جحيــــــــــــــــــــــــــــــــم الوعـــــــــــــــــــــــــــــــي
---------------------
مجموعة من الأصدقاء لنا محاولات جماعية ، وبعض الآراء أغوانا المعقول واللامعقول، والمنتمي واللامنتمي تركنا الغزالي والجاحظ والفارابي كتب مركونة في رفوف مكتباتنا وقد علاها التراب، نجلس في المقاهي كل منهمك في هوايته أو نقاشاته، نجلس الساعات الطوال ، نخرج من المقهى مثقلين بالجمل والكلمات ، كل منا يجر أوراقه المتعبة بتثاقل ، كلنا من قرية واحدة بيوتنا متناثرة ، حيطان قديمة متروكة نلملم أنفاسنا، نمسد عليها نأخذها بالأحضان، قبالة القرية نهر آسن، في مداخل القرية نلوذ بحيطاننا المتروكة للغبار الكثيف. غشاوة عطلت نظري، أثر دخان السيجارة الذي لم ينفك يلازم شفتي باستمرار، صورة ( صديقي عطشان) تتمايل وتتأرجح فوق رأسي تصعد كلما صعد دخان السيجارة ، مع موجةٍ أخرى من الدخان الصورة تظهر، غُدِرَ بصديقنا ، غدر به عقله وتفكيره، قاده أن يرتمي بين عجلات الشاحنات ، هزَّ كياني موت صديقي ، تأثر جداً بالمحتوى والحقيقة. البلابل ميتة تتساقط من على أغصان الأشجار، لا تغادر الدار إلا بالإذن، شاحنات تقطر الموتى من على الأرصفة من على المزابل، جثث متفسخة في الأزقة والشوارع، قتلة يجوبون الشوارع، فارين من بيوتهم ، يا صديقي (عطشان) فتحت الباب لنا نحو الرؤيا الحقيقية، تبتسم : (ادخلوا يا أصدقائي جحيم الوعي المرير)، لنا الأب الروحي الحقيقي. يا حلم الطفولة الضائع، ضائع في الفراغات التي نجهلها ،تقودنا إلى مصائرنا التي نجهلها، نعود القهقري إلى قبور الفجيعة، قهر المسافات نطويها تلتف حول أعناقنا، قطارنا توقف برحيلك، رحلتنا تدور بنا في حلقة قهر سوداء ، نلوذ بحيطاننا الطينية في العراء، نلوذ لهيمنة الصوت المجهول الذي يتقيأ متسول ضرير، غدر الزمان بنا برحيلك المفاجئ ، أتذكر لقاءنا الأول، مطالعتنا الأولى، علمتنا منها حب الصيد والسباحة في الأنهار والسير حفاة على شوك الحياة حتى على الحجر المسنن، علمتنا حب الفقراء ، قلوبنا صارت مرارة الفقراء، أوجاعهم، جوعهم، ثوراتهم، آلامهم، قلوبنا كل عذابات الوطن، تزيح الستائر عن النوافذ التي تطل على الشوارع الظلماء، : (هي ذي أسرار الحياة) ، تأخذنا إلى النهر الذي يتلوى في أحشاء الأرض، نجري، نتسابق، نعوم بعيداً عن البؤس والشقاء، خلفنا أنت تقبل عيوننا، نبحر معك فوق موج التسامي، أتذكر حين تركتنا مرة واختفيت، جئتنا ملتحياً وبيدك صدفة محار بيضاء كبيرة، : هذه الصدفة تحن إلى الصدف في أعماق البحر، سأغيب هناك، أترككم وأنام هناك، سأنام في الصدفة وأمسح جراحي وألملم أفكاري، سأغيب، كنت تتأوه حينما تنظر إلى الصدفة جُلت بعينيك في وجوهنا، : إنها بيضاء مكورة تناسبني، تراجعت عنا خطوتين : يا أصدقائي إن روحي غيمة من ريش صقيل، ذهلنا لهذا الموقف، لبثنا صامتين، غبنا لحظتها ،نحن حاضرون، حضر معنا وهو غائب، هو ونحن تائهون في لجج أمواج المحن، قال لنا أحد المارين من على ناحية المقهى (عطشان) بالنسبة لكم انعطاف زمني حاد في تاريخكم الشخصي، يشتعل الآن وسينطفئ إلى الأبد، كنا ننظر إليه يصارع طواحين الهواء، يغوص في الطين، يرتفع إلى الأعلى بأجنحة يخاتل ويقاتل الأعداء، يراوغ، ثم ينزوي في أقصى المقهى، يدعي الشرود، وما هو الشارد ،عندما يسقط المطر ويسمع قطرات المطر تطرق الزجاج، يقول لنا صديقكم نقطة مطر سقطت على بداية حرف طويل ثم صارت جرحاً متعرجاً يطول إلى ينابيع المدى، يؤلمنا فيه صلبه آلامنا وأوجاعنا لكي يعري غصون أيامنا من أوراق الضجر، قرأ صديقنا بينهم، شرع يحرق المراحل، الحرائق التي اشتعلت في جراح نفسه جعلته يهيم في ضباب الرعب، كان يرى أصحابه يُغيَّبون واحداً تلو الآخر في ظلامات النهاريات والأقبية والسجون . غيَّبته المستشفيات وغلفته أعوامه بشراشف بيضاء كثيفة، ينام ويصحو صحوة جوفاء، زائغ النظرات، حافي القدمين ضامر الوجه، طويل، يهيم على وجهه في الدروب، في المقاهي، في الحافات، يقرأ الأشعار على المارة في الطرقات والأرصفة الغبراء، يبول على الجدران، ويتقيأ الأحزان لذكراك لعهدي (يا عطشان)، لغيابك المحزن، قطعنا الأشواط، واخترقنا المسافات الشاسعة، نحن الذين نحي أنفسنا على الفيضان المدمر، عيوننا بُسقت ورُؤانا أزاحت الشباك، التهمنا أكداساً من الكتب وبرغبة ضارية وحماسة وجموح الشباب، نجلس في المقهى، نلوك الكلمات ونعلك الجمل، كل كتب المشاهير، صرنا كلنا (عطشان)، إنهم يستخفون بنا بأذهاننا بعقولنا التي باتت صفيح، وصاح أحدنا (عيوننا يدحرجها الوهم)، كذا نحلم بالرحيل إلى الحدائق الغنّاء، لقد كنا حدائق غنّاء، كلها أوهام ...
--------------------------------------------------------
*****
د.المفرجي الحسيني
جحيم الوعي
29/5/2017
العراق /بغداد
---------------------
مجموعة من الأصدقاء لنا محاولات جماعية ، وبعض الآراء أغوانا المعقول واللامعقول، والمنتمي واللامنتمي تركنا الغزالي والجاحظ والفارابي كتب مركونة في رفوف مكتباتنا وقد علاها التراب، نجلس في المقاهي كل منهمك في هوايته أو نقاشاته، نجلس الساعات الطوال ، نخرج من المقهى مثقلين بالجمل والكلمات ، كل منا يجر أوراقه المتعبة بتثاقل ، كلنا من قرية واحدة بيوتنا متناثرة ، حيطان قديمة متروكة نلملم أنفاسنا، نمسد عليها نأخذها بالأحضان، قبالة القرية نهر آسن، في مداخل القرية نلوذ بحيطاننا المتروكة للغبار الكثيف. غشاوة عطلت نظري، أثر دخان السيجارة الذي لم ينفك يلازم شفتي باستمرار، صورة ( صديقي عطشان) تتمايل وتتأرجح فوق رأسي تصعد كلما صعد دخان السيجارة ، مع موجةٍ أخرى من الدخان الصورة تظهر، غُدِرَ بصديقنا ، غدر به عقله وتفكيره، قاده أن يرتمي بين عجلات الشاحنات ، هزَّ كياني موت صديقي ، تأثر جداً بالمحتوى والحقيقة. البلابل ميتة تتساقط من على أغصان الأشجار، لا تغادر الدار إلا بالإذن، شاحنات تقطر الموتى من على الأرصفة من على المزابل، جثث متفسخة في الأزقة والشوارع، قتلة يجوبون الشوارع، فارين من بيوتهم ، يا صديقي (عطشان) فتحت الباب لنا نحو الرؤيا الحقيقية، تبتسم : (ادخلوا يا أصدقائي جحيم الوعي المرير)، لنا الأب الروحي الحقيقي. يا حلم الطفولة الضائع، ضائع في الفراغات التي نجهلها ،تقودنا إلى مصائرنا التي نجهلها، نعود القهقري إلى قبور الفجيعة، قهر المسافات نطويها تلتف حول أعناقنا، قطارنا توقف برحيلك، رحلتنا تدور بنا في حلقة قهر سوداء ، نلوذ بحيطاننا الطينية في العراء، نلوذ لهيمنة الصوت المجهول الذي يتقيأ متسول ضرير، غدر الزمان بنا برحيلك المفاجئ ، أتذكر لقاءنا الأول، مطالعتنا الأولى، علمتنا منها حب الصيد والسباحة في الأنهار والسير حفاة على شوك الحياة حتى على الحجر المسنن، علمتنا حب الفقراء ، قلوبنا صارت مرارة الفقراء، أوجاعهم، جوعهم، ثوراتهم، آلامهم، قلوبنا كل عذابات الوطن، تزيح الستائر عن النوافذ التي تطل على الشوارع الظلماء، : (هي ذي أسرار الحياة) ، تأخذنا إلى النهر الذي يتلوى في أحشاء الأرض، نجري، نتسابق، نعوم بعيداً عن البؤس والشقاء، خلفنا أنت تقبل عيوننا، نبحر معك فوق موج التسامي، أتذكر حين تركتنا مرة واختفيت، جئتنا ملتحياً وبيدك صدفة محار بيضاء كبيرة، : هذه الصدفة تحن إلى الصدف في أعماق البحر، سأغيب هناك، أترككم وأنام هناك، سأنام في الصدفة وأمسح جراحي وألملم أفكاري، سأغيب، كنت تتأوه حينما تنظر إلى الصدفة جُلت بعينيك في وجوهنا، : إنها بيضاء مكورة تناسبني، تراجعت عنا خطوتين : يا أصدقائي إن روحي غيمة من ريش صقيل، ذهلنا لهذا الموقف، لبثنا صامتين، غبنا لحظتها ،نحن حاضرون، حضر معنا وهو غائب، هو ونحن تائهون في لجج أمواج المحن، قال لنا أحد المارين من على ناحية المقهى (عطشان) بالنسبة لكم انعطاف زمني حاد في تاريخكم الشخصي، يشتعل الآن وسينطفئ إلى الأبد، كنا ننظر إليه يصارع طواحين الهواء، يغوص في الطين، يرتفع إلى الأعلى بأجنحة يخاتل ويقاتل الأعداء، يراوغ، ثم ينزوي في أقصى المقهى، يدعي الشرود، وما هو الشارد ،عندما يسقط المطر ويسمع قطرات المطر تطرق الزجاج، يقول لنا صديقكم نقطة مطر سقطت على بداية حرف طويل ثم صارت جرحاً متعرجاً يطول إلى ينابيع المدى، يؤلمنا فيه صلبه آلامنا وأوجاعنا لكي يعري غصون أيامنا من أوراق الضجر، قرأ صديقنا بينهم، شرع يحرق المراحل، الحرائق التي اشتعلت في جراح نفسه جعلته يهيم في ضباب الرعب، كان يرى أصحابه يُغيَّبون واحداً تلو الآخر في ظلامات النهاريات والأقبية والسجون . غيَّبته المستشفيات وغلفته أعوامه بشراشف بيضاء كثيفة، ينام ويصحو صحوة جوفاء، زائغ النظرات، حافي القدمين ضامر الوجه، طويل، يهيم على وجهه في الدروب، في المقاهي، في الحافات، يقرأ الأشعار على المارة في الطرقات والأرصفة الغبراء، يبول على الجدران، ويتقيأ الأحزان لذكراك لعهدي (يا عطشان)، لغيابك المحزن، قطعنا الأشواط، واخترقنا المسافات الشاسعة، نحن الذين نحي أنفسنا على الفيضان المدمر، عيوننا بُسقت ورُؤانا أزاحت الشباك، التهمنا أكداساً من الكتب وبرغبة ضارية وحماسة وجموح الشباب، نجلس في المقهى، نلوك الكلمات ونعلك الجمل، كل كتب المشاهير، صرنا كلنا (عطشان)، إنهم يستخفون بنا بأذهاننا بعقولنا التي باتت صفيح، وصاح أحدنا (عيوننا يدحرجها الوهم)، كذا نحلم بالرحيل إلى الحدائق الغنّاء، لقد كنا حدائق غنّاء، كلها أوهام ...
--------------------------------------------------------
*****
د.المفرجي الحسيني
جحيم الوعي
29/5/2017
العراق /بغداد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق