عطب
- بني، سيصبح لك شأنٌ. قالها منذ أربعة عقود خلت.
الصدى يقرع سمعي، يجلو صدأ غيبوبتي، أسرج دمعي مثقلاً بالخوف، أمتطي صهوة عدمي المحض، متأبطاً قلقي، يراودني شعور غريب أن أذهب لمقهى يسمى غرناطة؛ لعلّي أدرك كينونتي، أمشي كعجوز يتوكأ على خصلات شعر سوداء، تبرق في مفرق الشيب، متعثراً بخطواتي، يشاكسني الأمل، أبحث عن آثار خطاي في مدينة هرمة، ما زلت أذكر أول لقاء في ذلك المقهى المزدحم بالضجيج والمضمخ برائحة التبغ المحلّي، أذكر أنّه يقع بين مكتبة صغيرة ومحل لبيع العطور؛ أرتب الماضي، أمضي محتضناً ثروة من حنين، رأيته منتظراً قدومنا، لم يبصر غيري، كانوا أضغاث أحلام، سرّ بي أيما سرور، رسمنا هدأة أحلامنا على نغم ( البنفسج )، ودفء استكانات الشاي المقدمة من سماورات كبيرة، ننتظر طلوع الفجر، تشرق مواعيدنا في جادة مظلمة، حفظتُ الطريق جيداً، غير مبالٍ بمنعطفات الممنوع، مفتوناً بالأسماء وخمر القصائد وعطر وطن مصلوب على كتف المقابر؛ سلكت كلّ الدروب، مشمراً عن ساعديّ، متوضئاً بالأمل حتى انطفأت ناري لمّا حاصرتني ريح القضبان، معصوب العينين، أرقص فزعاً على نغم سياط جلاد محترف، حشد من السنين يمرّ، القلب يخفق، يعوم في مدى كوني شوقاً ليشمّ روائح ورود الصباح، وبعد حين من الوجع خرجت أبحث عن الجهات، عارياً أتجول دون دليل؛ لأولد ثانية في جحيم الحروب، لا أعلم كيف عشت كلّ هذا الموت، كنت ملتاثاً بأغنية حزينة، تستدعي ماضياً أفل، مبتهجاً بحزني، أدور حيث الوهم دار، أعتلي سلالم المجهول، أتوسل ذكرى منسية؛ لعلّها توقظ الحياة، ليس ثمة من ملامح تشير إلى ذات الطريق الذي سلكته يوماً ما، الأزقة تمسّد شعر الخراب المنسدل على واجهات البيوت الأمامية، يؤرقني رؤية الأشياء معلّقة في هاوية الجحيم، يفزعني أنين الموتى، خيط من الدمع ينسلّ من عيني، ألوذ بحزني منكسراً، مضطرباً، لمّا انبثق المكان أمامي ساخراً، ملوحاً لي بالعطب, مزدحماً بالعويل وبخرافة (بُني، سيصبح لك شأنٌ )، عيون المارة منطفئة، تغرق في موجة ضحك حتى الإعياء، أنزوي جانباً، مندهشاً، أفتّش عن طريق يخرجني إلى عنوان يحتضن ملامحي، يبدو أنّ الطرق تلبس أقداماً غير قدميّ، لا مقهى هنا، ولا مكتبة ولا محلاً لبيع العطور؛ لا شيء سوى رمادٍ، ورائحة غائطٍ وبولٍ وبارود، ومحلاتٍ لبيع الملابس العسكرية.
- بني، سيصبح لك شأنٌ. قالها منذ أربعة عقود خلت.
الصدى يقرع سمعي، يجلو صدأ غيبوبتي، أسرج دمعي مثقلاً بالخوف، أمتطي صهوة عدمي المحض، متأبطاً قلقي، يراودني شعور غريب أن أذهب لمقهى يسمى غرناطة؛ لعلّي أدرك كينونتي، أمشي كعجوز يتوكأ على خصلات شعر سوداء، تبرق في مفرق الشيب، متعثراً بخطواتي، يشاكسني الأمل، أبحث عن آثار خطاي في مدينة هرمة، ما زلت أذكر أول لقاء في ذلك المقهى المزدحم بالضجيج والمضمخ برائحة التبغ المحلّي، أذكر أنّه يقع بين مكتبة صغيرة ومحل لبيع العطور؛ أرتب الماضي، أمضي محتضناً ثروة من حنين، رأيته منتظراً قدومنا، لم يبصر غيري، كانوا أضغاث أحلام، سرّ بي أيما سرور، رسمنا هدأة أحلامنا على نغم ( البنفسج )، ودفء استكانات الشاي المقدمة من سماورات كبيرة، ننتظر طلوع الفجر، تشرق مواعيدنا في جادة مظلمة، حفظتُ الطريق جيداً، غير مبالٍ بمنعطفات الممنوع، مفتوناً بالأسماء وخمر القصائد وعطر وطن مصلوب على كتف المقابر؛ سلكت كلّ الدروب، مشمراً عن ساعديّ، متوضئاً بالأمل حتى انطفأت ناري لمّا حاصرتني ريح القضبان، معصوب العينين، أرقص فزعاً على نغم سياط جلاد محترف، حشد من السنين يمرّ، القلب يخفق، يعوم في مدى كوني شوقاً ليشمّ روائح ورود الصباح، وبعد حين من الوجع خرجت أبحث عن الجهات، عارياً أتجول دون دليل؛ لأولد ثانية في جحيم الحروب، لا أعلم كيف عشت كلّ هذا الموت، كنت ملتاثاً بأغنية حزينة، تستدعي ماضياً أفل، مبتهجاً بحزني، أدور حيث الوهم دار، أعتلي سلالم المجهول، أتوسل ذكرى منسية؛ لعلّها توقظ الحياة، ليس ثمة من ملامح تشير إلى ذات الطريق الذي سلكته يوماً ما، الأزقة تمسّد شعر الخراب المنسدل على واجهات البيوت الأمامية، يؤرقني رؤية الأشياء معلّقة في هاوية الجحيم، يفزعني أنين الموتى، خيط من الدمع ينسلّ من عيني، ألوذ بحزني منكسراً، مضطرباً، لمّا انبثق المكان أمامي ساخراً، ملوحاً لي بالعطب, مزدحماً بالعويل وبخرافة (بُني، سيصبح لك شأنٌ )، عيون المارة منطفئة، تغرق في موجة ضحك حتى الإعياء، أنزوي جانباً، مندهشاً، أفتّش عن طريق يخرجني إلى عنوان يحتضن ملامحي، يبدو أنّ الطرق تلبس أقداماً غير قدميّ، لا مقهى هنا، ولا مكتبة ولا محلاً لبيع العطور؛ لا شيء سوى رمادٍ، ورائحة غائطٍ وبولٍ وبارود، ومحلاتٍ لبيع الملابس العسكرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق