الخميس، 23 فبراير 2017

ثلاثة احلام متداخلة مع الواقع /// ق . قصيرة // للاستاذ هادي المياح /// العراق

ثلاثة احلام متداخلة مع الواقع
(١)
كيس التفاح ما زال يحتفظ بسيماء البهجة على وجهه ، وبصدى حركات غريبة في داخله . وحتى بعد ان استقر فوق الطاولة . لم يتأثر بتيار الهواء الرطب الذي اقتحم عليه النافذة . ولكن الهجمات قد تكاثرت عليه بعد ان صار في داخل جوف الثلاجة .. 
كنت قد خطوت باتجاه تلك الثلاجة، في ركن من أركان المطبخ. وبدافع غير واضح ، في بداية الامر.. فتحت بابها، واخرجت واحدة من الثمار المكتنزة . حمراء، لها هيئة وشكل إمرأة متزوجة حديثاً. اخذتها خارج البيت، تحت الشرفة واختليت بها. ورحت أتحسس سطحها الأملس بيدي. واداعبها مثل قط ، ثم قضمتها بشهية لم اعتد عليها من قبل. وتوالت عليها القضمات بعد ذلك ، حتى اتيتُ على نصفها تقريبًا.
كنت أعد القضمات الواحدة بعد الاخرى، ولكني توقفت ، عندما شعرت ببقايا قشرة عالقة بفمي، ونظرت متمعنًا ، فقد هالني ما رأيت..وتقززتُ، لقد ظهر جزءاً رخواً من الجدار البطني ليرقة دودة بداخلها. ولم أتمالك نفسي، قذفتها فورًا إلى الأرض. فيما ظلت نظراتي تلاحقها. فرأيتُ رأسها يتحرك في محاولة للخروج، وهي تتقلص وتنبسط، دافعة بنفسها إلى الخارج.
ثم امتد الرأس الى اقصاه وسحب معه ما تبقى من جسمها الرخو، الى الأعلى، وإذ توقف مشيراً نحوي كبوصلة، خطر لي حينذاك بانه لابد يخاطبني، ويدعوني الى أمر ما.
ولم احتمل المنظر، فعصفت بي نوبة من القيء وسارعت فوراً بإخراج ما بفمي، وبصقته على الأرض. ورأيت ان كل الذي بصقته كان بقايا من ذيل يرقة ..!
(٢)
بلمح البرقِ، وجدتُ نفسي في شاحنة كبيرة ، أشبه بباصٍ نقل الركاب، ذات ألوان لمّاعة ومغرية، تمنيتُ حينها الّا تسير في شوارعنا غير هكذا شاحنات. لكنّ ما أدهشني، أنّ المقاعد كانت فارغة، ويُسمع لها - رغم ذلك - أصوات وضجيج. فتذكرت كيس التفاح . ولكنني شممت رائحة لم ترق لي هذه المرة. مما جعلني غير مستعدٍ للجلوس في الداخل مطلقاً.
ولمّا استندتُ بذراعي الى العمود. نودى عليّ من الخلف بصوتِ رجلٍ مسّن، لم استجبْ لندائه .. وسمعتُ صوتاً ناعماً لفتاة، تظاهرتُ عدم سماعها. فصمتتْ هي الاخرى، ولم اسمع منها بعد ذلك غير آهة سارعت بالاختفاء. وثمة صوت طفل يختنق بنشيج بكائه المتواصل. الوحيد الذي تابعته هنا، ورحت أبحث عنه في كل زاوية من الشاحنة ، لكنني لم اجد له أثر.
شعرت بإرتجاف متواصل في يدي المعلقة بالعمود..أثارَ كثيراً من هلعي..وكان الباص قد قطع مسافة طويلة، اجتاز خلالها عدة تقاطعات ومجسرات ، وعبر انهر . 
ثم تباطأ، وتوقف . فشعرتُ باحتكاك الاجساد قرب باب النزول، وأصوات خطوات تطرق أسفلت الشارع. وتلاشت نهائياً تأوّهات الفتاة. ونزل جميع الركاب، بضمنهم الرجل المسِّن . 
لم يكن النزول اعتيادياً فلم أرَ بعيني النازلين يزدحمون عند الأبواب كالمعتاد، وبدا لي ان ثمة سرٌ في الامر. فقد كانت نوافذ الباص، جميعها مشرعة..!
وكنت اتابع اصواتهم وهم يغادرون، حتى صرت لم ادرك منها شيئاً . ثم رأيتهم على الارض، يتحركون أشبه بيرقات، مختلفة الأطوال، والحجوم، وتزحف على بطونها ببطء...!
(٣)
دخلتُ في حلمي الثالث وانا في الطريق. فأحسستُ بحماسي يزداد، واختفت الارتجافة التي صاحبت يدي، لمدة طويلة . ووجدتُ مدينتي، ايضاً، تشبة شاحنة كبيرة، مقاعدها نظيفة ومعطرة ..حين دخلتها بعد فراق، عَلقَتْ بأنفي رائحة شبيهة برائحة التفاح المحلي، اسكرتني نكهتها القوية .. وتخيلتُ نفسي أأكل بشهية، غير آبه لشيء. لَمْ أعدَّ لقيماتي ، كما في حلمي السابق.
وفجأة سمعت هاتفاً، جاءني مع صفير الريح، أشبه بالنكز الخفيف :
- لا تنسَ، هذه الثمار محرمة..!
وأَفقْتُ من هذا الحلم ، وقد أخذتني نوبة من التفكير، كمن حاول ان يعيد حساباته، وشعرتُ بالنكوص، ورحتُ انظر الى الخلف، نقطة انطلاقي البعيدة حيث الارض لا تتعدى قطعة صغيرة تحيطها البحار والمحيطات. ولكنها على أية حال ، تشبه رقعة شطرنج منتظمة، تقف جميع القطع والبيادق في أماكنها الصحيحة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق