الاثنين، 5 أغسطس 2019

الاحنف بن قيس // بقلم الدكتور / صالح العطوان الحيالي // العراق

الاحنف بن قيس
ــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 12-7-2019


الأحنف بن قيس هو الضحاك وقيل صخرٌ بن معاوية بن قيس بن حُصين وينتهي نسبه إلى قبيلة تميمٍ إحدى أشهر القبائل العربيّة، والأحنف هو لقبٌ له ومأخوذٌ من كلمة الحَنَفّ أي الميل والاعوجاج في الساقيّن ولُقب بذلك لِحَنَفٍ في رجليّه، وكنيته أبو بحرٍ أحد سادات قبيلة تميمٍ وأحد دهاة العرب.
اشتُهر عددٌ كبيرٌ من رجال العرب في الجاهلية والإسلام بالعديد من المناقب الحسنة والتي خلّدت اسمهم في صحائف من ذهبٍ لما تحلّوا به من جميل الأخلاق والمناقب كالرأي السديد، والحلم، والشجاعة، والكرم، والوفاء، وغيرها، ومن هؤلاء العظماء الأحنف بن قيس مضرب المثل على مرّ الأزمان في الحلم والأناة والصّفح الجميل والدهاء وحُسن الحيلة حتى قيل: أحلمُ من الأحنف.
إسلام الأحنف بن قيس
أسلم الأحنف بن قيسٍ في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم لكنه لم يفدْ عليه ولم يره قطّ، وقد قَدِم إلى المدينة المنورة في جماعةٍ من أهل الكوفة والبصّرة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبذلك فالأحنف بن قيسٍ يُعتبر من التابعين لعدم رؤيته للنبي عليه السلام وقد دعا له الرسول الكريم بالمغفرة.
مناقب الأحنف بن قيس
اشتُهر الأحنف بكثرة الصيام والصلاة وخاصّةً قيام الليل وهذا ما أثبته كلٌّ من ابن الأثير وابن الجوزيّ.
رجاحة العقل والتفكير وتتعدد الأخبار في ذلك وإحداها أنّه شهد على قتلٍ بالخطأ ومطلب أهل القتيل بديتيّن بدلًا من واحدةٍ؛ فوافقهم على طلبهم ثم ما لبث أنّ قال: إنّ الله أمر بديّةٍ واحدةٍ وكذلك رسوله وكذلك سُنة العرب في هذا الأمر، وأنكم اليوم أهل الدِّية وطالبُها، أخشى أنّ تدور الأيام وتكونوا أنتم المُطالبين؛ فلا يقبلّ منكم الطرف الآخر إلى ما سننتُم به، حينها تراجعوا وقبلوا بدِيّةٍ واحدةٍ.
الحلم والأناة وقد ورد في ذلك العديد من الأخبار والمواقف والأقوال التي خلّدت اسمه إلى اليوم وإحداها أنّ رجلًا قال له وهو يخاصمه لئن قُلتَ كلمةً واحدةً لرددت عليك بها عشّرًا؛ فقال له الأحنف: ولئن قُلتَ لي عشّرًا لم أردد عليكَ بكلمةٍ واحدةٍ، وأيضًا عندما توجه رجلٌ إليه بسؤالٍ: كيف أصبحت سيد قومك وأنت تعاني من هذا الحَنَف في رجليّك؛ فأجابه: تركتُ ما لا يعنيني كما عانك من أمري ما لا يُعنيك.
السؤدد والمكانة العالية وقد ثَبُت له ذلك في حياته ومماته ومن إحدى المواقف التي تؤكد ذلك معاتبة معاوية بن أبي سفيان للأحنف نظرًا لموقفه المساند لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما وناداه يا أحنف؛ فأجابه الأحنف جوابًا حادًّا وناداه بيا معاوية وكانت ابنة معاوية تسّتمع إلى الحديث الجاري بينهما وتعجّبت من هذا الرجل الذي يُجيب الخليفة بهذا الأسلوب؛ فقال معاوية مقولته الشهيرة: هذا الذي إذا غَضِب لغضبه مائة ألف فارسٍ من بني تميمٍ لا يسألونه فيما غَضِب
بعض فضائله:
أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يجتمع به، وكان يضرب بحلمه المثل. قال العجلي: الأحنف بصري ثقة، كان سيد قومه، وكان أعور أحنف، دميماً، قصيراً، كوسجاً، له بيضة واحدة، حبسه عمر سنة يختبره، فقال: هذا والله السيد. وفي الزهد لأحمد عن الحسن عن الأحنف قال: لست بحليم ولكني أتحلم. وعن الخليل بن أحمد قال: قال رجل للأحنف بن قيس بم سدت قومك وأنت أحنف أعور؟ قال: بتركي مالا يعنيني، كما عناك من أمري ما لا يعنيك. وقد ذكر الأحنف ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل البصرة، وقال: " كان ثقة مأموناً، قليل الحديث، وكان ممن اعتزل وقعة الجمل، ثم شهد صفين ". وقد روى عن عمر وعثمان وعلى وابن مسعود وأبي ذر وغيرهم. وروى عنه أبو العلاء بن الشخير, والحسن البصري وطلق بن حبيب وغيرهم. وله قصص يطول ذكرها مع عمر ثم عثمان ثم مع على ثم مع معاوية ثم مع من بعده.
هل تعلم أن شخصيتك مذكورة في القرآن الكريم ، فضلاً إقرأ وتمعن لتعرف من أنت ومن تشبه :
روي أن ( الأحنف بن قيس ) :
كان جالساً يوماً فجال في خاطره قوله تعالى:( لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم )
فقال :عليَّ بالمصحف لألتمس ذكري حتي أعلم من أنا و من أشبه ؟
* فمر بقوم .. (كانوا قليلاُ من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حقٌ للسائل والمحروم)
* ومرَّ بقومٍ .. ( ينفقون في السرَّاء والضرَّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس )
* ومرَّ بقوم .. ( يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون )
* ومرَّ بقوم .. ( يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون ) فقال تواضعاُ منه : اللهم لست أعرف نفسي في هؤلاء... ثم أخذ يقرأ
* فمر بقوم (إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون )*
ومرَّ بقوم يقال لهم : ( ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين )
فقال : اللهم إني أبرأ إليك من هؤلاء ..
*حتى وقع على قوله تعالي : ( وآخرون أعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً و آخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم ) فقال : اللهم أنا من هؤلاء .!!
بعض أقواله:
قال ابن المبارك: قيل للأحنف بم سودوك؟ قال: لو عاب الناس الماء لم أشربه. وقال الأحنف: عجبت لمن يجري في مجرى البول مرتين كيف يتكبر. وقال أيضاً: ثلاث في ما أذكرهن إلا لمعتبر ما أتيت باب سلطان إلا أن أدعى، ولا دخلت بين اثنين حتى يدخلاني " بينهما "، وما أذكر أحداً بعد أن يقوم من عندي إلا بخير. وقيل إن رجلاً خاصم الأحنف، وقال: لئن قلت واحدة لتسمعن عشراً، فقال: لكنك إن قلت عشراً لم تسمع واحدة. وقال: من أسرع إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون. وعنه سئل ما المروءة قال: كتمان السر، والبعد من الشر. وقال: " رأس الأدب آلة المنطق لا خير في قول بلا فعل ولا في منظر بلا مخبر، ولا في مال بلا جود، ولا في صديق بلا وفاء، ولا في فقه بلا ورع، ولا في صدقة إلا بنية، ولا في حياة إلا بصحة وأمن ".
وفاته:
وعن عبد الرحمن بن عمارة بن عقبة قال: حضرت جنازة الأحنف بالكوفة، فكنت فيمن نزل قبره، فلما سويته رأيته، قد فسح له مد بصري، فأخبرت بذلك أصحابي، فلم يروا ما رأيت. وقال أبو عمرو بن العلاء: توفي الأحنف في دار عبيد الله بن أبي غضنفر. قال الفسوي: مات الأحنف سنة سبع وستين. وقال غيره: توفي سنة إحدى وسبعين. وقال جماعة: مات في إمرة مصعب بن الزبير على العراق - رحمه الله -.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق