الخميس، 1 سبتمبر 2016

صدى الحب // للاديب هادي المياح // العراق

صدى الحب
-------------
شعاع فاتر من ضوء الفجر .. ينسّل داخل الصالة .. الحقائب المركونة في احدى الزوايا تغفو على جنبها منذ ليلة البارحة .. والظلمة تلتف على عنق الأشياء .. أنين خافت ينبثق عبر الزجاج .. يجول بمقلتيه هنا وهناك .. وينقل خطاه بقلق .. يسمع صدى أنين يرن في أذنيه .. يختلط بصوت الطنين الذي لازمه منذ احتفاله البهيج بيوبيله الذهبي .. الفراق كابوس يبعث على الخوف .. ويفتح ابواباً جديدة للوجع.
لايزال الوجع يعاود ظهوره بين ثنايا الصدر .. فيتحول بالتدريج ألماً يستقر مابين الضلوع .. الصراع العنيف ليلة البارحة .. أضاع كل الأحلام دفعة واحده .. وأربك مسيرة عمر من السنين الطويلة .. المفعمة بالحب والامل .. في شرفة المنزل عند المساء ، يجلسان معاً .. يرتشفان القهوة والذكريات وأحاديث المرح .. وعندما يهبط الليل .. يهبط عليهما معاً .. فيحذفان بهبوطه نهاراً مضى ، ويتحول الى ذكريات جديدة .. لكنها لم تغمض لها عين ، كانت تمر عليها الكثير من الصور والاحداث التي تربطها به .. الساعة تقارب الثالثة فجراً .. أَلقٌ مفاجئ يشع بغتة .. فيستولي عليها بحضوره .. بدا لها يتخبط في كل ارجاء المنزل .. يتعثر بأشياءه .. فيغمرها شعور جديد مماثل كالذي يتملكه الان ، ويعبث به . وما زال صوته عالقاً بإصرار في أذنيها..
ينساب الصوت بخفة كالهمس .. تصطدم ذراعه اليمنى بمسند كرسي طاولة الطعام .. يهوي جسده على حافتها الخشبية المقوسه فتهتز بقوة .. يتدحرج احد الاطباق الزجاجية ويسقط على الارض .. صوت تشظيه يخدش المزاج .. ووقع اقدام مرتبكة تتخبط في الظلام .. ثم صوت ارتطام قرب الباب الخارجي ، يثير انتباهه .. يستجمع قواه .. تظهر له في مكان ما من الذاكرة .. فيتذكرها وهي غاضبة .. تجهز الحقائب .. وتستعد لمغادرة المنزل .
يرن هاتفها قرب السرير .. يجفل مذعوراً .. نغمتها المميزة تعلو بلا توقف .. يسحب المقعد بتؤدة ويسترخي عليه .. ربما نسِيَتْ تليفونها ! .. يخمد صوت النغمة .. يسمع نغمة اخرى جديدة طالما اعتاد عليها .. ثم تلاها صوت بكاء طفل .. الطنين يرتفع صداه في سكون الليل .. فيختلط بصراخ الطفل .. يرتاب .. يجر قدميه باتجاه الصالة .. لا اثر لشيئ هناك .. الحقائب ما عادت موجودة في مكانها .. والباب الخارجي الموصد ، وفي ذهنه تومض صحوة جديدة !
تستشعر بالضيق الذي يحيط بها .. جلست تلملم بقايا أحاسيس مشتته كانت تعيش عليها .. لم تنتظره يتغيرلوحده في يوم ما .. كان مغموراً الى ابعد حد في معاقرة الخمرة .. لطالما نهته عن ذلك .. لطالما حاولت كسر كؤوسه .. ولكن قلبها هو الذي انكسر قبل كل شيء .. ليبقى حبّه معشعشاً في داخلها.. 
يسمع صوت منبه سيارة الاسعاف المميز، قرب المنزل.. كان يترنح ورأسه يدور بدون انتظام ، مثل دوامة انفلتت من الخيط .. يحس بالتثاقل .. وقدماه تتحركان بكل اتجاه ، ليس لهما قرار .. والوحدة تزيد من شعوره بالمرارة واليأس.. يتهيأ له نقر خفيف على الباب .. أضاءت بعض المصابيح داخل المنزل .. وكان هو يرى بوضوح شبح زوجته وهي خارجة من غرفة النوم..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق