاطبها وفارسها ، لكن هينة لم تصدقه ، عاد الديك من حيث أتى، وأخبره بأن هينة لم تصدقه بقدومه..فقال له الفارس :
- عد إليها واخطف لها صوفا في أظافرك ، فإنها ستتبعك وعنداك ستراني !
وفعل الديك ما أمره به الفارس...فتبعته هينة وقتها رأت خاطبها فعانقته عناقا حارا وبكت وبكى . وأحسنت ضيافته في قصر الغول . وعندما اقترب موعد عودة الغول من الصيد أخفت ابن عمها تحت قصعة من نحاس وأوصته عندما تنام وينام الغول : أن يستل شعرها من تحته شعرة ،شعرة ،شعرة !
وعندما قدم الغول اشتم رائحة البشر،قال لها :
-قنصري ، بنصري !
لعرب داخل للدار !
هينة يا بنت الغدار !
ولكن هينة أنكرت وأقسمت له بأنه لم يدخل أحد عندها في قصره ، فصدقها الغول وعندما أراد أن ينام أفرشت له سالفا من سوالفها وغطته بسالف آخر ، احمرت عينا الغول ، فعرفت هينة بأنه نام واستغرق في نومه!
خرج الفارس من تحت القصعة النحاسية وسل شعرها من تحت الغول شعرة ، شعرة . فقامت هينة برش جميع جنبات القصر وأتاثه بالحناء ، ولكنها نسيت أن ترش المهراس ، فهربت هي وفارسها وكان يحمل معه حفنة من الإبر وحفنة من النبال وحفنة من الملح . وعندما هربا من القصر بدأ المهراس الذي لم يرش يصرخ :
-طن ....فطن ...طن ....فطن ...هينة مشات !
طن ....فطن ....طن ...فطن ...هينة مشات !
فاستيقظ الغول من نومه واقتفى أثر هينة وخاطبها فكان كلما اقترب منهما رماه الفارس بالإبر ، فتخترق جلده فينشغل عنهما ليزيل هذه الإبر الكبيرة ، وعندما ينتهي يتبعهما . فيرميه الفارس بالنبال . وينشغل بإزالتها من لحمه وعندما ينتهي يتبعهما .وفي الأخير رماه الفارس بحفنة الملح فأصيب بالعمى وفاض بينهما وبينه النهر . توقف الغول عن اللحاق بهما . فقال لهينة :
- سأوصيكما والوصية لا تقتل ولا تحيي . في طريقكما ستجدان طائرين يتشاجران ، لا تصلحا بينهما. وستجدان نهرا اذا شربتما منه فلا تتنفسا ، وسيلقاكما في الطريق طائر سيطلب منكما أن يحلق لكما شعركما ، فلا تتركاه يفعل .، وامنعاه !
قفل الغول راجعا إلى قصره !
أما هينة وخاطبها فأكملا طريقهما وفعلا وجدا طائرين يتعاركان فلم يتدخلا لحل نزاعهما . ووجدا واد وشربا منه ولم يتنفسا . ووجدا طائرا كبيرا تحايل على خاطب هينة ليحلق له شعره . فانخدع الفارس ونسي وصية الغول وترك هذا الطائر يحلق له شعره ، ولكن هذا الطائر ابتلع الفارس ومعه حصانه وطار في السماء بكته هينة وتابعت طريقها وحدها فوجدت جلد سلوقية ( فصيلة من الكلاب) فلبسته وأكملت رحلتها ، فوصلت إلى أحد الدواوير وبقيت تعيش مع الكلاب ، وعندما تغرب الشمس يأتي ذلك الطائر الذي ابتلع خاطبها ويبدأ في مناداتها :
- هينة ! يا هينة أش عشاك الليلة ؟
فتجيبه هينة :
-عشائي النخالة ( قشور القمح بعد الطحين ) وركادي (نومي ) بين لخوالف (ستائر الخيمة من الشعر ) يوسف ، يا الغدار !
وبقيت هينة كلما أقبل الليل تناجي ذلك الطائر.
وفي يوم من الأيام اكتشفت حقيقة أمرها ، فسألها أهل الدوار من تكون ؟
-واش أنت خلقة ( إنسان ) أو ( جن ) ؟؟
وأجابتهم عن أسئلتهم :
- أنا خلقة من خلائق الله !
وحكت لهم قصة خاطبها مع الطائر وأن هذا الطائر الذي يأتي كل ليلة ويحاورها هو الذي ابتلع خاطبها . فألبسها هؤلاء الناس أحسن ما تلبس بناتهم من ثياب وأكرموها وأحسنوا ضيافتها ، ووعدوها بتخليص خاطبها من هذا الطائر ،وفي تلك الليلة اتى الطائر كعادته وقال:
- هينة يا هينة أش عشاك الليلة ؟
فأجابته هينه:
- عشائي لفتات ( أكلة شعبية مغربية ) ورقادي (نومي ) بين البنات ، يوسف يا الغدار !
واتفق سكان الدوار وذبحوا ثورا أسود لا بقعة بيضاء فيه . فهيؤوا وليمة لجميع الطيور وقسموا ذلك الثور إلى سبع قسمات من اللحم واكثروا الملح في قسمة من تلك القسمات فنزلت الطيور من السماء وأكلت حتى شبعت وكان معها الطائر الكبير الذي ابتلع خاطب هينة ، فطار جميع الطيور ، إلا هو فإنه لم يستطع الطيران ، فقبض عليه سكان الدوار وشرعوا في ضربه ضربا مبرحا و يقولون له:
-حط يوسف كما أكلته !
فيجيبهم :
-أحطه بلا عود (فرس ) !
ويبالغون في ضربه :
- حط يوسف كما أكلته !
فتقيأ الطائر خاطب هينة بفرسه وسيفه ، فقتلوه وأقاموا احتفالا كبيرا لهينة وخاطبها وتزوجا وأنجبا البنين والبنات وعاشا في هناء وسعادة في تباث بين البنين والبنات !
وامشات حجايتي مع الواد ..الواد وأنا كليت فواد ( أكلته ..فواد أحشاء الخروف ) وأنت كليت ( أكلت) خبزة وبراد ( براد الشاي )
ملاحظة :-----------------------------------------------------------------------
قمت بنقل هذا النص من العامية المغربية ومن لغته الأصلية إلى العربية الفصحى لتسهيل فهمه !
----------------------------------------------------------------------------------
التحليل والقراءة / مورفولوجيا الحكاية :
** الاستهلال :
ثلاث فتيات يخرجن إلى الغابة لجلب الحطب ، و[ هينة ] هي البنت الثالثة وكانت رفقة أخيها.
وجدت الفتاتان ( مغزلات صغيرة ) ووجدت هينة وأخوها هراوة كبيرة .انشغلت هينة وأخوها بحملها فبقيا وحدهما في الغابة ، تحولت الهراوة غولا ضخما ،مخيفا ومرعبا ،فيطلب يد هينة للزواج فتوافق مكرهة على ذلك فيتم الاتفاق على الزواج مع أخيها الذي قبل لتلافي غضبه فيعودان إلى البيت !
* قبل بداية التحليل التركيبي للحكاية أشير إلى أن الوحدات الوظيفية ذات طابع ثنائي على مستوى البطولة في الحكاية ، فالبطولة مزدوجة، أي أن البطل هو ابن عم [هينة ] وهو خاطبها وهي مخطوبته ، كما سنرى في هذه القراءة ، كما أننا سنكون بصدد شخصيتين شريرتين كل شخصية سببت الأذى لبطل بعينه ، فهينة يختطفها الغول وخاطبها يختطفه ذلك الطائر ويبتلعه بحصانه وسيفه ،وإن اختلفت عملية الاختطاف بينهما :
* الوحدات الوظيفية :
وهي 31 وحدة كما حددها بروب في كتابه [ مورفولوجيا الحكاية الخرافية ] وهي في هذه الحكاية كما يلي :
1-*تغيب كل من البطلين :
هينة تتغيب عن البيت للاحتطاب من الغابة وخاطبها يتغيب عن الأهل في مهمة سفر .
6*الشخصية الشريرة :
الغول والطائر ، فأما الأول أي الغول . يحاول أن يخدع هينة في الوقت الذي يناديها وهي في منزلها ويطلب منها الماء والنار ، فتكتشف الخدعة فلا تستسلم له ، أما الثاني (الطائر ) فيحاول خداع الخاطب ( ابن عم هينة ) في الوقت الذي يطلب منه أن يحلق له شعره ، فينخدع البطل ويبتلعه هذا الشرير .
7*البطل يستسلم لخداع الشخصية الشريرة :
يستسلم خاطب هينة للطائر ليحلق له شعره فيبتلعه .
9*10 : البطل يعقد العزم على تخليص هينة من أسر الغول في قصر بعيد .
11*البطل يترك الأهل ويخرج للمغامرة من أجل تخليص [هينة ] وهذا الغياب سيختلف عن الغياب الأول ، لأنه سيكون لا إراديا و لا مقصودا بل سيكون اضطراريا .
12* الشخصية المانحة :
في هذه الحكاية لا تمنح البطل الأداة السحرية ( العجوز ) وإنما تعرفه بمكان[ هينة ] وترشده إلى طريق قصر الغول بطريقة ضمنية ، وهذه الشخصية تتجسد في الواد والشعب (بكسر الشين ) إذ يسألهما البطل أسئلة لا علاقة لها بهينة ويجيبانه بطريقة غير مباشرة إلى مكانها .
15* البطل ينتقل إلى العالم المجهول :
أي إلى مكان قصر الغول ، حيث توجد [ هينة ] أسيرة .
21*الشخصية الشريرة تقتفي أثر البطلين :
أي عندما يستفيق الغول على رنين المهراس الذي نسيت هينة أن ترشه بالحناء
22*البطل يهزم الشخصية الشريرة :
خاطب [هينة ] ينتصر على الغول بأدواته السحرية (الابر والنبال والملح )!
19*زوال خطر الشخصية الشريرة :
رجوع الغول إلى قصره . وقتل الطائر الذي ابتلع البطل، على يد سكان الدوار الذي لجأت إليه [هينة ] في صورة سلوقية.
2*تحذير يوجه للبطلين لاجتناب فعل محظور:
ويتجلى ذلك في وصية الغول لهما بأن يشربا من الوادي دون تنفس وأن لا يحسما في خصام وأن لا يستسلم البطل لخداع الطائر .
3* ارتكاب المحظور :
استسلام البطل لحلق شعره من طرف الطائر الذي سيبتلعه .
23*البطلان يصلان إلى بلد غريب عنهما :
إذ لا يتعرف عليهما أحد لأن [هينة ] دخلت إلى الدوار في جلد سلوقية أما خاطبها فكان يزوره كل مساء على شكل طائر !
29* البطل الحقيقي يظهر في وضع جديد :
فهينة تظهر في صورة كلبة والبطل في صورة طائر !
30 * الشخصية الشريرة تعاقب :
الغول يعاقبه البطل سيفقده بصره بالأدوات السحرية والطائر سيقتل على يد سكان الدوار !
31* الخاتمة السعيدة :
البطلان يتزوجان وينجبان البنين والبنات!
** من خلال هذا التحليل التركيبي للحكاية يتضح لنا بأنها استوفت تقريبا كل الوحدات الوظيفية التي اعتمدها بروب لتحليل الحكاية الخرافية وهي لم ترد كاملة في هذا النص الحكائي ، كما أنها لم تلتزم الترتيب حسب كيفية بناء أحداث الحكاية وهذا ما نص عليه بروب بالفعل وقد وردت على هذا الشكل:
الوحدات1~6~9~10~11~12~15~23~18~19~2~3~23~29~30~31]
إلا أننا نلاحظ أن بعض الوحدات وردت متلازمة (2~3/ التحذير وارتكاب المحظور ) و الوحدتين (18~19/انهزام الشخصية الشريرة وزوال خطرها ) والوحدتين (30~31/ عقاب الشخصية السريرة وزواج البطلين )
إلا أن المثير في هذه الوحدات الوظيفية هما الوحدتان (2~3)ذلك أن التحذير هنا لم يرد من شخصية أخرى وإنما ورد من الشخصية الشريرة نفسها التي تسببت للبطلة في الاذى والتي خاض البطل غمار حربها لتخليص مخطوبته [هينة ] فرغم عداء الغول لهينة وخاطبها يحذرهما من الحسم في خصام أو الشرب من الوادي والتنفس . كما يحذر البطل من الاستسلام لذلك الطائر المخادع ويأتي التحذير من الشخصية الشريرة بعد الهزيمة ، وهذا يبدو لي فعلا متناقضا وغير منطقي ابدا لأنه لا يعقل أن تتحول الشخصية الشريرة إلى شخصية مانحة أو مساعدة . وهذا ما يدعو إلى المزيد من طرح السؤال لأن هناك سرا ما يخفيه الأنسان الشعبي وراء هذا التناقض ، خصوصا وأن الوحدتين تردان في بداية الحكاية تقريبا ، وهذا ما لا نلاحظه في هذه الحكاية كما أنها تكون في أحيان أخرى حافزا منشئا لحركة الحكاية ، والدافع لخروج البطل مغامرا متحديا الأهوال!
كما أننا نلاحظ أن مرحلة الانفصال والانتقال إلى ذلك العالم المجهول حتى الوصول لتحقيق الهدف لم تتميز بذلك الصراع الحاد خصوصا بين الشخصية الشريرة والبطل (ثنائية الخير والشر ) إذ لم يعان البطل من صعوبات ، وهذا يدل على عدم ظهور شخصيات أخرى شريرة تعرقل مسيرة البطل وتؤدي إلى تأزم الأحداث .
ولكن البطل في هذه المرحلةحقق الهدف في العالم المجهول دون استعانة بأداة سحرية خارقة تمكنه من الوصول إليه وإنما بأدوات بسيطة وإن اعتبرناها سحرية . إلا أن المنحة في هذه الحكاية كانت منحة إرشاد إلى قصر الغول بطريقة غير مباشرة ، ويتجلى ذلك- كما سبق- في الحوار الذي دار بين البطل والوادي والشعب (بكسر العين) ففي الوقت الذي سأل عن سبب جفاف الوادي أجيب بأن [هينة] اغتسلت بمائه كما أن الشعب أجابه بأن هينة مرت منه . أما الوادي الثاني فقد أرشده إلى الطريق لأن هينة تجلب منه الماء لقصر الغول ، هذه المرحلة إذن لم تعرف الصراع الحاد الذي لن يخوضه البطل إلا بعد العودة إلى عالم الواقع !
ولن تعرف الحكاية نقطة تأزم إلا في هذه المرحلة، وذلك لأن الشخصية الشريرة التي ستسبب له الأذى لن تظهر إلا بعد تخلصه من الأولى .أي بعد انتصاره على الغول وتخليص [هينة ]من قبضته وإن سبق أن أشرنا إلى أن شخصية الغول تظهر بشكل متناقض ، يزرع فينا نوعا من الشك باعتباره شخصية شريرة ، لأنه بعد الهزيمة دعا إلى فعل الخير وأوصى البطلين باجتناب فعل يراه محظورا، وهذا بطبيعة الحال لم نألفه في حكايات خرافية إلا في هذه (حكاية هينة ) .
ونشير إلى أن العجوز التي نبهت البطل إلى خدعة أهل[ هينة ] لا يمكن اعتبارها من الشخصيات الرئيسة في الحكاية لأن دورها انحصر فقط في إنشاء حركة الخروج ، في الوقت الذي حفزت البطل بشعور وإحساس مفاجئ للخروج والمغامرة من أجل الحصول على ضالته . وتبعا لهذا يمكن اعتبار العجوز قوة محفزة ودافعة لأنها هي التي كونت الحركة الأولى ( حركة الخروج ) والتي ترتبت عن كشف البطل أكذوبة[ موت هينة ]ومعرفة وجودها في قصر الغول .
أما الأخ فإن ظهوره كان نتيجة لتبرير عملية الاختطاف من البيت لا من الغابة ، فعند موافقته الغول على الزواج من أخته وعرفه بالبيت لاجتناب خطره ، تركهما الغول وانصرف إلى حال سبيله ، كما كان ظهور الأخ أيضا من أجل تبرير الوحدة رقم (1) أي محاولة الغول خداع البطلة عندماكان يناديها ويطلب منها الماء والنار.
ونظرا لضرورة التركيز في الحكاية على بطل بعينه وعلى حدث بعينه ،تم هذا التركيز على الخاطب (ابن عم هينة ) والمخطوبة وبالتالي اختفت الشخصيات الأخرى التي لا تلعب دورالبطولة!
ونظرا لكون الزواج من العناصر المهمة في الحكاية ، كان من المنتظر أن تتخلص [هينة ] من معاناة الأكل مع الكلاب والنوم تحت ستائر الخيام وأكل (النخالة) وخلعها جلد السلوقية الذي كانت تستر نفسها به ،وهذا سيتم عندما تكتشف حقيقتها من خلال الحوار الذي كان يدور بينها وبين ابن عمها في بطن الطائر :
-(هينة يا هينة اش عشاك الليلة ) ؟
-( عشاي النخالة وركادي بين لخوالف يوسف يا الغدار ) وبالتالي خلاص الخاطب من بطن الطائر الذي ابتلعه فيعودان معا إلى صورتهما الآدمية ليعلن زواجهما وتنتهي الحكاية نهاية سعيدة كما هو الشأن لمعظم الحكايات الشعبية والخرافية !
أشرت منذ البداية في تحليلي التركيبي إلى أن الحكاية تتميز بثنائية البطل والإقرار بهذا راجع إلى كون البطلين ( الخاطب والمخطوبة ) يتسمان بالخصائص نفسها التي يتميز بها بطل الحكاية الخرافية ، فكل منهما قام بالفعل نفسه الذي قام به الآخر ، وإن كان الاختلاف فقط في مرحلة الخروج ، وفي نوع الأذى الذي لحقهما من الشخصيتين الشريرتين الطائر /الغول !
فالبطلان سيعانيان من المتاعب نفسها منذ خروجهما من قصر الغول وإن خاض البطل مرحلة الانفصال لوحده ، فإن مرحلة الاتصال كانت فيها المشاق مشتركة بين البطلين . فقد اقتفى الغول أثرهما معا وعانيا من الأذى معا وغيرا شكلهما معا ، أي أن هينة كانت على شكل كلبة وخاطبها كان على شكل طائر . ووصلا إلى بلد آخر لم يعرفا فيه ، فبعض الوحدات الوظيفية إن لم نقل جلها مشتركة بين البطلين، ولكن ماذا يمكن أن نقول عن نوعية هذه البطولة ؟؟
إن البطل في هذه الحكاية لا ينمو من داخل نفسه أي أنه لم يكن بصدد امتحان يختبر فيه نفسه فيتوقع منه النجاح أو الفشل وإنما ينمو من الخارج ، أي من خلال قوى مساعدة وإن كانت هذه المساعدة غير مباشرة ، وذلك لأن البطل لم يكتشف قصر الغول بنفسه وإنما اكتشفه من خلال قوى مساعدة أرشدته بشكل غير مباشر إلى مكانها وأخبر بالتدريج إلى الهدف !
وعندما يصل إلى قصر الغول فإنه لا يتدبر خطة هجومية لتخليص هينة من أسرها، وإنما يسلك في ذلك مسلك الحيلة التي ستمكنه من إخراجها من هذا القصر ، هذه الخطة التي ستساهم فيها قوة مساعدة أخرى وهي الديك ، الذي سيخبر هينة بمجيء ابن عمها وليتم اللقاء بينهما في غياب الغول ، إذ ستخفيه تحت قصعة من نحاس، وتوصيه بأن يستل شعرها من تحت الغول عندما ينام. وتخفي عنه وجود بشر في القصر وقد كان على وشك كشف الحقيقة عندما اشتم رائحة البطل في قصره .
هكذا نجد أن البطل لم يبق أمامه من المغامرة إلا احترام ما أوصته به[ هينة ] وهذا ما حدث بالفعل ،كما أنه لم ينتصر على الشخصية الشريرة بنوعيها( الطائر والغول ) بالقوة الجسدية وإنما بأدوات بسيطة لكنها اعتبرت سحرية .(النبال / الملح /الإبر ) ولم يتخلص من الشخصية الثانية إلا من خلال مساعدة تلقاها من سكان الدوار ، الذين هم بدورهم لجؤوا إلى التحايل ، لقتل هذا الطائر.
أما [هينة ] فإنها لم تتخلص من الغول إلا برش جميع جنبات وأمتعة القصر بالحناء ، من هنا يتضح لنا بأن البطل بالفعل نما من طرف قوى مساعدة مكنته من تحقيق الهدف ،ولهذا لم يكن من المنتظر فشله في مهمته وذلك لأن المتلقي ألف هذا النوع من بعث الأمل في نفسه حيث سيؤول مصير كل من البطل والبطلة إلى نهاية سعيدة وهي الزواج !
ولكن هل يمكن الاقتصار على هذا التحليل التركيبي الذي لا يتجاوز الجانب الشكلي في الحكاية ؟؟
في اعتقادي أن ذلك لا يمكن أبدا أن يفي بالغرض المتوخى للكشف عن الدلالات والرموز وتفسير مغزى الحكاية الذي يعج بتشابك خيطي من دلالات ورموز وشفرات مختلفة ، فالحكاية لو كانت تهدف إلى زواج هينة بخاطبها لما التزمت بكل هذا التعقيد ، ولهربت مع ابن عمها في الوقت الذي خرجت فيه من القصر للقائه في غياب الغول للصيد ، وهذا يجعلنا نصرف النظر عن التحليل التركيبي إلى تحليل رمزي أكثر عمقا نتوخى منه الكشف عن الدلالات التي تثوي وراء الألفاظ ، لأن الحكاية لا تتكلم بألفاظ بقدر ما تتكلم بصور ورموز ، يجب تفسيرها في أنساقها التي وردت فيها ولأن الرمز لا يكتسي أهميته إلا في موضعه من النسق العام !
فما حركة البطل وسط هذا التشابك الخيطي من الرموز إلا إخراج لعمليات نفسية جد معقدة تفعل فعلها داخل كل فرد وتدفعه إلى اجتياز العقبات الواحدة تلو الأخرى ، رغم ما يواجهه من مشاق ومتاعب ، ومن فشل، حتى يصل إلى التكامل الشخصي غير المتناقض مع الناس، وذلك لأن هذه الوحدات الوظيفية التي تتحكم في بناء هذه الحكاية بمثابة دلالات نفسية وإن كان الفارق بين بطل الحكاية والواقع النفسي للإنسان متباين كل التباين ، فالبطل في الحكاية يمثل الأنموذج الذي لا يمكن أن تبوء مغامراته بالفشل ، عكس واقع الإنسان الذي يفشل وينجح تبعا لظروفه الاجتماعية والحياتية بصفة عامة !
إن مغامرة البطل ،منذ سماعه خبر اختطاف مخطوبته [هينة] وخروجه واتصاله بالعالم المجهول ، حتى العودة والاستقرار بالزواج منها ، ليس سوى صور رمزية ونفسية لتلك التناقضات والصراع الداخلي الذي يعاني منه الإنسان الشعبي المقهور ،من أجل الوصول إلى تحقيق الذات أو تحقيق تكامل شخصيته ، فخروج البطل إذن خروج من النفس المظلمة وتخطي العقبات والحواجز و تجاوز تلك التناقضات العنيفة التي يمر منها الإنسان ،كما أن الوصول لتحقيق تخليص هينة من الأسر هو تحقيق الإنسان لاتحاده بقرينته ، وتخليصها من الأسر ، هو إخراجها من العالم المجهول ، وتخليصها من قبضة الغول يعني تسليمها للشعور ، الذي لا يبدأ عمله إلا نتيجة للتضارب والصراع الداخلي الذي يعاني منه الإنسان وتحقيق هذا الهدف ، أي تخليص[ هينة ] أو الاتحاد بالقرينة يتطلب من البطل أن يكافح كفاحا مريرا من أجل الحفاظ عليها ، وذلك لأنه وإن حصل على هينة وفكه أسرها لا يعني ذلك أنه حقق الانتصار النهائي ، لأن هذا النجاح سيسلمه لمتاعب أخرى وللحفاظ على[ هينة ]على البطل أن يستخدم ثلاثة عناصر من الأهمية بمكان وهي عنصر التفكير والإحساس والإرادة ، لكون عدم استخدام عنصر من هذه العناصر سيؤدي حتما إلى فقدانها (القرينة ) .
فالغول يحذر البطل من الشرب والتنفس في الوقت نفسه من الوادي ، كما يحذره من الحسم في صراع الطائرين ،ويحذره من الطائر الذي يريد أن يحلق له شعره ، وقد استخدم البطل العناصر كلها بالنسبة لشربه من الوادي مع عدم التنفس كما أنه استخدمها في عدم الحسم في الشجار بين الطائرين . إلا أنه في المرحلة الثالثة تناسى التفكير والإرادة واستخدم عنصر الآحساس فقط ، ولهذا كان إدراكه تحذير الغول إدراكا سطحيا لأنه وعاه بلفظه لا بمضمونه ، ولم يواجه الموقف الأخير إلا بعنصر واحد هو الرغبة والإحساس بالحاجة الماسة إلى قص شعره ،ولهذا فشل فابتلعه الطائر ، وفقد هينة للمرة الثانية ٠
وهكذا نجد أن تحقيق النجاح في تخليص هينة من قبضة الغول لا يعني تحقيق التصالح بين الشعور واللاشعور ، أو تحقيق (الأنا ) بقدر ما يعني بداية خوض معارك أخرى يحقق فيها نجاحا معينا ٠ وقد يتحقق هذا النجاح بقتل الطائر ونهاية المغامرة بالزواج من هينة ، إذ يعني هذا تحقيق التكامل في الشخصية أي أن البطل سيتحد بقرينته (هينة ) بالفعل وبالتالي يحقق أناه ، لأنه سيستقر نفسيا ، فتزول التناقضات والصراعات الداخلية ٠
ويمثل أناس الدوار من جهة الجزء الواعي في الإنسان الذي تمكن من إعادة الروح المحلقة في الفضاء ، إلى العالم الواقعي / الأرضي ، ومن جهة أخرى القوة الروحية التي بقيت ساهرة على هينة ( القرينة ) على شكل كلبة ترعاها إلى أن سلمتها لقوة روحية أخرى وهي البطل الذي سيتزوجها ، وليست[ هينة ] في هذه الحالة إلا ذلك الوعي الجديد في الإنسان الذي يستلزم السهر عليه حتى ينمو ويترعرع .
فكان البطل حريصا على زياراتها الليلية ، سائلا عن أحوالها :
--( هينة يا هينة اش عشاك الليلة )
فتجيبه :
--(عشاي النخالة وركادي بين لخوالف )
و ما هذا التقرب من البطلة إلا دلالة على تساؤلات البطل عن جانبه الروحي الذي انفصم عنه لوجود عائق يمنع الالتحام به، وهذا العائق يتمثل في الطائر ٠وسيتم هذا الالتحام عندما تعود هينة إلى طبيعتها الإنسانية ،إذ ستتغير إجابتها :
- ( عشاي لفتات وركادي بين لبنات يوسف يا الغدار )
وتزول تلك القوة المانعة من الالتحام بقتل الطائر وعودة الخاطب إلى طبيعته كذلك ، فهينة وخاطبها يمثل كل منهما بالنسبة للآخر تلك الدوافع التي تجعل الإنسان يحس بالأنا ٠
وقد يتبادر إلى أذهاننا تساؤل عن سبب ودافع توظيف التفكير الشعبي تلك الأشياء والأدوات التي تتسم بالطول (الهراوة /المغزلات/ النبال/الإبر ٠٠٠) فإذا ما سلمنا بأن الصور والرموز في الحكاية الخرافية والأسطورة تشبه تلك الصور و الرموز في الحلم ، فإن علم النفس الفرويدي يعتبر هذه الصور والرموز المتسمة بالطول في الحلم تعبر عن تلك الغرائز الجنسية المكبوتة ، كما أن تصوير الأبطال في الحكاية في أشكال حيوانية ( البطلة /سلوقية٠٠ البطل /طائر )دلالة على الجانب الغريزي والبهيمي في الإنسان والذي يقوده في كثير من الأحيان إلى متاهات اللاشعور المظلمة !
كل هذه الدلالات تتجسد في الحكاية ( زميلات هينة / مغيزلات ٠٠٠هينة / هراوة حديدية/ الخاطب / الابر والنبال والملح ) ،( هينة تتحول كلبة / خاطبها يتحول طائرا ) !
فماهي دلالة الأمكنة في الحكاية باعتبارها من العناصر المهمة في كل حكاية دون استثناء ؟
فالغابة ليست إلا ذلك الجانب المظلم والخفي في اللاشعور ، ففيه يواجه الإنسان الظلام الداخلي والذي لن يتغلب عليه إلا عندما يكف عن الشك في حقيقة أمره ، وما هذا العالم المجهول الذي يتحرك فيه البطل وكأنه عالمه الواقعي المألوف ،ليس إلا ذلك العالم الذي يريد أن يحقق فيه النجاح ويقضي على الشر، ويرقى إلى مراتب عليا ، وتبعا لرؤية التفكير الشعبي فالبطل يتحرك في هذا العالم بكل حرية وبدون قيود وإن اعترضته عوائق كثيرة سيتغلب عليها لا محالة ٠
إن النزعة الوصولية في الإنسان الشعبي تجعل البطل يرقى إلى مراتب الملوك ، إذ يتزوج ذلك البطل المستضعف الملكات ويعتلي عرش مملكاتها ، وهذه ميزة من ميزات الحكاية الخرافية ، إلا أن حكايتنا سلكت مسلك البطل العادي الذي لا يصارع الخوارق من أجل الزواج بأميرة . وإنما يصارع من أجل الزواج بمحبوبته العادية الفقيرة و المقهورة ، فالبطلان لا تفرق بينهما فوارق طبقية أو اجتماعية ، بل ينتميان للمستوى الاجتماعي نفسه ، وقد بررت الحكاية عدم وجود هذه الفوارق منذ بدايتها الاستهلالية ٠
أما زمن الحكاية فهو ثنائية ضدية تتجلى في الليل والنهار ، فالبطل يصل إلى قصر الغول نهارا ويزور( هينة ) ليلا ، فهذه الثنائية الضدية ترمز إلى نقيضين هما : الأمل والنجاح والفشل واليأس ، فالوصول نهارا دلالة على النجاح وبلوغ الهدف وقد تم ذلك فعلا بتخليص هينة من قبضة الغول ، وهذه دلالة مستوحاة من كون النهار هو الذي يشع فيه نور النفس وتخامرها المسرة، إذ تغمر الدنيا بالنور وتختفي الأرواح الشريرة ، وهذا عكس الليل الذي كانت تتم فيه زيارة البطل البطلة باستمرار ، إذ ترمز هذه الفترة الزمنية إلى اليأس وموت الأمل ، لأن البطل كان أسيرا في بطن الطائر ، والبطلة أسيرة في جلد كلبة لتخفي حقيقتها عن سكان الدوار وإن كان ذلك مؤقتا لأنهم سيكشفون حقيقتها ، فالليل هو الفترة التي تضطرب فيها النفس لأنه يترك فيها آثارا سلبية ومخيفة فهو مسرح للأرواح الشريرة ومتنفس لسكان العالم السفلي ٠ وتبعا لهذه الدلالات نلاحظ أن الإنسان الشعبي عبر عن الموقفين الذين مر بهما البطل بالليل والنهار ، فالانتصار وتحقيق الهدف تم نهارا ، والفشل واليأس كان يخامر نفسه ليلا !
والليل يدل على عدم الانطلاق الروحي للإنسان ، ويمكن إدراج هذا التصور لبعض المعتقدات الشعبية القديمة لخلق الليل على سبيل الاستئناس يقول كراب على لسان من يعتقدون ذلك ( :( إن الله عندما خلق النهار وهو شيء مفيد وجميل أراد الشيطان أن يقلده ولكنه لم يستطع إلا صنع الليل وهو شيء لا يضاهيه كما أنه ضار٠٠ )
ويمكن الإشارة هنا إلى زمنين آخرين لكل منهما خصائصه في الحكاية : الزمن الخيالي والزمن المرن ويتعلق الأول بتقليص المسافة ويتعلق الثاني بمرونة الأبطال في الحكاية !
فالفكر الشعبي يقلص المسافة بين المرحلتين :
مرحلة الانفصال وبلوغ الهدف ومرحلة العودة والدفء العائلي الذي يتم بالزواج لإعلان استمرارية الحياة ، ويتجلى الزمن الخيالي الذي يقلص المسافة بين العالم المحسوس والعالم المجهول ، في كون البطل بمجرد علمه بخبر اختطاف محبوبته خرج مغامرا :فمر بواد جاف وشعب عميق وواد فائض ، كل هذا تم بسرعة خيالية كأن قصر الغول كان بجانب منزله ، وهذا التقليص الزمني يعزى إلى إخباره بمكان قصر الغول من طرف الوادي والشعب واللذين كان يسألهما عن أشياء لا علاقة لها بالبطلة فيوحيان له بقرب المسافة بينه وبين القصر ! ويرجع كذلك تقليص المسافة إلى كون العالم الذي كان يتحرك فيه البطل كأنه مألوف لديه ، أو كأنه يتحرك فيه بدون قيود ،إذ يصل البطل إلى قصر الغول بسرعة خيالية ، وهذا الزمن من خصائص هذه الحكاية !
أما الزمن الثاني : الزمن المرن فيتجلى في عبارات يوظفها الراوي (دازت أيام وجات أيام)أو قوله (سير يا أيام جي يا أيام ) فرغم أن البطلة قضت زمنا طويلا في قصر الغول وقضى البطل زمنا في بكائها كما قطعا أزمانا أخرى في المغامرة فإنهما لم يتغيرا إذ ظلا شابين كما كانا في العالم الواقعي وتبعا لهذا نقول إنهما خارجان عن حدود الزمان لا تصيبهما الشيخوخة والهرم !
وليست دلالة الزواج الرمزية في الحكاية إلا تحقيقا لسعادة يحلم بها الإنسان الشعبي، ولتحقيق ذلك لابد من خوض المغامرة وتخليص البطلة من الشر ، فكان من الضروري أن يضع الإنسان الشعبي هذه العقبات أمام البطلين التي يجب عليهما تحديها وتجاوزها بنجاح تام ، وإن كان هذا النجاح يعزى بشكل أو بآخر إلى قوى مساعدة مكنتهمامنه ،وبما أن الزواج يرمز إلى الاستقلال الكامل والحقيقي ، فإنه يرمز كذلك إلى تكامل الشخصية أي تحقيق الذات أو( الأنا ) أو التصالح بين الشعور واللاشعور ،بين الوعي واللاوعي وتجاوز هذه العقبات والعراقيل هو في حد ذاته تجاوز لذلك الصراع الداخلي، الذي يعاني منه الإنسان الشعبي قبل تحقيق التكامل .
وما هذا الصراع الذي خاضه البطل والبطلة ليس في حقيقة الأمر إلا ذلك الصراع الداخلي الذي يعاني منه الفكر المبدع لهذه الحكاية !
غير أن هذه الحكاية زودتنا بالحل المناسب لفك لغز هذا الصراع الذي خاضه البطلان في شكل رموز وصور تبعث في النفس أملا يتم تحققه بخلاص البطلين معا من الأسر ونهاية المغامرة بالزواج ٠
ورغم أن الأحداث والصراعات التي يخوضها أبطال الحكاية تبدو بعيدة عن المنطق ،فإننا نريد ها كذلك لأنها تجري أحداثها في عالم خيالي بعيد كل البعد عن الواقع ، الذي يقيدنا بقيود المنطق والعقل في الوقت الذي تتكسر فيه هذه القيود في عالم الخيال ، وبالتالي يتحقق ما يطمح له هذا الإنسان ، خصوصا وأن الحكاية تعبر عن كل تطلعاته وأحلامه . أيضا لأن الحكاية تمارس نشاطها في اتجاهين متباينين كل التباين : فهي من جهة تفهم الكون وتتعامل معه على أنها ترفضه لأنه لا يتفق مع نظرتها الأخلاقية والاجتماعية ومع تصورها للكيفية التي يجب أن يكون عليها هذا الكون ، ومن جهة أخرى تقترح عالما يرضي كل ما يخامر هذا التفكير الساذج من تطلعات!
تصور الحكاية رؤية الإنسان الشعبي لفكرة صراع :الخير والشر والفضيلة والرذيلة . والأخلاق واللاأخلاق ،حيث ترمز إلى الرذيلة مثلا بتلك الشخصيات الشريرة التي تقف كحاجز أمام الأبطال وتحاول منعهم من تحقيق قيمة الفضيلة والخير باعتبارهما من القيم العليا ، هذه الشخصيات الشريرة التي تسبب الأذى لفرد من أفراد الأسرة الذي لن يكون إلا البطل ! إن انتصار الشر غالبا ما يكون مؤقتا لأنه سرعان ما ينتصر البطل الساعي إلى نصرة الخير والأخيار ، فينال الأشرار عقابهم على أيدي هؤلاء الأبطال الذين يثق فيهم الإنسان الشعبي وينيطهم بمسؤولية تحقيق أحلامه وتطلعاته، التي عجز عن الظفر بها في العالم الواقعي.
*** الحكاية تدين الظلم وتنفيه عن هذه الطبقات الضعيفة والمحكومة والتي لا ترقى إلى المراتب العليا،إلا في هذا الحلم الذي يحققه الأبطال ، ويتضح ذلك سواء في هذه الحكاية أو غيرها في كون البطل يولد مستضعفا مهمشا ومن طبقة لا حول لها ولا قوة ، ولكنه ترعاه قوة غيبية وتقوده إلى تحقيق المآرب ، التي لن تكون إلا مآرب الجماعة ، التي تحققها في شخص هذا البطل ، فيصل إلى مراتب الملوك ويتزوج الملكات ويعتلي عروشا ضائعة في تلافيف تفكير شعبي حالم !
بقلم الاستاذ : صالح هشام / المغرب
الأحد 26 فبراير~ 2017 ~ الرباط
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)