هاني عقيل - قراءة
في قصيدة " جنوني... و الوطن " للشاعر الجزائري الشيخ اليزيد
2015-12-19
22:35:34
حجم الخط:
ذاك الوطن
جرحه... يمزق أحشائي
...
دندنة كل ليلة
تقرع في الطبل و الطبل يطبل في أذاني
يمزقني كممزق تمزيقا
و يرمني لمحاكاة
النجوم و السهر في العراء
عراء .... يناجي
حفاة ‚ عراة
يتمشون فوق الثلج
يتغنون للوطن المرسوم فقط فوق الورق
ورق اشتري في سوق
عبيد الرومان
اليوم وجد في يدي
جلادي
ذاك السفاح أصبح
صديقي
طامع في تراب و
ما تحتويه أرض
و أنا أبيع أبنائي
للجواري
للرقص فوق الجليد
بنار لا دخان لها
فذاك الوطن كل
صباح
موتى تعود بي الى
هيروشيما
و أقلب و أقلب
في دفتري و كراس تاريخي
أعثر على التتار
يجرون المغول
وفرس يوقعون معاهدة
مع الجنس الآري
و نابليون يلوح
بمروحته للداي الحسين
يعاتبه على مافعل
الرجل المريض بدولته
زرع الانكشاريون
في حمص
و مالي تعفو على
فرنسا
لمحو تلك الذكريات
شطحات العساكر
تقتات من جسد عليل
قهره الجوع و الصحراء
و تبكيه الأيام
كلما تفكر الوطن
وطن بني فوق رمال
زاحفة
وطن بلا شمس
وطن جوه سرب طائرات
يتامى ترقص فوق
الدبابات
بيدها تلوح لأ
طفال بغداد
تنادي براعم حلب
متسألين
هل هكذا تؤثثون
عالمنا
قصيدة النثر بين
الوحدة العضوية والثيمة الرامزة
الجزء الاول
المقدمة
للقصيدة الحديثة
اسلوبية خاصة للربط بين مقاطع القصيدة المتداعية من خلال الثيمة الرامزة
وهو موضوع قلما
انتبه له الدارس النقدي في العصر الحديث
ماذا نعني بالثيمة
الرامزة / هي تلك الثيمة التي يبنى عليها النص خلف الثيمة الام الظاهرة وهو تحتاج اقل
ماتحتاج الى اعمال الفكر للغوص في تلابيب النص الى ابعد ما يكون وهذا مما يصعب على
الشاعر ابتداعه او الاتيان به ويصعب على الناقد والمتلقي بلوغه والكشف عنه ممالاشك
فيه ان تعدد الثيمات في النص الشعري الحداثي لا يلغي وحدة النص معنويا وان ظهر للمتلقي
غير ذلك فالثيمة الرامزة تقوم مقام الوحدة الموضوعية وهذا ما يدعمه مناخ النص الشعري
الواحد وان تعددت الرؤى الشعرية لذا ومن هذا المنطلق نرى ان العديد من النصوص الشعرية
بحاجة الى اعادة القراءة وفق هذا المنظور للكشف عن تلك الثيمة الرامزة ولعمري هذا ماسوف
يمهد لاعادة النظر فيما قيل بخصوص قصيدة النثر وحقيقة مرجعيتها وتفريز النصوص بين قصيدة
النثر الحداثية والنثر المرسل ناهيك عن تفريز الاساليب الشعرية بين انوثة النص وذكورته
بعد ان تمادى الكثير في الولوج لهذا الجنس الادبي دون ان تتمظهر لديهم حقيقة الاشتراطات
الحداثية لهذا الجنس . ان التزاوج بين ادوات الربط اللفظية والمعنوية للنص والثيمة
الرامزة يظهر لنا بما لايقبل الشك الولادة الشرعية لقصيدة النثر العربية وهويتها الحقيقية
فهو تزاوج عضوي لاجدال فيه
سوف نتناول النص
الشعري " جنوني .. والوطن " للشاعر الجزائري الشيخ اليزيد
" Cheikh El Yazid "
جنوني... و الوطن
في كثير من الاحيان
يتبادر الى الذهن جملة من اطياف شعرية تندثر واخرى تحلق برؤى حداثية لكن مما لاشك فيه
ان تلك الاطياف التي تنائ عن مشهدنا المعاصر تلقي بظلالها على تلك الرؤى وهذا مانجده
في قصيدة (( جنوني والوطن ))
فقد عمد الشاعر
بحذاقة فريدة الى توظيف تلك الظلال ليحلق النص بجناحي الماضي والحاضر اذ استحدث طريقة
بنائية هي من الاهمية بمكان فكما نعرف ان الربط بين مقطع واخر في النصوص الحداثية عملية
شائكة ومستعصية اذ انها لاتتناسب ورؤى التشظي النصي الحداثي لكن الشاعر هنا تفرد باسلوب
ربط فيه النص بطريقتين
الاولى تداعي الافكار
اذ جائت افكاره وفق بناء متداعي اما الطريقة الاخرى فنعني بها ربط الجمل نحويا ومعنويا
بطرائق لغوية معروفة للدارس ومنها على سبيل المثال لا الحصر
( ادوات الربط
اللفظية ومنها العطف وحروف الجر وغيرها )
عودة الى الفرادة
الاسلوبية للشاعر ان المتوغل في تلابيب هذا النص (( حنوني و الوطن ))
يجد نوعين من الربط
الاول / الروابط
اللفظية
الثاني / الروابط
المعنوية
فنراه يقول
ذاك الوطن
جرحه... يمزق أحشائي
...
دندنة كل ليلة
تقرع في الطبل و الطبل يطبل في أذني
فهو هنا استخدم
حرف العطف الواو لتوالي الانساق الفكرية والشعرية معا مع التكرار اللفظي وهذا ما اضفى
على النص ايقاعا جميلا مع الاحتفاء بايقاع داخلي استوجبته طريقة البناء النصي الحداثي
ومرة نراه يقول
يمزقني كممزق تمزيقا
و يرمني لمحاكاة
النجوم و السهر في العراء
عراء .... يناجي
حفاة ‚ عراة
يتمشون فوق الثلج
يتغنون للوطن المرسوم فقط فوق الورق
هو هنا انهى الجزء
الاول يمفردة ( العراء ) مع مباغتة المتلقي بربط فريد وهو باية الجزء الثاني بنفس المفردة
وهي ( العراء ) ناهيك عن الربط المعنوي الذي حفل به المقطع
ويعود الشاعر مرة
اخرى لنفس الاسلوب وختم المقطع بمفردة الورق وكررها في بداية المقطع التالي وهذا يحسب
له لا عليه فيقول
-
ورق اشتري في سوق
عبيد الرومان
اليوم وجد في يدي
جلادي
ذاك السفاح أصبح
صديقي
طامع في تراب و
ما تحتويه أرض
و أنا أبيع أبنائي
للجواري
للرقص فوق الجليد
بنار لا دخان لها
مقطع غاية في الروعة
انزياح باذخ مهد النص للمتلقي بحفاوة الدهشة في كل عبارة يمر بها المتلقي
يجد الثيمة الام
للنص ( الوطن ) تتكرر بشهقات شعرية مستحدثة هذه الشهقات التي ابتدعها الشاعر والبسها
رؤاه هو شاعر بروح هائمة فنراه يعكس ذياك الهيام برشاقة لفظة وجمال معناه
فهاهو يستخدم رابطا
من نوع خاص وهو اسلوب الاشارة المجازية مع توالي الواوات في قوله
فذاك الوطن كل
صباح
موتى تعود بي الى
هيروشيما
و أقلب و أقلب
في دفتري و كراس تاريخي
أعثر على التتار
يجرون المغول
وفرس يوقعون معاهدة
مع الجنس الآري
و نابليون يلوح
بمروحته للداي الحسين
يعاتبه على مافعل
الرجل المريض بدولته
زرع الانكشاريون
في حمص
و مالي تعفو على
فرنسا
في نهاية كل مقطع
يتحفنا الشاعر برابط لفظي جديد وهاهو هنا يورد لام التعليل في قوله
لمحو تلك الذكريات
شطحات العساكر
تقتات من جسد عليل
قهره الجوع و الصحراء
و تبكيه الأيام
كلما تفكر الوطن
وطن بني فوق رمال
زاحفة
في المقطع الاخير
يؤكد الشاعر على الاحتفاء بثيمة الوطن تلك الثيمة التي تتوسع لتشمل كل رؤى النص منذ
البدء حتى الانتهاء بنهاية مفتوحة تلقي بظلالها سؤالا على ذهنية المتلقي فيقول
وطن بلا شمس
وطن جوه سرب طائرات
يتامى ترقص فوق
الدبابات
بيدها تلوح لأ
طفال بغداد
تنادي براعم حلب
متسألين
هل هكذا تؤثثون
عالمنا
-
انتظرونا في الجزء
الثاني من هذه الدراسة والربط المعنوي والثيمة الرامزة
الناقد العراقي
هاني عقيل
الخميس / 17 /
12 / 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق