الأحد، 24 ديسمبر 2017

خاطرة // لقد ماتَ الحفار // بقلم الاستاذ : صالح هشام // المغرب

خاطرة : لقد مات الحفار! 
بقلم الأستاذ صالح هشام ! 
يجف ريقك ، يتلاشى بريقك ، يتحجر سؤال عريض ٠٠٠ غليظ على شفتيك : 
-كيف مات الحفار ؟ 
يتكوم السؤال على نفسه أمام عينيك ، تحار في أمره أهو وهم أم هم تحمله بين ضلوعك ؟
تتكور الإجابة على نفسها ، تنغلق ذاكرتك ، تسود سراديبها ، يغبر أرشيفها ، ويمحى ما علق على جدارها ، تستعصي عليك الإجابة فتضيع في متاهات السؤال من جديد : 
تفرك قبضتيك ،تأخذ نفسا عميقا ٠٠ تسترخي ، تعيد التنفس عميقا ، تغمض عينيك ، تقطع حبل صلتك بواقعك!
تأتيك الإجابة ، في ضوء القمر ، تخبو وتضيء وتتلاشى تماما ٠٠يحضنك هذيان محموم من جديد !
تغمض عينيك : إنك أمام شمس العالم ، شمس في قلبك :
لا زرقة بحر ، لا مستقرا ومثوى ، لا هدير أمواج ! تتصورها في قلبك ، في جوارحك ، في كل خلية من خلايا ك ، دماغك يصيبه الاهتراء والصدأ ، تبحث فيه عن حقيقة ضائعة في نفسك :
-من قتل الحفار ؟ 
عالمك متخن بالجراح ، شمسك تغرب في قلبك ، يأتيك 
همس عبد الرفيع الجواهري :
غربت شمس العالم في القلب !
فاحفر قبرك ، مات الحفار !
تتساءل :
- فمن سيدفن موتانا إذا مات الحفار ؟ 
-احفر قبرك، احمل نفسك، ادفن نفسك بنفسك، فقد مات الحفار ! 
عمق حفرتك، عمقها لقاع القرار ، يجيبك خليل حاوي:
عمق الحفرة يا حفار !
عمقها لقاع القرار !
حقيقة موت الحفار نجمة ، بقايا نجمة ، شظايا نجمة ، مدفونة خلف المدار ، و أنت مكسور الجناح ، لا حول لك !
لا تأسف ، ربما موت الحفار نهاية العالم ، نهاية الحفر ، لا قبور ، جثتك أولى بها النسور ، حقيقة عالم محموم :
تخرج من قوقعة نفسك ، تبحث عن خلاص مستحيل تحشر نفسك في جموع أطفال السياب ، تتلمس فيهم براءة طفولة تنشد غيثا ، تنشد حياة ، لا تشعر بموت الحفار ، تجهل يوما قادما ستحفر حفرة قبرها بنفسها ٠٠ 
تند س في جموعهم ، تشعر بالراحة والارتياح ،تنشد نشيدهم ، نشيدا فيه حياة ، فيه أمل :
يا مطرا يا شاشا !
خبر بنات الباشا !
يا مطرا من ذهب !
تكتشف جمال حقيقة عالمك المجنون، في جمال مطر من ذهب يسقي البهيمة ويحيي الحقل ، يصون جمال الجمال في نفس إنسان ضائع ، هائم ، يبحث عن الحياة : 
رقصا على الضباب !
قبضا على السراب! 
تشعر بإنسانيتك ، معذبة ، لاتجني إلا العذاب ، تريد الخلاص من وهمك ، من همك ، تحتمي بالأطفال تمسح خيبتك بأسمالهم٠٠ تطلب السقيى، تطلب قتل ( الوهم / الهم ) في نفسك الضائعة ، تبحث عن حقيقة إنسانيتك ، في نشيد الأطفال ،علك تجمع شتات نفسك ، المتشظية من عذاب السؤال :
آشتى تاتا... تاتا! 
آوليدات الحراثة !
يا ربي اعطينا الشتا ! 
تقاوم صراخك المكتوم ، وتبحر بعيدا مع الملاحين ، يروقك هدير الموج ، وقعقعة الرعود ، وبريق البرق ،وتنتشي بصياح نوارس البحر ممزوجا بملوحة رضابه ، برذاذه الناعم ، بحر ممتد إلى ما لا نهاية ، تهبط وتعلو مع الموج ، تنسى ، همك ووهمك : لحظة زئبقية ، تسلم ..تستسلم .. ترضخ ، لحقيقة وهم الحقيقة ،لحقيقة هم الحقيقة !
تترك نفسك تنساب في جداول الزمن ، علك تعثر على إجابة شافية لسؤال تحجر على شفتيك حتى أصابهما التشق:
-من قتل الحفار ؟ من سيدفن موتانا ؟ 
هل في جمجمة قديمة طواها النسيان ؟ ، هل في كتاب مصفر مهتريء ؟ هل في مكتبة الموتى ، هل في شظايا جسم طفل بريء غذرت به قذيفة غادرة طائشة ؟
لن ترتاح ، و لن تريح نفسك وغيرك من حر السؤال !
قد ينبلج الفجر يوما في نفسك ، وتشرق شمس قلبك ٠٠ لكن احفر حفرتك ، فقد مات الحفار ، فلا دافن ولا مدفون بعد اليوم ، نفسك تملكها منك شر لا مفر منه ، فنفسك رعيتك ، وأنت راع مسؤول عن رعيتك !
بقلم الاستاذ : صالح هشام 
--السبت 9 نونبر 2016 --

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق