كون افتراضي
كعادتي كلّ ليلة أفتح نافذتي على الفيسبوك، أمدّ عينيّ، أتأملها بعشق لم أعرفه من قبل، أجوس عوالم متوهّجة بالدفء، عيون مهاجرة، طريدة اللهفة، تتدفق عذوبة، تنفض أزهاراً وينابيع من ضوء، أبحث عن رجال ونساء متخفّية عن غربة الزمن، مختبئة في زوايا أسطر، مقنّعة بصور وأسماء شتّى، خشية الاتهام أو القتل بتهمة الغربة عن الواقع أو الهوس، لا فرق في ذلك طالما أنّ التهم تكال إليهم جزافاً. أوصد كلّ الأبواب، أغادر جفاف سنوات التيه، أشعل ذاكرتي الهرمة، أجهر بحزني الفوّار، وأرسم بفرشة عذاباتي طيوف المقاهي، وجع الطرقات، أنين المآذن المهدّمة، وملامح الندامى، أحلّق دهشة في أعاجيب كون افتراضي،
" ما أروعك يا مارك، إنّه الصدى، المطرُ ينزّ بقوس من الألوان، مَن هؤلاء الذين خرجوا من ثوب النسيان؟، يااااااه، طريد، غريب، تائه، امرأة محنّاة بالفراق، عصافير جرحى، شاعر مهاجر، وجوه فرّت إلى أقاصي الذاكرة، اليوم أراها وتراني، نمدّ عذاباتنا، شوقنا، وبعض الضلوع، يتشكّل جسراً، تتشابك أناملنا، نشتعل عناقاً، نسيح في أفق مضيء، نتجول في حنايا الأمس، نفرش سجادة من دموع ونغرق حيث كنّا هناك"
ذات ليلة تقيأت قرفاً حين اطّلعت على رسالتين غريبتين، امرأة تطلب صداقتي، مرفقة بصورة لامرأة كاشفة عن نهدين منتصبين، تائقين للقطف، تساءلت مستغرباً:
- ما هذه الوقاحة؟. ألقت شباكها دون استيحاء:
- ألم تفهم؟ يعني على الرحب والسعة، نروم الحبّ!
رسالة أخرى تمدّ مخالبها على مهل، تنحت كلمات الإعجاب، رجل تحدّث كثيراً، ثم همس سراً:
- أنا سالب.
كانتا رسالتين موغلتين بخراب النفوس، تلحسان قذارة العالم، رسائل مثل سمكة قرش، مخاتلة، نهمة، تطارد فرائسها المدمّاة بالوهن. أغلقت الباب أمام كلّ الأسماء المستعارة لأنّي أدرك أنّها زخّة خداع، تدثّرت بموج الأمس، تهيّجني روائح الأحبة، يجرفني الحنين إلى قوافيه، أتعثّر بمشارف الدمع؛ فكانت أجمل القصائد والحكايات. ذات ليلة استيقظت على صدى رسالة من مجهول، غريبة وجريئة، تحمل وجع إنسان يهفو لاقتحام أطواقي:
- عزيزي بعد أن اطلعت على آخر ما كتبت، أيقنت أنّ مجتمعنا لم يصل إلى مرحلة العقم في إنتاج رجالاً ملتزمين بالحقيقة، فلتكن أنت وغيرك من الأخيار طوق نجاة لأجيالنا اللاحقة حتى لا يقعوا في هذا الفخّ التاريخي للتبعية والأمّعية ومعسول الكلام، وحتّى لا يساقوا كالخراف إلى الذبح المجاني ... والسلام .
ضحكت كثيراً، ومن أكون أنا حتى يخاطبني هذا الرجل ليرسم لي صورة لم أحلم بها من قبل؟. ربما أراد أن يستفزني، يرغمني على البوح بما يموج في الذاكرة، إنّه يباغتني بإبداعه وسحر كلماته التي عشقتها منذ اللحظة الأولى لقراءتها، يجوب كلّ الأماني المتشظّية على لوحة الوجع، يختلس ما بين السطور، يعشق الحقيقة بنشوة الألم المباح، مرتجفاً بسكرته، متحفزاً للوثب، يعيق صمتي حين كنت تمثالاً من شمع يعتنق النورعشقاً. جاءني مرة أخرى يقلب الواقع فرحاً بأصابع ذاكرة شقية:
- قصتك الأخيرة رائعة، صادقة، باصقة في وجوه كلّ السراق.. رحم الله (جان دمو)، لقد رأيته مرات عديدة كخرابة متكوراً على واحدة من أرائك مقهى حسن عجمي، ينتبه فجأة، وبعبارة موجزة يسخر من الذين يسمون أنفسهم شعراء، ثم يعود إلى بحر صمته غير مبالٍ بالحضور.
عجيب هذا الرجل! لم أكتب شيئاً إلّا أبهرني بسحر كلماته، لقد أخرجني من طوق إهمالي، يثير فيَّ الحياة وعشق الكلمات على رغم أنف خمسين سنة ولّت هاربة من عمري الذي لا يعد غير رقم في زنزانة الطغاة.
لقد كنت مذهولاً أمام كلماته الأنيقة، ينظر إلى نصف كأسي الممتلئة بما يعشقه هو، ويشيح بوجهه عن النصف الآخر.
كان يخشى منّي الكثير خوفاً من استدراجه إلى الكتابة مرة أخرى والوقوع في فخ الكلمات وتداعياتها، هو منذ زمن بعيد وتحت ظروف قاهرة نزف معاناته على الورق، وفي فترة مظلمة من التي مرّت عليه، وما أكثرها ولأسباب يجهلها تماماً قرر أن ينسى ما قرأه حتى أنّه نسي الذكريات الجميلة لمدرسته الابتدائية، كانت كوخاً من القصب، تطالعك حين تلجها خشبة سوداء، يرقد إلى جانبها سريران مضلّعان بالأسى، وكيف أخرجه معلمه الكبير أمام جموع التلاميذ ليمنحه لقب رسام المدرسة، أما الدفتران اللذان كتب فيهما أشعاره، خواطره، وذكرياته البريئة، وبعد انقطاع إجباري أعاد قراءتهما، ثم وبما يشبه الطقوس المجوسية أشعل فيهما النيران وتخلص من شيء ثقيل يشبه الجثة؛ ليرتاح ضميره وينام بلا كوابيس. قصص كبيرة تتحرك بداخله، متلاحقة كالأمواج، لكنّه لا يكتبها، يتكلم بها دون أن يحرك شفتيه حتى لا يسمعه أحد، وما يتكلم به أكتبه أنا، كان خزيناً حاملاً أوجاع الماضي،
"أه، كم اشتقت لرؤية وجهه الذي لم أره من قبل، ولم أسمع صوته إلّا من خلال صدى الكلمات العابرة على صفحتي، رسمت له صورة اكتشفت لاحقاً إنّها صورتي"
ذات ليلة وأنا أتقلّب بين رفوف مكتبتي، وقع بصري على قصة جميلة لـعبدالرحمن منيف "الأشجار واغتيال مرزوق" أعادتني إلى زمن قراءتها لأعيش وسط الذكريات التي لا أملك غيرها، وحينما عدت لأكمل حوار الليلة الماضية رأيته متحمساً على غير عادته، يتحدث عن هموم الناس ويردّ عليّ كلماتي التي دعته للكتابة مجدداً:
- إنّ هذا الشعب ليس بحاجة للخبز أكثر من حاجته إلى مَن يأخذ بيده نحو النور، ويكون له طوق نجاة من ذئاب الجاهلية اللاعبين على كلّ أحابيل الكذب من أجل اعتلاء أكتاف البسطاء للوصول إلى أهدافهم الخسيسة، وممّا أثار استغرابي قوله: " الآن تذكرت منصور عبدالسلام في رواية الأشجار واغتيال مرزوق لعبدالرحمن منيف "، حينها صرخت قائلاً:
- كيف يحدث هذا لقد رأيتها اليوم في مكتبتي، إذن حياتنا فيها من الغرابة ما يفوق غرائبية غابرييل غارسيا ماركيز.
كنت مبتهجاً بهذا القرب الإنساني بعدما أوصلني القنوط إلى إنعدام اللقاء مع ذلك الجيل الرائع الذي ضيعته الظروف العصيبة المفروضة علينا، فمنهم من قضى نحبه كمداً ومنهم من ينتظر وهو ينوء بحمله. كان دائماً يردّد :
- كنّا عبارة عن تهمة كبيرة تسير على قدمين. ما أجمل كلماته!.
فجأة يباغتني غيابه، يختبئ بين السطور، فأشدو وحدي نغم الفراق، ما الذي حلّ به؟، لعلّ مكروهاً أصابه، أو هرب من صمت الأشياء؛ ليفتش عن عوالمنا المخفيّة. يلازمني غيابه، أختبئ خلف الذكرى، فليس هناك من اتجاه يشير إليه، تمرّ الفصول رتيبة، كوقع الخطى التائهة، أمضغ نسيانه على مهل، أرسو على مرافئ خارطة تكويني، أتوقد في مدار الحرف، أروي عطشي فأرتوي من حلم طاف في خاطري، قد كنت بعدك معبّأ بدفقة حزن، يطلبني الخفا، حتى تلك اللحظة حين غزت منبري دهشة عظيمة، فتراني أقف مندهشاً أمام شخص يشبهني تماماً، أحدّق فيه وأنا لا أصدق ما أرى:
- سبحان الله يخلق من الشبه أربعين!. وأنا أعيش تجليات تلك اللحظة الغريبة وإذا بالرجل يقف صارخاً بي:
- إيه أيتّها التهمة السائرة على قدميها، ألم تعرفني؟ أنا صاحبك المبدع كما يحلو لك أن تناديه، تعال هذه عوالمنا المخفيّة ... قفزت بلا وعي، تعانقنا، تعالى بكائي:
- لِمَ البكاء يا صاحبي؟
قلت له:
- (للأسف لقد عدت إلى الحياة في اللحظة التي وطئت قدماي عتبة الشيخوخة، إنّ هذا لعمري يقتل الروح ويدميها).
كعادتي كلّ ليلة أفتح نافذتي على الفيسبوك، أمدّ عينيّ، أتأملها بعشق لم أعرفه من قبل، أجوس عوالم متوهّجة بالدفء، عيون مهاجرة، طريدة اللهفة، تتدفق عذوبة، تنفض أزهاراً وينابيع من ضوء، أبحث عن رجال ونساء متخفّية عن غربة الزمن، مختبئة في زوايا أسطر، مقنّعة بصور وأسماء شتّى، خشية الاتهام أو القتل بتهمة الغربة عن الواقع أو الهوس، لا فرق في ذلك طالما أنّ التهم تكال إليهم جزافاً. أوصد كلّ الأبواب، أغادر جفاف سنوات التيه، أشعل ذاكرتي الهرمة، أجهر بحزني الفوّار، وأرسم بفرشة عذاباتي طيوف المقاهي، وجع الطرقات، أنين المآذن المهدّمة، وملامح الندامى، أحلّق دهشة في أعاجيب كون افتراضي،
" ما أروعك يا مارك، إنّه الصدى، المطرُ ينزّ بقوس من الألوان، مَن هؤلاء الذين خرجوا من ثوب النسيان؟، يااااااه، طريد، غريب، تائه، امرأة محنّاة بالفراق، عصافير جرحى، شاعر مهاجر، وجوه فرّت إلى أقاصي الذاكرة، اليوم أراها وتراني، نمدّ عذاباتنا، شوقنا، وبعض الضلوع، يتشكّل جسراً، تتشابك أناملنا، نشتعل عناقاً، نسيح في أفق مضيء، نتجول في حنايا الأمس، نفرش سجادة من دموع ونغرق حيث كنّا هناك"
ذات ليلة تقيأت قرفاً حين اطّلعت على رسالتين غريبتين، امرأة تطلب صداقتي، مرفقة بصورة لامرأة كاشفة عن نهدين منتصبين، تائقين للقطف، تساءلت مستغرباً:
- ما هذه الوقاحة؟. ألقت شباكها دون استيحاء:
- ألم تفهم؟ يعني على الرحب والسعة، نروم الحبّ!
رسالة أخرى تمدّ مخالبها على مهل، تنحت كلمات الإعجاب، رجل تحدّث كثيراً، ثم همس سراً:
- أنا سالب.
كانتا رسالتين موغلتين بخراب النفوس، تلحسان قذارة العالم، رسائل مثل سمكة قرش، مخاتلة، نهمة، تطارد فرائسها المدمّاة بالوهن. أغلقت الباب أمام كلّ الأسماء المستعارة لأنّي أدرك أنّها زخّة خداع، تدثّرت بموج الأمس، تهيّجني روائح الأحبة، يجرفني الحنين إلى قوافيه، أتعثّر بمشارف الدمع؛ فكانت أجمل القصائد والحكايات. ذات ليلة استيقظت على صدى رسالة من مجهول، غريبة وجريئة، تحمل وجع إنسان يهفو لاقتحام أطواقي:
- عزيزي بعد أن اطلعت على آخر ما كتبت، أيقنت أنّ مجتمعنا لم يصل إلى مرحلة العقم في إنتاج رجالاً ملتزمين بالحقيقة، فلتكن أنت وغيرك من الأخيار طوق نجاة لأجيالنا اللاحقة حتى لا يقعوا في هذا الفخّ التاريخي للتبعية والأمّعية ومعسول الكلام، وحتّى لا يساقوا كالخراف إلى الذبح المجاني ... والسلام .
ضحكت كثيراً، ومن أكون أنا حتى يخاطبني هذا الرجل ليرسم لي صورة لم أحلم بها من قبل؟. ربما أراد أن يستفزني، يرغمني على البوح بما يموج في الذاكرة، إنّه يباغتني بإبداعه وسحر كلماته التي عشقتها منذ اللحظة الأولى لقراءتها، يجوب كلّ الأماني المتشظّية على لوحة الوجع، يختلس ما بين السطور، يعشق الحقيقة بنشوة الألم المباح، مرتجفاً بسكرته، متحفزاً للوثب، يعيق صمتي حين كنت تمثالاً من شمع يعتنق النورعشقاً. جاءني مرة أخرى يقلب الواقع فرحاً بأصابع ذاكرة شقية:
- قصتك الأخيرة رائعة، صادقة، باصقة في وجوه كلّ السراق.. رحم الله (جان دمو)، لقد رأيته مرات عديدة كخرابة متكوراً على واحدة من أرائك مقهى حسن عجمي، ينتبه فجأة، وبعبارة موجزة يسخر من الذين يسمون أنفسهم شعراء، ثم يعود إلى بحر صمته غير مبالٍ بالحضور.
عجيب هذا الرجل! لم أكتب شيئاً إلّا أبهرني بسحر كلماته، لقد أخرجني من طوق إهمالي، يثير فيَّ الحياة وعشق الكلمات على رغم أنف خمسين سنة ولّت هاربة من عمري الذي لا يعد غير رقم في زنزانة الطغاة.
لقد كنت مذهولاً أمام كلماته الأنيقة، ينظر إلى نصف كأسي الممتلئة بما يعشقه هو، ويشيح بوجهه عن النصف الآخر.
كان يخشى منّي الكثير خوفاً من استدراجه إلى الكتابة مرة أخرى والوقوع في فخ الكلمات وتداعياتها، هو منذ زمن بعيد وتحت ظروف قاهرة نزف معاناته على الورق، وفي فترة مظلمة من التي مرّت عليه، وما أكثرها ولأسباب يجهلها تماماً قرر أن ينسى ما قرأه حتى أنّه نسي الذكريات الجميلة لمدرسته الابتدائية، كانت كوخاً من القصب، تطالعك حين تلجها خشبة سوداء، يرقد إلى جانبها سريران مضلّعان بالأسى، وكيف أخرجه معلمه الكبير أمام جموع التلاميذ ليمنحه لقب رسام المدرسة، أما الدفتران اللذان كتب فيهما أشعاره، خواطره، وذكرياته البريئة، وبعد انقطاع إجباري أعاد قراءتهما، ثم وبما يشبه الطقوس المجوسية أشعل فيهما النيران وتخلص من شيء ثقيل يشبه الجثة؛ ليرتاح ضميره وينام بلا كوابيس. قصص كبيرة تتحرك بداخله، متلاحقة كالأمواج، لكنّه لا يكتبها، يتكلم بها دون أن يحرك شفتيه حتى لا يسمعه أحد، وما يتكلم به أكتبه أنا، كان خزيناً حاملاً أوجاع الماضي،
"أه، كم اشتقت لرؤية وجهه الذي لم أره من قبل، ولم أسمع صوته إلّا من خلال صدى الكلمات العابرة على صفحتي، رسمت له صورة اكتشفت لاحقاً إنّها صورتي"
ذات ليلة وأنا أتقلّب بين رفوف مكتبتي، وقع بصري على قصة جميلة لـعبدالرحمن منيف "الأشجار واغتيال مرزوق" أعادتني إلى زمن قراءتها لأعيش وسط الذكريات التي لا أملك غيرها، وحينما عدت لأكمل حوار الليلة الماضية رأيته متحمساً على غير عادته، يتحدث عن هموم الناس ويردّ عليّ كلماتي التي دعته للكتابة مجدداً:
- إنّ هذا الشعب ليس بحاجة للخبز أكثر من حاجته إلى مَن يأخذ بيده نحو النور، ويكون له طوق نجاة من ذئاب الجاهلية اللاعبين على كلّ أحابيل الكذب من أجل اعتلاء أكتاف البسطاء للوصول إلى أهدافهم الخسيسة، وممّا أثار استغرابي قوله: " الآن تذكرت منصور عبدالسلام في رواية الأشجار واغتيال مرزوق لعبدالرحمن منيف "، حينها صرخت قائلاً:
- كيف يحدث هذا لقد رأيتها اليوم في مكتبتي، إذن حياتنا فيها من الغرابة ما يفوق غرائبية غابرييل غارسيا ماركيز.
كنت مبتهجاً بهذا القرب الإنساني بعدما أوصلني القنوط إلى إنعدام اللقاء مع ذلك الجيل الرائع الذي ضيعته الظروف العصيبة المفروضة علينا، فمنهم من قضى نحبه كمداً ومنهم من ينتظر وهو ينوء بحمله. كان دائماً يردّد :
- كنّا عبارة عن تهمة كبيرة تسير على قدمين. ما أجمل كلماته!.
فجأة يباغتني غيابه، يختبئ بين السطور، فأشدو وحدي نغم الفراق، ما الذي حلّ به؟، لعلّ مكروهاً أصابه، أو هرب من صمت الأشياء؛ ليفتش عن عوالمنا المخفيّة. يلازمني غيابه، أختبئ خلف الذكرى، فليس هناك من اتجاه يشير إليه، تمرّ الفصول رتيبة، كوقع الخطى التائهة، أمضغ نسيانه على مهل، أرسو على مرافئ خارطة تكويني، أتوقد في مدار الحرف، أروي عطشي فأرتوي من حلم طاف في خاطري، قد كنت بعدك معبّأ بدفقة حزن، يطلبني الخفا، حتى تلك اللحظة حين غزت منبري دهشة عظيمة، فتراني أقف مندهشاً أمام شخص يشبهني تماماً، أحدّق فيه وأنا لا أصدق ما أرى:
- سبحان الله يخلق من الشبه أربعين!. وأنا أعيش تجليات تلك اللحظة الغريبة وإذا بالرجل يقف صارخاً بي:
- إيه أيتّها التهمة السائرة على قدميها، ألم تعرفني؟ أنا صاحبك المبدع كما يحلو لك أن تناديه، تعال هذه عوالمنا المخفيّة ... قفزت بلا وعي، تعانقنا، تعالى بكائي:
- لِمَ البكاء يا صاحبي؟
قلت له:
- (للأسف لقد عدت إلى الحياة في اللحظة التي وطئت قدماي عتبة الشيخوخة، إنّ هذا لعمري يقتل الروح ويدميها).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق