السبت، 9 مارس 2019

مجلة انكمدو العربي للثقافة والأدب // قراءة في قصة قصيرة للكاتب : عبد الكريم الساعدي / بعد عشرين عاماً / العراق / بقلم الناقدة سهيلة حماد / تونس

قراءة :
في قصة قصيرة للقاص، عبدالكريم الساعدي ،
"بعد عشرين عاماً"
بعد /قبل في بعد بانورامي يتجاوز الزمن، ويؤسس إلى ما بعد الحداثة ....
النص إشراقة، تتجدد مع كل قراءة، كانتصار الزمان على بائعة الهوى، سلمى، التي سكنت ذكرى ذكراها ذاكرة صاحبها، فكانت سماءً مدرارا، لصور احتفظ بها، أسير جنون عشق ووجد، لصاحبة مجد، مضت وشاخت، وما شاخت، وإن طرق الباب بعد عشرين عاما، ف"القبل"، حاضرة مباشرة في الاستهلال، استدلالا، على عدم الاعتراف بمضي العشرين عاما، والعشق ظل خارج الزمان، وإن استحضر اليل والصباح والأيام الخوالي، والأمس مذيلة بفجر.
" الساعة واحدة بعد منتصف الليل"، إشارة إلى أن ساعة الزمن، توقفت، وكأن الحواس غامت، واختنقت الأنفاس وسرت قشعريرة غيبت الزمان، من أجل استرجاع ساعة عشق، لاستعادة "أنفاسه التي تركها فوق جدائلها"، لاسترداد" رعشة " هزه الشوق إليها ليشرق وجهها من خلف الباب مهما كان، فهي سلمى الفاتنة قبل أن يطرق بابها طرق باب قلبه فإذا بالماضي يسطع في ارتعاشة ....
نص به من الجمال والتكنيك ما يجعلنا ننبهر ونحيي صاحبه لسلاسة السرد ورشاقته ....تشويقا.حبكة وابهارا...
اهتم بالزمن، إيقاعا و استردادا ، كما اهتم بالقبل والبعد في أبعاد بانورامية تفتح على ما بعد الحداثة ...
كما اهتم بالذاكرة والنسيان
و بتأثر الجسد بالزمن ....
بعد عشرين عاما قصة مستوحاة من قصيدة قرأها قبل عشرين عاما .........ما رأيكم؟؟؟؟؟
سهيلة بن حسين حرم حماد
======
=========
القصة:
بعد عشرين عاماً*
قبل الكأس الأخيرة قال النادل:
- لم يبقَ غيرك في الحانة.
حدّقت في الساعة المعلّقة على الجدار، كانت تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل. يحاصرني القلق في ظلّ حواس غائمة، فلا باب أطرقه ولا صباح ينقذني. أختنق بأنفاسي المتقطّعة وبسعالي الجاف، تعتريني رعشة مزدحمة بتساؤلات غير واضحة " إلى أين سأذهب وكلّ الذين عرفتهم قد رحلوا؟". سألت النادل عن بائعة الهوى "سلمى: "
- هل ما زالت تقطن الزقاق؟ ترتسم الدهشة على ملامحه. يقترب منّي، يهمس في أذني:
- نعم، لكنّها شاخت وما عادت تلك الزهرة الفواحة التي تجذب عشاقها.
لا أدري لماذا ذكرتها الآن. أكرع كأسي، أخرج مسرعاً، أحثّ الخطى إليها، غير مبالٍ بالمطر. كنت وحدي أسير في الزقاق، يسبقني ظلّي إليها، سألت نفسي كيف ستكون بعد عشرين عاماً؟ يخفق قلبي شوقاً للأيام الخوالي " مهما تكن فهي سلمى الفاتنة... ألم تذكر ضحكتها وغنجها الآسر؟"... يا لك من قلب! أبعد الشيب تحنّ وتخفق لتلك الأيام؟
أحاول أن أستمطر ذاكرتي، لعلّي أقتنص ملامحها بعد هذا الفراق الطويل، سأراها كما الأمس مترعة بالضياء، أغنية تقطر ندى، تقاسمني حلكة الليل، سأستعيد أنفاسي التي تركتها فوق جدائلها عند ليلة بحّت بها مواويل الفجر، وألثم عنقها بلهفة عاشق مجنون، وأملأ جرتي من خمرها المشعشعة.
وقبل أن أطرق بابها ارتجفت ضلوعي لتطرق باب القلب، فإذا بالماضي بكامل أرقه يسطع في ارتعاشة دقّاته المتوالية على باب سلمى:
- من الطارق؟
- أنا...
- من أنت؟ وماذا تريد في مثل هذا الوقت؟
- سلام عليك يا سلمى، لقد هزّني الشوق إليك، ألا تفتحين...؟
- صوتك ليس غريباً عنّي، انتظر دقيقة واحدة.
وانتظرت عشرين عاماً أخرى؛ ليشرق وجهها من خلف الباب.
----------------------------------------------------------
*القصة مستوحاة من قصيدة قرأتها قبل عشرين عاماً.
القاص عبدالكريم الساعدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق