.....تعلّمْ......
راقتها الدّوائر الذّهبيّة تلتفّ حول الحَبَاب ، تركض غلى صفحة اليمّ موجة تلاحق موجة في حركة متواترة ، تشكيل بدا مدروسا من حركة الرّياح الخفيفة ... يمتدّ المشهد لوحة مرسومة بيد خفيّة بارعة.
كانت كلّما تقدّم بها الزّمان ومالت إلى المغيب يعتريها شحوب يُنذر بالنّهاية ، علّة تأكل منها الوجدان وهي تتهيّأ لفراق من أحبّت...على كتف الجبل الشّاهق اتّكأت وقد أخذ منها الإعياء، ترفع عينا كبّلها العجز لتلقي آخر نظرة على تلك الجموع التي أصابها هلع الفراق فبدت ترتدي الظّلّ ...سواد يزيد الإحساس وجعا.
حولها تزاحمت الألوان ، خليط ينزف من كبد النّهار الآفل ينشره المساء على قمّة الجبل ، يتحوّل يمّا في عمقه تغرق رويدا ...مأتم تقيمه الجهات الأربع وهي تكاد تسقط في الهاوية. هاهو الدّجى يسحب على وجهها غطاءه الدّاكن... يطردها من مَرْبعها دون شفقة واللّون الأحمر من حولها يوهم بمذبحة النّهار على مقصلة اللّيل. يا للصّراع تخوضه قدرا ، تنخرط فيه لحكمة ربّانيّة لا يفقهها إلّا هو.
تلك دورتها لا تحيد عنها رغم أنّها تعلم جيّدا ما سيعانون في غيابها لكنّها تُمنّي النّفس باللّقاء ...ضمّة تسقط آلام البين ، تعيد إليها الإشراق من جديد ...ككلّ صباح ستطلّ عليهم وتمسح دمعا ترقرق في المآقي طلّا نديّا ...في وجهها يبتسمون، منها يمتحون سرّ الحياة ، إنّهم مثلها يؤمنون بالدّورة الزّمنيّة ولا يتذمّرون بل كلّما حانت ساعة الفراق شحنوا صدورهم من حياض الصّبر ، جميعهم يعلم أنّ لا سعادة دون مكابدة وهم من أجلها يتحمّلون حُلكة اللّيل وصقيع الدّجى.
وأنتَ يا مَنْ يطربكَ الشّروق ويُنشيكَ المساء ...هلّا وعيت الحكمة وتعلّمتَ ...اُنظرْ حولك ، تجوّلْ في المدرسة العظمى واقطفْ الثّمار بحُلْوِها ومرّها ...تعلّمْ أنجع السّبل تكتشفْ محيطكَ لتفهم نفسك وتبلغ مرحلة إدراك تؤهّلكَ لأن تكون الأسمى . أ لستَ مَنْ نفخ اللّه فيه من روحه ودعا الملائكة لأن تسجد تعظيما لشأنه ...أراك لم تستوعبْ الدّرس فانسقتَ إلى النّزوات تُهرق شرّها في كون قبلت أن تكون أمينا عليه.
هي ذي الأرض تستصرخ الغوث وما مِنْ مغيث...تأمّلْها جنّتك الموعودة ، لقد حوّلتها جحيما أهدرت فيه كلّ القيم ، بِعتَ الإنسانيّة فلم يسلمْ منكَ نبات ولا حجر ...ما عاد المجال معكَ للحديث عن البشر إذْ عُدْتَ بهم إلى عهود الظّلاميّة والنّخاسة ...سوّقتَ الكراهية فعشّش الحقد في النّفوس وباتت السّفن تفتقر إلى القيادة الحكيمة.
متى تنفضُ عنْ عينيكَ هذه الغشاوة أيّها الكائن الفاني ؟ متى تعود إلى رشدكَ وتغتسل منْ أدران الحياة فتُحصّن نفسكَ من الفجيعة ...مرّة أخرى اُنظرْ حولك وتعلّمْ كما تعلّم قابيل من الغراب ...اُحضنْ إنسانيّتكَ وارْعَها ...اِزْرعْ بذرا خيّرا تجْنِ السّعادة الحقيقيّة.
جميلة بلطي عطوي
تونس....29 / 11 / 2017
راقتها الدّوائر الذّهبيّة تلتفّ حول الحَبَاب ، تركض غلى صفحة اليمّ موجة تلاحق موجة في حركة متواترة ، تشكيل بدا مدروسا من حركة الرّياح الخفيفة ... يمتدّ المشهد لوحة مرسومة بيد خفيّة بارعة.
كانت كلّما تقدّم بها الزّمان ومالت إلى المغيب يعتريها شحوب يُنذر بالنّهاية ، علّة تأكل منها الوجدان وهي تتهيّأ لفراق من أحبّت...على كتف الجبل الشّاهق اتّكأت وقد أخذ منها الإعياء، ترفع عينا كبّلها العجز لتلقي آخر نظرة على تلك الجموع التي أصابها هلع الفراق فبدت ترتدي الظّلّ ...سواد يزيد الإحساس وجعا.
حولها تزاحمت الألوان ، خليط ينزف من كبد النّهار الآفل ينشره المساء على قمّة الجبل ، يتحوّل يمّا في عمقه تغرق رويدا ...مأتم تقيمه الجهات الأربع وهي تكاد تسقط في الهاوية. هاهو الدّجى يسحب على وجهها غطاءه الدّاكن... يطردها من مَرْبعها دون شفقة واللّون الأحمر من حولها يوهم بمذبحة النّهار على مقصلة اللّيل. يا للصّراع تخوضه قدرا ، تنخرط فيه لحكمة ربّانيّة لا يفقهها إلّا هو.
تلك دورتها لا تحيد عنها رغم أنّها تعلم جيّدا ما سيعانون في غيابها لكنّها تُمنّي النّفس باللّقاء ...ضمّة تسقط آلام البين ، تعيد إليها الإشراق من جديد ...ككلّ صباح ستطلّ عليهم وتمسح دمعا ترقرق في المآقي طلّا نديّا ...في وجهها يبتسمون، منها يمتحون سرّ الحياة ، إنّهم مثلها يؤمنون بالدّورة الزّمنيّة ولا يتذمّرون بل كلّما حانت ساعة الفراق شحنوا صدورهم من حياض الصّبر ، جميعهم يعلم أنّ لا سعادة دون مكابدة وهم من أجلها يتحمّلون حُلكة اللّيل وصقيع الدّجى.
وأنتَ يا مَنْ يطربكَ الشّروق ويُنشيكَ المساء ...هلّا وعيت الحكمة وتعلّمتَ ...اُنظرْ حولك ، تجوّلْ في المدرسة العظمى واقطفْ الثّمار بحُلْوِها ومرّها ...تعلّمْ أنجع السّبل تكتشفْ محيطكَ لتفهم نفسك وتبلغ مرحلة إدراك تؤهّلكَ لأن تكون الأسمى . أ لستَ مَنْ نفخ اللّه فيه من روحه ودعا الملائكة لأن تسجد تعظيما لشأنه ...أراك لم تستوعبْ الدّرس فانسقتَ إلى النّزوات تُهرق شرّها في كون قبلت أن تكون أمينا عليه.
هي ذي الأرض تستصرخ الغوث وما مِنْ مغيث...تأمّلْها جنّتك الموعودة ، لقد حوّلتها جحيما أهدرت فيه كلّ القيم ، بِعتَ الإنسانيّة فلم يسلمْ منكَ نبات ولا حجر ...ما عاد المجال معكَ للحديث عن البشر إذْ عُدْتَ بهم إلى عهود الظّلاميّة والنّخاسة ...سوّقتَ الكراهية فعشّش الحقد في النّفوس وباتت السّفن تفتقر إلى القيادة الحكيمة.
متى تنفضُ عنْ عينيكَ هذه الغشاوة أيّها الكائن الفاني ؟ متى تعود إلى رشدكَ وتغتسل منْ أدران الحياة فتُحصّن نفسكَ من الفجيعة ...مرّة أخرى اُنظرْ حولك وتعلّمْ كما تعلّم قابيل من الغراب ...اُحضنْ إنسانيّتكَ وارْعَها ...اِزْرعْ بذرا خيّرا تجْنِ السّعادة الحقيقيّة.
جميلة بلطي عطوي
تونس....29 / 11 / 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق