اهمية اللغة العربية في إثراء الفكر الإنساني ونشر الثقافة بين الشعوب
ــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 3-6 -2019
تختزن اللغة العربية ذاكرة الأمة وتراثها وقيمها ومفاهيمها، وتشكل التواصل بين ماضيها وحاضرها، كما تمثل هويتها وشخصيتها وخصوصيتها القومية والسياسية.
واللغة العربية هي قبل ذلك كلّه لغة التنزيل المبارك، لغة القرآن الكريم الذي تدين له العربية بالبقاء والدوام عبر الزمان، فقد كان نزول القرآن المجيد «بلسان عربي مبين» حدثاً إلهياً أدى إلى تطوّر جوهري في حياة اللغة العربية وانتشارها وتحولها إلى لغة حضارة خالدة.
تعتبر إحدى اللغات ذات المكانة المتميزة والموقع المتقدم بين لغات العالم. ولقد كان من ثمار هذا الانتشار في الأرض ان توحدت الثقافة وانتظمت ابداعاتها الفكرية وتضافرت على اثرائها اجناس وطوائف دينية، إسلامية ومسيحية وسواها. وبرز من تلك الاجناس والطوائف عباقرة وعلماء كتبوا وابدعوا بالحرف العربي لذلك كان من الصعب على الباحثين في تراث الأمة التمييز بين العربي وغير العربي إذ انهم جميعاً ينتسبون إلى الحضارة العربية الإسلامية وينهلون من بحرها الواسع ويعبرون عنها بلغة عربية واحدة هي لغة القرآن الكريم.
لا يمكن لجاحد أن ينكر أهمية اللغة العربية في إثراء الفكر الإنساني ونشرالثقافة بين الشعوب، فهي لغة عالمية بامتياز يتكلم بها عشرات الملايين وهي أيضا لغة فكر لأكثر من مليار مسلم وهي لغة ثريةوغنية.
قال الخليل ابن أحمد في كتاب العين:أن عدد أبنية كلام العرب المستعمل والمهمل (1230542) كلمة. ويقول أبو الحسن الزبيري:أن عدد الألفاظالعربية (6699400)لفظ لا يستعمل منها إلا 5420 لفظا والباقي مهمل .
ويقول أنور الجندي:»وهي من الناحية العلمية تفوق أضخم اللغات ثروة وأصواتا ومقاطع، إذ أن بها 28 حرفا مكررة بينما في اللغة الإنكليزية 26 حرفا ومنها مكرر.
وفي اللغة العربية ثراء في الأسماء فيها 400 اسم للأسد و 300 اسم للسيف و255 للناقة و170للماء و 70للمطر.
لقد كتب القصاص المشهور جول فيرن في إحدى قصصه الخيالية عن قوم شقوا في أعماق الأرض طريقا إلى جوفها فلماخرجوا سجلوا أسماءهم باللغة العربية فلما سئل عن ذلك قال: لأنها لغة المستقبل».
هذه اللغة الثرية التي ولدت كاملة لم يعترها نقص لأنها لغة القرآن الكريم خاتم كتب السماء وقد فرضت احترامها حتى على مفكرين وفلاسفة عظماء أشادوا بقوتها وسلاستها وجمالها وهذا أرنست رينان يقول:»إن من أغرب ماوقع في تاريخ البشر وصعب حل شره: انتشار اللغة العربية.
فقد كانت هذه اللغة غير معروفة بادئ ذي بدء فبدأت في غاية الكمال سلسة أي سلاسة غنية أي غنى،كاملة بحيث لم يدخل عليها منذ يومها هذا أي تعديل مهم، فليست لها طفولة ولا شيخوخة. ظهرت لأول أمرها تامة محكمة، ولم يمض على فتح الأندلس أكثر من خمسين سنة حتى اضطر رجال الكنيسة أن يترجموا صلواتهم بالعربية ليفهمها النصارى.
لسنا في حاجة إلى بيان الدور الذي لعبته اللغة العربية في العصر الجاهلي كأداة للتخاطب وكمصدر لصقل التعابير عن أدق الإحساسات وأرق العواطف.
إذ يكفي أن نراجع موسوعات اللغة لنلمس ذلك الثراء الذي عز نظيره في معظم لغات العالم، ولعل من مظاهر هذا الثراء تدرجها من الضعف إلى القوة من خلال شتى الاعتبارات وكذلك تدرج الأسماء لنفس المسميات في مئات التعابير تبعا لأدق مجالي الميز.
ولا تزال هذه الموسوعات اللغوية لم تدرس حق الدرس إلى الآن وتنطوي على كنوز تكشف المجامع اللغوية مع الأيام مدى ارتباطها بالمعاني الجديدة واتساقها مع مولدات الفكر الحديث.
على أن في مصنفات الفنون والعلوم الرياضية والأدبية والفلسفية والقانونية ذخيرة لغوية كانت هي القوام الأساسي للتفاهم بين العلماء والتعبير عن أعمق النظريات الفنية يوم كانت الحضارة العربية في عنفوان ازدهارها ويكفي أن تتصفح كتابا علميا أو فلسفيا لتدرك مدى هذه القوة وتلك السعة الخارقة، ففي العربية إذن "مقدرات" شاسعة لا يتوقف حسن استغلالها إلا على مدى ضلاعتنا في فقه اللغة.
والكل يعلم أنه منذ أواخر القرن الهجري الأول "انبثقت حركة فكرية واسعة أذكت جامعات الشرق" ولم تستفد من هذه الحركة – كما يقول مؤلف "المعجزة العربية" – السريانية ولا الفارسية ولا اليونانية.
وإنما استفاد منها شعب عاش لحد ذلك التاريخ خارج حدود العالم المتمدن ولم يكن في الظاهر ما يحدوه إلى الاضطلاع بالدور الخطير الذي قام به مع ذلك في تاريخ الحضارة وهذا الشعب هو الشعب العربي."
لا يمكن لأحد أن يزيح اللغة العربية من وجدان الملايين من المسلمين بل حتى من المسيحيين العرب الذين أحبوا هذه اللغة وألفوا قواميسها ورحلوابها إلى البرازيل والأرجنتين ناشرين تراثها وثقافتها العريقة، وكل الدعوات الغريبة سواء أكانت التدريس بالدارجة أو تيسير النحو أو اتهامها بالعجز ستبوء بالفشل لأنها ليست وليدة اليوم .
يقول أنور الجندي في كتابه القيم «خصائص الأدب العربي»: «كانت الدعوة إلى التمصير من أخطر أعمال التغريب، فقد كانت تستهدف أساسا إقامة حائط كثيف يعزل اللغة عن الأدب في مصر ويحاول أن يوجد لهما ملامح خاصة تفصلهما عن اللغة العربية عامة وعن الأدب العربي، وقد كانت جزءا من دعوة الإقليم التي فرضها النفوذ الاستعماري في أوائل القرن وحمل لواءها لطفي السيد في»الجريدة» باسم إعطاء المصرية طابع الاستقلال والتبريز وعلى حساب الروابط الأساسية بين أجزاء الأمة العربية والقائمة على أساس اللغة العربية والأدب العربي. وقد دعا لطفي السيد إلى تمصير اللغة العربية ثم جاء بعدهرعيل من الدعاة إلى تمصير الأدب العربي في مقدمتهم أحمد ضيف وطه حسين أمين الخولي وقد هوجم هذا الاتجاه وكشف عن فساده وانحرافه في محاولة عزل مصر:لغة وأدبا عن اللغة العربية والأدب العربي في الأمة كلها، بدعوى أن مصر لها طابع خاص أو مزاج خاص وهي دعوى مضللة لم تصمد للنقد العلمي وانهارت أمام أضواء الحقيقة».
فنلاحظ أن التدريس بالدارجة سواء أكانت مصرية أو جزائرية أو لبنانية أوخليجية الهدف منه تفريق الأمة العربية وإضعاف ارتباطها بلغة القرآن، لغة الفصاحة والبيان وبالتالي إنشاء جيل لا يحسن فهم لغته ولا قراءة القرآن ولا فهمه ومن ثم يكون هذا الجيل لقمة سائغة لكل فكر شاذ وايديولوجية منحرفة فتتخطفه جماعات العنف والتطرف وتجعل منه أحزمة ناسفة تدمر بهالمجتمعات وتخرب به البلدا
كانت العربية لغة أدب وشعر منذ أعرق عصور الجاهلية ولكن سرعة انتشارها ترجع في نظر م. فنتيجو مؤلف: "المعجزة العربية" إلى الثمار المادية والروحية التي جنتها من الإسلام أكثر منها إلى القرار الذي اتخذه الأمويون بجعل العربية إجبارية في الوثائق الرسمية.
وخلال القرن الثاني الهجري بدأ انحلال مراكز الثقافة اليونانية في الشرق الأدنى "وتمخض هذا الانحلال عن أكبر فوضى في اللغات "، فقد بدأت شعوب عريقة في الحضارة كالمصريين والهنود تتحلل من ثرائها الخاص لتعتنق على إثر احتكاكها بالعرب "معتقداتهم وأعرافهم وعوائدهم".
ومنذ ذلك العهد ظهرت شعوب أخرى خلفت العرب في النواحي التي احتلتها "ولكن نفوذ أتباع محمد "صلى الله عليه وسلم" ظل لازبا لم يتغير." كما يقول (جورج ريفوار)، ففي جميع نواحي إفريقيا وآسيا التي دخلوها من الغرب إلى الهند تغلغل ذلك النفوذ في الأعماق إلى الأبد ولم يستطع فاتحون جدد إقصاء دين العرب ولغتهم "
أقوال علماء الغرب في العربية والإسلام :
قال المستشرق المجري عبد الكريم جرمانوس :" إنّ في الإسلام سنداً هامّاً للغة العربية أبقى على روعتها وخلودها فلم تنل منها الأجيال المتعاقبة على نقيض ما حدث للغات القديمة المماثلة ، كاللاتينية حيث انزوت تماماً بين جدران المعابد .
ولقد كان للإسلام قوة تحويل جارفة أثرت في الشعوب التي اعتنقته حديثاً ، وكان لأسلوب القرآن الكريم أثر عميق في خيال هذه الشعوب فاقتبست آلافاً من الكلمات العربية ازدانت بها لغاتها الأصلية فازدادت قوةً ونماءً .
والعنصر الثاني الذي أبقى على اللغة العربية هو مرونتها التي لا تُبارى ، فالألماني المعاصر مثلاً لا يستطيع أن يفهم كلمةً واحدةً من اللهجة التي كان يتحدث بها أجداده منذ ألف سنة ، بينما العرب المحدثون يستطيعون فهم آداب لغتهم التي كتبت في الجاهلية قبل الإسلام " . ( الفصحى لغة القرآن - أنور الجندي ص 301 )
قال المستشرق الألماني يوهان فك إن العربية الفصحى لتدين حتى يومنا هذا بمركزها العالمي أساسياً لهذه الحقيقة الثابتة ، وهي أنها قد قامت في جميع البلدان العربية والإسلامية رمزاً لغوياً لوحدة عالم الإسلام في الثقافة والمدنية ، لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامها المسيطر ، وإذا صدقت البوادر ولم تخطئ الدلائل فستحتفظ العربية بهذا المقام العتيد من حيث هي لغة المدنية الإسلامية" . ( الفصحى لغة القرآن - أنور الجندي ص 302 )
قال جوستاف جرونيباوم :" عندما أوحى الله رسالته إلى رسوله محمد أنزلها " قرآناً عربياً " والله يقول لنبيّه " فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدّاً " وما من لغة تستطيع أن تطاول اللغة العربية في شرفها ، فهي الوسيلة التي اختيرت لتحمل رسالة الله النهائية ، وليست منزلتها الروحية هي وحدها التي تسمو بها على ما أودع الله في سائر اللغات من قوة وبيان ، أما السعة فالأمر فيها واضح ، ومن يتّبع جميع اللغات لا يجد فيها على ما سمعته لغة تضاهي اللغة العربية ، ويُضاف جمال الصوت إلى ثروتها المدهشة في المترادفات .
وتزيّن الدقة ووجازة التعبير لغة العرب ، وتمتاز العربية بما ليس له ضريب من اليسر في استعمال المجاز ، وإن ما بها من كنايات ومجازات واستعارات ليرفعها كثيراً فوق كل لغة بشرية أخرى ، وللغة خصائص جمّة في الأسلوب والنحو ليس من المستطاع أن يكتشف له نظائر في أي لغة أخرى ، وهي مع هذه السعة والكثرة أخصر اللغات في إيصال المعاني ، وفي النقل إليها ، يبيّن ذلك أن الصورة العربية لأيّ مثل أجنبيّ أقصر في جميع الحالات ، وقد قال الخفاجي عن أبي داود المطران - وهو عارف باللغتين العربية والسريانية - أنه إذا نقل الألفاظ الحسنة إلى السرياني قبُحت وخسّت ، وإذا نُقل الكلام المختار من السرياني إلى العربي ازداد طلاوةً وحسناً ، وإن الفارابي على حقّ حين يبرّر مدحه العربية بأنها من كلام أهل الجنّة ، وهو المنزّه بين الألسنة من كل نقيصة ، والمعلّى من كل خسيسة ، ولسان العرب أوسط الألسنة مذهباً وأكثرها ألفاظاً " . ( الفصحى لغة القرآن - أنور الجندي ص 306 ) .
العرب والمعاجم :
قال المستشرق الألماني أوجست فيشر :" وإذا استثنينا الصين فلا يوجدُ شعبٌ آخرُ يحقّ له الفَخارُ بوفرةِ كتبِ علومِ لغتِه ، وبشعورِه المبكرِ بحاجته إلى تنسيقِ مفرداتها ، بحَسْبِ أصولٍ وقواعدَ غيرَ العرب". ( مقدمة المعجم اللغوي التاريخي - أوغست فيشر )
قال هايوود :" إن العرب في مجال المعجم يحتلّون مكان المركز ، سواءً في الزمان أو المكان ، بالنسبة للعالم القديمِ أو الحديثِ ، وبالنسبة للشرقِ أو الغربِ " .
شمول العربية واكتمالها :
قال المستشرق ألفريد غيوم عن العربية :" ويسهل على المرء أن يدركَ مدى استيعابِ اللغةِ العربيةِ واتساعها للتعبير عن جميع المصطلحات العلمية للعالم القديم بكل يسرٍ وسهولة ، بوجود التعدد في تغيير دلالة استعمال الفعل والاسم
إن اللغة العربية التي بلغت مبلغا كبيرا من المرونة والثروة في العهد الجاهلي أدركت في القرن الرابع الهجري أي في عنفوان العصر العباسي أوج كمالها وقد وصف (زكي مبارك) روعة النثر الفني العربي في هذا القرن ووصف (فيكتور بيرار) اللغة العربية في ذلك العصر بأنها أغنى وأبسط وأقوى وأرق وأمتن وأكثر اللهجات الإنسانية مرونة وروعة.
فهي كنز يزخر بالمفاتن ويفيض بسحر الخيال وعجيب المجاز رقيق الحاشية مهذب الجوانب رائع التصوير" وأعجب ما في الأمر –وهو شيء لا نظير له عند الشعوب الأخرى- أن البدو كانوا هم سدنة هذه الذخائر "وجهابذة النثر العربي جبلة وطبعا" منهم استمد كل الشعراء ثراءهم اللغوي وعبقريتهم في القريض.
إن نفوذ اللغة العربية أصبح بعيد المدى حتى إن جانبا من أوربا الجنوبية أيقن بأن العربية هي "الأداة الوحيدة لنقل العلوم والآداب" كما يقول (جورج ريفوار) الذي أوضح أيضا أن رجال الكنيسة اضطروا إلى تعريب مجموعاتهم القانونية لتسهيل قراءتها في الكنائس الإسبانية وأن "جان سيفيل" وجد نفسه مضطرا إلى أن يحرر بالعربية معارض الكتب المقدسة ليفهمه الناس."
أما في فرنسا فقد أكد (جوستاف لوبون) في حضارة العرب (ص: 174) أن للعربية أثارة مهمة في فرنسا نفسها وقد لاحظ المؤرخ "سديو" عن حق أن لهجة ناحيتي أوفيرني وليموزان زاخرة بالألفاظ العربية وأن الأعلام تتسم في كل مكان بالطابع العربي.
وكان من الطبيعي أن يزود العرب الذين كانوا قادة المتوسط منذ القرن الثامن الميلادي –كلا من فرنسا وإيطاليا– بمعظم مصطلحات الجيش والإدارة والصيد والعلوم وغيرها.
وقد لوحظ نفس التأثير في صقلية حيث كان الملك (روجير النرمندي) يتسربل بالأزياء الشرقية ويرقم جبته الرسمية بالحروف العربية وكان كل من خاتمه ونقوده يحمل الكتابة العربية والنرماندية وقد كان أميرال صقلية متضلعا في العربية وبالجملة "فقد صارت العربية – كما يقول الأستاذ فنتيجو– لغة دولية للتجارة والعلوم."
أما نسبة هذا التأثير فقد ذكر بعض الباحثين أن المفردات العربية التي دخلت إلى الإسبانية تقدر بربع محتويات القاموس الإسباني، بينما دخلت إلى البرتغالية ثلاثة آلاف كلمة عربية وقد صنف (الأب ساسا باتيستا) الذي ولد في دمشق من أبوين عربيين قاموسا عام (1789).
جمع فيه الكلمات التي اقتبسها البرتغال من العربية وهذا القاموس يقع في مائة وستين صحيفة كما ألف دوزي وانجلمان قاموسا للكلمات الإسبانية والبرتغالية المشتقة من العربية وتوجد في مكتبة الاسكوريال معاجم عربية يونانية وعربية لاتينية وعربية إسبانية صنفها علماء مسلمون (حضارة العرب، ص: 166-474). وهناك لغات أخرى كالمالطية اقتبست معظم مفرداتها من العربية وقد أمكن استماعنا في العقود الأخيرة لخطاب فاهت به شخصية مالطية رسمية لم يعسر فهمه على المستمعين لاسيما وأن اللهجة المالطية تتجانس مع لهجات المغرب العربي ومعلوم أن الكثير من اللهجات تتقارب في العالم العربي. وقد أكد جوستاف لوبون (ص: 472) "أن العربية من أكثر اللغات انسجاما فهي وإن كانت تحتوي على عدة لهجات كالشامية والحجازية والمصرية والجزائرية غير أن هذه اللهجات لا تختلف فيما بينها إلا بفوارق جد طفيفة.
إذ بينما نلاحظ أن سكان قرية في شمال فرنسا لا يفهمون كلمة من اللهجات المستعملة في قرى الجنوب نرى سكان شمالي المغرب الأقصى يتفاهمون بسهولة مع سكان مصر والحجاز" وقد قال الرحالة (بوركارد) بأن كل من عرف إحدى هذه اللهجات فهم سائرها بدون عناء."
وقد استكشفت في صقلية لوحة مسيحية محررة بالعربية ومؤرخة بالتاريخ الهجري بعد انتهاء الاحتلال العربي بستين سنة. واللغة الإغريقية نفسها اقتبست الشيء الكثير من العربية، غير أن المقتسبات اتخذت شكلية يعسر معها إرجاعها إلى الأصل العربي.
ومعلوم أن الجامعة الأوروبية كانت عاملا مهما في ذيوع اللغة العربية التي أصبحت في العصور الوسطى لغة الفلسفة والطب ومختلف العلوم والفنون، بل أصبحت لغة دولية للحضارة ففي عام 1207م لوحظ وجود معهد في جنوب أوروبا لتعليم اللغة العربية ثم نظم المجمع المسيحي العالمي بعد ذلك تعليمها في أوروبا وذلك بإحداث كراسي في كبريات الجامعات الغربية وفي القرن السابع عشر اهتمت أوروبا الشمالية اهتماما خاصا بتدريس اللغة العربية ونشرها.
ففي 1632 قررت حكومة السويد تعليم العربية في بلادها ومنذ ذلك انصرفت السويد إلى طبع ونشر المصنفات الإسلامية وبدأت روسيا تعتني بالدراسات الشرقية والعربية على الخصوص في عهد (البطرس الأكبر) الذي وجه إلى الشرق خمسة من الطلبة الروسيين وفي عام 1769 قررت الملكة (كاترينا) إجبارية اللغة العربية.
وقد اتجه اقتباس أوروبا من العربية نحو الميدان العلمي فدخلت إلى اللغات الأوروبية كثير من المصطلحات العربية مثل الكحول والإكسير والجبر واللوغريتم وقد استمد الأسبان – حسب ليفي بروفنصال– معظم أسماء الرياحين والأزهار من العربية.
ومن جبال البرانس انتقلت مصطلحات العلوم الطبيعية إلى فرنسا مثل البرقوق والياسمين والقطن والزعفران ومجموعة مصطلحات الري تقريبا هي كذلك من أصل عربي كما تحمل الحلي في إسبانيا أسماء عربية ويتجلى نفس التأثير في الهندسة المعمارية وبالجملة فقد استمدت إسبانيا وبواسطتها أمريكا اللاتينية من اللغة العربية الشيء الكثير من مقوماتها اللغوية ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا.
وقد لاحظ عالم إيطالي كبير أن معظم التعابير العربية التي تغلغلت بكيفية مدهشة في لغة روما لم تنقل عن طريق التوسع الاستعماري ولكن بفضل إشعاع الإسلام الثقافي