الثلاثاء، 5 يناير 2016

دراسة نقدية / للنص إحتضار / الناقد عباس باني المالكي / العراق


تراجيدية الفكرة من خلال تصاعد ثنائية الرؤيا داخل الذات
قراءة نقدية في نص( احتضار) للشاعرة عواطف عبد اللطيف
احتضار
عواطف عبد اللطيف
\
في عتمة الليل
بقايا عشبٍ يابس يبحثُ عن وجوه
بلا أقنعة
ونفوس بلا نقاط سوداء
وخوف يلبس الوجوه
ويتقمَّصُ الخطايا
جدرانُ غرفتي تقتلُها الوحدةُ
كلُّ الأماكن خرجت لتدورَ حول قدمي
تعاندني الخطا
فتتكسّر خطواتي
مع شظايا البلّور المتناثرِ
كلما حاولت أن أبسطَ يدي قطعتها العتمةْ
أبحث عن نفسي
لا أحد يناولني إياي
لحظات لفَّها الصمتُ
هذا الصمتُ القابعُ في ركن الغرفة
أخرسُ لا يجيدُ الصراخَ
يئِدُ نبضَ قلبي
ويكفنُ صوتي
لا أحد يصدّق عندما أخبرُهم
أنّ الأشجار أيضاً تحتضر
والورودَ البيضاء جثثٌ تملأ الطرقات
والنائمون في العراء يقتاتون الهشيم
يتناثرُ فوقهم ريشُ الغربان
والحمائمُ تعلّمُ همومَ الانكسار ْ
مساماتُ الصبر غلَّفها الترابُ
وأنا أرتدي غثيانَ الغبارْ
لأطفئ لهيبَ قلبي المشبوب
وأغطّي أوردتي المِجمرَة
ومن داخل بؤبؤٍ تاه في عتمة الخراب
وبدني لا زال يهتزُّ
أحدِّقُ في جفون النجوم
لأقطعَ من نورها لآلئ نبض
أنثرُها على كائنات رمتها أرحامٌ مخرومة
على قارعة الطريق
لعلَّ الليلَ يتحرَّكُ
ويقرعُ ناقوسَ اليقظة
يتمدَّدً الصوتُ
ونعودُ نشعرُ بما لا نشعر !
\
أن البحث عن عمق الدلالة التي تؤشرها خفايا أي نص يعتمد على المدلول الذي يسعى إليه الشاعر، وفق تنظيره ضمن اللغة ومقدار ما تمتلكه هذه اللغة ، من قدرة على التعبير عن هذا المدلول ، لأن أنساق توهج الذات المنتجة لأي نص شعري، يعتمد على مقدار الرؤيا التي تحكم الفكرة الخفية في عنوان النص ، والتدرج الدلالي في ربط هذا العنوان مع أنساق الجمل الشعرية المكتوبة بطريقة أسلوبية الشاعر ، لأن الأسلوب يعطي القدرة على اختيار المفردات اللغوية التي تستطيع أن تحاكي المضمون داخل فكرة النص ، وامتداداته النفسية والفكرية . فالفكر مهما سعى الى استنباط الصورة الذهنية اللسانيه أو الكتابيه داخل النص ، لا يستطيع أن يتجاوز حضور اللاوعي داخل تركيبة الذات التي تعطي الجملة الشعرية والقادرة على منهجة اللاوعي ، ضمن أدراك الوعي في تكوين الرؤيا ، ضمن نافذة الانبثاق أو الانبعاث الصوري لتكوين نبضية النص ،المنعكس من تداخل مرايا الوعي مع اسلوب الشاعر ، نجد أن نص ( احتضار) للشاعرة عواطف عبد اللطيف قد أرتبط بالشعور النفسي في تحديد الانتماء ، ومقدار هذا الانتماء لما يمثله من تقارب مع رموزها الذاتية والتي توصلها الى المعنى الداخل لكل الأشياء . لأن هذه الأشياء مهما اكتسبت أهمية في الحياة ، لا يمكن أن تبني الشعور الترابطي معها إذا لم تكن متقاربة للمعنى الداخلي عندها ، لأن الاحتضار وعي تداركي في نهاية الحياة داخل عنصر الوجود الحي ، لهذا فأن الشاعرة تدرك هذا ضمن أسلوبها في أنتاج الفكرة التي تمد الرؤيا ، لكي تحضر القدرة على التبحر في مكنون الأشياء حولها من خلال رموزها المعنوية ...
في عتمة الليل
بقايا عشبٍ يابس يبحثُ عن وجوه
بلا أقنعة
ونفوس بلا نقاط سوداء
وخوف يلبس الوجوه
ويتقمَّصُ الخطايا
جدرانُ غرفتي تقتلُها الوحدةُ
كلُّ الأماكن خرجت لتدورَ حول قدمي
تعاندني الخطا
فتتكسّر خطواتي
مع شظايا البلّور المتناثرِ
كلما حاولت أن أبسطَ يدي قطعتها العتمةْ
الشاعرة هنا تتخذ من المكان الرمز الكامن في هاجسها النفسي ، أي أنها تؤكد على سيكولوجية الفكرة عندما يكون المكان محمل بذكريات ابتعدت عن حاسة الذهن المتكون في زمن الوجود . لهذا يكون المكان هو التداعي البصري في صورة الذهن ، الذي يجعل المكان انعكاسا لكل الأحاسيس التي تنبعث من داخلها اتجاهه ، والذي تتصارع فيه الرؤيا كحتمية الفكرة المنبعثة من داخل الذات التي تسقطها على المكان ، فيصبح هذا المكان ،هو منطقة الإيحاء لصراعات الذات ومعاناتها الخفيه ، اتجاه الفقد المتأزم في أحداث تكونت عندها نتيجة تمازج هذا المكان مع ما كانت تعيش فيه من أحلام مضت ولن تعود ، فيصبح كل شيء حولها يوحي بالعتمة ، لأن الشاعرة اختارت زمن الليل ( في عتمة الليل )
لكي تظهر أزمتها الخفية في إرهاصات نفسها ، فهي هنا تمتد خارج ذاتها ومن ثم تعود إليها ،وفق نسق التوتر النفس الذي تعيشه ، حيث تظهر هذه الأزمة الى المكان ومن ثم تعود لتثبت الرمز الموحي بخضم أتساع الذكرى لديها ، مع انحسار المكان وما يمثله من التقارب مع أزمتها الذاتيه (بقايا عشبٍ يابس يبحثُ عن وجوه /بلا أقنعة /ونفوس بلا نقاط سوداء /وخوف يلبس الوجوه /ويتقمَّصُ الخطايا ) والشاعرة هنا تتخطى الزمن ، الى رموز موحية ومعبئة بالمكان ، فيأتي العشب لكي تبين الحياة التي كانت تعيشها بكل بساطة ، ويتحول هذا العشب اليابس الى فعل في حركة الحياة ، فيبحث عن وجوه بلا أقنعة ، ونفوس بلا نقاط سوداء . فهي تبحث عن طريق بساطة الحياة التي كانت تعيشها ، عن وجوه تعيش لحظة بياض الروح ، وتكون متطابقة مع ما في داخلها من هذا بياض ولا تظهر عكس ما تعيشه في الداخل ، لأنها تخاف من سواد النفوس والمخادعة ،لأنها عاشت زمن غير مفتعل وكل شيء فيه ناصع بالبياض . أنها تريد أن تخرج من هذا الزمن المعتم لتبقى تحافظ على بياض ذاتها ، ولكنها تشعر أن هناك من يحاول أن يبعدها عن الوصول الى ما تريد ، بسبب فقدانها الثقة بكل شيء حولها . مع أنها تعيش الوحدة داخلها ،ولكنها تخاف الخروج من زمن عاشته سابقا (جدرانُ غرفتي تقتلُها الوحدةُ /كلُّ الأماكن خرجت لتدورَ حول قدمي /تعاندني الخطا /فتتكسّر خطواتي /مع شظايا البلّور المتناثر / كلما حاولت أن أبسطَ يدي قطعتها العتمةْ ) فهي بقدر ما تعيش الوحدة تخاف الخروج من وحدتها ، لأن كل شيء حولها غير واضح ويوحي بالعتمة، وهذا القلق الذي تعيشه ،فعدم القدرة على الحركة باتجاه خارج أزمتها لعدم وضوح الأشياء حولها يكون الاحتضار ...
أبحث عن نفسي
لا أحد يناولني إياي
لحظات لفَّها الصمتُ
هذا الصمتُ القابعُ في ركن الغرفة
أخرسُ لا يجيدُ الصراخَ
يئِدُ نبضَ قلبي
ويكفنُ صوتي
وتستمر الشاعرة بالانتباه الى صوتها الداخلي ، لكي تعرف حدود ذاتها من أجل أن تبين أسباب القلق ، فكل شيء حولها يوحي بالاختناق وعدم القدرة حتى على الصراخ ، لثقل ما تعيشه من تشتت وقلق متأزم داخلها ، بسبب مشاعرها الموحية بأنها لا تستطيع أن تتجاوز الزمن الذي عاشته ، الشاعرة هنا تتوغل في مكامن ذاتها ، لتعرف حدود ما تعيش من الداخل بسبب الفقد ، وكل ما تريد أن تقوله هنا أن كل شيء لا يمكن أن يعوض ما عاشته سابقا . وكل ما وصلت إليه بسبب فقدانها هذه الزمن ، وأنها غير قادرة على استبدال ذلك الزمن بزمن أخر ، لأنها عاجزة عن الوصول إليه بسبب هذه الإخفاقات التي تعيش ، مرة بسبب أن كل شيء حولها ليس له معنى ، وبسبب قلقها وأنها تخاف بأن لا تجد ما يتطابق الزمن السابق داخلها, والشاعرة تتغير موضعية الحدث النفسي ، مرة ضمن المكان ومرة أخرى داخلها ، من أجل أن تحصل على التطابق التام مع ما تريد أن تصل إليه ، و لكي لا تستمر بالعيش في هذا القلق الذي يشبه الاحتضار فهو يئد قلبها ويكفن نضبها (أبحث عن نفسي /لا أحد يناولني إياي /لحظات لفَّها الصمتُ /هذا الصمتُ القابعُ في ركن الغرفة /أخرسُ لا يجيدُ الصراخَ /يئِدُ نبضَ قلبي /ويكفنُ صوتي) تحاول لكنها تفقد القدرة على أحداث التغيير في حياتها ، بسبب لا أحد يناولني إياي ، أي لا يستطيع أن يكون كما تريد أن تعيش فكل شيء حولها يلفه الصمت والقلق ....
لا أحد يصدّق عندما أخبرُهم
أنّ الأشجار أيضاً تحتضر
والورودَ البيضاء جثثٌ تملأ الطرقات
والنائمون في العراء يقتاتون الهشيم
يتناثرُ فوقهم ريشُ الغربان
والحمائمُ تعلّمُ همومَ الانكسار ْ
مساماتُ الصبر غلَّفها الترابُ
بعد أن حاورت ذاتها من الداخل ومن خلال المكان ، تعود لكي تحدد قيمة الفعل في التقدم نحو الخروج من أزمتها الحياتيه وبخطوة جديدة .وهي هنا لا تريد التغيير بل تسعى الى تصديق هذا من خلال شرعنة الآخرين في بناء فعل التصديق ، على أيجاد التقارب النفسي مع ما تريد أن السعي إليه . من أجل الوصول الى الأمل الذي يخرجها مما تعيشه الآن ، والشاعرة هنا تترك ذاتها حرة بالسعى الى فعل التطابق مع المعنى . الذي تريد أن تكسبه الى ذاتها ،وبعد موضعية بالبحث عن الاختيار ، تصل الى المكاشفة في ردة فعل اتجاه كل الأشياء حولها ، ضمن ذهنية التفكير التصديقي لحركة الحياة وانتباهها الحي ، من أجل التواصل وفض الصراع في ذاتها مع كل هذه الأشياء ونشعر هنا أنها تتراجع الى ذاتها لعدم تصديقها فعل الحياة خارجها ، فقد ساقت الحدث النفسي الى رموز الحركة خارج ذاتها كفعل متردد في أيجاد التطابق الحميمي مع ما تريد ، وكأن كل شيء سائر الى الخراب والعزلة , لهذا تحاول أن تحصن ذاتها من كل هذا ، لكي لا يتسع الوجع داخلها ، فكل شيء سائر الى زمن التراب والموت , وهنا فعل حركتها الذاتية فعل أرتدادي قناعي في فعل لا يؤدي إلا للموت ، أي أن الشاعرة سعت لكي تكسب لذاتها القناعة والثقة بأن ترددها كان هو الصحيح والحقيقي ، وأن فعل حركتها بالتغيير غير صحيح وخارج عن نسقية روحها . كل هذا من أجل أن تؤكد أن النقص والعيب ليس فيها بل بالأشياء التي حولها والشاعرة هنا أرتقت بالفعل النفسي الداخلي الى مستوى الرؤيا لنص المرايا ، أي تضمين المعنى الداخلي على الأشياء دون تغير القناعة بتغير الرمز الموحي بالدلالة ، التي تتطابق مع المدلول كفعل حركي في السعي الى توضيح كل ما يعتمر داخلها اتجاه الأشياء الخارجية(لا أحد يصدّق عندما أخبرُهم /أنّ الأشجار أيضاً تحتضر /والورودَ البيضاء جثثٌ تملأ الطرقات /والنائمون في العراء يقتاتون الهشيم /يتناثرُ فوقهم ريشُ الغربان /والحمائمُ تعلّمُ همومَ الانكسار /مساماتُ الصبر غلَّفها الترابُ )وهذا يدل على استمرار إيقاع النص لديها تبعا لحركة الحياة داخلها ،والمنعكس على الأشياء الخارجية ، وقد حدث هذا الإيقاع نتيجة التجاور ما بين ما هو داخلي وخارجي و طبعا هذا يؤدي الى امتداد مساحة الرؤيا ،كصورة ذهنية متعددة مناطق الإيحاء وفي لغة مقنعة بالرمز الموحي ، فيحدث التطابق الرؤيوي كنسق تراجيدي في تكوين الصورة الذهنية في حسية الرمز الداخلية ...
وأنا أرتدي غثيانَ الغبارْ
لأطفئ لهيبَ قلبي المشبوب
وأغطّي أوردتي المِجمرَة
ومن داخل بؤبؤٍ تاه في عتمة الخراب
وبدني لا زال يهتزُّ
أحدِّقُ في جفون النجوم
لأقطعَ من نورها لآلئ نبض
أنثرُها على كائنات رمتها أرحامٌ مخرومة
على قارعة الطريق
لعلَّ الليلَ يتحرَّكُ
ويقرعُ ناقوسَ اليقظة
يتمدَّدً الصوتُ
ونعودُ نشعرُ بما لا نشعر !
تستمر الشاعرة على فعلية الرمز التراجيدي ، لكي توصل المخاض الداخلي لها في بنية هندسة اللغة وفق تقاربها النفسي مع احداثها الخارجية . فلا يتكون المعنى في الخارج إلا وفق ذائقتها الداخلية في رؤية المعنى ، وطبعا هذا يحتاج الى لغة قادرة على امتداد التطابق مع كل هذا المعنى , والشاعرة هنا تعطي المعنى من الداخل الى الخارج (وأنا أرتدي غثيانَ الغبارْ /لأطفئ لهيبَ قلبي المشبوب /
وأغطّي أوردتي المِجمرَة /ومن داخل بؤبؤٍ تاه في عتمة الخراب /وبدني لا زال يهتزُّ /أحدِّقُ في جفون النجوم /لأقطعَ من نورها لآلئ نبض /أنثرُها على كائنات رمتها أرحامٌ مخرومة /
على قارعة الطريق ) والشاعرة بدأت بكلمة ( أنا) كتثبيت على عدم قناعتها بكل الكائنات التي لا تتطابق مع فعل الحياة داخلها ، حيث أنها من تستنطق الفعل على حركتها الداخلية وإيصالها الى هذه الكائنات ( ارتدي أطفئ , أغطي ,أحدق ,أقطع ,أنثر) وكل هذه الأفعال ضمن رمزيتها وفعلها الداخلي، لكي تصوغ ذاتها ضمن القيمة العليا في الأحداث واكتسابها حالة التأويل في هذه الكائنات خارج قيمتها الذاتية الواعية في نهاية كل هذه الكائنات خارجها . لأن هذه الكائنات رمتها أرحام مخرومة على قارعة الطريق والمتاهة . ومن ثم تعود بلا قناعة بفعل كل هذا لعدم وضوح الرؤيا لديها ، ما تجعل الليل هو السبب بظلمة الرؤيا عندها وهذا ما يسبب عدم رؤية الأشياء خارجها بوضوح مقنع (لعلَّ الليلَ يتحرَّكُ /ويقرعُ ناقوسَ اليقظة /يتمدَّدً الصوتُ !) وكل هذا يشعرها بأنها لا يمكنها الجزم بكل قناعتها في قيمة الكائنات خارجها ، لأن كل شيء مبهم وخفي حولها ، فكل شيء مضطرب غير مستقر ، وهذا ما يوصلها الى العجز الكلي في وضوح الرؤيا لديها ، وعدم اكتساب قناعتها في قيمة كل هذه الكائنات الخارجية ، فالضبابية وعدم الوضوح خارجها والقلق وأتساع أزمتها من الداخل ، وما يشعرها بأنها لا يمكنها التقدم نحو ما تريد ، بل هي واقفة دون حراك كأنها تعيش الاحتضار الفعلي بين ما تريد أو لا تريد الشاعرة استطاعت أن تعبر بشكل عميق واسع من اللغة التي استطاعت أن تحقق فعل الرؤيا ضمن شمولية الفكرة ، كما استطاعت أن تخلق إيقاعا متناوبا مشكلا هرمون نسقي من امتداد الفعل الشعري في ذهنية وبصرية الصورة الشعرية ، ومن خلال حقل الدلالة المتسع في المعنى ،والذي اعطى التوهج لثنائيات التضاد في تركيبة الجملة الشعرية التي توجدها مرئيات في داخل الذات والكائنات الخارجية عن هذه الذات , نص متماسك ذو وحدة عضوية تراجيدية ، في فعل الرمز الموحي بفكرة الرؤيا المتماسكة في مكنون الخطاب الشعري .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق