اذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة
ــــــــــــــــــــــد. صالح العطوان الحيالي -العراق - 12-8-2019
لا يمكننا الحديث عن مجتمعٍ لا تسود فيه الأمانة، ولا يمكننا كذلك أن نتخيّل تبعات غياب هذه السمة الخلقيّة الأصيلة، الراسخة في جذور التاريخ؛ ذلك لأنها المنطلق الحقيقي للنجاح والازدهار، كما أنها من السنن الناظمة للحياة والموصلة إلى الأمان والسلم الاجتماعي .
وإن إقصاء هذه الفضيلة يعني بالضرورة مجتمعاً تسوده الفوضى ويغلب عليه الغش في المعاملات، وأن تكون الكلمة العليا للغبن وإنقاص الحقوق، وسريان قاعدة: "البقاء للأدهى" بدلاً من: "البقاء للأصلح"، الأمر الذي سيُسهم في تقويض البناء الحضاري للأمم والشعوب.
ولعلماء الاجتماع حكمة مأثورة تقول: "أمّة لا أمانة فيها، لا حضارة فيها" ، وهكذا أثبتت التجارب البشريّة على مرّ العصور، لتؤكّد أن وجود هذا الخلق ضرورة من ضرورات الحياة لا تقوم بدونه أو تستقيم.
لكنّ غياب الأمانة، ونضوب منابعها، وقلّة أثرها، هو أمرٌ لا مفرّ من حدوثه، وقضاءٌ محتومٌ لا بد من وقوعه، ونحن لم نأتِ بهذه التوقّعات من عند أنفسنا، أو من خلال دراساتنا فحسب، بل كان المعتمد في ذلك بالأساس على نبوءةٍ ورد ذكرها في السنّة، تحدّثت عن هذه الانتكاسة الأخلاقية باعتباره من أشراط الساعة، فأين ورد ذلك؟
حين تضعف الديانة تضمحل الأمانة، وتظهر الخيانة، وتباع الذمم، وتسترخص أرواح الناس، وتستباح حقوقهم، وينتج عن ذلك فساد الأحوال، وتأخر العمران، وتقهقر الحضارة، إذ يسود أهل الجهل والغش، ويؤخر أولو العلم والنصح، وذلك من إمارات الساعة.
وإذا كانت الخيانة، وعدم أداء الأمانة تضر ضرراً بالغاً في الحقوق الخاصة، فكيف إذا كان انعدام الأمانة، والتلطخ بالخيانة يصل إلى الأمور العامة التي يتأثر بها الجمع الكثير من الناس؟
إن الأمانة لا توجد إلا حيث يوجد العدل، وإذا ساد الظلم ولدت معه الخيانة، وبالعدل والأمانة تزدهر الحضارة، وتتقدم الدول والأمم، ويعرف الناس حقوقهم وواجباتهم، وفي القرآن نجد الأمر بالأمانة، والنهي عن الخيانة، والتشديد في ذلك، كما نجد اقتران الأمر بالأمانة مع الأمر بالعدل لأنهما صنوان، كما أن الخيانة والظلم إخوان {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ} [النساء:58] فأمر سبحانه بالعدل والأمانة.
وامتدح عز وجل أداء الأمانة، وجعله من أوصاف المؤمنين، ومن أوصاف المصلين {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون:8]. ونهى سبحانه المؤمنين عن الخيانة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27] وفي القرآن أيضا {إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الخَائِنِين} [الأنفال: من الآية 58] وفيه أيضاً {وَأَنَّ اللهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الخَائِنِينَ} [يوسف: من الآية 52] وتعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخيانة فقال: «وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة» (رواه أبو داود).
وجاء في الحديث نفي الإيمان عن الخائن، لأن الإيمان يدعو صاحبه للأمانة، وينهاه عن الخيانة قال أَنَسٌ رضي الله عنه: ما خَطَبَنَا نبي الله صلى الله عليه وسلم إِلاَّ قال: «لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ له» (رواه أحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان).
ولعظيم أمر الأمانة في صلاح الأمة، واستقامة أحوالها، وازدهار عمرانها كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسخ الأمانة في قلوب أصحابه بذكر قصص الأمناء من الأمم السالفة كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اشْتَرَى رَجُلٌ من رَجُلٍ عَقَارًا له فَوَجَدَ الرَّجُلُ الذي اشْتَرَى الْعَقَارَ في عَقَارِهِ جَرَّةً فيها ذَهَبٌ فقال له الذي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي إنما اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الْأَرْضَ ولم أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، فقال الذي شَرَى الْأَرْضَ: إنما بِعْتُكَ الْأَرْضَ وما فيها، قال: فَتَحَاكَمَا إلى رَجُلٍ فقال الذي تَحَاكَمَا إليه: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ فقال أَحَدُهُمَا: لي غُلَامٌ، وقال الْآخَرُ: لي جَارِيَةٌ قال: أَنْكِحُوا الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا على أَنْفُسِكُمَا منه وَتَصَدَّقَا» (رواه الشيخان).
وفي حديث آخر عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا من بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فقال: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ، فقال: كَفَى بِالله شَهِيدًا، قال: فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ، قال: كَفَى بِالله كَفِيلًا، قال: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إليه إلى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ في الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عليه لِلْأَجَلِ الذي أَجَّلَهُ فلم يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فيها أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً منه إلى صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أتى بها إلى الْبَحْرِ فقال: اللهم إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كنت تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلَاً فقلت كَفَى بِالله كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فقلت كَفَى بِالله شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إليه الذي له فلم أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا، فَرَمَى بها في الْبَحْرِ حتى ولَجَتْ فيه، ثُمَّ انْصَرَفَ وهو في ذلك يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إلى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الذي أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قد جاء بِمَالِهِ فإذا بِالْخَشَبَةِ التي فيها الْمَالُ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا فلما نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الذي كان أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ، فقال: والله ما زِلْتُ جَاهِدًا في طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فما وَجَدْتُ مَرْكَبًا قبل الذي أَتَيْتُ فيه، قال: هل كُنْتَ بَعَثْتَ إلي بِشَيْءٍ، قال: أُخْبِرُكَ أَنِّي لم أَجِدْ مَرْكَبًا قبل الذي جِئْتُ فيه، قال: فإن الله قد أَدَّى عَنْكَ الذي بَعَثْتَ في الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ دينار رَاشِدًا» (رواه البخاري)
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذهاب الأمانة في آخر الزمان في حديث حذيفة رضي الله عنه وجاء فيه: «فَيُصْبِحُ الناس يَتَبَايَعُونَ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ حتى يُقَالَ: إِنَّ في بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا» (رواه الشيخان).
وسأله عليه الصلاة والسلام رجل عن وقت الساعة فأجابه قائلاً: «فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ» (رواه البخاري). وقال ابْن مَسْعُود رضي الله عنه: «أول ما تفقدون من دينكم الأمانة».
روى حذيفة رضي الله عنه قال: ((حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة. وحدثنا عن رفعها قال: ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبراً وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل: ما أعقله, وما أظرفه, وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلماً ردَّه عليَّ الإسلام، وإن كان نصرانياً ردَّه عليَّ ساعيه، فأما اليوم: فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً)) وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم كيف ترفع الأمانة من القلوب, وأنه لا يبقى منها في القلب إلا أثرها.
روى حذيفة رضي الله عنه قال: ((حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة. وحدثنا عن رفعها قال: ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبراً وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل: ما أعقله, وما أظرفه, وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلماً ردَّه عليَّ الإسلام، وإن كان نصرانياً ردَّه عليَّ ساعيه، فأما اليوم: فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً)) ففي هذا الحديث بيان أن الأمانة سترفع من القلوب، حتى يصير الرجل خائناً بعد أن كان أميناً، وهذا إنما يقع لمن ذهبت خشيته, وضعف إيمانه, وخالط أهل الخيانة فيصير خائناً، لأن القرين يقتدي بقرينه.
ومن مظاهر تضييع الأمانة إسناد أمور الناس من إمارة وخلافة وقضاء ووظائف على اختلافها إلى غير أهلها القادرين على تسييرها والمحافظة عليها، لأن في ذلك تضييعاً لحقوق الناس، واستخفافاً بمصالحهم, وإيغاراً لصدورهم، وإثارة للفتن بينهم.
فإذا ضيع من يتولى أمر الناس الأمانة، والناس تبع لمن يتولى أمرهم، كانوا مثله في تضييع الأمانة، فصلاح حال الولاة صلاح لحال الرعية, وفساده فساد لهم، ثم أن إسناد الأمر إلى غير أهله دليل واضح على عدم اكتراث الناس بدينهم, حتى أنهم ليولون أمرهم من لا يهتم بدينه وهذا إنما يكون عند غلبة الجهل ورفع العلم, ولهذا ذكر البخاري رحمه الله حديث أبي هريرة الماضي في كتاب العلم إشارة إلى هذا.
قال ابن حجر: (ومناسبة هذا المتن لكتاب العلم أن إسناد الأمر إلى غير أهله إنما يكون عند غلبة الجهل ورفع العلم، وذلك من جملة الأشراط) وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه ستكون هناك سنون خداعة, تنعكس فيها الأمور, يكذب فيها الصادق, ويصدق فيها الكاذب، ويخون الأمين, ويؤتمن الخائن
في قديم الزمان كان هناك في بغداد سوق اسمه سوق مدحت باشا أو السوق الطويل و كانت العادة أن توضع الأمانات من أموال و ذهب عند أول دكان في هذا السوق و يغادر صاحبها إلى الحج و عند عودته يمر على صاحب الدكان و يأخذ أمانته و يمضي إلى بلده .......
و في احد الايام جاء رجل من خارج بغداد يحمل صرة حمراء و توقف عند أحد الدكاكين و أعطى صاحب الدكان هذه الصرة طالبا منه أن يودعها عنده أمانة إلى حين عودته من الحج .....وافق صاحب الدكان بعد أن تأكد من عددها البالغ ثلاثة آلاف درهم و تعرف عليه و غادر الرجل إلى الحج قاصدا بيت الله الحرام ...بعد عدة أشهر عاد الرجل و دخل إلى الدكان فلم يجد صاحبها فسأل عنه فقال له العمال إنه في البيت و سيعود قريبا و عند عودته طلب منه الرجل ماله .......
فقال له كم أودعت لدينا .....؟؟؟
قال له : ثلاثة آلاف درهم....
قال له : ما اسمك ..... ؟؟؟؟
قال له : اسمي فلان ألا تذكرني ❔
قال له : في أي يوم كان ..... ؟؟؟
قال له : يوم كذا و بدأ الرجل يرتاب من الأسئلة .......
قال له : ما لون الصرة التي وضعتها بها ......؟؟؟؟
قال له : صرة حمراء ......
قال له : اجلس قليلا و أمر بإحضار طعام الغداء و استأذن منه بأن عنده أمر ضروري و سيعود على الفور .....
إنتظر الرجل وقت ليس بالقصير و إذا بصاحب الدكان قد جاء حاملا معه صرة حمراء و فيها ثلاثة آلاف درهم عدهم الرجل و تأكد منهم و قال لصاحب الدكان جزاك الله خيرا و انصرف ....و بينما هو يمشي في السوق و إذا به يرى شيئا غريبا اقترب ليتأكد منه فدخل إلى دكان آخر و كانت المفاجأة .....هذا هو الدكان التي وضع أمانته فيه ..... !!!!
قال لصاحب الدكان السلام عليكم عليكم .... فرد صاحب الدكان وعليكم السلام و رحمة الله ......
تقبل الله منك الحج و الحمد لله على سلامتك .....هذه أمانتك يا حاج فأعاد له صرته وفيها ثلاثة آلاف درهم ...أصاب الرجل الدهشة فقص عليه ما حصل ....وأنه أخطأ في الدكان و دخل عند جاره فأعطاه المال و لم يشكك بكلامه ......؟؟؟
ذهبوا إليه و سألوه كيف تعطي الرجل المال و هو لم يضع عندك أمانته في الأصل .....؟؟؟
فقال لهم : والله الذي لا إله إلا هو إني لم أعرفه و لم أتذكر أن لديه أمانة عندي و لكن لما رأيت أنه واثق من كلامه معي وأنه غريب عن هذه البلاد فكرت أني إن لم أعطه أمانته سيذهب مكسور الخاطر و سيحدث أهله و يقول أن أمانته سرقت منه في سوق بغداد و سيذيع الصيت عن أهل العراق كلهم و ليس عن الشخص الذي سرق منه الأمانة .....
و تذكرت كلام الله تعالى : (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته و ليتق الله ربه )
فذهبت و بعت بضاعة كانت عندي بألف درهم فلم تكف لسداد الأمانة و استدنت من صديق ألف و خمسمائة درهم و كان معي خمسمائة فأكملتهم له ......
في صدر هذه الأمة نماذج مضيئة لمتانة الديانة، وأداء الأمانة، والبعد عن الخيانة، وفي خَلَفها ثلة منهم، فالخير لا يزال في أمة محمد صلى الله عليه وسلم. تولوا ولايات كانت الأموال العظيمة تحت تصرفهم، وفي متناول أيديهم فما أخذوا شيئاً ليس لهم، ولا بخسوا الناس حقاً هو لهم، وجيء بكنوز كسرى لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعجب عمر والمسلمون من كثرتها وتنوعها، وبُهروا بها، فقال عمر رضي الله عنه: «إن قوماً أدَّوا هذا لأمناء! فقال له علي رضي الله عنه: إنك عفَفْتَ فعفَّت رعيتُك ولو رتعتَ لرتعت».
وولي عياض بن غَنْمٍ رضي الله عنه ولاية في الشام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما تولى قدم عليه نفر من أهل بيته يطلبون صلته ومعروفه فلقيهم بالبِشر فأنزلهم وأكرمهم فأقاموا أياماً ثم سألوه في الصلة، وأخبروه بما تكلفوا من السفر إليه، رجاء معروفه، فأعطى كل رجل منهم عشرة دنانير -وكانوا خمسة- فردوها وتسخطوا ونالوا منه، فقال: «أي بني عم، والله ما أُنكر قرابتكم ولا حقكم ولا بُعد شُقتكم ولكن والله ما خلصت إلى ما وصلتكم به إلا ببيع خادمي وبيع ما لا غنى لي عنه فاعذروني. قالوا: الله، ما عذرك، الله، إنك والي نصف الشام وتعطي الرجل منا ما جُهده أن يبلغه إلى أهله! فقال: فتأمروني إن أسرق مال الله، فو الله لأن أُشق بالمنشار أو أُبرى كما يُبرى السَّفَن أحب إلي من أن أخون فلساً أو أتعدى وأحمل على مسلم ظلماً أو على معاهد» (رواه ابن الجوزي وابن عساكر).
اين نحن من هذا في زمن أصبح أكل أموال الناس بالباطل مذهب و شطارة و أصبح الأمين عملة نادرة و شيء غريب بين الناس .....
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال :
" إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة "
د. صالح العطوان الحيالي"
ــــــــــــــــــــــد. صالح العطوان الحيالي -العراق - 12-8-2019
لا يمكننا الحديث عن مجتمعٍ لا تسود فيه الأمانة، ولا يمكننا كذلك أن نتخيّل تبعات غياب هذه السمة الخلقيّة الأصيلة، الراسخة في جذور التاريخ؛ ذلك لأنها المنطلق الحقيقي للنجاح والازدهار، كما أنها من السنن الناظمة للحياة والموصلة إلى الأمان والسلم الاجتماعي .
وإن إقصاء هذه الفضيلة يعني بالضرورة مجتمعاً تسوده الفوضى ويغلب عليه الغش في المعاملات، وأن تكون الكلمة العليا للغبن وإنقاص الحقوق، وسريان قاعدة: "البقاء للأدهى" بدلاً من: "البقاء للأصلح"، الأمر الذي سيُسهم في تقويض البناء الحضاري للأمم والشعوب.
ولعلماء الاجتماع حكمة مأثورة تقول: "أمّة لا أمانة فيها، لا حضارة فيها" ، وهكذا أثبتت التجارب البشريّة على مرّ العصور، لتؤكّد أن وجود هذا الخلق ضرورة من ضرورات الحياة لا تقوم بدونه أو تستقيم.
لكنّ غياب الأمانة، ونضوب منابعها، وقلّة أثرها، هو أمرٌ لا مفرّ من حدوثه، وقضاءٌ محتومٌ لا بد من وقوعه، ونحن لم نأتِ بهذه التوقّعات من عند أنفسنا، أو من خلال دراساتنا فحسب، بل كان المعتمد في ذلك بالأساس على نبوءةٍ ورد ذكرها في السنّة، تحدّثت عن هذه الانتكاسة الأخلاقية باعتباره من أشراط الساعة، فأين ورد ذلك؟
حين تضعف الديانة تضمحل الأمانة، وتظهر الخيانة، وتباع الذمم، وتسترخص أرواح الناس، وتستباح حقوقهم، وينتج عن ذلك فساد الأحوال، وتأخر العمران، وتقهقر الحضارة، إذ يسود أهل الجهل والغش، ويؤخر أولو العلم والنصح، وذلك من إمارات الساعة.
وإذا كانت الخيانة، وعدم أداء الأمانة تضر ضرراً بالغاً في الحقوق الخاصة، فكيف إذا كان انعدام الأمانة، والتلطخ بالخيانة يصل إلى الأمور العامة التي يتأثر بها الجمع الكثير من الناس؟
إن الأمانة لا توجد إلا حيث يوجد العدل، وإذا ساد الظلم ولدت معه الخيانة، وبالعدل والأمانة تزدهر الحضارة، وتتقدم الدول والأمم، ويعرف الناس حقوقهم وواجباتهم، وفي القرآن نجد الأمر بالأمانة، والنهي عن الخيانة، والتشديد في ذلك، كما نجد اقتران الأمر بالأمانة مع الأمر بالعدل لأنهما صنوان، كما أن الخيانة والظلم إخوان {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ} [النساء:58] فأمر سبحانه بالعدل والأمانة.
وامتدح عز وجل أداء الأمانة، وجعله من أوصاف المؤمنين، ومن أوصاف المصلين {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون:8]. ونهى سبحانه المؤمنين عن الخيانة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27] وفي القرآن أيضا {إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الخَائِنِين} [الأنفال: من الآية 58] وفيه أيضاً {وَأَنَّ اللهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الخَائِنِينَ} [يوسف: من الآية 52] وتعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخيانة فقال: «وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة» (رواه أبو داود).
وجاء في الحديث نفي الإيمان عن الخائن، لأن الإيمان يدعو صاحبه للأمانة، وينهاه عن الخيانة قال أَنَسٌ رضي الله عنه: ما خَطَبَنَا نبي الله صلى الله عليه وسلم إِلاَّ قال: «لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ له» (رواه أحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان).
ولعظيم أمر الأمانة في صلاح الأمة، واستقامة أحوالها، وازدهار عمرانها كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسخ الأمانة في قلوب أصحابه بذكر قصص الأمناء من الأمم السالفة كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اشْتَرَى رَجُلٌ من رَجُلٍ عَقَارًا له فَوَجَدَ الرَّجُلُ الذي اشْتَرَى الْعَقَارَ في عَقَارِهِ جَرَّةً فيها ذَهَبٌ فقال له الذي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي إنما اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الْأَرْضَ ولم أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، فقال الذي شَرَى الْأَرْضَ: إنما بِعْتُكَ الْأَرْضَ وما فيها، قال: فَتَحَاكَمَا إلى رَجُلٍ فقال الذي تَحَاكَمَا إليه: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ فقال أَحَدُهُمَا: لي غُلَامٌ، وقال الْآخَرُ: لي جَارِيَةٌ قال: أَنْكِحُوا الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا على أَنْفُسِكُمَا منه وَتَصَدَّقَا» (رواه الشيخان).
وفي حديث آخر عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا من بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فقال: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ، فقال: كَفَى بِالله شَهِيدًا، قال: فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ، قال: كَفَى بِالله كَفِيلًا، قال: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إليه إلى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ في الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عليه لِلْأَجَلِ الذي أَجَّلَهُ فلم يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فيها أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً منه إلى صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أتى بها إلى الْبَحْرِ فقال: اللهم إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كنت تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلَاً فقلت كَفَى بِالله كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فقلت كَفَى بِالله شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إليه الذي له فلم أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا، فَرَمَى بها في الْبَحْرِ حتى ولَجَتْ فيه، ثُمَّ انْصَرَفَ وهو في ذلك يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إلى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الذي أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قد جاء بِمَالِهِ فإذا بِالْخَشَبَةِ التي فيها الْمَالُ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا فلما نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الذي كان أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ، فقال: والله ما زِلْتُ جَاهِدًا في طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فما وَجَدْتُ مَرْكَبًا قبل الذي أَتَيْتُ فيه، قال: هل كُنْتَ بَعَثْتَ إلي بِشَيْءٍ، قال: أُخْبِرُكَ أَنِّي لم أَجِدْ مَرْكَبًا قبل الذي جِئْتُ فيه، قال: فإن الله قد أَدَّى عَنْكَ الذي بَعَثْتَ في الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ دينار رَاشِدًا» (رواه البخاري)
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذهاب الأمانة في آخر الزمان في حديث حذيفة رضي الله عنه وجاء فيه: «فَيُصْبِحُ الناس يَتَبَايَعُونَ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ حتى يُقَالَ: إِنَّ في بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا» (رواه الشيخان).
وسأله عليه الصلاة والسلام رجل عن وقت الساعة فأجابه قائلاً: «فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ» (رواه البخاري). وقال ابْن مَسْعُود رضي الله عنه: «أول ما تفقدون من دينكم الأمانة».
روى حذيفة رضي الله عنه قال: ((حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة. وحدثنا عن رفعها قال: ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبراً وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل: ما أعقله, وما أظرفه, وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلماً ردَّه عليَّ الإسلام، وإن كان نصرانياً ردَّه عليَّ ساعيه، فأما اليوم: فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً)) وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم كيف ترفع الأمانة من القلوب, وأنه لا يبقى منها في القلب إلا أثرها.
روى حذيفة رضي الله عنه قال: ((حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة. وحدثنا عن رفعها قال: ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبراً وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل: ما أعقله, وما أظرفه, وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلماً ردَّه عليَّ الإسلام، وإن كان نصرانياً ردَّه عليَّ ساعيه، فأما اليوم: فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً)) ففي هذا الحديث بيان أن الأمانة سترفع من القلوب، حتى يصير الرجل خائناً بعد أن كان أميناً، وهذا إنما يقع لمن ذهبت خشيته, وضعف إيمانه, وخالط أهل الخيانة فيصير خائناً، لأن القرين يقتدي بقرينه.
ومن مظاهر تضييع الأمانة إسناد أمور الناس من إمارة وخلافة وقضاء ووظائف على اختلافها إلى غير أهلها القادرين على تسييرها والمحافظة عليها، لأن في ذلك تضييعاً لحقوق الناس، واستخفافاً بمصالحهم, وإيغاراً لصدورهم، وإثارة للفتن بينهم.
فإذا ضيع من يتولى أمر الناس الأمانة، والناس تبع لمن يتولى أمرهم، كانوا مثله في تضييع الأمانة، فصلاح حال الولاة صلاح لحال الرعية, وفساده فساد لهم، ثم أن إسناد الأمر إلى غير أهله دليل واضح على عدم اكتراث الناس بدينهم, حتى أنهم ليولون أمرهم من لا يهتم بدينه وهذا إنما يكون عند غلبة الجهل ورفع العلم, ولهذا ذكر البخاري رحمه الله حديث أبي هريرة الماضي في كتاب العلم إشارة إلى هذا.
قال ابن حجر: (ومناسبة هذا المتن لكتاب العلم أن إسناد الأمر إلى غير أهله إنما يكون عند غلبة الجهل ورفع العلم، وذلك من جملة الأشراط) وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه ستكون هناك سنون خداعة, تنعكس فيها الأمور, يكذب فيها الصادق, ويصدق فيها الكاذب، ويخون الأمين, ويؤتمن الخائن
في قديم الزمان كان هناك في بغداد سوق اسمه سوق مدحت باشا أو السوق الطويل و كانت العادة أن توضع الأمانات من أموال و ذهب عند أول دكان في هذا السوق و يغادر صاحبها إلى الحج و عند عودته يمر على صاحب الدكان و يأخذ أمانته و يمضي إلى بلده .......
و في احد الايام جاء رجل من خارج بغداد يحمل صرة حمراء و توقف عند أحد الدكاكين و أعطى صاحب الدكان هذه الصرة طالبا منه أن يودعها عنده أمانة إلى حين عودته من الحج .....وافق صاحب الدكان بعد أن تأكد من عددها البالغ ثلاثة آلاف درهم و تعرف عليه و غادر الرجل إلى الحج قاصدا بيت الله الحرام ...بعد عدة أشهر عاد الرجل و دخل إلى الدكان فلم يجد صاحبها فسأل عنه فقال له العمال إنه في البيت و سيعود قريبا و عند عودته طلب منه الرجل ماله .......
فقال له كم أودعت لدينا .....؟؟؟
قال له : ثلاثة آلاف درهم....
قال له : ما اسمك ..... ؟؟؟؟
قال له : اسمي فلان ألا تذكرني ❔
قال له : في أي يوم كان ..... ؟؟؟
قال له : يوم كذا و بدأ الرجل يرتاب من الأسئلة .......
قال له : ما لون الصرة التي وضعتها بها ......؟؟؟؟
قال له : صرة حمراء ......
قال له : اجلس قليلا و أمر بإحضار طعام الغداء و استأذن منه بأن عنده أمر ضروري و سيعود على الفور .....
إنتظر الرجل وقت ليس بالقصير و إذا بصاحب الدكان قد جاء حاملا معه صرة حمراء و فيها ثلاثة آلاف درهم عدهم الرجل و تأكد منهم و قال لصاحب الدكان جزاك الله خيرا و انصرف ....و بينما هو يمشي في السوق و إذا به يرى شيئا غريبا اقترب ليتأكد منه فدخل إلى دكان آخر و كانت المفاجأة .....هذا هو الدكان التي وضع أمانته فيه ..... !!!!
قال لصاحب الدكان السلام عليكم عليكم .... فرد صاحب الدكان وعليكم السلام و رحمة الله ......
تقبل الله منك الحج و الحمد لله على سلامتك .....هذه أمانتك يا حاج فأعاد له صرته وفيها ثلاثة آلاف درهم ...أصاب الرجل الدهشة فقص عليه ما حصل ....وأنه أخطأ في الدكان و دخل عند جاره فأعطاه المال و لم يشكك بكلامه ......؟؟؟
ذهبوا إليه و سألوه كيف تعطي الرجل المال و هو لم يضع عندك أمانته في الأصل .....؟؟؟
فقال لهم : والله الذي لا إله إلا هو إني لم أعرفه و لم أتذكر أن لديه أمانة عندي و لكن لما رأيت أنه واثق من كلامه معي وأنه غريب عن هذه البلاد فكرت أني إن لم أعطه أمانته سيذهب مكسور الخاطر و سيحدث أهله و يقول أن أمانته سرقت منه في سوق بغداد و سيذيع الصيت عن أهل العراق كلهم و ليس عن الشخص الذي سرق منه الأمانة .....
و تذكرت كلام الله تعالى : (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته و ليتق الله ربه )
فذهبت و بعت بضاعة كانت عندي بألف درهم فلم تكف لسداد الأمانة و استدنت من صديق ألف و خمسمائة درهم و كان معي خمسمائة فأكملتهم له ......
في صدر هذه الأمة نماذج مضيئة لمتانة الديانة، وأداء الأمانة، والبعد عن الخيانة، وفي خَلَفها ثلة منهم، فالخير لا يزال في أمة محمد صلى الله عليه وسلم. تولوا ولايات كانت الأموال العظيمة تحت تصرفهم، وفي متناول أيديهم فما أخذوا شيئاً ليس لهم، ولا بخسوا الناس حقاً هو لهم، وجيء بكنوز كسرى لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعجب عمر والمسلمون من كثرتها وتنوعها، وبُهروا بها، فقال عمر رضي الله عنه: «إن قوماً أدَّوا هذا لأمناء! فقال له علي رضي الله عنه: إنك عفَفْتَ فعفَّت رعيتُك ولو رتعتَ لرتعت».
وولي عياض بن غَنْمٍ رضي الله عنه ولاية في الشام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما تولى قدم عليه نفر من أهل بيته يطلبون صلته ومعروفه فلقيهم بالبِشر فأنزلهم وأكرمهم فأقاموا أياماً ثم سألوه في الصلة، وأخبروه بما تكلفوا من السفر إليه، رجاء معروفه، فأعطى كل رجل منهم عشرة دنانير -وكانوا خمسة- فردوها وتسخطوا ونالوا منه، فقال: «أي بني عم، والله ما أُنكر قرابتكم ولا حقكم ولا بُعد شُقتكم ولكن والله ما خلصت إلى ما وصلتكم به إلا ببيع خادمي وبيع ما لا غنى لي عنه فاعذروني. قالوا: الله، ما عذرك، الله، إنك والي نصف الشام وتعطي الرجل منا ما جُهده أن يبلغه إلى أهله! فقال: فتأمروني إن أسرق مال الله، فو الله لأن أُشق بالمنشار أو أُبرى كما يُبرى السَّفَن أحب إلي من أن أخون فلساً أو أتعدى وأحمل على مسلم ظلماً أو على معاهد» (رواه ابن الجوزي وابن عساكر).
اين نحن من هذا في زمن أصبح أكل أموال الناس بالباطل مذهب و شطارة و أصبح الأمين عملة نادرة و شيء غريب بين الناس .....
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال :
" إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة "
د. صالح العطوان الحيالي"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق