الاثنين، 15 مايو 2017

صداع الحب النصفي // ق . ق . بقلم القاصة والشاعرة : نورة حلاب // لبنان

فازت تلك القصة بالجائزة الثالثة في مباراة " الأدب النسائي " 
الذي اقامه " الأتحاد الدولي للكتاب " ...
"صداع الحب النصفي "
زوجي العزيز ..
ضاق متسع العتب عليك هذا المساء ، سقطنا معا في هوّة منتصف العمر ، وما تبقى منه لم يعد سوى مساحات للغفران او ٌلتبديل اثواب النسيان ..
اغفر لك هذا الصباح قيد قرارك العنيد الذي طوقتَ به معصم قلبي ذات مساء بعيد ، حين قررت الهجرة للعمل في الخارج بحثا عن رزق اوفر ، وفسحة اضافية من الحرية كنت تشتهيها ضمنيا من وقت لآخر ...
ودعتني حينها بعناق باهت ، وحين تصدرت انظاري لوحة ظهرك المغادر ،،،قرات عليه بالخط العريض ..." انا مسافر ،،، هيا ايتها المرأة القديرة تدبري امرك من دوني " ..
ولم اكن حينها سوى سمع صاف وطاعة عمياء ،، عود من الزنبق الأبيض الفواح ، كيفما هزته الريح تمايل وعطّر الأثير ....
وكان علي التكيف مع ذاتي الجديدة ، لأكون الأم والأب صباحاً، اللبوة في ميدان الحياة ظهرا ، و الحاضنة الحانية مساءأ حين ، حين اعدّ لطفلينا حمامهما وعشاءهما على وقع حكايات جدتي واساطيرها التي كانت تفقد بغتة صلاحيتها ، حين يخيّم حضور غيابك الأليم ويتوه الطفلان في ارجاء البيت يبحثان عن رائحتك وبحة صوتك .....
فأسارع لأتدارك انتكاسة الحماس المفاجئة ، اشعلها مجددا بهمروجة فرح مفتعلة ساعية لخزانتك بهدف تقمصك .....
ارتدي بنطالك وقميصك واعقد ربطة عنقك ، اضع نظارتك واباشر في استعراض " فخامة ابوّتك " فابدو كالمهرج ويجنّ الصغيران فرحا ....فيطّوق الصبي ركبتي محاولا تحسس جلدك في طيات القماش ، و تتعلق طفلتي في رقبتي لتشمّ رائحتك من ياقة قميصك الأبيض وخيط عرق رفيع تركته طاعنا عليها بالأصفر ..
وكنت اقلدك في حركاتك ، قهقهاتك وثورة الغضب في صوتك ، فتتعالى الضحكات وترتفع الأهازيج حتى ينهك التعب الصغيرين ،، فافرش لهما بزّتك بعرض كتفيك على عرض سريرنا الأبيض،، يتكومان داخلها ، اقفلها عليهما واحضنهما بساعدي الأيمن وأضمّ بالأيسر الى صدري وسادتك الخالية وعينيك الحانيتين ...
وكنا نوافيك في عالعطلة الصيفية الى ذاك البلد البعيد ، حيث المرأة تعيش في زنزانة بالف حسيب ورقيب ، حيث عملك المستهلِك الكبير الذي يلتهمك اخضرا عند الصباح ، ليطرحك يابسا مصفرا عند المساء يهدّك تعبك وجوعي المزمن للحب الذي تُشبعه بكسرة خبز يابس ، بدل تشكيلة فاكهةاستوائية تدعوني اليها ..
ورغم ذلك كنت استيقظ نضرة منتشية بفعل اكسير حنانك الثمين تملأني رغبة الأنثى الأزلية في التنسيق والترتيب ، فانفض فراشك ، ارتب سريرك ، اكوي قمصانك المّع احذيتك واعلق على باب خزانتك بالتدريج احزمتك الجلدية ، واقضي الساعات اجمع فيها تواءم جواربك المفقودة في ادراج الفوضى .
وكانت العطلة تنتهي بوداع يوازي بحماسته روعة الأسقبال وادرك بحدس الأنثى انك وللأسف بتّ تفتقد بيت العازب المعتاد ...
مثقلة بصناديق الحب الوهمية والأنوثة الخاسرة ، علب الهدايا كنت اعود محملة برُزم الورق الأخضر الذي ابدّل بمفعول سحره .... سيارتي ، اثاث بيتي والستائر و افشل 
في تبديل ذاك القهر المتنامي وهذا الخذلان المورق في داخلي ..الذي كان يرميني في احضان الصبر فيتسع حينا لي ويضيق غالبا عليّ فاهاتفك بادمان لأرتجي من نبرة صوتك بعض الحنان والأمان والأهتمام .. وكنتَ تجيبني باتزان مفرط عديم الأحساس او تتجاهلني بتشفّ مقصود واكاد أُجَنّ 
،فأهدد و اتوعّد ، وتعدني انك ستقضي معي عطلة الأعياد ، كي تراقصني رقصة العيد بوجهين ، احدهما اللقاء والآخر الوداع .....
في ليلة العيد ...
كنتَ تنهَل من بركتِها ..جداً سعيد ، فتسوّر خصري هائما واسوّر بانظاري حلبة الرقص مفتشة بين صفحات الوجوه من حولي عن توأم يشبهنا او يرقص على مسرح الحياة رقصتنا ، ليشعل بعدها في مخدعه شمعتين ويصغي الى الموسيقى في مقطوعتين ثم يختصر اسطورة العشق في قبلتين متزنتين لأكتشف بعدها ان العمر صار محرَجاً ، صهيل الحصان انقلب همسا وزئير الأسد في خبر كان ...
هذا الصباح ودعتك فطبعتَ على جبيني قبلة باردة ، على وجنتي اثنتين فاترتين وسالتني : 
سعيدة انت ؟ ؟؟ 
لم يسعفني لساني واغرورقت عيناي ..
على الشرفة اخذت اتفرّس بك واتاملك مغادراً ، ارقب خطواتك ، الحماس يتدافع بين خطوتي اليمين والشمال ، السائق يفتح لك الباب ،ياخذ عنك الحقيبة فترتمي في مقعدك واكاد اسمع تنهيدة راحتك والخلاص ....
عند ناصية الشارع ، اتامل المبنى قيد الإنشاء ،،، الحارس وزوجته وشبه غرفة من حجر الخفان .. المراة تحمل صينية ركوة قهوة وفنجانين وعلى وجهها يطفو حبور منتعش لا يفهم لغزه سوى النساء..
الله معك يا هوانا يا مفارقنا ....تشدو" فيروز " حكم الهوى يا هوانا واتفارقنا ..
يغمرني وهَن شديد فاعود لفراشي حيث وسادتك المجعّدة ، بقايا ملامحك المؤنسة وانفاسك التي تلفظ آخر انفاسها . 
أشتاق اليك مجددا فتداهمني نوبةالصداع على عادتها كلما جُنّ الشوق لهمسك ...
افتح صفحة التواصل الأجتماعي وعلى صفحتي اخطّ حرفا سيطوف الكون وتضجّ به الدنيا وهو يروي للعالم قصة هذا الحب و "صداعه النصفي" المحفور على جبين قصتنا ...
نوره حلاب / لبنان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق