موسوعة ( شعراء العربية )م 5 جـ 1
بقلم د فالح الكيلاني
الشريف الرضي
هو أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم ابن الإمام أبو إبراهيم موسى (الكاظم.) بن جعفر بن محمد بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن ابي طالب و والده أبو أحمد كان عظيم المنزلة في الدولتين ويلقب بالشريف الرضي .
اما أمه فهي السيدة فاطمة بنت الحسين بن أبي محمد الحسن الأطروش بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن أبي طالب.
ولد ببعداد سنة \359 هجرية- 969 ميلادية وفيها ترعرع وشب واكتمل وتعلم في صِغَرِه العلوم العربية والبلاغة والأدب والفقه والكلام والتفسير والحديث على يد مشاهير علماء بغداد منهم ابن جني والشيخ المفيد . فالشريف شاعر وفقيه كان نقيبا للطالبيين في الدولةالعباسية حتى وفاته .
تتلمذ و درس هو وأخوه الشريف المرتضى على يد الشيخ المفيد أحد فقهاء المعروفين . ومن اساتذته ايضا القاضي عبدالجبّار المعتزليّ والشّيخ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطّبريّ وهو أستاذه في القرآن. ومحمّد بن موسى الخوارزميّ في الفقه وأبو جعفر عمر بن إبراهيم الكناني في الحديث . وأبو الحسن عليّ بن عيسى الرمّانيّ الّذي تعلم منه النحو والعروض والقوافي. وابن نُباتة وعثمان بن جنّي وأبو سعيد حسن بن عبدالله بن مَرزُبان السيرافي وهارون بن موسى التلْعكبري.
اما تلاميذه فهم كثير اذكر مهم :أبو بكر (ابن قُدامة) ومحمد بن أبي نصر العكبري وأبو الحسن مِهْيار بن مرزويه الديلمي وأبو عبدالله محمد بن علي الحُلْواني وأبو الأعز محمد بن همام.
كان الشريف الرضي شاعرا متألقا وأديبا فذّا إلى جانب ما كان له من خطٍّ وافر في العلوم الدينية . تبين من خلال مؤلفاته وكتبه الموجودة على منزلته العلمية الرفيعة. وقد أنشأ ببغداد مركزاً علمياً عُرف (دار العلم) و قد اوقف أمواله جميعها على الباحثين والمحققين فيه ويعتبر مدرسة علمية .
وتعد (دار العلم ) ثاني مركز علمي كبير وجد ببغداد بعد (بيت الحكمة) الّتي تأسست في خلافة هارون الرشيد. ويرى المعنيون بالشعر والادب أن الشريف الرضي كان في الشعر من المبرزين في عصره وما سبقه وما تلاه وقلما بلغ شاعر شأوه. وقد عده عده بعض المؤرخين من اهم شعراء قريش المشهورين . اذ اتسم شعره بالبلاغة وعذوبة اللفظ وقوة المعنى واستقامتها للعروض . وكان غزيرا في شعره لم يُنقص من عمقه واستقامة معانيه.
فالشريف الرضي يعد من فحول الشعراء قيل نظم الشعر وعمره عشر سنوات وأجاد فيه في جميع فنون الشعر . وقد فخر بنفسه ونسبه الشريف فقال:
إِنَّ أَمـيـرَ الـمُـؤمِنينَ والِــدي
حَـزَّ الرِقابَ بِالقَضاءِ الفاصِلِ
وَجَــــدِّيَ الـنَـبـيُّ فـــي آبــائِـهِ
عَـلا ذُرى الـعَلياءِ وَالـكَواهِلِ
فَـمَـن كَـأَجـدادي إِذا نَـسَـبتَني
أَم مَـــن كَـأَحـيائِيَ أَو قَـبـائِلي
مِن هاشِمٍ أَكرَمِ مَن حَجَّ وَمَن
جَــلَّـلَ بَـيـتَ الـلَـهِ بِـالـوَصائِلِ
قَــومٌ لِأَيـديـهِم عَـلـى كُــلِّ يَــدٍ
فَـضلُ سِـجالٍ مِـن رَدىً وَنائِلِ
ويمتاز شعره بأنه مطبوع بطابع البلاغة والبداوة والبراعة وعذوبة الألفاظ التي تأخذ بمجامع القلوب بالإضافة إلى المميزات الأخرى التي لا نكاد نجدها في شعر غيره . ومما امتاز به شعر الشريف الرضي ايضا أنه كان نقياً فقد ابتعد عن الغزل الحضري والمجون ومن كل ما يتعاطاه الشعراء من الغزل المشين والهجاء المقذع والتلون بالمدح تارة والذم تارة أخرى . فقد كان شاعرا أديبا بارعا ومفسرا للقرآن الكريم وحافظا للحديث الشريف
وبالنظر لتقارب معالم الشعر والعلم والادب لديه ولدى اخيه المرتضى فقد قيل ( أخفت المكانة العلمية لأخيه السيد المرتضى شيئاً من مكانته العلمية كما أخفت مكانته الشعرية شيئاً من مكانة أخيه الشعرية ) .
وله شعر كثير في الغزل والفخر والمدح والرثاء و من شعره في الغزل :
رماني كالعدو يريد قتلي
فغالطني وقال أنا الحبيب
وأنكرني فعرفني إليه
لظى الأنفاس والنظر المريب
وقالوا لم أطعت وكيف أعصي
أميراً من رعيته القلوبُ
ويقول ايضا في الغزل :
أَقـــولُ وَقَـــد أَرسَــلـتُ أَوَّلَ نَـظـرَةٍ
وَلَـم أَرَ مَن أَهوى قَريباً إِلى جَنبي
لَئِن كُنتُ أَخليتُ المَكانَ الَّذي أَرى
فَـهَيهاتَ أَن يَـخلو مَكانُكَ مِن قَلبي
وَكُـنـتُ أَظَـنَّ الـشَوقَ لِـلبُعدِ وَحـدَهُ
وَلَـم أَدرِ أَنَّ الـشَوقَ لِلبُعدِ وَالقُربِ
خَلا مِنكَ قَلبي وَاِمتَلا مِنكَ خاطِري
كَـأَنَّكَ مِـن عَـيني نَـقَلتَ إِلـى قَـلبي
مدح الشريف الرضي الخلفاء والملوك الذين عاصرهم ووصفهم بالصفات التي اعتاد الشعراء أن يصفونهم بها . ولكنه امتاز عنهم عن شعراء المدح بأنه كان بعيدا عن المبالغة المفرطة وليس طامعا في جوائز الممدوحين لما جبل عليه من الأَنفة وعلو النفس . ويقول في مدح الخليفة وقد فخر بنفسه ونسبه الشريف فقال:
عَـطفاً أَمـيرَ الـمُؤمِنينَ iفَإِنَّنا
فـي دَوحَـةِ الـعَلياءِ لا نَتَفَرَّقِ
مـا بَـينَنا يَـومَ الـفَخارِ تَفاوُتٌ
أَبَداً كِلانا في المَعالي مُعرِقُ
إِلا الـخِـلافَةَ مَـيَّـزَتكَ فَـإِنَّـني
أَنـا عاطِلٌ مِنها وَأَنتَ مُطَوَّقُ
قيل صحب الشريف الرضي أبا إسحق الصابي على روح المحبة والإيثار والسماحة والفضل فتصادقا و كتب لصداقتهما أن تعيش بعمريهما ويبقى ذكرها مقرونا بإسميهما فيما تميزت به من خصال فقد كان الشريف الرضي شابات يافعا في مقتبل العمر بينما كان أبو إسحق الصابي شيخا كبيرا ولقد تفوقت علاقة الصداقة بين الإثنين على موجبات فارق السن فترى أبا إسحق وهو في شيخوخته يعتذر للشريف الرضي حين لا يستطيع زيارته المعتادة والمتبادلة فيقول:
أقعدتــــنا زمانـــةٌ وزمـــــــــــــانُ
جــائرٌ عــن قضاء حــق الشريفِ
والفتى ذو الشباب يبسط
في التقـ صير عُذر الشيخ العليل الضعيف
فيقول الشريف الرضي مجيبا :
ولو أنّ لي يومــاً على الدهر إمرةً
وكان ليّ العدوى على الحدثــــان
خلعتُ على عطفيك بُرد شبيبتـــي
جَواداً بعمري وإقتبال زمـــــــاني
وحَمّلتُ ثقل الشيب عنك مفــارقي
وإن فَلّ من غربي وغضّ عنـاني
ونابَ طويلاً عنك في كُل عـارضٍ
بخطٍ وخطوٍ أخمصي وبنـــــانـي
أيُ محبةٍ إذن وأي فادٍ وأي صداقة
تفتدى . إنها ـ لا شك ـ توامق الروحان.
ويقول الصابي مادحا ً ومقيًماً نسب الشريف الرضي وأحقيته في الخلافة :
ألا أبلغا فرعــاً نمَتهُ عُروقـــهُ
الى كل ســام ٍ للمفاخــر بــانِ
محمّداً المحمــود من آل أحمـد
أبا كل بكـر في العُلى وعوان
وقوله:
أبا حسن لي في الرجالِ فراسةٌ
تعودتُ منها أن تقولَ فتصدقـا
وقد خبرتني عنك أنّك مـــــاجدٌ
سترقى من العليا أبعـد مرتقى
فوفيتك التعظيم قبل أوانـــــــــه
وقلت أطال الله للسيـد البقـــــا
ولما مات الشيخ الصابي رثاه الشريف الرضي في مرثية عصماء يقول فيها :
الفضـــل ناسب بينــنا إن لم يكـن
شرفي مــناسبه ولا ميـــلادي
إِلا تــكن من أُســرتي وعشـائري
فلأنت أعلـقهم يــداً بــــودادي
أو لا تكن عالي الأصول فقد
وفى عِظــمُ الجدود بسؤدد الأجــداد
وقوله:
مَن مبلغ لي أبـــا إسحاق مألــكةً
عن حنو قلبً سليم الســرِ والعلـــــن ِ
جرى الوداد له مني وإن بعُــدت
منّا العلآئقُ مجرى الماء في الغُصن
لقد توامــــقَ قلبانــــا كأنهمــــــا
تراضعا بــــدم الأحشــاء لا اللبــــن
وتوفي الشريف الرضي ليلة السبت 25 جمادى الأولى سنة\406 هجرية – 1015 ميلادية ورثته الشعراء بمراث كثيرة وممن رثاه ولداه المرتضى والرضي ومهيار الديلمي ورثاه أبو العلاء المعري وقد اختلفت الروايات في سنة وفاته فقيل توفي سنة| 403 وقيل توفي سنة |404 وقيل غير ذلك لكن المعول عليه هو | 406 هجرية وقد دفن في داره في الكاظمية بجانب الكرخ ثم نقل جثمانه الى كربلاء بعد ذلك ليدفن من جديد بجوار قبر ابيه .
ومن اثاره العلمية والادبية :
- تفسير القران الكريم
ـ تلخيص البيان عن مجازات القرآن.
ـ حقائق التأويل في متشابه التنزيل.
- اخبار قضاة بغداد
ـ الزيادات في شعر ابن الحجاج.
ـ الزيادات في شعر أبي تمام.
ـ مختار شعر أبي إسحاق الصّابي.
ـ منتخب شعر ابن الحجّاج.
ـ انشراح الصدر في مختارات من الشّعر.
ـ ديوان شعر.
ـ خصائص الأئمّة عليهم السلام.
ـ معاني القرآن.
ـ مجازات الآثار النّبويّة.
-نهج البلاغة وهو أبرزها وقد وقد جمع فيه ما الختاره من خطب الامام علي بن ابي طالب .
واختم هذه الدراسة بقصيدته الرائعة:
يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى في خَمائِلِهِ
لِيَهنَكِ اليَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ
الماءُ عِندَكِ مَبذولٌ لِشارِبِهِ
وَلَيسَ يُرويكِ إِلّا مَدمَعي الباكي
هَبَّت لَنا مِن رِياحِ الغَورِ رائِحَةٌ
بَعدَ الرُقادِ عَرَفناها بِرَيّاكِ
ثُمَّ اِنثَنَينا إِذا ما هَزَّنا طَرَبٌ
عَلى الرِحالِ تَعَلَّلنا بِذِكراكِ
سهم أصاب وراميه بذي سلم
مَن بالعِرَاقِ، لَقد أبعَدْتِ مَرْمَاكِ
وَعدٌ لعَينَيكِ عِندِي ما وَفَيتِ بِهِ
يا قُرْبَ مَا كَذَبَتْ عَينيَّ عَينَاكِ
حكَتْ لِحَاظُكِ ما في الرّيمِ من مُلَحٍ
يوم اللقاء فكان الفضل للحاكي
كَأنّ طَرْفَكِ يَوْمَ الجِزْعِ يُخبرُنا
بما طوى عنك من أسماء قتلاك
أنتِ النّعيمُ لقَلبي وَالعَذابُ لَهُ
فَمَا أمَرّكِ في قَلْبي وَأحْلاكِ
عندي رسائل شوق لست أذكرها
لولا الرقيب لقد بلغتها فاك
سقى منى وليالي الخيف ما شربت
مِنَ الغَمَامِ وَحَيّاهَا وَحَيّاكِ
إذ يَلتَقي كُلُّ ذي دَينٍ وَماطِلَهُ
منا ويجتمع المشكو والشاكي
لمّا غَدا السّرْبُ يَعطُو بَينَ أرْحُلِنَا
مَا كانَ فيهِ غَرِيمُ القَلبِ إلاّكِ
هامت بك العين لم تتبع سواك هوى
مَنْ عَلّمَ العَينَ أنّ القَلبَ يَهوَاكِ
حتّى دَنَا السّرْبُ، ما أحيَيتِ من كمَدٍ
قتلى هواك ولا فاديت أسراك
يا حبذا نفحة مرت بفيك لنا
ونطفة غمست فيها ثناياك
وَحَبّذا وَقفَة ٌ، وَالرّكْبُ مُغتَفِلٌ
عَلى ثَرًى وَخَدَتْ فيهِ مَطَاياكِ
لوْ كانَتِ اللِّمَة ُ السّوْداءُ من عُدَدي
يوم الغميم لما أفلتِّ أشراكي
اميرالبيان االعربي
د . فالح نصيف الكيلاني
العراق - ديالى - بلد ر وز
***********************************
بقلم د فالح الكيلاني
الشريف الرضي
هو أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم ابن الإمام أبو إبراهيم موسى (الكاظم.) بن جعفر بن محمد بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن ابي طالب و والده أبو أحمد كان عظيم المنزلة في الدولتين ويلقب بالشريف الرضي .
اما أمه فهي السيدة فاطمة بنت الحسين بن أبي محمد الحسن الأطروش بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن أبي طالب.
ولد ببعداد سنة \359 هجرية- 969 ميلادية وفيها ترعرع وشب واكتمل وتعلم في صِغَرِه العلوم العربية والبلاغة والأدب والفقه والكلام والتفسير والحديث على يد مشاهير علماء بغداد منهم ابن جني والشيخ المفيد . فالشريف شاعر وفقيه كان نقيبا للطالبيين في الدولةالعباسية حتى وفاته .
تتلمذ و درس هو وأخوه الشريف المرتضى على يد الشيخ المفيد أحد فقهاء المعروفين . ومن اساتذته ايضا القاضي عبدالجبّار المعتزليّ والشّيخ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطّبريّ وهو أستاذه في القرآن. ومحمّد بن موسى الخوارزميّ في الفقه وأبو جعفر عمر بن إبراهيم الكناني في الحديث . وأبو الحسن عليّ بن عيسى الرمّانيّ الّذي تعلم منه النحو والعروض والقوافي. وابن نُباتة وعثمان بن جنّي وأبو سعيد حسن بن عبدالله بن مَرزُبان السيرافي وهارون بن موسى التلْعكبري.
اما تلاميذه فهم كثير اذكر مهم :أبو بكر (ابن قُدامة) ومحمد بن أبي نصر العكبري وأبو الحسن مِهْيار بن مرزويه الديلمي وأبو عبدالله محمد بن علي الحُلْواني وأبو الأعز محمد بن همام.
كان الشريف الرضي شاعرا متألقا وأديبا فذّا إلى جانب ما كان له من خطٍّ وافر في العلوم الدينية . تبين من خلال مؤلفاته وكتبه الموجودة على منزلته العلمية الرفيعة. وقد أنشأ ببغداد مركزاً علمياً عُرف (دار العلم) و قد اوقف أمواله جميعها على الباحثين والمحققين فيه ويعتبر مدرسة علمية .
وتعد (دار العلم ) ثاني مركز علمي كبير وجد ببغداد بعد (بيت الحكمة) الّتي تأسست في خلافة هارون الرشيد. ويرى المعنيون بالشعر والادب أن الشريف الرضي كان في الشعر من المبرزين في عصره وما سبقه وما تلاه وقلما بلغ شاعر شأوه. وقد عده عده بعض المؤرخين من اهم شعراء قريش المشهورين . اذ اتسم شعره بالبلاغة وعذوبة اللفظ وقوة المعنى واستقامتها للعروض . وكان غزيرا في شعره لم يُنقص من عمقه واستقامة معانيه.
فالشريف الرضي يعد من فحول الشعراء قيل نظم الشعر وعمره عشر سنوات وأجاد فيه في جميع فنون الشعر . وقد فخر بنفسه ونسبه الشريف فقال:
إِنَّ أَمـيـرَ الـمُـؤمِنينَ والِــدي
حَـزَّ الرِقابَ بِالقَضاءِ الفاصِلِ
وَجَــــدِّيَ الـنَـبـيُّ فـــي آبــائِـهِ
عَـلا ذُرى الـعَلياءِ وَالـكَواهِلِ
فَـمَـن كَـأَجـدادي إِذا نَـسَـبتَني
أَم مَـــن كَـأَحـيائِيَ أَو قَـبـائِلي
مِن هاشِمٍ أَكرَمِ مَن حَجَّ وَمَن
جَــلَّـلَ بَـيـتَ الـلَـهِ بِـالـوَصائِلِ
قَــومٌ لِأَيـديـهِم عَـلـى كُــلِّ يَــدٍ
فَـضلُ سِـجالٍ مِـن رَدىً وَنائِلِ
ويمتاز شعره بأنه مطبوع بطابع البلاغة والبداوة والبراعة وعذوبة الألفاظ التي تأخذ بمجامع القلوب بالإضافة إلى المميزات الأخرى التي لا نكاد نجدها في شعر غيره . ومما امتاز به شعر الشريف الرضي ايضا أنه كان نقياً فقد ابتعد عن الغزل الحضري والمجون ومن كل ما يتعاطاه الشعراء من الغزل المشين والهجاء المقذع والتلون بالمدح تارة والذم تارة أخرى . فقد كان شاعرا أديبا بارعا ومفسرا للقرآن الكريم وحافظا للحديث الشريف
وبالنظر لتقارب معالم الشعر والعلم والادب لديه ولدى اخيه المرتضى فقد قيل ( أخفت المكانة العلمية لأخيه السيد المرتضى شيئاً من مكانته العلمية كما أخفت مكانته الشعرية شيئاً من مكانة أخيه الشعرية ) .
وله شعر كثير في الغزل والفخر والمدح والرثاء و من شعره في الغزل :
رماني كالعدو يريد قتلي
فغالطني وقال أنا الحبيب
وأنكرني فعرفني إليه
لظى الأنفاس والنظر المريب
وقالوا لم أطعت وكيف أعصي
أميراً من رعيته القلوبُ
ويقول ايضا في الغزل :
أَقـــولُ وَقَـــد أَرسَــلـتُ أَوَّلَ نَـظـرَةٍ
وَلَـم أَرَ مَن أَهوى قَريباً إِلى جَنبي
لَئِن كُنتُ أَخليتُ المَكانَ الَّذي أَرى
فَـهَيهاتَ أَن يَـخلو مَكانُكَ مِن قَلبي
وَكُـنـتُ أَظَـنَّ الـشَوقَ لِـلبُعدِ وَحـدَهُ
وَلَـم أَدرِ أَنَّ الـشَوقَ لِلبُعدِ وَالقُربِ
خَلا مِنكَ قَلبي وَاِمتَلا مِنكَ خاطِري
كَـأَنَّكَ مِـن عَـيني نَـقَلتَ إِلـى قَـلبي
مدح الشريف الرضي الخلفاء والملوك الذين عاصرهم ووصفهم بالصفات التي اعتاد الشعراء أن يصفونهم بها . ولكنه امتاز عنهم عن شعراء المدح بأنه كان بعيدا عن المبالغة المفرطة وليس طامعا في جوائز الممدوحين لما جبل عليه من الأَنفة وعلو النفس . ويقول في مدح الخليفة وقد فخر بنفسه ونسبه الشريف فقال:
عَـطفاً أَمـيرَ الـمُؤمِنينَ iفَإِنَّنا
فـي دَوحَـةِ الـعَلياءِ لا نَتَفَرَّقِ
مـا بَـينَنا يَـومَ الـفَخارِ تَفاوُتٌ
أَبَداً كِلانا في المَعالي مُعرِقُ
إِلا الـخِـلافَةَ مَـيَّـزَتكَ فَـإِنَّـني
أَنـا عاطِلٌ مِنها وَأَنتَ مُطَوَّقُ
قيل صحب الشريف الرضي أبا إسحق الصابي على روح المحبة والإيثار والسماحة والفضل فتصادقا و كتب لصداقتهما أن تعيش بعمريهما ويبقى ذكرها مقرونا بإسميهما فيما تميزت به من خصال فقد كان الشريف الرضي شابات يافعا في مقتبل العمر بينما كان أبو إسحق الصابي شيخا كبيرا ولقد تفوقت علاقة الصداقة بين الإثنين على موجبات فارق السن فترى أبا إسحق وهو في شيخوخته يعتذر للشريف الرضي حين لا يستطيع زيارته المعتادة والمتبادلة فيقول:
أقعدتــــنا زمانـــةٌ وزمـــــــــــــانُ
جــائرٌ عــن قضاء حــق الشريفِ
والفتى ذو الشباب يبسط
في التقـ صير عُذر الشيخ العليل الضعيف
فيقول الشريف الرضي مجيبا :
ولو أنّ لي يومــاً على الدهر إمرةً
وكان ليّ العدوى على الحدثــــان
خلعتُ على عطفيك بُرد شبيبتـــي
جَواداً بعمري وإقتبال زمـــــــاني
وحَمّلتُ ثقل الشيب عنك مفــارقي
وإن فَلّ من غربي وغضّ عنـاني
ونابَ طويلاً عنك في كُل عـارضٍ
بخطٍ وخطوٍ أخمصي وبنـــــانـي
أيُ محبةٍ إذن وأي فادٍ وأي صداقة
تفتدى . إنها ـ لا شك ـ توامق الروحان.
ويقول الصابي مادحا ً ومقيًماً نسب الشريف الرضي وأحقيته في الخلافة :
ألا أبلغا فرعــاً نمَتهُ عُروقـــهُ
الى كل ســام ٍ للمفاخــر بــانِ
محمّداً المحمــود من آل أحمـد
أبا كل بكـر في العُلى وعوان
وقوله:
أبا حسن لي في الرجالِ فراسةٌ
تعودتُ منها أن تقولَ فتصدقـا
وقد خبرتني عنك أنّك مـــــاجدٌ
سترقى من العليا أبعـد مرتقى
فوفيتك التعظيم قبل أوانـــــــــه
وقلت أطال الله للسيـد البقـــــا
ولما مات الشيخ الصابي رثاه الشريف الرضي في مرثية عصماء يقول فيها :
الفضـــل ناسب بينــنا إن لم يكـن
شرفي مــناسبه ولا ميـــلادي
إِلا تــكن من أُســرتي وعشـائري
فلأنت أعلـقهم يــداً بــــودادي
أو لا تكن عالي الأصول فقد
وفى عِظــمُ الجدود بسؤدد الأجــداد
وقوله:
مَن مبلغ لي أبـــا إسحاق مألــكةً
عن حنو قلبً سليم الســرِ والعلـــــن ِ
جرى الوداد له مني وإن بعُــدت
منّا العلآئقُ مجرى الماء في الغُصن
لقد توامــــقَ قلبانــــا كأنهمــــــا
تراضعا بــــدم الأحشــاء لا اللبــــن
وتوفي الشريف الرضي ليلة السبت 25 جمادى الأولى سنة\406 هجرية – 1015 ميلادية ورثته الشعراء بمراث كثيرة وممن رثاه ولداه المرتضى والرضي ومهيار الديلمي ورثاه أبو العلاء المعري وقد اختلفت الروايات في سنة وفاته فقيل توفي سنة| 403 وقيل توفي سنة |404 وقيل غير ذلك لكن المعول عليه هو | 406 هجرية وقد دفن في داره في الكاظمية بجانب الكرخ ثم نقل جثمانه الى كربلاء بعد ذلك ليدفن من جديد بجوار قبر ابيه .
ومن اثاره العلمية والادبية :
- تفسير القران الكريم
ـ تلخيص البيان عن مجازات القرآن.
ـ حقائق التأويل في متشابه التنزيل.
- اخبار قضاة بغداد
ـ الزيادات في شعر ابن الحجاج.
ـ الزيادات في شعر أبي تمام.
ـ مختار شعر أبي إسحاق الصّابي.
ـ منتخب شعر ابن الحجّاج.
ـ انشراح الصدر في مختارات من الشّعر.
ـ ديوان شعر.
ـ خصائص الأئمّة عليهم السلام.
ـ معاني القرآن.
ـ مجازات الآثار النّبويّة.
-نهج البلاغة وهو أبرزها وقد وقد جمع فيه ما الختاره من خطب الامام علي بن ابي طالب .
واختم هذه الدراسة بقصيدته الرائعة:
يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى في خَمائِلِهِ
لِيَهنَكِ اليَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ
الماءُ عِندَكِ مَبذولٌ لِشارِبِهِ
وَلَيسَ يُرويكِ إِلّا مَدمَعي الباكي
هَبَّت لَنا مِن رِياحِ الغَورِ رائِحَةٌ
بَعدَ الرُقادِ عَرَفناها بِرَيّاكِ
ثُمَّ اِنثَنَينا إِذا ما هَزَّنا طَرَبٌ
عَلى الرِحالِ تَعَلَّلنا بِذِكراكِ
سهم أصاب وراميه بذي سلم
مَن بالعِرَاقِ، لَقد أبعَدْتِ مَرْمَاكِ
وَعدٌ لعَينَيكِ عِندِي ما وَفَيتِ بِهِ
يا قُرْبَ مَا كَذَبَتْ عَينيَّ عَينَاكِ
حكَتْ لِحَاظُكِ ما في الرّيمِ من مُلَحٍ
يوم اللقاء فكان الفضل للحاكي
كَأنّ طَرْفَكِ يَوْمَ الجِزْعِ يُخبرُنا
بما طوى عنك من أسماء قتلاك
أنتِ النّعيمُ لقَلبي وَالعَذابُ لَهُ
فَمَا أمَرّكِ في قَلْبي وَأحْلاكِ
عندي رسائل شوق لست أذكرها
لولا الرقيب لقد بلغتها فاك
سقى منى وليالي الخيف ما شربت
مِنَ الغَمَامِ وَحَيّاهَا وَحَيّاكِ
إذ يَلتَقي كُلُّ ذي دَينٍ وَماطِلَهُ
منا ويجتمع المشكو والشاكي
لمّا غَدا السّرْبُ يَعطُو بَينَ أرْحُلِنَا
مَا كانَ فيهِ غَرِيمُ القَلبِ إلاّكِ
هامت بك العين لم تتبع سواك هوى
مَنْ عَلّمَ العَينَ أنّ القَلبَ يَهوَاكِ
حتّى دَنَا السّرْبُ، ما أحيَيتِ من كمَدٍ
قتلى هواك ولا فاديت أسراك
يا حبذا نفحة مرت بفيك لنا
ونطفة غمست فيها ثناياك
وَحَبّذا وَقفَة ٌ، وَالرّكْبُ مُغتَفِلٌ
عَلى ثَرًى وَخَدَتْ فيهِ مَطَاياكِ
لوْ كانَتِ اللِّمَة ُ السّوْداءُ من عُدَدي
يوم الغميم لما أفلتِّ أشراكي
اميرالبيان االعربي
د . فالح نصيف الكيلاني
العراق - ديالى - بلد ر وز
***********************************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق