السبت، 17 سبتمبر 2016

قراءة / بقلم الاستاذ عامر الساعدي // العراق / الطاقة الفكرية والمعرفية لدى الشاعر المغربي د. احمد بياض

قراءة / بقلم/ عامر الساعدي/ العراق
الطاقة الفكرية ، والخزين المعرفي ، والتوظيف الجيد لدى الشاعر المغربي الدكتور (أحمد بياض) في الشعر الحديث. في الآونة الاخيرة ومن خلال متابعتي للادب العربي ، وتحديدا في المغرب العربي لاحظت الانفتاح الكبير على باقي الثقافات والاداب الاخرى حتى ظهرت الطاقات الموجودة الحقيقية بهذا البلد ، وجدنا في هذا البلد الجميل - الشعر - القصة - الرواية - وحتى الدراسات النقدية التي تعمق بها النقاد ، والجدير بالذكر أن الادب المغربي هو الاقرب لباقي الاداب في الوطن العربي والسبب انهم يحملون رسالة حقيقية ، ذكرت في احدى مقالاتي أن المغرب العربي هو الاقرب للأدب العراقي من الناحية الفكرية ــ والناحية التوظيفية للنص ــ والاسلوب ، وهذا ما رأيته في التطور الذي حصل في الادب المغربي والانفتاح على العالم العربي من خلال اهتمامهم في الحداثة .
وهنا لابد للقول قولا آخر بهذا الخصوص وتسليط الضوء على شاعر مغربي يمتلك مقومات الحداثة واهتمامه المتواصل بهذا الامر ، شاعر مواضب جدا استطاع من خلال حرفه أن يوظف النص الحديث الخالي من العيوب الاخرى.
يقول في احد نصوصه تحت عنوان (أنين العودة )
تُدوّي الأغصان المشعة
في قبو الزنازين٠
كستناء الثلج
على حبر الأوراق:
دعوة الحروف
إلى فنجان الزغاريد٠
وردة تحترق
في جرعة الليل٠
مناسك في العراء
على عرش العزلة
/ على نهر الأقداح تنتحر المشاعر/
يطفو النحيب على هودج العاصفة:
مناسك في العراء
تُلبس قفطان الطريق أنين العودة ................ 
وأعراس الشتاء
هنا يمكن القول أن الشاعر يكون الشاهد على الصلةِ الروحية بينه وبين القلم والورق والشاعر وهو القادر أن يكون المنتج ، أو ما ينتجه أو يلده من حرفٍ ذات رمزيةً مرسومة بالوان شتى ، أي أن للشاعر لغةً خاصة قد تكون حسية أكثر مما تكون كتابية على الورق ويتفاعل معها من هذا المنطلق الحسي، وإمكانيته بكيفيةِ التلاعب بالمفرداتِ شريطة أن لا يخدشها بسوءٍ .
الشاعر هنا يلعب دور المقاتل الباسل حينما يكون مستعدا وجاهزا كي يخوض المعركة ، أي إذا كان المقاتل متأكدا من عدتهِ القتالية ومحصنا نفسة ليكون أقل الخسائر ، بهذه الحالة يكون في ميدان القتال بكل ثقةٍ ، الشاعرُ مقاتل لا بد من تهئيةِ أدواته التي تمكنه من خوضِ التجربةِ الشعرية وهو واثق كل الثقة .
وعليه فأن الشاعر الاديب ( أحمد البياض) استطاع وبكل جدية وحرفنه الشاعر الجيد من أتباع تلك الخطوط البسيطة التي يؤدي بها دوره كشاعر إلى طريقٍ سهل.
أولا ..إبتكر الصورة الشعرية المختلفة والحديثة .
ثانيا.. الرمز الشعري الذي وظفه في قصيدته رمزا معنويا بسيطة ليصل إلى المتلقي بكل سلاسة ، يصب بوحدة الموضوع وعدم الخروج من قاعدتهِ.
ثالثا .. تعامل مع القصيدة أو النص تعامل روحي.
رابعا.. حاول الابتعاد عن التكرار في النص.
خامسا ..استطاع صياغة النص صياغة حقيقية من حيث الاسلوب ، فالاسلوب له دور مهم بعملية الصياغة ، وهو السبب الرئيسي الذي يغذي عقل المتلقي.
كل هذه واكثر من العواملِ التي تساعد على نجاحِ القصيدة لأخراج مضمونها الصحيح كي لا يختلط على المتلقي التشعبات .
إما وبعد هذا كله فأن الشاعر وحده القادر على تزيين قصيدته بالوان شتى ، الشاعرُ بيئي أحيانا لانه يتعايش ويعيش ضمن جغرافية الزمان والمكان لنقول أنه زمكاني أذا صح التعبير لانه يتلقط ما حوله في نفس المكان ويدونه بزمانِ الحال ، والواقعية في الحياة وما يدورحولنا من موجودات ، سواءٌ في عالمِ المادة أم الحس أو الوعي ، هي بحد ذاتها صور مطروحة امامنا وهنا دور الشاعر الجيد المتمكن كي يلتقطها ،أن الشاعر ومايدركه مباشرة في العالم الخارجي أو مايشعُر به ويعيه في عالمه النفسي الوجدان الذي يسيطر عليه.
أذن نأخذ نص آخر يستوفي الشروط الصحيحة من نصوص الشاعر البياض يقول في احد نصوصه تحت عنوان (القصيدة التائهة)
هنا القصيدة تبحث عن عنوانها
في موطن الرياح‚
تزحف مع ثمرة أنينها‚
تبحث عن غيث ضنين‚
عن شوق من فطير الإغماءة
وعلى شفتيها برتقالة
مستقلة
عن حوض الجفاف٠
ناقوس الرمال
وتلال الشمع.............
سنكون اثنين في بؤس المقاهي
والنكهة الجوفاء‚
فعانقيني سيدتي
لنصوم في برهة طليقة
من معدن الخمول
لنموت مرتين
في لذة الانفصام٠
يمر حزن الليلك 
المتعطش
وبراعم الأكواخ
والوقت بثوب أحزان الأطفال
والأيتام الجريحة في النفس....... 
انتظريني
ساعة الرحيل
واكتبي
على جبيني
سيرة حلم
سينجلي
في الفضاء المجهول٠
انتظريني
في أبعاد ليلي
على حنة الأشواق..........
حدثيني
عن الزمن الباقي
و ناوليني
تذكرة الوصول٠
سيأتي ليل النهر
بكفه على الأبراج
ستأتي الحروف
السابحة في تعرية الموت
والمرآة المنكسرة على الجفن
بأشواق ليلى
وروح عدن
ومجدلية التراب............
في هذا الجزء من النص يقول ، هنا القصيدة تبحث عن عنوانها / في موطن الرياح / تزحف مع ثمرة أنينها / تبحث عن غيث ضنين / عن شوق من فطير الإغماءة / وعلى شفتيها برتقالة / مستقلة / عن حوض الجفاف، لا انكر ان الشاعر احمد البياض بهذا المقطع قد تلاعب في المفردات ليعود من الاسفل الى الاعلى والعكس لكي يعود بنفس الموضوع ، أو أقول بعبارة أخرى أنه اراد رسم لوحة سريالية في النص ، والسريالية في الشعر الحديث ماهي إلا رسم واقعي بذلك الخيال الشاسع والمترجم بأعتباره الرباط الذي يصل عالم الانسان الداخلي النفسي بعالم الواقع الخارجي ، والقصيدة ، أو النص وأنا اقصد النص الحديث ، أحيانا يدخل في عالم السريالية ، أو قد يدخل فيها عنصر الميتافيزيقا (الطبيعة ما وراء الطبيعة) أي العنصر الفلسفي ، إن الميتافيزيقية هي اتجاه أدبي فلسفي يبحث عن ظواهر العالم بطريقة عقلية ممزوجة بالعاطفة، من أجل الجمع بين كل ما هو مختلف من الأخيلة الفكرية والظواهر الطبيعية.
في المقطع الاخر يقول ، سنكون اثنين في بؤس المقاهي
والنكهة الجوفاء / فعانقيني سيدتي / لنصوم في برهة طليقة / من معدن الخمول / لنموت مرتين / في لذة الانفصام ، هنا قد يكون الشاعر وحسب رأيي الخاص أنه استخدم عنصر الانفعال اثناء الكتابة ، فالانفعال احيانا يأتي دون شرط ، أو قيد ، أو كان يروم من أجل ايجاد طريقة في توظيف النص النثري الحديث بطريقة يختلف بها عن غيره ، اذن أقول أراد البحث عما هو جديد ومختلف ومغاير لباقي النصوص ، الشاعرُ مختلف حسب توجهاته ، قد يكون ثائرا ، ثوريا ، أو عاشقا ، اما النص النثري الخالي من القيود فهو متحرر ذهنيا من سلاسل التعقيد ، بالشكل أو في المضمون .
ويرى (إيلوار) أن القصيدة مجموعة من الهلوسة والجنون والتذكر والقصص القديمة والمشاهد المجهولة والأفكار المتضاربة والتنبؤات البعيدة وحشد العواطف والعري وتشويش العقل والعبث.
إنها باختصار انطلاقٌ الوحي الحر، من أعماق النفس وتدفقه بحرية تامة مخترقاً جميع الحواجز.
وقد نهجوا في ذلك منهج الشاعر غ.أبو لينير (-1918)
تقول (سوزان برنار) فقد حررت قصيدة النثر الشاعر من آخر القيود"المسبقة": التفعيلة، ومنحت خياله الإبداعي حرية غير مسبوقة، حريةً مطلقة، بلا أي قيد أو شرط، ليصبح النص الإبداعي"إبداعاً"على غير مثال أو نمط قَبْلي، بلا استهداف- في الوقت نفسه - لتشكيل نمط جديد.
نجد في طرق كتابة الشاعر البياض الانفتاح الكبيرعلى موسوعة قصيدة النثر الحديثة ذات الرمز التوظيفي ، أو التشكيل الحقيقي ، عند قراءتي له كقراءة عامة لاحظت أن النصوص التي يكتبها مختلفة من حيث وحدة الموضوع ، أي كل قصيدة تختلف عن غيرها وتلك هي عملية اظهار القصيدة النثرية الحقيقية بصورة جميلة ، بعيدا عن اتعاب المتلقي وتشتيت فكره .
تقديري واحترامي للشاعر المغربي الدكتور ( أحمد بياض)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق