مجلة أدبية دورية تعنى بالشؤون الأدبية والثقافية رئيس التحرير : جاسم ال حمد الجياشي / مدير تحرير مريام سما
الأحد، 29 يناير 2017
دخان أم سحاب /// نص للاستاذ كاظم مجبل الخطيب /// العراق
[دخان أم سحاب ]
.......................
كنتِ لي أمةً
كيفما أديرُ طرفي
لا أحدٌ يجيبني الّا أنتِ
لم أدرِ أنّي من الغرباء
قبل حين افتقادكِ
وحشة الطريق
تزاحمت على عيوني
أماكنُ مكتظّةٌ بالطبول
ونباح الكلاب يملأُ مسامعي
بقايا من شقاوات بغدادَ
يقفون متسوّلين
على أبواب المساجدِ
الراقصات العجائزُ
ارتدينَ نقاب السؤالِ
بعدما أغلقت الملاهي
بوجوههنّ َ ابوابها
كأنّي في مختبر آخرَ
لاستئصالكِ من ذاكرتي
لأقلعَ عنكِ كما فعلتُ
مع سجارةٍ رافقتني
وانْ دخانها
بلغ السحاب .
.......................
كنتِ لي أمةً
كيفما أديرُ طرفي
لا أحدٌ يجيبني الّا أنتِ
لم أدرِ أنّي من الغرباء
قبل حين افتقادكِ
وحشة الطريق
تزاحمت على عيوني
أماكنُ مكتظّةٌ بالطبول
ونباح الكلاب يملأُ مسامعي
بقايا من شقاوات بغدادَ
يقفون متسوّلين
على أبواب المساجدِ
الراقصات العجائزُ
ارتدينَ نقاب السؤالِ
بعدما أغلقت الملاهي
بوجوههنّ َ ابوابها
كأنّي في مختبر آخرَ
لاستئصالكِ من ذاكرتي
لأقلعَ عنكِ كما فعلتُ
مع سجارةٍ رافقتني
وانْ دخانها
بلغ السحاب .
برزخ /// للاستاذ عبد الزهرة خالد /// العراق
برزخ
-------
جاءَ مسرعاً
من أقصى حفرةٍ
لا يفسّرُ الحضورَ
يتباهى ببياضِ الكفنِ
أمام الهايكلِ والجماجمِ
عليهِ الغوصُ
في تفاصيلِ القبورِ
ينادي على السّماءِ
بأعلى صوتٍ
يغرغر الاستفهامَ
يبلّلُ شراشفَ الخوفِ
الجرأةُ تسلبُ
أحدَ مقتنياتِ جدّهِ
باتَ على المحكِّ
لا ميراث ٠٠ ولا هبةٌ تجيزُ الأعرافَ
يصوغُ قلائدَ الكهنةِ
كي يتمَّ العبورُ
إلى الضفّةِ الأخرى
من بحرِ الموتِ
لأنّهُ الرّقمُ الأخيرُ
بلا أحصاءٍ
وعددٍ مثبتٍ على القفا
هناك كيسٌ معبّأٌ
بأنواعِ التّفاحِ
وحجيراتٍ
وكسراتِ خبزٍ
عند السّورِ
لاجتياز برزخ السكون٠٠
********
عبدالزهرة خالد
البصرة / ٢٨-١-٢٠١٧
-------
جاءَ مسرعاً
من أقصى حفرةٍ
لا يفسّرُ الحضورَ
يتباهى ببياضِ الكفنِ
أمام الهايكلِ والجماجمِ
عليهِ الغوصُ
في تفاصيلِ القبورِ
ينادي على السّماءِ
بأعلى صوتٍ
يغرغر الاستفهامَ
يبلّلُ شراشفَ الخوفِ
الجرأةُ تسلبُ
أحدَ مقتنياتِ جدّهِ
باتَ على المحكِّ
لا ميراث ٠٠ ولا هبةٌ تجيزُ الأعرافَ
يصوغُ قلائدَ الكهنةِ
كي يتمَّ العبورُ
إلى الضفّةِ الأخرى
من بحرِ الموتِ
لأنّهُ الرّقمُ الأخيرُ
بلا أحصاءٍ
وعددٍ مثبتٍ على القفا
هناك كيسٌ معبّأٌ
بأنواعِ التّفاحِ
وحجيراتٍ
وكسراتِ خبزٍ
عند السّورِ
لاجتياز برزخ السكون٠٠
********
عبدالزهرة خالد
البصرة / ٢٨-١-٢٠١٧
نص /// للأستاذ ستار مجبل طالع /// العراق
أعيدوا لروحكم تمردها
ارتبكتْ الفصولُ في وطني
فأمطرَ الشتاءُ في السماء
وتيّهَ الربيعُ أشجارَ البرتقالِ
ونزتْ الأرضُ دموعَ البكاءِ
في لحاءِ النخيلِ عند غسقِ المساءِ
استوطنت الفوضى مدن النخيل
وفشا داء الحقد في هواء البساتين
احلموا كثيرا
علموا الفقراءَ الأحلامَ
وإنتظروا تبدلَ الأرضِ
يركم ُ نطفا في أرحام الظلم
وسيأتي الانفجار
الخطر الأدهى قابعٌ في بيوتِ الفقراءِ
يا وطن مضى على رحيله عن الحياةِ زمنا طويلا
ذكرياتك أصابها القِلابُ وكثيرا من الافتراءِ
متى تعود وأنا الذي مغادرٌ الى موتي
لأبعث في عالم آخر
وأنت لم تزلْ منتظرا في محطاتِ التلاشي
تنتظرُ زائرا مقيما فيك يراودكَ على فتاتِ البقاءِ
يا قٌليبُ حياةٌ تنضبُ
يدرُّ في سنينِ عجافٍ شوقا للحياة
يا وطنٌ بكّْاءٌ مُنكفئ وراء حدودِ الخوفِ
تخلى عن تمردهِ وأمسكَ التكيف عروةً وثقى
يبني قبورا أكثرَ من بيوتِ الأحياءِ
يا وطنٌ صنميُّ الحلمِ والأهواء
يعشقُ جبروتَ السلاطينِ
ينزف للاستبدادِ روح الحياةِ
ويذبح حريته في إتونِ البقاء
متى تغادر ساحة الصنم وتعود لله
يا وطنا يبدع في النواح
يا ليتك مبدعا في دروب الحياة
لتشبك الارض بالسماء
وما أعمت الدموع بصائرا
تبقى ترى في الظلامِ خيالاتِ
أحلامٍ مسفوحاتٍ على أديمِ الافتقارِ
تبقى تمطر الحزن توضئ قهري
على وطنٍ دنسهُ رغاءَ الكلابِ
اه يا وطنٌ يستوطنه الموتُ
يزرعُ الخشاشَ قوتا
لا يُشبعُ ولا يُغني عن جوعٍ
حجرا هاويا من أعماقِ السماءِ
يعبرُ فوضى الاستبدادِ مضرجا
من هامش الحياة الى افق فوضى
حرية عشناها حلما
تعبر بنا من هامش الى هامش
تراها عبرتْ بنا الى الألمِ
وشيءٌ ما يبقى على قيدِ البقاءِ
يا وطنٌ حشر له من كلِّ الأصقاعِ
خلفاءٌ لله في أرضه
سلاطينا يبشرون بالقتل
يخلفون إثرهم الدمار
يترصدونَ اللهَ فينا
يرموهُ ببهتانهم
وهم ينحرونا على صيحاتِ التكبيرِ
أسهبنا البكاءَ على حلمنا المكسور
وعلى وطنٍ مباحٍ عارٍ غيرِ مستورِ
وشعبٌ آل ان ينقسم او يقسم
بكينا اجمل تاريخ الغد
وشربنا أمرُ قهوة عزائه
لم نخلقْ تعساءَ لكنا ضيعنا العمرَ بكاءً
لم نرَّ الغدَ شيئا جديدا
أنهكنا الحزنُ فما قدرنا على الجدِّ
ولا اتخذنا سبيلَ الاجتهادِ
مشينا في سبيلِ الجهادِ موتا
وتركنا سبل الجهاد بناءا
فبقينا أبدا فقراءً أبناءَ فقراءِ
ارتبكتْ الفصولُ في وطني
فأمطرَ الشتاءُ في السماء
وتيّهَ الربيعُ أشجارَ البرتقالِ
ونزتْ الأرضُ دموعَ البكاءِ
في لحاءِ النخيلِ عند غسقِ المساءِ
استوطنت الفوضى مدن النخيل
وفشا داء الحقد في هواء البساتين
احلموا كثيرا
علموا الفقراءَ الأحلامَ
وإنتظروا تبدلَ الأرضِ
يركم ُ نطفا في أرحام الظلم
وسيأتي الانفجار
الخطر الأدهى قابعٌ في بيوتِ الفقراءِ
يا وطن مضى على رحيله عن الحياةِ زمنا طويلا
ذكرياتك أصابها القِلابُ وكثيرا من الافتراءِ
متى تعود وأنا الذي مغادرٌ الى موتي
لأبعث في عالم آخر
وأنت لم تزلْ منتظرا في محطاتِ التلاشي
تنتظرُ زائرا مقيما فيك يراودكَ على فتاتِ البقاءِ
يا قٌليبُ حياةٌ تنضبُ
يدرُّ في سنينِ عجافٍ شوقا للحياة
يا وطنٌ بكّْاءٌ مُنكفئ وراء حدودِ الخوفِ
تخلى عن تمردهِ وأمسكَ التكيف عروةً وثقى
يبني قبورا أكثرَ من بيوتِ الأحياءِ
يا وطنٌ صنميُّ الحلمِ والأهواء
يعشقُ جبروتَ السلاطينِ
ينزف للاستبدادِ روح الحياةِ
ويذبح حريته في إتونِ البقاء
متى تغادر ساحة الصنم وتعود لله
يا وطنا يبدع في النواح
يا ليتك مبدعا في دروب الحياة
لتشبك الارض بالسماء
وما أعمت الدموع بصائرا
تبقى ترى في الظلامِ خيالاتِ
أحلامٍ مسفوحاتٍ على أديمِ الافتقارِ
تبقى تمطر الحزن توضئ قهري
على وطنٍ دنسهُ رغاءَ الكلابِ
اه يا وطنٌ يستوطنه الموتُ
يزرعُ الخشاشَ قوتا
لا يُشبعُ ولا يُغني عن جوعٍ
حجرا هاويا من أعماقِ السماءِ
يعبرُ فوضى الاستبدادِ مضرجا
من هامش الحياة الى افق فوضى
حرية عشناها حلما
تعبر بنا من هامش الى هامش
تراها عبرتْ بنا الى الألمِ
وشيءٌ ما يبقى على قيدِ البقاءِ
يا وطنٌ حشر له من كلِّ الأصقاعِ
خلفاءٌ لله في أرضه
سلاطينا يبشرون بالقتل
يخلفون إثرهم الدمار
يترصدونَ اللهَ فينا
يرموهُ ببهتانهم
وهم ينحرونا على صيحاتِ التكبيرِ
أسهبنا البكاءَ على حلمنا المكسور
وعلى وطنٍ مباحٍ عارٍ غيرِ مستورِ
وشعبٌ آل ان ينقسم او يقسم
بكينا اجمل تاريخ الغد
وشربنا أمرُ قهوة عزائه
لم نخلقْ تعساءَ لكنا ضيعنا العمرَ بكاءً
لم نرَّ الغدَ شيئا جديدا
أنهكنا الحزنُ فما قدرنا على الجدِّ
ولا اتخذنا سبيلَ الاجتهادِ
مشينا في سبيلِ الجهادِ موتا
وتركنا سبل الجهاد بناءا
فبقينا أبدا فقراءً أبناءَ فقراءِ
نص /// للشاعرة المبدعة اروى طعت /// فلسطين
أقلبُ صفحاتِ الماضي ..
أجمعُ عناوينَ حِكاياتي ..
أدقِقُ في أمري .. ،،
في بعضي .. ،،
في صِفاتي ..
أتوهُ في عالمٍ يباعدُني يقربُني مِن خياﻻتي ..
المحُ طيفا" آتٍ .. !
يأخذُني .. يَجمعُني .. ينثرُني .. ،،
يَستبيحُني مِن سُباتي ..
*******
يا ورقَ الشَجرِ الأَخضَر ..
يا زهرَ ربيعِ العمرِ ﻻ ترحَل ..
*******
يا بعضَ الشوقِ الذي فينا .. ،،
على رسلِكَ قبلَ أن تتبَدل .. أو ترحَل .. !!
إمنحنا السلامَ .. وعلى حاضرنا ﻻ تتعَجَل ..
أروى طلعت ،،
فلسطين
أجمعُ عناوينَ حِكاياتي ..
أدقِقُ في أمري .. ،،
في بعضي .. ،،
في صِفاتي ..
أتوهُ في عالمٍ يباعدُني يقربُني مِن خياﻻتي ..
المحُ طيفا" آتٍ .. !
يأخذُني .. يَجمعُني .. ينثرُني .. ،،
يَستبيحُني مِن سُباتي ..
*******
يا ورقَ الشَجرِ الأَخضَر ..
يا زهرَ ربيعِ العمرِ ﻻ ترحَل ..
*******
يا بعضَ الشوقِ الذي فينا .. ،،
على رسلِكَ قبلَ أن تتبَدل .. أو ترحَل .. !!
إمنحنا السلامَ .. وعلى حاضرنا ﻻ تتعَجَل ..
أروى طلعت ،،
فلسطين
مستفز /// نص للشاعرة المبدعة هدى ابو العلا /// مصر
مستفز
..........
يلاحقني كظلي
قررت أن أسافر
أغادر العيون
أهاجر
لا أريد سماء تظلنا
ولا أرضا تحمل خطانا
كالطير أغرد فى الشرق
أبكي وحيدا فى المساء
أرسم طريقا ضيقا بين البراري
تمحو الرياح أثر أقدامي
بلا خريطة بلا عنوان
لا همس يؤنس خافقي
لا لمس يشعل الوجدان
سأحط على شجرة
كلما أرهقني السفر
كلما تمادت فى البعد
المسافات
أحلق بين الغيوم
أسبح وسط السحاب
قررت أن أنساني
أن أمحو ملامحي
من بين الضلوع
الروح...
فلتغادرني...
سئمت روحا تتعلق بالأوطان.
هدى أبو العلا
..........
يلاحقني كظلي
قررت أن أسافر
أغادر العيون
أهاجر
لا أريد سماء تظلنا
ولا أرضا تحمل خطانا
كالطير أغرد فى الشرق
أبكي وحيدا فى المساء
أرسم طريقا ضيقا بين البراري
تمحو الرياح أثر أقدامي
بلا خريطة بلا عنوان
لا همس يؤنس خافقي
لا لمس يشعل الوجدان
سأحط على شجرة
كلما أرهقني السفر
كلما تمادت فى البعد
المسافات
أحلق بين الغيوم
أسبح وسط السحاب
قررت أن أنساني
أن أمحو ملامحي
من بين الضلوع
الروح...
فلتغادرني...
سئمت روحا تتعلق بالأوطان.
هدى أبو العلا
15 .. فاكهة الحروف /// نص للأديبة فاطمة سعد الله /// تونس
15..فاكهةُ الحروفِ..
وشْوَشاتٌ بزرقةِ الموج..
تكتبُني..
بعمْقِ الحلْمِ تدور بي..
فقاقيعُ الوهمِ ..تخاتلُني..
تكحّلُ عيونَ صمتي..
تسكبُني..
تنسابُ همساتُ الحروفِ
قصيدةً معتّقةً..
في كأسِ المساءِ..
تنسابُ همساتُ الحرْفِ
على سطح جدْولٍ مشاغب..
يشاكسُني..
ماءً..
وشْماً..
يزرعُني شجرةَ كلماتْ
فاكهةً أنضجها تنورُ الغياب..
والفراغ..
رموشكِ أيّتها القصيدةُ
محمّلةٌ فاكهةً صيفيّة..
مواسم نضجكِ تقرعُ أجراسَ الاحتفال..
ذيْلُ فستانكِ الحريريّ
الأبيض..
يضحك ملْء الكوْن..
ملْءاللحظة..
ملْء الدهشة..
أناملكِ أغصانُ نُضار..
تتسلّقني..
تنمو على جدران شراييني..
أنتِ هنا..أيتها القصيدةُ
أيتها الفاكهة..
المقطّرة..نُضْجاً
تنبضين أريجاً..
تفوحين خجلاً..
تهزجين..أيّتها الكلماتُ المشعّةُ..
فاكهتي..أنتِ..
شجرتي المثمرة ..أنتِ
في كل الفصول..
أراك تنثرين..
مواسمَ الفرح ..
على أوراقي البيضاء..
ابتسامة رمّانٍ قرمزيّة
أو غنجَ تفّاحةٍ مقدّسة..
أو جنّاتِ أعنابٍ ذهبية..في بستانً
ارتوى للتوّ..وكفى..
فاطمة سعدالله
9/9/2016
وشْوَشاتٌ بزرقةِ الموج..
تكتبُني..
بعمْقِ الحلْمِ تدور بي..
فقاقيعُ الوهمِ ..تخاتلُني..
تكحّلُ عيونَ صمتي..
تسكبُني..
تنسابُ همساتُ الحروفِ
قصيدةً معتّقةً..
في كأسِ المساءِ..
تنسابُ همساتُ الحرْفِ
على سطح جدْولٍ مشاغب..
يشاكسُني..
ماءً..
وشْماً..
يزرعُني شجرةَ كلماتْ
فاكهةً أنضجها تنورُ الغياب..
والفراغ..
رموشكِ أيّتها القصيدةُ
محمّلةٌ فاكهةً صيفيّة..
مواسم نضجكِ تقرعُ أجراسَ الاحتفال..
ذيْلُ فستانكِ الحريريّ
الأبيض..
يضحك ملْء الكوْن..
ملْءاللحظة..
ملْء الدهشة..
أناملكِ أغصانُ نُضار..
تتسلّقني..
تنمو على جدران شراييني..
أنتِ هنا..أيتها القصيدةُ
أيتها الفاكهة..
المقطّرة..نُضْجاً
تنبضين أريجاً..
تفوحين خجلاً..
تهزجين..أيّتها الكلماتُ المشعّةُ..
فاكهتي..أنتِ..
شجرتي المثمرة ..أنتِ
في كل الفصول..
أراك تنثرين..
مواسمَ الفرح ..
على أوراقي البيضاء..
ابتسامة رمّانٍ قرمزيّة
أو غنجَ تفّاحةٍ مقدّسة..
أو جنّاتِ أعنابٍ ذهبية..في بستانً
ارتوى للتوّ..وكفى..
فاطمة سعدالله
9/9/2016
السبت، 28 يناير 2017
نقاد تميم /// قصة ،،، للاستاذ مصطفى الحاج حسين /// سوريا
نقاد ' تميم " ...
قصة : مصطفى الحاج حسين .
صديقي .. لا أقصدُ الإساءةَ إليكَ في حديثي هذا .. فلن أُحدّثَ الآخرين عن شخصيتك ، بل عن نموذجٍ أنت تمثّلُه ، وإمعاناً منّي بالحرص على عدم التّشهير بك،
فسوف أغيّر اسمكَ ، وسأهدر خمسة عشر سنتيمتراً من طولِكَ ، وأضيفُ إلى نحولِكَ عشرينَ كيلو ، وإلى عمرِك خمسَ سنوات .
أعزائي .. أرجوكم ألآ تهتمّوا بالشخصِ الّذي سأحدّثكم عنه ، بقدرِ اهتمامِكُم بنموذجه ، " فتميم " هذا ليس وحدَه من سلَكَ هذا الطريق في بلدنا ، فهناكَ العشرات
من أمثاله ، وللتوضيح أقول :
- " ليس الذّنبُ ذنبه فقط ، بل ذنبنا أيضاً نحن البسطاء ، الذين نصدّق كلّ مانراه ، ونؤمن بما نسمع ، لذا علينا أن نسخر من أنفسنا قبل أن نسخر منه ، ونحاكم ضمائرنا وسلوكنا قبل أن نحاكمه ونحاسبه .
وقبلَ أن أبدأَ حديثي عنه ، سوفَ أسحبُ وعداً منكم ، بعدم التّشهيرِ به ، وإن
تعرّفتم عليه من خلال الحوادثِ التي سأسردُها عليكم ."
" ترعرعَ تميمٌ في أسرةٍ غنيةٍ ، محبوباً مدلّلاً ، فهو الذّكر الوحيد لأبويه مع بناتٍ ستٍ . ولهذا السّبب بالذات فقد نشأ " تميم "
طفولياً واتّكالياً ، لا يكادُ يحتاجُ إلى شيءٍ إلاّ توفّر له ، ولا يطلبُ أمراً إلاّ حصلَ عليه ، ممّا
كرّسَ في شخصيّتِه هاتينِ الصّفتينِ ، وكثيراً
ماكان يخرجُ على القواعدِ والأصولِ ، فلا يرى معارضةً ولا يوقفه أيّ تأنيب ، وهكذا كبر وهو لا يقدرُ أن يتحمّل أيةَ مسؤوليةٍ ، وأقسم لكم إنّه حتّى اللحظة لا يستطيعُ ذلك
وهو ابنُ خمسةٍ وعشرينَ عاماً .
وعند أدنى إبطاءٍ من قِبلِ أهلِه في تنفيذِ رغباته ، كان يعصّب ويتمارضُ ، فيُقلقُ الأسرة ، الّتي تضّطرُ أن تنزل عند طلبهِ لكيلا
يتأزّم .. ولكنّه تأزّم أيّها السّادة ، وأقسمُ على
ذلك ، فقد صار أنانياً إلى أبعد الحدود ، وهو
لا يدري ، أو ربّما يدري ولكن أعجبه حاله هذا .
كانت فرحةُ أهلهِ به لا توصفُ ، عندما دخل الجامعة ، لكنّ هذه الفرحةَ سرعانَ ما
أصيبت بمنغصات كثيرة ، ذلك لأنّه ظلّ راسخاً على مقعده الدّراسيّ ، في السّنة الأولى أربعَ سنواتٍ ، أمّا تعليل رسوبهِ هذا
فله أسبابٌ عديدة .. رفاقه يقولون :
- إنّه بدل أن يتابع دوامه في الكلّية ، يداوم
في المقصف .
أمٌهُ تقولُ :
- " تمتومي " هكذا تناديه كنايةً عن الدّلال ،
صغير بعد على الدراسة، ثمّ المستقبل بالنسبة " لتمتوم " مؤمّن له والحمد لله .
أمّا هو فيقول :
- الحقّ كلّه على أساتدةِ الكلّية ، فهم أغبياء لا يعرفون أن يسألوا ، ولا أن بصحّحوا ، إنهم يناصبونني العداء .. وأنا أكرههم .
أمّا أقوال الآخرين عنه ، فتنحصر في أنّه :
- لم يخلق للدراسةِ ، لأنّه غبيٌ لا يفهم .
ولكنني أقول :
- إنّه ليس غبياً ، وسوف ترون فيما يأتي .
" تميم " ممثلٌ ، أو بالأصح يرغب أن يكونَ ممثّلاً ، لذا فقد انتسبَ إلى فرقة المسرح الجامعي ، وعمِلَ فيها لسنواتٍ . ولكنّه لم يحصل على أيّ دورٍ رئيسي أو هام
، وهذا ما آلمه وسبّب له عقدةً نفسيّةً ، ترون نتائجها فيما يلي :
والآن أعرضُ لكم نقطةً جوهريّةً في حياة " تميم " ، فهي لحظةُ الانعطاف الخطيرة ، التي مرّ بها في الجامعة ، والواقع ُ
أنّ الغموض يسيطر على هذه النقطة بالذات.
فلا أحد يدري كيف اهتمّ " تميم " بالأمور الثقافية الجادة ؟!.. وحضر أمسيات
المهرجان الأدبي في الجامعة ؟!.. ولأوّل مرّة
في حياته الجامعيّة ، في ذلك اليوم ، دخل " تميم " إلى القاعة ، واستمع للشعراء الشّباب،
بكلّ هدوء واهتمام ، ولا أحد يدري أيضاً ،
كيف تسلّلت إلى رأسهِ ذي الشعر الكثيف والطويل والمفروق من الوسط على طريقة
الفتياة، ذلك أنّه تربّى في صغرهِ تربية فتيات ،حيث خرّمت أمّه أذنيهِ ، ووضعت فيهما القرطَ ، خوفاً عليه من عيون الحسّاد ،
لذلك ظلّ سلوكه حتّى اليوم قريباً من سلوك
الفتيات .. أقول :
- لا أحدَ يدري كيف تسلّلت إلى رأسهِ ، فكرةُ
أن يكتبَ الشّعرَ ؟!.. لذلك عاد إلى بيته مهموماً ، يفكّرُ بطريقةٍ تصنع منه شاعراً ، ممّا لفتَ انتباهَ والدتِه التي بادرته بالسؤال:
- مابكَ ياروحي " تمتوم" لا تضحك ولا تتعارك مع أخواتِكَ كعادتك ؟؟!! .. هل ضايقكَ أحدَ الأساتذةٍ في الجامعة ؟ .
قال تميم :
- ماما .. أنا أريدُ .. بل قررتُ .. أن أصبحَ شاعراً .
- أنتَ شاعرٌ ياحبيبي" تمتوم" ثمّ استدركت
باستغرابٍ هذه المرّة :
- ولكن كيف ؟!.. ماذا أستطيع أن أقدّم لكَ
من أجلِ ذلك ؟ .
- تستطيعينَ ياأمّي .. بمساعدتكِ ومساعدةِ
بابا ، ممكن أن أكون أكبر شاعر في حلب .
ثمّ أردف :
- الشّعر يا أمّي شيء كبير، يكفي أنّ الشعراء
أصحابُ مزاجيات عجيبة، وهي تستهويني .
رددت الأم باستغراب :
- مزاجيات ؟!.. ماذا تعني ؟!.. أبوك يقول عن الشّعراء شحاذينَ .
قاطعها تميم ، وكاد يهمّ بالبكاء :
- ماما .. عليكِ أن تقتنعي لكلّ شيء أقوم به .. لا أريدُ معارضةً من أحدٍ ، وإلاّ ... وبدأت قسماتُ وجهه تتغيّر، ويداه النحيلتانِ
ترتجفانِ ، كأنّه يهمّ بالبكاء .
فأسرعت الأم تقول ، لتهدّأ خاطره :
- حسناً " تمتومي " لا تزعل ، سوف تكون شاعراً .. أؤكد لك .
انفرجت أساريره فجأة ، وأخذ يهتف في
أرجاء المنزل ، وهو يقفز :
- تعيش ماما .. تعيش أمّ تميم الشاعر العظيم .
لقد تلقّى أوّلَ اعترافٍ بشاعريّتهِ ، قبل
أن يخطّ حرفاً واحداً .
وفي اليوم التالي ، دخل تميم المقصفَ،
واتّجه إلى إحدى طاولاتِ شعراءِ الجامعةِ ، متجاهلاً نداءتِ زملائهِ في المسرح الجامعي
، الذين يتربعون على إحدى الطاولات .
ألقى التحيةَ على الشعراء ، جلس بأدب
جمّ ، واتّجه بالحديث إلى أحدِ المشهودِ لهم
بالشاعرية في الجامعة :
- أنا من المعجبين بشعرك .. أنت أفضل شاعر في الجامعة ، وأتمنّى التّعرف إليكَ
عن قرب :
- أهلاً .. شكراً ، قال ذلك بحرارة وافتخار ،
فقد وقع على معجبٍ به ، وهذا مايدغدغ
كبرياء كلّ شاعر .
عند الانصراف ، أصرّ " تميم " على دعوة الشاعر " حسّان " إلى منزله ، لتناول
الغداء ، وتمّ ذلك .
وكم كانت دهشة " حسان " من كلّ شيء
رأه أو حصل معه ذلك اليوم .
فالمنزل فخم وأنيق ، والطعام فاخر يغصّ
بقطع اللحم اللذيذة و ......
فتح الباب ، ودخلت امرأة لا تتجاوز الأربعينَ
بكثير، تتبعها صينية الشاي ، فالتفت " تميم"
إلى حسّان ، قائلاً :
- إنّها أمّي ، وهذه أختي الكبرى " سوزان " وتلك " رولا " الصّغرى .
وكان الترحيب حاراً بشكل واضح ،و " تميم"
يتابع حديثه :
- إنّه " حسّان " الشّاعر ، صديقي الجديد ، الذي حدّثتكم عنه .
- أهلاً وسهلاً .. هل أنت من هذه المدينة ؟.
قالت الأم ذلك ، وكأنّها تلمّح إلى شيء ما في ثياب " حسّان " .
- لا .. أنا لستُ من هنا .. أنا ..
- وأين تسكن ؟ .
- في المدينة الجامعية .
وتظاهر " تميم " أنّ فكرة برقة في ذهنه ، فهتف :
- اسمع يا " حسّان " ، هل لديك مانع أن تسكن هنا معي في غرفتي ؟
وقع السّؤال على رأس " حسّان " كصاعقةٍ
في عزّ الصيف .. أمنَ المعقولِ أن يحدثَ ذلك .. هل ستنتهي أيامَ الغرفةِ الضّيقةِ في
المدينة الجامعية ؟؟.. وتمضي معها تلكَ الوجباتُ القميئة من الفلافل والجبنة والحمص و .... وشعرَ بالارتباك :
- ولكن ...
- لا عليكَ ، ستبقى معي حتّى تنتهي دراستك .
واقتربت " رولا " الصّغرى من " حسّان"
تفحّصته عن قربٍ ، ثم ضحكت بخبثٍ واستهتارٍ ، وقالت :
- هل أنت الذي سيعلّم " تميم " كتابة الشعر؟
.. هههه ، قال بابا إذا علّمتَ " تميماً " كتابة
الشّعر ، سيقدّم لك هديةً كبيرة .
ارتبك " تميم " و " حسّان " الذي لم يفهم
شيئاً مما قالته الصّغيرة ، وصرخ " تميم " :
- " رولا " اخرجي من غرفتي يا سخيفة .
وقبل أن تخرج " رولا " من الغرفة ، استدارت إلى " تميم " و " حسّان " مادة لسانها :
- شعراء مسخرة !! .
وصار " حسّان " نزيل المنزل ، كأنّه أحدُ
أفرادِ العائلة ، يتناول أطيب الطعام ، وألذّ الشّراب ، بل تعدّى الأمر إلى علب الدخان ونقود " الخرجيّة " .
تعرّف " تميم " من خلال " حسّان " ،
إلى كلّ أدباءِ الجامعة .. ثمّ،تعرّف إلى كافة
أدباء المدينة .. يدعوهم إلى بيتهِ للطعام ، والنوم أحياناً ، فصار صديق الجميع ، وكان
في كلّ مرّة يرجو فيها " حسّان " أن يكتب
قصيدة أمامه و "حسّان" يستغرب وبتعجّب
من طلب " تميم " هذا :
- لماذا تريدني أن أكتبَ قصيدةً أمامك؟!.
- أريدكَ أن تعلّمني كيف تكتب القصيدة .
يضحك " حسّان " وتزداد دهشته اتّساعاً ، ويسأل تميماً :
- أتظنّ كتابة الشّعر تعلّماً يا تميم ؟؟!! .. إنّها
موهبة ، وليست تعلّماً ، حسناً .. سأدلّك على
طريقة كان القدماء ينصحون بها ، كلّ واحدٍ
يريدُ أن يكون شاعراً .. رغم عدمِ قناعتي بها.
واستبشر " تميم " خيراً :
- رائع .. أرجوك ، قل لي ، ماهي النصيحة ،
وسوف أنفذها في الحال .
- النصيحة تقول يا صديقي (( إذا أراد المرء أن يصبح شاعراً ، فعليه أن يحفظ عن ظهر قلب ، عشّرة آلاف بيت من الشّعر القديم .)) .
تغيّرت قسمات " تميم " .. وردّد بتعجّب .. عشرة آلاف بيت شعرٍ قديم !!! ..
ولكن .. كيف لي أن أحفظها ؟!.. خاصة وأنا
لا أحبّ الشّعر القديم ؟!!.. لا سيّما الجاهلي منه .. ثمّ هذه المسألة تحتاج إلى وقت وجهد كبيربن .. وأنا أريد أن أكون شاعراً بأسرع وقتٍ ممكن .
- ولماذا العجلة يا " تميم " ؟!.. لا تظنّ كتابة
الشعر بهذه السهولة .
قال تميم :
- أنت لا تريد أن تساعدني يا " حسّان " .
ونهض مسرعاً إلى أمّه ، وكأنّه يهمّ بالبكاء .
عندما أعلن المكتب الإداري في الجامعة
، عن بدء تقديم الأعمال الأدبية ، من أجل المهرجان ، سارع " تميم " لكتابة أوّل قصيدة له ، مزّق عشرات الأوراق .. دخّن كثيراً .. تناول أكثر من خمسة فناجين قهوة
.. وثلاث حبوب " تامرين " .. أوصد على نفسه باب الغرفة ، خلع سترته أولاً .. ثمّ بنطاله .. كرع كأس ماء بارد .. استلقى فوق
السرير على بطنه ، فكّر كثيراً .. تقلّب .. خرج من الغرفة .. دخل الحمّام .. ثمّ خرج مسرعاً ، وهو يصرخ :
- وجدتُها .. وجدتُها .
كتب عنوان القصيدة .. ثمّ تصفّح العديد من المجموعات الشعرية التي اقتنع بضرورة قرأتها أخيراً ، من" حسّان " .. إن كان جاداً في رغبته بأن يكون شاعراً .
وأخيراً بدأ يكتب القصيدة :
أحبّكِ .. وأموتكِ .
أرتكبُ وجهي عندَ المرايا
أنا القطار المشظّى بالرجال
المعبأ بالجبال .. والشّمال
ألّوح بأقدامي عند الوداع
ضربوني على نحلتي
فصارت وردتي مملكة الحجل
ولم يبقَ من أصابع حبيبتي إلاّ الخواتم
لقد رأيتُهم ياأبي ، لم يكونوا
أحدَ عشر قمراً لي ساجدين
تلك حكمة الأجزاء منّي .
لا أريد أن أكتب لكم القصيدة بكاملها ،
لأنكم اطّلعتم عليها على ما أعتقد . وبهذه القصيدة طلب من صديقه " حسان"
أن يقدّمها إلى اللجنة المسؤولة عن اعداد
المهرجان ، وعندما قرأها " حسان " ضحك
وقال :
- ولكن يا تميم هذه الكتابة ليست شعراً .
قال " تميم" والانزعاج واضح عليه :
- حسان .. أرجوك دعني أشارك في الملتقى ،
وأنا الذي سيتحمّل المسؤولية .
ولبّى صديقه الطلب حياء .
نزلت بطاقات الدعوة للمهرجان ، وبمعونة
الأصدقاء ، كان اسم " تميم " من بين الأسماء المشاركة .
كان الحشد كبيراً ، كما هي العادة ، عندما صعد " تميم " إلى المنصّة ، وبدأ يلقي قصيدته ، إنّها فرصته ليتخلّص من عقدته
النفسيّة ، التي خلّفها عمله في المسرح الجامعي ، ورغم كلٌ أفانين التمثيل التي
تعلّمها من المسرح ، فقد كان إلقاؤه متعثراً،
مليئاً بالأخطاء النحوية ، ولعلّي ألتمس له العذر ، إنّها أول تجربة له من هذا النوع ، لكنٌ
الجمهور المثقف ، جمهور المهرجان ، لم يحتمل ذلك ، فانتشرت الضوضاء بين الصفوف المتململة الضّجرة ، وعلت الهمسات
تشتم الشاعر وتسخّف عمله الشّعري ، وتسبّ اللجنة التي أخرجته ، وظهر ذلك بشكلٍ جليّ حينما بدأ الحوار ، حول القصائد
المشاركة ، حيث انصبّ وابل النقد والسخرية على تميم وقصيدته ، وأخطائه الفادحة من كلٌ مكان ، حتى إنّ أحدهم نصحه بالعودة إلى سلك التمثيل ، لأن ذلك
أفضل له .
ولكن ما حدثَ بعد ذلك فاق المعجزة ،
إذ بدأت اللجنة النقدية المؤلفة من أهم أساتذة كلّية الآداب ، إضافة إلى ناقد شاب
عضو في إتحاد الكتاب العرب ، بدأت تناقش
الأعمال المقدمة . تحدّث الدكاترة حول الأعمال ، ثم جاء دور الناقد المعروف، فقال:
- إنّ ما سمعناه اليوم من الشعراء الشباب كان شعراً رديئاً ، باستثناء قصيدة هامة قدّمها الشاعر الشاب " تميم " .
في الشعر ثمّة نصوص تتطلّب نقداً عادياً بعاديتها ، وثمّة نصوص أخرى تعلّم الناقد كيفية النقد .. وقصيدة الشاعر "تميم"
من هذا النوع الثاني ، فهي تحمل حساسيتها
وشفويّتها ، مندغمة بالواقع المعاش حالياً بشكل تراتبي ديناميكي ، لقد أثارني " تميم"
حقاً ، لأنّه يكتب قصيدته بطريقة مغايرة وشموسة .
كان حديث هذا الناقد الشاب مفاجأة فعلاً ، وكان حديثه نصف معجزة ، أمّا النصف الأخير للمعجزة ، فقد كان عندما تراجع الدكاترة عن آرائهم في قصيدة " تميم"
وفي تأيدهم لكلام ذلك الناقد .
أمام هذا الأمر ، كانت ردّة فعل المدرّج
كبيرة ، فمن سائل ومن مستغرب :
- كيف يقول الأستاذ الناقد هذا الكلام ؟!
- هل أصبح رصفُ الكلام السّخيف شعراً ؟
وانقسم جمهور المدّرج والأدباء إلى قسمين، مؤيد ومعارض ، ومع ذلك فقد منح
" تميم " الجائزة الأولى .
أمام باب الخروج ، سمعت"ُ حسّان" يقول
لتميم :
- تميم .. لا تنخدع ، فأنت لست شاعراً .
ابتسم " تميم " بكبرياء ، وقال :
- بل أنا أكبر شاعر في سوريا .
ومضى " حسّان " إلى المدينة الجامعية
، رافضاً العودة إلى منزل " تميم " .
وبعد هذا اليوم ، صار منزل " تميم " محطّة لكلٌ الأدباء الشباب والكبار في المدينة ، بل لأدباء ونقاد ومحرري الصّحف
والمجلّات في العاصمة .
وبرز اسم " تميم " في عالم الأدب ، وصار
له جمهوره ونقاده وصحفه و ....
وتميم صديقي يضحك في سرّه ، ويقول لي:
- ا نظر إلى هؤلاء .. لقد اشتريتهم جميعهم ،
إنّهم أُضحوكتي .. فأنا بصراحة لا أحبّ الشّعرَ ولا الشّعراء .
مصطفى الحاج حسين .
حلب .
قصة : مصطفى الحاج حسين .
صديقي .. لا أقصدُ الإساءةَ إليكَ في حديثي هذا .. فلن أُحدّثَ الآخرين عن شخصيتك ، بل عن نموذجٍ أنت تمثّلُه ، وإمعاناً منّي بالحرص على عدم التّشهير بك،
فسوف أغيّر اسمكَ ، وسأهدر خمسة عشر سنتيمتراً من طولِكَ ، وأضيفُ إلى نحولِكَ عشرينَ كيلو ، وإلى عمرِك خمسَ سنوات .
أعزائي .. أرجوكم ألآ تهتمّوا بالشخصِ الّذي سأحدّثكم عنه ، بقدرِ اهتمامِكُم بنموذجه ، " فتميم " هذا ليس وحدَه من سلَكَ هذا الطريق في بلدنا ، فهناكَ العشرات
من أمثاله ، وللتوضيح أقول :
- " ليس الذّنبُ ذنبه فقط ، بل ذنبنا أيضاً نحن البسطاء ، الذين نصدّق كلّ مانراه ، ونؤمن بما نسمع ، لذا علينا أن نسخر من أنفسنا قبل أن نسخر منه ، ونحاكم ضمائرنا وسلوكنا قبل أن نحاكمه ونحاسبه .
وقبلَ أن أبدأَ حديثي عنه ، سوفَ أسحبُ وعداً منكم ، بعدم التّشهيرِ به ، وإن
تعرّفتم عليه من خلال الحوادثِ التي سأسردُها عليكم ."
" ترعرعَ تميمٌ في أسرةٍ غنيةٍ ، محبوباً مدلّلاً ، فهو الذّكر الوحيد لأبويه مع بناتٍ ستٍ . ولهذا السّبب بالذات فقد نشأ " تميم "
طفولياً واتّكالياً ، لا يكادُ يحتاجُ إلى شيءٍ إلاّ توفّر له ، ولا يطلبُ أمراً إلاّ حصلَ عليه ، ممّا
كرّسَ في شخصيّتِه هاتينِ الصّفتينِ ، وكثيراً
ماكان يخرجُ على القواعدِ والأصولِ ، فلا يرى معارضةً ولا يوقفه أيّ تأنيب ، وهكذا كبر وهو لا يقدرُ أن يتحمّل أيةَ مسؤوليةٍ ، وأقسم لكم إنّه حتّى اللحظة لا يستطيعُ ذلك
وهو ابنُ خمسةٍ وعشرينَ عاماً .
وعند أدنى إبطاءٍ من قِبلِ أهلِه في تنفيذِ رغباته ، كان يعصّب ويتمارضُ ، فيُقلقُ الأسرة ، الّتي تضّطرُ أن تنزل عند طلبهِ لكيلا
يتأزّم .. ولكنّه تأزّم أيّها السّادة ، وأقسمُ على
ذلك ، فقد صار أنانياً إلى أبعد الحدود ، وهو
لا يدري ، أو ربّما يدري ولكن أعجبه حاله هذا .
كانت فرحةُ أهلهِ به لا توصفُ ، عندما دخل الجامعة ، لكنّ هذه الفرحةَ سرعانَ ما
أصيبت بمنغصات كثيرة ، ذلك لأنّه ظلّ راسخاً على مقعده الدّراسيّ ، في السّنة الأولى أربعَ سنواتٍ ، أمّا تعليل رسوبهِ هذا
فله أسبابٌ عديدة .. رفاقه يقولون :
- إنّه بدل أن يتابع دوامه في الكلّية ، يداوم
في المقصف .
أمٌهُ تقولُ :
- " تمتومي " هكذا تناديه كنايةً عن الدّلال ،
صغير بعد على الدراسة، ثمّ المستقبل بالنسبة " لتمتوم " مؤمّن له والحمد لله .
أمّا هو فيقول :
- الحقّ كلّه على أساتدةِ الكلّية ، فهم أغبياء لا يعرفون أن يسألوا ، ولا أن بصحّحوا ، إنهم يناصبونني العداء .. وأنا أكرههم .
أمّا أقوال الآخرين عنه ، فتنحصر في أنّه :
- لم يخلق للدراسةِ ، لأنّه غبيٌ لا يفهم .
ولكنني أقول :
- إنّه ليس غبياً ، وسوف ترون فيما يأتي .
" تميم " ممثلٌ ، أو بالأصح يرغب أن يكونَ ممثّلاً ، لذا فقد انتسبَ إلى فرقة المسرح الجامعي ، وعمِلَ فيها لسنواتٍ . ولكنّه لم يحصل على أيّ دورٍ رئيسي أو هام
، وهذا ما آلمه وسبّب له عقدةً نفسيّةً ، ترون نتائجها فيما يلي :
والآن أعرضُ لكم نقطةً جوهريّةً في حياة " تميم " ، فهي لحظةُ الانعطاف الخطيرة ، التي مرّ بها في الجامعة ، والواقع ُ
أنّ الغموض يسيطر على هذه النقطة بالذات.
فلا أحد يدري كيف اهتمّ " تميم " بالأمور الثقافية الجادة ؟!.. وحضر أمسيات
المهرجان الأدبي في الجامعة ؟!.. ولأوّل مرّة
في حياته الجامعيّة ، في ذلك اليوم ، دخل " تميم " إلى القاعة ، واستمع للشعراء الشّباب،
بكلّ هدوء واهتمام ، ولا أحد يدري أيضاً ،
كيف تسلّلت إلى رأسهِ ذي الشعر الكثيف والطويل والمفروق من الوسط على طريقة
الفتياة، ذلك أنّه تربّى في صغرهِ تربية فتيات ،حيث خرّمت أمّه أذنيهِ ، ووضعت فيهما القرطَ ، خوفاً عليه من عيون الحسّاد ،
لذلك ظلّ سلوكه حتّى اليوم قريباً من سلوك
الفتيات .. أقول :
- لا أحدَ يدري كيف تسلّلت إلى رأسهِ ، فكرةُ
أن يكتبَ الشّعرَ ؟!.. لذلك عاد إلى بيته مهموماً ، يفكّرُ بطريقةٍ تصنع منه شاعراً ، ممّا لفتَ انتباهَ والدتِه التي بادرته بالسؤال:
- مابكَ ياروحي " تمتوم" لا تضحك ولا تتعارك مع أخواتِكَ كعادتك ؟؟!! .. هل ضايقكَ أحدَ الأساتذةٍ في الجامعة ؟ .
قال تميم :
- ماما .. أنا أريدُ .. بل قررتُ .. أن أصبحَ شاعراً .
- أنتَ شاعرٌ ياحبيبي" تمتوم" ثمّ استدركت
باستغرابٍ هذه المرّة :
- ولكن كيف ؟!.. ماذا أستطيع أن أقدّم لكَ
من أجلِ ذلك ؟ .
- تستطيعينَ ياأمّي .. بمساعدتكِ ومساعدةِ
بابا ، ممكن أن أكون أكبر شاعر في حلب .
ثمّ أردف :
- الشّعر يا أمّي شيء كبير، يكفي أنّ الشعراء
أصحابُ مزاجيات عجيبة، وهي تستهويني .
رددت الأم باستغراب :
- مزاجيات ؟!.. ماذا تعني ؟!.. أبوك يقول عن الشّعراء شحاذينَ .
قاطعها تميم ، وكاد يهمّ بالبكاء :
- ماما .. عليكِ أن تقتنعي لكلّ شيء أقوم به .. لا أريدُ معارضةً من أحدٍ ، وإلاّ ... وبدأت قسماتُ وجهه تتغيّر، ويداه النحيلتانِ
ترتجفانِ ، كأنّه يهمّ بالبكاء .
فأسرعت الأم تقول ، لتهدّأ خاطره :
- حسناً " تمتومي " لا تزعل ، سوف تكون شاعراً .. أؤكد لك .
انفرجت أساريره فجأة ، وأخذ يهتف في
أرجاء المنزل ، وهو يقفز :
- تعيش ماما .. تعيش أمّ تميم الشاعر العظيم .
لقد تلقّى أوّلَ اعترافٍ بشاعريّتهِ ، قبل
أن يخطّ حرفاً واحداً .
وفي اليوم التالي ، دخل تميم المقصفَ،
واتّجه إلى إحدى طاولاتِ شعراءِ الجامعةِ ، متجاهلاً نداءتِ زملائهِ في المسرح الجامعي
، الذين يتربعون على إحدى الطاولات .
ألقى التحيةَ على الشعراء ، جلس بأدب
جمّ ، واتّجه بالحديث إلى أحدِ المشهودِ لهم
بالشاعرية في الجامعة :
- أنا من المعجبين بشعرك .. أنت أفضل شاعر في الجامعة ، وأتمنّى التّعرف إليكَ
عن قرب :
- أهلاً .. شكراً ، قال ذلك بحرارة وافتخار ،
فقد وقع على معجبٍ به ، وهذا مايدغدغ
كبرياء كلّ شاعر .
عند الانصراف ، أصرّ " تميم " على دعوة الشاعر " حسّان " إلى منزله ، لتناول
الغداء ، وتمّ ذلك .
وكم كانت دهشة " حسان " من كلّ شيء
رأه أو حصل معه ذلك اليوم .
فالمنزل فخم وأنيق ، والطعام فاخر يغصّ
بقطع اللحم اللذيذة و ......
فتح الباب ، ودخلت امرأة لا تتجاوز الأربعينَ
بكثير، تتبعها صينية الشاي ، فالتفت " تميم"
إلى حسّان ، قائلاً :
- إنّها أمّي ، وهذه أختي الكبرى " سوزان " وتلك " رولا " الصّغرى .
وكان الترحيب حاراً بشكل واضح ،و " تميم"
يتابع حديثه :
- إنّه " حسّان " الشّاعر ، صديقي الجديد ، الذي حدّثتكم عنه .
- أهلاً وسهلاً .. هل أنت من هذه المدينة ؟.
قالت الأم ذلك ، وكأنّها تلمّح إلى شيء ما في ثياب " حسّان " .
- لا .. أنا لستُ من هنا .. أنا ..
- وأين تسكن ؟ .
- في المدينة الجامعية .
وتظاهر " تميم " أنّ فكرة برقة في ذهنه ، فهتف :
- اسمع يا " حسّان " ، هل لديك مانع أن تسكن هنا معي في غرفتي ؟
وقع السّؤال على رأس " حسّان " كصاعقةٍ
في عزّ الصيف .. أمنَ المعقولِ أن يحدثَ ذلك .. هل ستنتهي أيامَ الغرفةِ الضّيقةِ في
المدينة الجامعية ؟؟.. وتمضي معها تلكَ الوجباتُ القميئة من الفلافل والجبنة والحمص و .... وشعرَ بالارتباك :
- ولكن ...
- لا عليكَ ، ستبقى معي حتّى تنتهي دراستك .
واقتربت " رولا " الصّغرى من " حسّان"
تفحّصته عن قربٍ ، ثم ضحكت بخبثٍ واستهتارٍ ، وقالت :
- هل أنت الذي سيعلّم " تميم " كتابة الشعر؟
.. هههه ، قال بابا إذا علّمتَ " تميماً " كتابة
الشّعر ، سيقدّم لك هديةً كبيرة .
ارتبك " تميم " و " حسّان " الذي لم يفهم
شيئاً مما قالته الصّغيرة ، وصرخ " تميم " :
- " رولا " اخرجي من غرفتي يا سخيفة .
وقبل أن تخرج " رولا " من الغرفة ، استدارت إلى " تميم " و " حسّان " مادة لسانها :
- شعراء مسخرة !! .
وصار " حسّان " نزيل المنزل ، كأنّه أحدُ
أفرادِ العائلة ، يتناول أطيب الطعام ، وألذّ الشّراب ، بل تعدّى الأمر إلى علب الدخان ونقود " الخرجيّة " .
تعرّف " تميم " من خلال " حسّان " ،
إلى كلّ أدباءِ الجامعة .. ثمّ،تعرّف إلى كافة
أدباء المدينة .. يدعوهم إلى بيتهِ للطعام ، والنوم أحياناً ، فصار صديق الجميع ، وكان
في كلّ مرّة يرجو فيها " حسّان " أن يكتب
قصيدة أمامه و "حسّان" يستغرب وبتعجّب
من طلب " تميم " هذا :
- لماذا تريدني أن أكتبَ قصيدةً أمامك؟!.
- أريدكَ أن تعلّمني كيف تكتب القصيدة .
يضحك " حسّان " وتزداد دهشته اتّساعاً ، ويسأل تميماً :
- أتظنّ كتابة الشّعر تعلّماً يا تميم ؟؟!! .. إنّها
موهبة ، وليست تعلّماً ، حسناً .. سأدلّك على
طريقة كان القدماء ينصحون بها ، كلّ واحدٍ
يريدُ أن يكون شاعراً .. رغم عدمِ قناعتي بها.
واستبشر " تميم " خيراً :
- رائع .. أرجوك ، قل لي ، ماهي النصيحة ،
وسوف أنفذها في الحال .
- النصيحة تقول يا صديقي (( إذا أراد المرء أن يصبح شاعراً ، فعليه أن يحفظ عن ظهر قلب ، عشّرة آلاف بيت من الشّعر القديم .)) .
تغيّرت قسمات " تميم " .. وردّد بتعجّب .. عشرة آلاف بيت شعرٍ قديم !!! ..
ولكن .. كيف لي أن أحفظها ؟!.. خاصة وأنا
لا أحبّ الشّعر القديم ؟!!.. لا سيّما الجاهلي منه .. ثمّ هذه المسألة تحتاج إلى وقت وجهد كبيربن .. وأنا أريد أن أكون شاعراً بأسرع وقتٍ ممكن .
- ولماذا العجلة يا " تميم " ؟!.. لا تظنّ كتابة
الشعر بهذه السهولة .
قال تميم :
- أنت لا تريد أن تساعدني يا " حسّان " .
ونهض مسرعاً إلى أمّه ، وكأنّه يهمّ بالبكاء .
عندما أعلن المكتب الإداري في الجامعة
، عن بدء تقديم الأعمال الأدبية ، من أجل المهرجان ، سارع " تميم " لكتابة أوّل قصيدة له ، مزّق عشرات الأوراق .. دخّن كثيراً .. تناول أكثر من خمسة فناجين قهوة
.. وثلاث حبوب " تامرين " .. أوصد على نفسه باب الغرفة ، خلع سترته أولاً .. ثمّ بنطاله .. كرع كأس ماء بارد .. استلقى فوق
السرير على بطنه ، فكّر كثيراً .. تقلّب .. خرج من الغرفة .. دخل الحمّام .. ثمّ خرج مسرعاً ، وهو يصرخ :
- وجدتُها .. وجدتُها .
كتب عنوان القصيدة .. ثمّ تصفّح العديد من المجموعات الشعرية التي اقتنع بضرورة قرأتها أخيراً ، من" حسّان " .. إن كان جاداً في رغبته بأن يكون شاعراً .
وأخيراً بدأ يكتب القصيدة :
أحبّكِ .. وأموتكِ .
أرتكبُ وجهي عندَ المرايا
أنا القطار المشظّى بالرجال
المعبأ بالجبال .. والشّمال
ألّوح بأقدامي عند الوداع
ضربوني على نحلتي
فصارت وردتي مملكة الحجل
ولم يبقَ من أصابع حبيبتي إلاّ الخواتم
لقد رأيتُهم ياأبي ، لم يكونوا
أحدَ عشر قمراً لي ساجدين
تلك حكمة الأجزاء منّي .
لا أريد أن أكتب لكم القصيدة بكاملها ،
لأنكم اطّلعتم عليها على ما أعتقد . وبهذه القصيدة طلب من صديقه " حسان"
أن يقدّمها إلى اللجنة المسؤولة عن اعداد
المهرجان ، وعندما قرأها " حسان " ضحك
وقال :
- ولكن يا تميم هذه الكتابة ليست شعراً .
قال " تميم" والانزعاج واضح عليه :
- حسان .. أرجوك دعني أشارك في الملتقى ،
وأنا الذي سيتحمّل المسؤولية .
ولبّى صديقه الطلب حياء .
نزلت بطاقات الدعوة للمهرجان ، وبمعونة
الأصدقاء ، كان اسم " تميم " من بين الأسماء المشاركة .
كان الحشد كبيراً ، كما هي العادة ، عندما صعد " تميم " إلى المنصّة ، وبدأ يلقي قصيدته ، إنّها فرصته ليتخلّص من عقدته
النفسيّة ، التي خلّفها عمله في المسرح الجامعي ، ورغم كلٌ أفانين التمثيل التي
تعلّمها من المسرح ، فقد كان إلقاؤه متعثراً،
مليئاً بالأخطاء النحوية ، ولعلّي ألتمس له العذر ، إنّها أول تجربة له من هذا النوع ، لكنٌ
الجمهور المثقف ، جمهور المهرجان ، لم يحتمل ذلك ، فانتشرت الضوضاء بين الصفوف المتململة الضّجرة ، وعلت الهمسات
تشتم الشاعر وتسخّف عمله الشّعري ، وتسبّ اللجنة التي أخرجته ، وظهر ذلك بشكلٍ جليّ حينما بدأ الحوار ، حول القصائد
المشاركة ، حيث انصبّ وابل النقد والسخرية على تميم وقصيدته ، وأخطائه الفادحة من كلٌ مكان ، حتى إنّ أحدهم نصحه بالعودة إلى سلك التمثيل ، لأن ذلك
أفضل له .
ولكن ما حدثَ بعد ذلك فاق المعجزة ،
إذ بدأت اللجنة النقدية المؤلفة من أهم أساتذة كلّية الآداب ، إضافة إلى ناقد شاب
عضو في إتحاد الكتاب العرب ، بدأت تناقش
الأعمال المقدمة . تحدّث الدكاترة حول الأعمال ، ثم جاء دور الناقد المعروف، فقال:
- إنّ ما سمعناه اليوم من الشعراء الشباب كان شعراً رديئاً ، باستثناء قصيدة هامة قدّمها الشاعر الشاب " تميم " .
في الشعر ثمّة نصوص تتطلّب نقداً عادياً بعاديتها ، وثمّة نصوص أخرى تعلّم الناقد كيفية النقد .. وقصيدة الشاعر "تميم"
من هذا النوع الثاني ، فهي تحمل حساسيتها
وشفويّتها ، مندغمة بالواقع المعاش حالياً بشكل تراتبي ديناميكي ، لقد أثارني " تميم"
حقاً ، لأنّه يكتب قصيدته بطريقة مغايرة وشموسة .
كان حديث هذا الناقد الشاب مفاجأة فعلاً ، وكان حديثه نصف معجزة ، أمّا النصف الأخير للمعجزة ، فقد كان عندما تراجع الدكاترة عن آرائهم في قصيدة " تميم"
وفي تأيدهم لكلام ذلك الناقد .
أمام هذا الأمر ، كانت ردّة فعل المدرّج
كبيرة ، فمن سائل ومن مستغرب :
- كيف يقول الأستاذ الناقد هذا الكلام ؟!
- هل أصبح رصفُ الكلام السّخيف شعراً ؟
وانقسم جمهور المدّرج والأدباء إلى قسمين، مؤيد ومعارض ، ومع ذلك فقد منح
" تميم " الجائزة الأولى .
أمام باب الخروج ، سمعت"ُ حسّان" يقول
لتميم :
- تميم .. لا تنخدع ، فأنت لست شاعراً .
ابتسم " تميم " بكبرياء ، وقال :
- بل أنا أكبر شاعر في سوريا .
ومضى " حسّان " إلى المدينة الجامعية
، رافضاً العودة إلى منزل " تميم " .
وبعد هذا اليوم ، صار منزل " تميم " محطّة لكلٌ الأدباء الشباب والكبار في المدينة ، بل لأدباء ونقاد ومحرري الصّحف
والمجلّات في العاصمة .
وبرز اسم " تميم " في عالم الأدب ، وصار
له جمهوره ونقاده وصحفه و ....
وتميم صديقي يضحك في سرّه ، ويقول لي:
- ا نظر إلى هؤلاء .. لقد اشتريتهم جميعهم ،
إنّهم أُضحوكتي .. فأنا بصراحة لا أحبّ الشّعرَ ولا الشّعراء .
مصطفى الحاج حسين .
حلب .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)