السبت، 16 يناير 2016

قصة قصيرة / القاص هادي المياح / الصخرة /



1,696

الجمعة، 15 يناير، 2016

الصخرة
" لا تتفاجأ اذا لم ينل إعجابك أمراً ما لاول وهلة، فربما سيجعلك في النهاية ترقص اعجابا"

كنت مستلقياً على الساحل، وحرارة الشمس تلسع جسدي . ثمة أصوات بعيدة قريبة،لم تألفها مسامعي من قبل.أحسّها كثيمة ابتهاج ومرح. كنت قد وصلت جزيرة الصقور قبل وقت قصير ،مع مجموعة لا نتجاوز العشرة أشخاص . حملنا في البحر قارب صغير تتلاطمه الامواج فترشقنا مياه البحر وتبلل ملابسنا وما فوق رؤوسنا. ثلاثون دقيقة مليئة بالقلق والمجازفة قبل ان نصل الى هذا الساحل .
اتجهتُ مهرولا بمفردي نحو صخرة ملساء إجتذبتني، حفر عليها من الجانب المواجه لي عبارة( أسترخِ تنس همومك!) فتمددت عليها فوراً. كان لا يزال صوت محرك القارب وصرخات البعض تدور في أذن. هذه الجزيرة ، ذات ساحل صخري يختلف عن الجزيرة التي انطلقنا منها، حيث كان ساحلها رملياً. وكان علينا ان نغطس في الماء الى الركبتين، قبل ان نصعد الى القارب. كنا مرعوبين بسبب نوع القارب والدخان المنبعث من محركه. اضافة الى تلك الفتاة ذات الصوت الجهوري والطبع الحاد، كانت تستوقف كل واحد منا لتعطيه رقماً ونجادة وتلتقط له صورة شخصية ، قبل مغادرة الجزيرة! لم نفهم حينها غير معنى واحداً لذلك! ، هو ماذا سيحدث لنا في هذا القارب، خطرت في اذهاننا حوادث تحطم القوارب وغرقها في البحار، مما زعزع فينا الثقة بهذه الرحلة، وفي النهاية احتوانا هذا القارب على مضض .
احسست بسخونة تنبعث من سطح الصخرة و....بهدوء غريب، تبعته حالة من الصفاء الذهني. وما عادت أصوات المجموعة تُسمع، ولا هدير محرك القارب. التقطت بكامرتي عدة لقطات سيلفي مع مجموعة من الصقور وهي تحلق في السماء القريبة من الساحل بحثاً عن الغذاء." في هذه الجزيرة لا يوجد غير الصقور" هذا ما قاله الدليل الذي رافقنا. وقد اقترب كثيراً مني محذراً إياي جلوسي المنعزل فوق الصخرة. غير أني لا اثق تماماً بكل ما يقال .
في رحلة سابقة الى المعبد الهندي، قال الدليل مشيراً الى تمثال ذهبي كبير جداً ارتفاعه يصل تقريباً الى ارتفاع الجبل خلفه " هذا هو بوذا" قلت له مالذي جاء ببوذا هنا في كوالالمبور؟ وكان التمثال لأحد آلهة الهنود يدعى هندو!
بدأ سطح الصخرة يزداد سخونة، ودبّ الخدر في جسمي،فأغمضتُ عينيّ. وكالحالم رأيت الصقور تحلق فوقي وتخرج اصواتاً وهي تدور في السماء. شدني اقترابها كثيراً مني مما جعلتني اتابع دورانها ومشاكساتها بحذر كبير ..حرّكت ذراعي نحو الأعلى لإبعادها الا انها وبعناد راحت تقترب مني اكثر، " يالها من طيور عنيدة ، هل حسبتني فريسة هذا اليوم ؟" طوال حياتي لم ترعبني الطيور، لا بل كنت مولعاً بها بشدة. اطاردها دائماً أينما كانت ، في أعشاشها، فوق رؤوس النخيل أو في الصحراء.. كنت اطاردها في الصحراء لساعات طويلة من المساء، حتى اذا جن الغروب زادتني إغراءات وحماساً في صيد احداها، تلك الطيور كانت اليفة ولم يرعبها اقترابي أبداً، ولكني لم انجح يوما بالإمساك بها ،كانت تطير باللحظة المناسبة، وهي شبيهة بالصقور في حجمها وجمالها ولكنها لم تكن جوارح على أية حال.
ما زالت الصقور تحلق فوق رأسي، حتى بدت تثيرني كلما تطاولت باقترابها مني، وعاد الى ذهني صوت الدليل محذراً:
" انها صقور ، يعني طيور جارحة" ..قلت لنفسي علي ان احذر من هذه الطيور ، هذا الرجل لديه خبرة لكثرة ترحاله في هذه الجزر..
-ربما تتحول الصخرة الى جمر من شدة الحرارة ، ولكنك قد لا تحسّ بها .. 
-كل شيئ هنا يتطلب الحذر!
-لا تتمادى باستلقاءك على هذه الصخرة!
- ماذا يعني ذلك ؟
-الم تلاحظ الكتابة المحفورة عليها من الجانب؟ 
استمر في الحديث عن تاريخ الصخرة وما تسببت من حوادث للسائحين وله هو بالذات أيضاً..ولكنني كنت أعقب على بعض من حديثه، بأنني أشك في مثل هذه الحكايات ،فهي مجردأساطير وأوهام وليست حقائق..ماذا ستفعل الطيور بإنسان مثلي؟ سألت الدليل لكنه تركني وابتعد، ناديته من بعيد فلم ينتبه لي، كنت اريد ان اسأله عن صلة القرابة مابين الصقور والنسور؟ لكنه انشغل مع الآخرين وتركني أسترخي تماماً تحت تأثير الحرارة المنبعثة من الصخره..وتراجعت الصقور أيضاً مبتعدة عني . وبأبتعادها انفصلت تماماً عن الواقع ولذت مابين خيالي وأعماق ذاتي .. كنت اريد ان احسّ بالامان والدفء .
ولكن تيار من الهواء المثقل بالرطوبة، صفعني بقوة ، كأن مروحية حطت قربي..وخيم علّي جو من الظلام ..فإذا بي وسط غمامة هائلة من الظل.. لم يكن في الجو سَحَابا ولا ضباب.. وكانت الشمس تسطع في منتصف النهار. 
فداهمتني الظنون.... 
وفي محاولة لالقاء نظرة على رفاقي الآخرين،طوقت يديَّ مخالب ضخمة فشعرت بجسمي ينكمش بين ساقي نسر عملاق.كانت مخالبه حادة كالسكين ، حاولت الافلات من قبضته فلم استطع، هذا النسر سينهش جسمي بمخالبه الحادة ومنقاره المعقوف. او يحملني الى عمق الجزيرة، لقد اختزن عقلي الباطن كل ما سمعته في الصباح عن الطيور التي يمكنها ان تحمل الإنسان بمخلبيها؟ " النسر العملاق يمكن ان يحمل إنساناً او حيوانا، فطول جناحيه قد يصل الى اثنى عشر متراً " ماذا افعل وانا الان في كماشة بين مخلبي النسر؟
بثوانً قليلة ،ارتفع النسر بي في الهواء، ارتفع اكثر ،وأكثر ..استغربت كيف رفعت بهذه السهولة ؟ وكيف اصبح جسمي بهذه الخفة..كنت كالواقف وقدماي طليقتان تلوحان في الهواء.. تمنيت ان يهبط بي قبل ان اصبح ثقيلا عليه فيتخلص مني ..
استدار النسر ثم هوى بي الى عمق الجزيرة، وانزلني هناك، كان جسمي متورماً وأطرافي شبه مشلولة، لم يعد بإمكاني الحركة ، كنت اتطلع لما حولي، لقد احاطت بي مجموعة من الطيور لا اكاد أميزها نسورا هي أم صقور ، كبارا وصغار ..الجميع يمدون مناقيرهم نحوي، والنسر العملاق يقبع عند قدمي ويغطي اكبر رقعة من الأفق خلفه. وبأشارة منه، بدأت الطيور هجومها عليَّ ...بتنقيرها ، ابتداءاً من رأسي ونزولا الى رقبتي وشمل التنقير صدري ومنطقة تحت الإبطين وحتى البطن.. اشتد التنقير في الحزام المحيط أسفل البطن- مركز تجمع الدهون- ثم بعد توقف بسيط ، لم اعرف سبباً له، عاد النقر يظهر في المنطقة العليا من الظهر قرب الكتفين، والى الأسفل وشكّل هذا خطاً متصلا التقى بمركز دائرة الحوض ،ذكرني بمسار الطائرة الاليكتروني على الشاشة في المقعد الذي امامي.
كنت خائفاً في البداية من افتراسها لي ولكن بمرور الوقت شعرت بالخدر ، وبدأت لا اهتم لذلك الامر لا بل صرت أحس براحة من نوع خاص لان التنقير صار أشبه بالمساج او المداعبات، بالرغم من وجود النسر العملاق الذي كان اكثر ما يقلقني ويثير مخاوفي..
لم اصدق ان كل هذه المخالب والمناقير لم تنهش أعضائي ولم تسفك مني قطرة دم واحدة، ولكن في مرحلة متقدمة سرعان ما صار النقر اكثر ايلاماً، هناك من يشذ ويتجرأ و يغرز منقاره بقوة في بطني أوساقي او فخذي ويتمادى آخر بوضع مخالبه على وجههي..
احتواني جو من الفراغ والشعور باليأس، وانا في عمق الغابة..لروائح الأشجار العالية والأرض المشبعة بالرطوبة ، وأصوات الطيور ، وهذا النقر المتواصل الذي لا اعرف له نهاية ..لكل هذا تأثيراً محزناً . تمنيت ان لا تقسو الجوارح عليَّ اكثر من هذا الحد، وان يكون هذا مجرد حلم..لم يمهلني كبيرهم فرصة للتأمل، وانا ممدداً اذ رأيت منقاره الكبير يظهر من بين المناقير الصغيرة،يقترب نحوي،يقترب اكثر . قلت ربما اختار هذا النسر هدفاً جديداً وقاتلاً لتكون بداية النهاية لوجودي..وما بين الترقب والانتظار ايقظتني نقرة كبيرة وجهت الى جسمي شعرت لحظتها بالشلل ولم أميز المكان الذي اختاره النسر هدفاً جديدا له ولكن .... 
حمدا لله انه كان حلماً..
غطست في البحر وغمرت جسمي في الماء، وكانت الصقور ما تزال تحلق في السماء . في عودتنا وعند مرورنا بالفتاة ذات الطبع الحاد والصوت الجهوري ، كانت صورنا جميعاً مطبوعة على أطباق،ومعروضة على طاولة، تبادلنا الابتسامات فيما بيننا حال رؤيتها ،وتذكرنا بأننا لم نكن نعرف غير معنى واحد لالتقاط هذه الصور .على وجههي.. 
احتواني جو من الفراغ والشعور باليأس، وانا في عمق الغابة..لروائح الأشجار العالية والأرض المشبعة بالرطوبة ، وأصوات الطيور ، وهذا النقر المتواصل الذي لا اعرف له نهاية ..لكل هذا تأثيراً محزناً . تمنيت ان لا تقسو الجوارح عليَّ اكثر من هذا الحد، وان يكون هذا مجرد حلم..لم يمهلني كبيرهم فرصة للتأمل، وانا ممدداً اذ رأيت منقاره الكبير يظهر من بين المناقير الصغيرة،يقترب نحوي،يقترب اكثر . قلت ربما اختار هذا النسر هدفاً جديداً وقاتلاً لتكون بداية النهاية لوجودي..وما بين الترقب والانتظار ايقظتني نقرة كبيرة وجهت الى جسمي شعرت لحظتها بالشلل ولم أميز المكان الذي اختاره النسر هدفاً جديدا له ولكن .... 
حمدا لله انه كان حلماً..
غطست في البحر وغمرت جسمي في الماء، وكانت الصقور ما تزال تحلق في السماء . في عودتنا وعند مرورنا بالفتاة ذات الطبع الحاد والصوت الجهوري ، كانت صورنا جميعاً مطبوعة على أطباق،ومعروضة على طاولة، تبادلنا الابتسامات فيما بيننا حال رؤيتها ،وتذكرنا بأننا لم نكن نعرف غير معنى واحد لالتقاط هذه الصور .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


تدعمه الترجمة

بحث هذه المدونة الإلكترونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق