الاثنين، 27 فبراير 2017

بين عدوين : قراءة في قصيدة الشاعر خليفة عموري " يتكفيء المنفى على السراب // للاستاذ أوس غريب // العراق

بين عدوين قراءة في قصيدة الشاعر خليفة عموري "يتكيء المنفى على السراب "
اولا: القراءة :
"يفتتح الشاعر قصيدته بهذا المقطع:
يتكىء المنفى على السراب
فأمسك بيد الريح 
و الخيمة تنشد رحيل ذكرياتي
فأصحو و الغبار في عيني"
لنبدأ بتأمل الفعل يتكيء وما فيه من معاني الاستناد والاعتماد والتمكن ولكن حين يكون المستند والمعتمد والمتكأ هو السراب فكأنما صار اللاشيء ، مالا حقيقة له ، الوهم ، الكذب 
يريد ان يقول انت من دون بلادك في لاشيء ، في كذبة ، في وهم ، في عدم .
" أمسك بيد الريح " يريد ان يزيدك بصيرة بنفسك فيقول لك انت في غير مستقر فالريح كائن الانتقال والرحيل وهو انتقال ورحيل بنى الشاعر نصه بتمامه على رفضه ومجابهته كما سنرى.
" الخيمة تنشد رحيل ذكرياتي 
فأصحو والغبار في عيني " 
الذكريات هي الحوادث الحاضرة في البال والذكريات تتصل بالمكان السليب ، بالمكان المتروك ، المكان الذي هربت منه لتنجو ببدنك ، المكان الذي طردت منه وأكرهت على مغادرته ؛ كأنما يقول لنا الشاعر : الذكريات هي من يقيم بعد أن رحل الجسد ؛ هكذا يقسم الشاعر الفلسطيني إلى قسمين مرتحل الى المنفى وهو الجسد وقسم مقيم ومتعلق بالوطن وهو الذكريات . ولما كان العدو الصهيوني وراء ارتحال الجسد فإن الخيمة ، اللجوء من يريد ارتحال الذكريات كما يدل الفعل تنشد الذي يعني طلب وأراد بإلحاف وإلحاح ، كأنما يقول لنا إن العدو الذي يستهدفنا عدوان بدأ الأول بجسدنا تاركا مهمة تصفية ذكرياتنا للعدو الثاني الاول هو الصهيوني والثاني هو اللجوء ، الاول بدأ المهمة والثاني أتمها أو يعمل على إتمامها .
يريد الشاعر ان يقول إن حماية الذكريات والدفاع عنها مقدمة لاسترداد موطنها واستعادته ، أي دحر اللجوء الذي هو الاستبدال بالوطن سواه ؛ الذي هو تخلي عنه وتخاذل في شأنه مقدمة لدحر الصهيوني.
هنا نتساءل كيف سيحمي الشاعر قضيته التي هي ذاكرته وذكرياته ، يقول الشاعر : 
"أعيد رسم خارطتي
و أعلن ان التراب أقرب من حلم
حملته البنادق
و بقيت مثل الأمس
أفتح فمي للهواء الأصفر 
وللوقت المفرود وجعا
وحزنا...
و أشلاء ربما سقطت مني
وانا احاول الضحك على نفسي"
يعاود رسم خارطته ليحمي ذكرياته ، يريد أن يحفظ الهيئة التي عليها وطنه بحدودها وتضاريسها كيما يستعيد الأحداث التي جرت فيها 
لذلك فإن العودة تبدأ بمكافحة النسيان ، بالتذكر والتأكيد عليه ، برفض اللجوء ، ولما كان الوطن لا يستعاد بغير القوة فإن القوة يجب ان تلحقه وتتبعه ولا تهدأ او تسكن حتى تحرزه وهذا معنى تقدم التراب على البنادق . يقول الشاعر :
"الكل باع 
ووحدي من بقي كاسد الحلم 
فمن يشتريني 
من "
هنا نتساءل لماذا الكل باع وبقي الشاعر وحده لا رفيق له لا شريك ، حتى نفهم هذا المعنى علينا ان نعود الى المقطع السابق ، بل إلى المقطعين السابقين : مقطع الخيمة التي تنشد رحيل الذكريات وجعل عيني الشاعر المتمسكتين بالوطن تمتلئان بالغبار والصحراء وزوال كل شيء
ومقطع الذكريات التي عبر عنها بقوله :
"أفتح فمي للهواء الأصفر 
وللوقت المفرود وجعا
وحزنا...
و أشلاء ربما سقطت مني
وانا احاول ان الضحك على نفسي"
الكل باع لأن الذكريات مؤلمة ، لأن الذكريات فظيعه ، لأنها ذكريات وجع وحزن وهم وغم وكدر وكرب وبلاء ، ولهذا ومن شدة وطأة هذه الذكريات ما عاد الشاعر يعرف الاعضاء التي تتسابط أعضاؤه هو ام أعضاء سواه .
هنا وبعبقرية الفن يضيف الشاعر عدوا جديدا لا بد من محاربته ودحره هو النفس الأمارة بالتخاذل والاستسلام والتي نجحت مع الجميع وكادت من شدة مكرها تنجح معه كما تظهر عبارة " الضحك على نفسي " كأنما التمسك بهذه الأهوال والإصرار عليها بعد ان تخفف الجميع منها ضرب من الضحك على النفس ، ولما كانت قضية الشاعر أعظم من ان يفرط بها او يتنازل عنها فقد هزم نفسه وتحدى اللجوء الذي يغريه بالوطن البديل الذي لا اعمدة له غير السراب فقال معلنا بصوت مدوي يرشح بمرارة الوحدة والعزلة والبعد كما يدل قوله: انا من هناك " 
وقوله "من يشتريني من " إذن هو وحده بلا معين ورفيق يناشد ويستصرخ ويهيب فهل من مجيب .
وتأتي الخاتمة وهي نهاية القصيدة واكتمال العزيمة والقرار الذي لا رجعة عنه معلنة التمسك بما لا يجوز نسيانه لأنه الوقود الذي سيشعل نار العدل وإحقاق الحق وعودة الماء إلى مجاريه يقول :
انا ابن هناك ..ولي رغبة ان احيا
دونا عني
فلست اللاجىء 
ولن أكون ...
وهنا وإن كانت القراءة قد اكتملت والرسالة بانت وتوضحت يحسن التأمل في قول الشاعر :
لي رغبة أنا احيا 
دونا عني 
لماذا قال دونا عني 
فقرن بين لفظة دون ولفظة عن ، الدون هو التحت ، هو الذي انخفض مستواه فانحط وذل هو ضد الفوق ، هو الحقير 
وعن هي حرف المجاوزة والبعدية والمجاوزة والبعدية اقترنت بياء المتكلم كأنما يعلن الشاعر إعلانا قاطعا عن انفصاله عن ذلك اللاجيء المتلبس به : " لست اللاجيء ولن اكون " 
لأنه يريد الانفكاك من الذلة والحقارة والضعة والمهانة فهل يجديه استصراخه ومناشدته اتمنى ذلك
ثانيا : نص الدراسة :
يتكىء المنفى على السراب
فأمسك بيد الريح 
و الخيمة تنشد رحيل ذكرياتي
فأصحو و الغبار في عيني
أعيد رسم خارطتي
و أعلن ان التراب أقرب من حلم
حملته البنادق
و بقيت مثل الأمس
أفتح فمي للهواء الأصفر 
وللوقت المفرود وجعا
وحزنا...
و أشلاء ربما سقطت مني
وانا احاول الضحك على نفسي
فالكل باع
و وحدي من بقي كاسد الحلم
فمن يشتريني
من...
انا ابن هناك ..ولي رغبة ان احيا
دونا عني
فلست اللاجىء 
ولن أكون ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق