الثلاثاء، 23 مايو 2017

لعنة ميدوسا // قصة قصيرة :: بقلم الاستاذ صالح هشام // المغرب

لعنة [ ميدوسا ] ٠٠٠ قصة قصيرة .
بقلم الأستاذ :صالح هشام /المغرب
البدء : سديم مصهور،انفجار عظيم وكان ما كان ٠٠ كان ما يجب أن يكون ٠٠ فكرة فلسفية، تفور و تغلي في ذهنه ،كلما لمس خده المخدة ، يقض مضجعه انتشار ذوي رابطات العنق البيضاء هذه الأيام كالجراد ٠٠تتحول أحلامه إلى كوابيس مخيفة ٠
كدودة يزحف على بطنه ، يتسلل من فراشه بهدوء ، لا يريد أن يفسد شخير زوجته ، الهائمة مرة في الكوابيس وأخرى في أحلام متقطعة ،يسند جسده الفراغ والحلكة يتلمس الأشياء بحذر شديد في جوف العتمة :
- ما بالها ليلة ليلاء !؟قمرها شاحب ، ونجومها باهتة على غير العادة ! 
يخرج الصمت عن صمته ، تسكن الحركة ، تتعانق سويقات السمار على ضفاف النهر فزعة مرعوبة ،صفحة مائه المتجمد تشي ، بأمر ما سيقع !
بيوت طينية معلقة هنا و هناك ، تلتصق بقمة جبل قرب النهر ، تغط في نوم لذيذ عميق :لا حركة حجر٠٠لاحركة بشر٠٠ لا حركة شجر ، سكينة تامة في سكون مطبق .
يرفع عينيه ، يلصقهما بجيوش نجوم ، تستعصي على العد ، تجوب السماء ، فجأة يشتعل الأفق نورا ونارا ، يكاد يحترق ، (قطرة ضوء في فراغ الكون ) تتحول إلى كتلة كبيرة من لهب تخترق حجب السماء ، في خط مائل نحو الأرض ، تجر وراءها ذيلا طويلا من نار ، تحدث صفيرا رهيبا : قعقعة رعد ؟ وميض برق ؟لا هذه ولا ذاك ،هما دوما متقطعان! 
طائرة نفاثة ترج بيوتا تلفظ أهلها . في دهشة ، تتبع آذانهم الصفير ، و تتعقب أعينهم وميضا يخطف الأبصار ، تستقر هذه الكتلة الضوئية ،قرب ضفة النهر ، يخبو نورها و تنطفيء شعلتها ، تتلاشى سطوة اللهب ،و يسود الظلام !
بحذر شديد يقتربون من المكان ٠٠٠ يغالب نور قناديلهم الخافت حلكة الليل ، تمتزج ثرثرتهم بخشخشة نعالهم تدوس القش اليابس !
يتقدمهم كبيرهم ،يحثهم ثارة على الابتعاد،ويحذرهم أخرى من الاقتراب ، يقترب أكثر ، فأكثر بخطى متثاقلة :
-هيه ، كتلة رهيبة ،تشع بألوان مختلفة ،ها هو ذا نورها ، يمتص ضوء قناديلكم، ها هو يتلاشى ببطء شديد ،إنها تتحول إلى قطعة صخر بنية ، فيها شيء من سواد قاتم ، ربما سرها من أسرارعالم الغيب !
يلتقطها ، يجس نبضها ، ينفلت تسبيح مترهل من بين شفتيه ثقيلا ، تشوبه سأسأة ، وبأبأة ، وحأحأة ارتياب وخوف ، يضعها على خذه الأيمن ، يحسها باردة كالثلج :
-سبحان الله ، سبحان الله العظيم ! 
سبحوا يا قوم ، عظموا خالقكم ، هذه قطعة صخر قد من العالم الآخر ،هذا إنذار وتحذير ، هذه المرة :كانت في الخلاء قرب النهر ، وفي المرة القادمة تهد السقوف فوق رؤوسكم العاصية ، هي رجوم للشياطين ،هي رجوم لكم يا قوم ٠٠ فما أنتم إلا أبالسة في صورة بشر٠٠ إنها اللعنة ! 
تمسح عيونهم الحجر،يتبادلون نظرات الاستغراب:
- يا كبيرنا ،كيف عرفت أننا المرجومون ؟
- نعم أنتم المقصودون ! تحبل مخازنكم بأكياس النعمة ، كل عام ، فلا ينعم معدمكم بقليل من نعمتكم ٠٠ تمتلئ حظائركم بالخف والظلف ،وتجحدون النعمة : تتركون الجوامع و تهجرون زوجاتكم في المضاجع ،تكثر معاصيكم : عصاة ، عصاة، تتفرعنون ولا تبوسون ظاهر اليد و باطن الراحة شكرا لله ،يمتص الحقد الرحمة من قلوبكم ،تستهينون بضعيفكم ،تتهيبون من قويكم ، لا تحترمون كبيركم ، و تعرون عوراتكم ، ألستم أشبه بالشياطين ؟ ألا يحق أن تكون لكم رجوما ،أيكفيكم هذا أم ٠٠٠٠ يا ذئاب ؟
يقبل الحجر بتهيب ، يدسه في جيب سرواله الفضفاض ، يلوك كلمات مبهمة ويهم بالانصراف :
- هذه بركة من الله ، خصني بها ، اصطفاني لها دونكم !
يطأطئون رؤوسهم ، تتدلى على صدورهم حبيبات برتقال ،يبدو عليهم عدم الاقتناع بخطبته الغامضة :
-يا سيدنا نريد معرفة سر هذا الحجر القابع في جيب سروالك ،ألسنا من هذه القرية ؟ أليس من حقنا أن نعرف ؟ 
-ماذا تريدون أن تعرفوا يا جماعة ؟ 
-كل شيء عن هذا الحجر الغريب ، ألم يسقط في أرضنا ؟
قابل تطفلهم ، بضحكة سخرية عالية : 
- من يقصد المسجد ليصلي صلاة الفجر، سيعرف ،سيعرف، سيعرف يا جهلة ! 
تركل كلماته في سقف فمه ، و تتكرر غير ذات معنى ، يبتلعه ظلام الليل ويتوارى عن أنظارهم ، يلكز الأرض لكزا :
نقطة ٠٠فاصلة ٠٠نقطة ٠٠فاصلة ٠٠نقطة ٠٠فاصلة ! 
يتسمر الأهالي في المكان ، ينهشهم حب المعرفة ! 
قبيل انبلاج الفجر ،يبيض الرجل في فراش زوجته ،ينتشرخبر الحجر العجيب ، نارا في هشيم يابس ، يتجمهرون عن بكرة أبيهم أمام باب الجامع . يلوح شبح كبيرهم ، يهدهده الظلام ، يتهادى في مشيته كالأعرج ،يسلم بإشارة تمسح فوق الرؤوس ، يزيل بلغته الصفراء : يضع فردة فوق فردة ، ويشدها تحت إبطه الأيسر ، ويدخل المسجد . يبسمل ،يحمدل ، يحوقل ويأخذ مكانه قرب المحراب !
- ألازلت عند وعدك ياكبيرنا ؟ ها قد حضرنا و نريد أن نعرف سر هذا الحجر، الذي حل بيننا ضيفا غريبا !
يمسح حبيبات العرق بكم جلبابه ، يمرر راحته على لحيته الثلجية ، وبنبرة حادة يقول : 
- يا قوم ، كل حجر حجر ، إلا هذا الحجر ، فهو كتلة من أسرارمقدسة ،استؤمنت عليها ،ألا ترون أنه قد من صخر عالم غير عالمكم ؟ فهو حجر غير أحجاركم ! 
يقترب منه أحدهم بتودد ، ويكاد يلتصق بركبتيه :
- أرينا إياه يا سيدنا ، فإننا نتحرق شوقا لرؤيته ، وقد وعدتنا ، ووعد الحر دين عليه ! 
-رؤيته يا أولادي تمسكم بالضر ، وقد تهلك قريتنا : شجرا وبشرا وحجرا ، ظلفا وخفا ، فلا تلحوا علي في السؤال ! أتريدون أن تمسخوا أحجارا يا سادة ، إني أشم فيه رائحة انتقام الجميلة ميدوسا، فيه لعنة من دم عواصف النجوم والقمر، فأنا لمسته فمنحني القوة ، وستستمدونها أنتم من تقبيل يدي متى صادفتموني ! 
ترتسم الحيرة على الوجوه ،نظراتهم يشوبها شك بين :
- يا سيدنا ،ما فهمنا شيئامن كلامك ،فمن تكون ميدوسا؟ وما علاقتها بحجر قادم من السماء ؟
-طيب ، سأحكي لكم الحكاية ، وبعدها قرروا أو أعرضوا عن مطلبكم ، وخير لكم ألا تفعلو يا سادة. ربما كل أحجار قريتنا كانت بشرا في الزمن الغابر، فأصابتهم لعنة ميدوسا ، وتحولوا إلى أحجار تؤثت المدى الشاسع ، وأخاف أن يصيبكم مكروه منها !
[ميدوسا / ميندوزا ]فتاة جميلة ، وقعت في الخطيئة مع بوصيدون فمسختها [أثينا ] فتاة قبيحة،فصبت غضبهاعلى كل من تلتقي عيناه بعينيها ، فتحوله إلى حجر ،قطع [برسيوس] رأسها، فسالت دماؤها ثعابين ، ملأت الأحراش والوديان ، وزينت آلهة [الحكمة ]درعها برأس الفتاة ، لكن هذه الرأس ظلت قادرة على التحويل والمسخ ، ومن يدري ربما كان هذا الحجر إنسانا متحولا ،فما رأيكم يا سادة ؟ 
يطبق صمت رهيب ، تتسكع عيونهم في محاجرها ، كاد يقنعهم ، يتأفف شاب عشريني ،يبدو خريج مدارس ، يقف وسط الحشد ، وينتقد كبير القوم بجرأة و شجاعة :
- يا سيدنا ، ما تقوله مجرد أساطير ، وخرافات لا يصدقها عقل عاقل ، أرينا هذا الحجر،فإذا كان خزامي اللون أو أرجوانيا ، فهو ثروتنا جميعا ، وإن كان غير ذلك فهو لك ، أم أنك تريد ، أن تحتكره هو أيضا في مخازنك !
-يستعيد كبيرالقوم بالله بغضب شديد ،ويصرخ في الشاب :
-ماذا تقصد يا ولد ؟ أتشك في أمانتي ؟ أتشك في كبيرك؟
-معاذ الله يا سيدي ، فكبيري هو خالقي ، لكن لون هذا الحجر سيثبت أو ينفي صحة قصة ميدوسا ، لماذا لا يكون مجرد حجر كريم ، للقرية نصيب منه ؟ لماذا لا يكون مجرد حجر[أرجوان ] باهض الثمن ، تريد الاستحواذ عليه ، وتحرم أهلك وناسك من نصيبهم فيه ؟ 
يشعر كبير القوم بالحرج ،يتف ،يتف ،يتف، يسب ويلعن : 
-تربية آخر الزمان ، تربية مدارس و مختبرات عجمية غربية !
تعم فوضى الفوضى ، تتحرك أجساد متراصة ، و تشتغل أدمغة صدئة ملساء ! 
بهدوء وثقة في النفس يحتج الشاب : 
- يا سيدي ! قارعني حجة بحجة ، دليلا بدليل ، لماذا لا يكون هذا الحجر هو [جشمت ] ؟ تلك الفتاة الجميلة التي رماها باخوس إله الخمر الروماني للنمور ، فاستغاثت باسم الآلهة فحولتها حجرا أبيض ، سكب عليه باخوس خمره ، فأصبح أرجوانيا مبهجا ،لماذا لا يكون حجرا كريما ،قذفته صهارة الكواكب والنجوم ؟
يتحزب الحضور : حزب يشك في نوايا كبير القوم ،وحزب يرى أن كلام الشاب لا يساوي حبة بصل، و هو مدسوس للنبش في جسد فتنة نائمة منذ زمن، يتعالى الصراخ ويسود الهرج :
-يا ولد !كلامك،كلام جامعات ،لا تبخس كلام كبيرنا، فالكبير كبير!
يحتد النقاش ، يتحول إلى شتائم ، إلى اشتباك بالأيدي ،إلى عراك دام ، تسيل دماء غزيرة ، تنفض الفتنة عن نفسها غبار النسيان ! 
في غمرة الفوضى ، يلملم الكبير نفسه ، يتحسس الحجر في جيبه ، يتسلل حبوا بين سيقان أدغال من أجساد تتعارك ، تمتصه وجهة غير معلومة ،تلغى صلاة الفجر ، فالمسجد ساحة معارك طاحنة ، و المؤدن جزء من دناءة اللعبة !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق