الثلاثاء، 2 يوليو 2019

قصيد بقلم الشاعر // محمد رشاد // مصر

(في تكريم صديق شاعر)
ذاتَ يومٍ من أكتوبَر عام 1997دُعِيتُ إلى تكريم صديقٍ شاعر ، وافَقَ أن كانَ اسمه (جمال) وعلى الرغم من نفوري من نهج المديح ، فقد لبَّيتُ الدعوةَ لسببَينِ ، أمَّا أحدهما فهو أنني كنتُ أُبطِنُ له الودَّ ، فلم أرَ في مديحِه ما ينِدُّ عن الصِّدق أو يحمِلُ على ظِنَّة النِّفاق ، وأما الآخَرُ فهو يقيني بأنّ المديحَ - إذا سلِمَ من الرِّياء وتجافَى عن الإغراق في المُبالَغَة - قمينٌ بأن يعرِضَ من صفات الممدوح ما يُغري بانتهاجِ سَمتِهِ ، فهوَ مَعرِضٌ لجميل السجايا ، لا يَضيرُه ألا يُحَدَّدَ لهُ شَخص، وقد ألقيتُ القصيدَة في ندوة شعراء العروبة بمحضَرهِ ، رحمَهُ الله ، ولا أنسَى فزعَه عندما علمَ من رائد الندوة أني مادِحُهُ ؛ ذلِكَ أنه كانَ يستَصعِبُ شعري ، فخشِيَ أن ينقَلِبَ امتعاضُ السامعينَ - في تقديرِهِ - نفورًا منه ، فما هوَ إلا أن انتهى الإلقاءُ بالرِضا والتصفيق حتى اطمأنَّ وآلَ إلى الغِبطَة وعادَ عليَّ بالحمد :


سَــرَتْ نَشوَةُ الــــرَّاحِ فـي شاطِئَيــهْ
وآلَـــتْ شجونُ النَّـــــدامَى إلَيــَــــــهْ
فَتًـــى يُــورِقُ الشَّــدوُ فـي رُوعِــــهِ 
ويُشـتَـــفُّ عِطرُ الشَّــذا مِنْ يَـدَيــــهْ
تَـقَـضَّــاهُ مَـــرُّ الليــَـــالي التُّــــــؤادَ
وفَضَّضَ كَــــرُّ السَّنــــا عارِضَيـــهْ
ومــا انْــفَكَّ يَـصدَحُ فــي أيـْــكِــــــهِ
ويَحبـو النَّــدَى الــرَّفَّ مِنْ خافِقَيـــهْ
طَليـــــقُ المُحَيَّـــا سَـــمِـيُّ الجَمَــالْ
لَأسْماهُ في الغَيْــبِ بِيضُ الــخِصَالْ
صَفِيُّ المُنَـــاجاةِ عَــذْبُ المُصافَــــا
ةِ خِـدْنُ الشَّـــجِيِّــينَ سَــمـحُ النِّــفَالْ
شــجَا الشِّعرُ في رَوْضِهِ واسْتباحَتْ
شَـهِـيَّ الجَنَــى بَــاسِـطـاتُ الظِّـلالْ
فَــلا غَـــروَ يَجْتـــالُـــهُ المــادِحُــوهُ
بِبَيْــــداءَ مَـــا ودُّهَــــــــا غيْــــرَ آلْ
تَهَــــــاوَى المُجَلُّــــونَ فــي قَصِّـــهِ 
وحَــــارَ المُـسِـفُّــونَ فـي غَمْصِــــهِ
لَئِــــنْ كَـرَّمَتْــــهُ وفـــــودُ الحُضُـورِ
فَقَــــدْ كُـــرِّمَ الشِّعْـــرُ في شَـخْصِـهِ
وأضْفَى علـــى هَـــامِـهِ مِنْ وَحَـــاهُ 
لَآلِـــــئَ تَختَــــــالُ فـِـي وَبــــصِـــهِ
وآيَـــــــةُ إخْـــــلادِهِ بِــالـخُـلـــــــودِ
بَلابِــــلُ غَنَّـــــتْ علَـــى خُرْصِــــهِ
طَـبَــعْنَــــأ علــى فَـــوْدِهِ قُبـلَــــتَـيـنْ
وكِلْنَــــأ لـهُ الـــودَّ عَيْنـًــــا بِعَيـــــنْ
هُــــوَ الـــودُّ مِنْ آيِــــهِ أَنْ يُــــــذاعَ
وألَّا يُرَى فـي الوَفَــــأ بَيْــــنَ بَيــــنْ
ولَلْـحُسـنُ والحَـقُّ مَرْقَــى العُــروجِ
تَــوَلَّاهُـــما الـمَجْــــدُ كــالفَرْقَدَيــــنْ 
ولَـــــو طاعَــتِ الأنجُـمُ الـنَّيِّــــرَاتُ 
كَـسَــوْنَــــاهُ لَألاءَهَــــا كَالـلُّجَيـــــنْ
فَيَـا قَلْـــبُ خُـضْ في صَفَـاهُ المَــدَى
وخَــلِّ الــلَّأَى والأسَـى والصَّــــدَى 
نَـــأى الشِّعرُ مِنَّــا جذورَ الإخـَــــاءِ
وهَـــدْهَــــدَ في النَّفــسِ وَقعَ الـرَّدَى
ونحْـــــنُ الشُّــــــداةُ علَـى بـــانِــــهِ
فَضَضْنَـــــا لِعارِيهِ رَطْبَ النَّـــــدَى
وأهْـــدَى الـرُّبَــا النَّـسْــمُ مِنْ نَفْحِـنا
رَحِيــقَ الخُـزَامَى ونَشْـرَ الجَـــــــدَا
(محمد رشاد محمود)
..................................................
التؤاد : الرَّزانَة والتَّأنِّي . الرَّفُّ : البَريقُ والتَّلألُؤ .
النِّفال : الهِبات . يَجتالُ : يتَخيَّرُ ويستَصفي .
المُجَلُّونَ : جمعُ (المُجَلِّي) ، وهو السابِقُ في الحَلبَة .
الوَحَى والوَحَاةُ : الوَحْيُ . الوَبْصُ : اللَّمَعانُ والبَريقُ .
الخُرصُ (بِضمِّ الخاء) : الغُصْنُ . اللَّأى : الإبطاءُ والاحْتِباس .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق