الجمعة، 26 أغسطس 2016

درس في الدفن // للاستاذ محمد دريوش // المغرب

درس في الدفن.
أناي سلام عليك حيث أنت, باهتة اللون تمارسين فن الضياع،
سلام على من صان الروح لما تبقى مني قبيل انسحابي الأخير،
سلام عليك عند الحساب شامخة على شفير الهاوية شماء كنبتة أزير،
وتبا وكل الخزي للذي اشترى الضمائر وللذي لها باع.
على صفحة البركة حين انكسرت وتجرعت الحزن المشاع،
انبعث طيفك من وسط هذا الخواء
كما ينبت الحزن بين مفاصل خافق..
قلت: من يقرع باب قلبي، من الطارق؟
من جاء يعودني على صهوة حصان من هواء؟
فركت عيني واقعي جيدا،
وحدجت انعكاس صورتي على الحائط الزجاجي بنظرة، صم نظرة أخيرة، وطفقت أحدث نفسي:
صدي صدى الريح، دعك من هذا الهراء...
أنا الذي غلقت أبواب القلب..
حين - في الساحة البعيدة- تركت ظلي
لتغمد في جسده الحياة نصالها، فما تألمت..
ورميت بجسدي على قارعة الاصطبار
قلت: أصخ السمع يا صاح!
قد يحمل النسيم شظايا ذاتك المتناثرة على مسافة عمر كامل،
أي نعم..
فرتق بعضك ليفي كلك بطقوس الاحتضار،
ومت واقفا كصفصافة ما هزت جدائلها الريح.
"هكذا يموت الغرباء":
وحيدون وباردون كقطع الثلج،
كانكسار زخات المطر على الزجاج،
ميتون جدا ومبتسمون جدا كعباد الشمس،
وكاستراحة ظل على حجر شجرة،
كحكاية جدتي عن الظبي والقبرة،
كوصايا كليب العشرة..
يا دنقل لقد صالح الزير قاتلك بالمخيم،
وقتل أخوك أخاك بدماء باردة وأبدا ما تألم..
وإني أرى الغراب يكرر نفس الدرس، درس الدفن.
فمن منا تعلم الدرس؟ من يا ترى تعلم؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق