الزمن بين الثابت والمتحول، في نص الشاعر "قيس مجيد المولى".
بقلم/ حسين عجيل الساعدي
الزمن الثابت من السنين
سرعان مايُلقى في سلة المهملات ،
والزمن المتحول لايسد إيجار البيت
ولا متطلبات العيد القادم ،
المأوى دائماً تفسدهُ أحلامُ اليقظةِ
التي تراني
أضعُ البيضَ المقلي
فوقَ جداول اللوغارتيمات
فأنسى إسميَ ومرحلتي الدراسية
والطريقَ الى باب الجامعة ،
*******************
ربما أنجح هذه السّنة
بعد مضي ثلاث سنوات من الرسوب
ماذنب التي تجلس في القاعة بجانبي
قبلَ أن تسألَ الأستاذَ
تضعُ رموشها الصناعيةَ
في ملزمة علم النفس
وتغمزُ لي
بالأسودِ والأبيض
****************
في حفل التخرج
حين داعبت الريحُ أشجارَ قسم التاريخ
يا أنتِ...
المصطبةُ لم تشهد صحبتنا منذ عام
لنؤجل كلَّ ذلك
وننام نوم القوارض
بين الرحلات الرطبة والبالية
ولاضير في الممرات الممتلئة بــ آهات العشاق
***********************
الآن
من الممكن
أن أستعيض عن الطبيعة بــ إمرأة
ليست تلك التي تقف في محطة الباصات
ولأجلها يتأخر الموظفون عن دوامهم الرسمي
ولا تلك البائعة المكتنزة المؤخرة
بل التي تأتي طواعية الى سريري
وحين أقبلها
ترد عليّ بعشرات ،
************************
بعدَ أيامٍ
نتخرج ،
نتخرج ونتفرق عمالاً
في مطاعم( أبو ناظم أو مطاعم قدوري )
أو سواق أجرة عند مالك سيارات
باعة ماء في كراج النهضة
أو حتى ماسحي أحذية
أو حاملي صناديق في سوق الشورجة
أو دوارة لجمع السكراب
نتخرج
ومعنا الحتمية التاريخية
التي أسقطت نابليون بونابرت
الحتمية التاريخية التي أطاحت بعرش النمساوية الجميلة
ماري أنطوانيت ،
وأطاحت بنا
غرباء
لابيوت
ولا أولاد ،
أن أول ما أثار أنتباهنا في نص الشاعر/الإنسان/المتأمل "قيس مجيد المولى" هو الزمن في مقولات (الثابت والمتحول) الذي ضمنها في ديباجة نصه، كأجراء معرفي في وصف هذه المقولات القائمة على أساس الفكر الذي يعتمد على النص، فالقارىء لفصول هذا النص، يلاحظ بأن أغلب معالم مشاهداته، تعتمد الزمن كمصدر ومرجعية، تجعله يقترب من حدود فلسفة (الزمن)، فنراه يكتب حكاية كبرى، هي حكاية رحلة الثبات والتحول، ولكن بتأويل قابل للتكيف مع أشتراطات الواقع، وصور نداءات التحول، فـ(الزمن مقولة مركزية في كل خطاب سردي إذ ان الحدث او الفعل الحكائي يرتبط بالضرورة بعامل الزمن)، "سعيد جبار، الخبر في السرد العربي، بحث في الثوابت والمتغيرات، ص١١٩"، أضافة الى (بعده الفيزيائي الرابع للمكان)، حسب النظرية النسبية الخاصة، إلا أنه في وضع يصعب على إيجاد تعريفاً وافياً له، مما أحدث أشكالية في مفهومه، فهناك زمن (فيزيائي) وزمن (نفسي) وزمن (تخيلي). والشاعر "قيس مجيد المولى" قد أحاط بهذه الأبعاد الزمانية عندما توغل في رحاب المكان في أكثر من حكاية يكون فيها الزمن هو الثابت والمتحول في آن واحد.
(الزمن الثابت من السنين
سرعان مايُلقى في سلة المهملات ،
والزمن المتحول لايسد إيجار البيت
ولا متطلبات العيد القادم، )
هنا مكمن الزمن (النفسي) الذي يكون الأنطلاقة في توسع الفعل السردي عند عتبة (باب الجامعة).
(فأنسى إسميَ ومرحلتي الدراسية
والطريقَ الى باب الجامعة)
قد نجد صعوبة في الولوج الى مكامن الأشتغال على (الثابت والمتحول)، وهذه الصعوبة تكمن في الموضوع نفسه الذي يحمل طابعاً فلسفياً خالصاً. دعونا نفكر في محتويات النص الزمنية التي تبدو مكوناً مادياً ثابتاً لأنها محصورة بفترة زمنية محدودة. والمتحول من (أحلامُ اليقظةِ) و (جداول اللوغارتيمات) الى (عمالاً في مطاعم/ سواق أجرة/باعة ماء/ماسحي أحذية/حاملي صناديق/دوارة)، هذه العبثية التي أنتجتها (مصطبة قسم التاريخ) و (الحتمية التاريخية) التي أطاحة "نابليون بونابرت" وعرش "ماري أنطوانيت"كذلك أطاحة بـ (أحلامُ اليقظةِ)، كل هذا نتاج زمن نفسي متحول (متغير)، اما الزمن التخيلي هو (الثابت) النائم (نوم القوارض) في المتخيلة لا يفارقها:
(الآن
من الممكن
أن أستعيض عن الطبيعة بــ إمرأة
ليست تلك التي تقف في محطة الباصات
ولأجلها يتأخر الموظفون عن دوامهم الرسمي
ولا تلك البائعة المكتنزة المؤخرة
بل التي تأتي طواعية الى سريري
وحين أقبلها
ترد عليّ بعشرات).