الأحد، 10 مايو 2020

هارب من احزانه // بقلم الشاعر : د . المفرجي الحسيني // العراق

هـــــارب مــــن أحـــــزانه
----------------------
تحاضنت شمس الاصيل مع نافذة غرفتي كأنه ابنها
ضوئها متربعا فوق طاولة مستديرة ، داخل إطار نافذة
لصورة شمسٍ وردية الخدين
عروس عسلية العينين في حياء حميم
جاء ليل مرير
شوارع كئيبة بلا عواطف
مطر غزير، يتسرب من إطار النافذة، زجاجها ملون
يتراقص على الجدران
ارض تمتد لتلتقي ،عند افق بالسحاب الماطر
قضى ليل، متسكعا في الشوارع
لم يصل للسكينة ، يبحث عنها حتى في عمق الليل
حتى عند بزوغ الفجر، عندما أفاقت المدينة
الليل الحقيقي لم يأتي بعد؟
لم يتذكر خط سيره الصحيح
يتبادر لذهنه ، غادر المدينة ، ثم عاد عبر دروبها الاخيرة
أو ضواحيها المتباعدة ، يتذكر اصوات راقصة
صورة آخذة امام عينيه، محاطتين بزرقة مخضبتين
ابتّلت ملابسه بماء المطر، تُرخي ثقلها على كتفيه
لغط المدينة يتزايد كل يوم كل ساعة
نتيجة حساسيته التي تتفاقم ،عند الضجيج بشكل مؤلم
شاحنات القمامة ، ابواق المركبات الكبيرة الثاقب
الموسيقى الصاخبة
ساعات تنقضي، شخصيات في مخيلته، لم تكن تبارحه أبداً
تمدد منطرحا على ظهره ، شعر أن الارض تدور
أغمض عينيه دخل في بحور الظلام
كأنه لوح خشبي يتهاوى فوق موج مظلم
مندفعا مع تيار الى جزيرة غابية مجهولة
تبقى منها مجرد ومضٍ، كبصيص جمرة، تحت كومة رماد
يخيل له أن دهرا طويلا مرّ في أعماق، رحلة مجهولة ،لا يذكر منها شيء
صار قلبه ينعصر كالعجينة ، بين ضلوعه، فينسرب عصيره الى عينيه
قطرات من الدمع الحارق، يمسحها بظاهر يده
انفجر بصوت عالٍ ، بحاجة الى هروب متكرر والخفاء
ولد ميتا ، يظن الماضي اندحر وولّى
الماضي هو السجن الذي لا يستطيع الهروب منه
بالإمكان الاختفاء عن اعين الناس!
هل نستطيع ان نتخفى من أنفسنا؟
في أعماقنا نحمل كل الغرائب ،هي تتراكم مع مرور الايام
تتورم وتصبح جيفة من المتعذر اخفائها ؟
في المدينة أثيرت حوله كثير من التقولات ،يشعر بها لا يأبه
سنين مرت قابع في المدينة، دخلها غريبا ارتوت جذوره فيها
ازدهرت الحياة في عروقه ، خلعت اوراق الخريف
انتظرت عصافير الربيع ولم تأتي
لم ييأس ،انتظر ، ايام تعبر غير مكترثة بانتظاره
اكتشف الربيع، لا يتوقف، من اجل نبتة لا زالت تتعلم النمو والاخضرار
دنيا لا تمنح الموتى حناياها
زهرة قطفت من حوض عمره
غدا صحراء جدباء تصل حرارتها الى احشائه
زهرة تنمو في دمه، كلما تداهم مخيلته نكّس رأسه
يوشك ان يسكن حزنه المترهل امامها
منظره مثير للشفقة ، وحيدا يجلس يناغي جروحه، استوطنتها الالام
ناس يقاسمونه الحزن، طالما يرحلون كلٌ الى حزنه
يتندرون على احزانهم ، يجلسون تحت سقفها
يبصقون التعب، يظلون يسامرون
عظامهم تتركهم ، تمضغ ما تبقى من اسئلة فضفاضة
لكل منهم قلب يأويه
الحياة سؤال كبير؟.
لديه حزنه يطارده أينما حلّ
وقف القمر على اسطح المنازل ينذر بأفول ضوئه
لا يقوى على ظلمات تجمعت
أخذت تسرح في منعطفات الازقة والشوارع ، الليل منفذ واسع للهروب
تلك الآهات والالام التي تُثقب الصدر
هطل ظلام بغزارة ، مع دخول الليل يضيق حزن، من الافئدة
ويأوي كل شيء الى نفسه، لا يبرحها الاّ مع الغبش
نخلق الاحزان ، بغباء في النفوس
نكبّرها تحيل حياتنا الى كابوس كبير
نحن حقول لهذه الاحزان الغبراء ،يزرعها الزمن فينا ويحصد
تعساء بهذه الحياة ، الاكثر تعاسة قلوبنا
نحملها أينما ذهبنا واتجهنا
أليس من الاحسن ان تُعّلق صخرة في صدورنا ونمضي
عندها نكون للموت اكثر استعدادا وقابلية
اكثر استعدادا من قسوة الاحزان واكثر احتمالا للحياة
عشرون عاما مضت في هذه المدينة ،اختار الموت ولكن عزّ اللقاء
كلما تهيأ لملاقاته يعبر ملتفتا للجهة الاخرى ويمضي
يرمقه طوال الزمن مكبل بالأحزان
أليس من الظلم ان تعيش ميتا ؟
نهض قليلا من أحزانه
علم ان يُقوِّس ظهره يساعدها على حمل بعض متاعبها
ليس هناك إلاّ رائحة رخوة دفينة تحوس المكان ببلادة
الغرفة تبدو معتمة بعد ان اسدل الستائر ،تموجت بداخلها فوضى
لم يبقى إلاّ تلك النافذة ذات الاطار العتيق وضوضاء الشارع
انبجست دموعه شعر، بضغط الانكسار يجتاحه عميقاً
**********
د. المفرجي الحسيني
هارب من احزانه
العراق/ بغداد

10/5/2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق