الخميس، 10 نوفمبر 2016

أصدقاء في جلود أصدقاء / شأن ثقافي أجتماعي / د. محمد القصاص / الاردن

أعداءٌ في جلود أصدقاء
بقلم الدكتور محمد القصاص
كنت قد أمرتُ قلمي بالإحجام والتوقف كلية عن كتابة النقد بكل أشكاله ، كمواجهة لما أرى وألاقي من سفاهة السفهاء ، وسوء أخلاق الحاقدين والمتذمرين دائما ولأتفه الأسباب . لأن الملاحقة والمتابعة لمثل هذه الأمور التافهة ، تتطلب مني جهدا كبيرا لا طاقة لي به ، وأنا أحتاج إلى قلمي وجهودي وفكري ، لكي أسخرها جميعا في خدمة البشرية ، وليس من أجل الاستعراض واستفزاز عقول البسطاء ، فكتاباتي أصبحت معروفة لدى الجميع ، وهي تنشر على أكثر من خمسين إلى سبعين موقع إخباري ومجلة فكرية وملتقى ثقافي وفكري على مستوى الأردن وخارج الوطن في معظم الدول المجاورة .
وبهذا فلا يمكنني أن أترك الواجب الرئيس من أجل التفرغ للرد على الأوغاد من الذين لا يعترفون بوجود علاقات وصداقات نظيفة ، بعيدة عن العبث والمغالاة والاستعراض والكذب ، من أجل ذلك قررت أن أعيش في حاضرة الأدب التي كونتها على مدى أكثر من ثلاثة عقود ، ولكي لا أعبأ أبدا بكل ما أراه من تجهم بعض الوجوه ، الذين ينساقون وراء الإدعاءات الكاذبة المضللة ، والاستماع لما يصدر عنهم من إشارات كحاقدة ، تنم عن سوء أخلاقهم ، والأهم من ذلك كله ، هو حرصي الشديد على النهوض بكتاباتي وأشعاري لكي ترقى إلى عالم أرقى وأعظم من عالمهم ، وبهذا فإن تنزيه كتاباتي عن التوافه سيكون من أولى أولوياتي . 
والأهمُّ من هذا وذاك ، بأن من طبعي أن أربأ بنفسي عن ملاحقة الذين يمطروني بغيرتهم وأحقادهم ، أو الاهتمام بما يفعله مثل أولئك المتصيدين في الماء العكر ، أو الذين لا يهنأ لهم بال إلا باقتراف الأخطاء الجسام بحق الآخرين ، والإساءة لهم أو تشويه صورهم بطرق شيطانية ، يعجز عن فعلها إبليس وأعوانه ، وربما هي طينة بعض البشر ، التي لا تنفك عن تلويث سمعة بعض الناجحين في حياتهم ، أو الذين لا تعنيهم سفاسف الأمور ولا بهرجة الزيف والكذب والإدعاء . 
خاصيَّةٌ من خواص الإنسان ، لا توجد إلا بالبشر حصرا ، لأن طبيعة الكائن البشري هو صنفٌ له أخلاقياته وصفاته وعاداته وطباعه ، وبالرغم من تميزه عن باقي المخلوقات بالعقلانية والفكر، إلا أنه يتقن مهنة التخفي والتستر وإخفاء الوجه القبيح والأخلاق المنحطة عن بقية الناس ، هم نوع من الكائنات الذين لا يمكن الحكم عليهم بظواهر الأمور أو من خلال أقوالهم أو تبجحهم أو بادعاءاتهم ، أو بإطلاق إيماءاتٍ ولو بسيطة تشير إلى نظام حياتهم ، وإن من نافلة القول أن نطلب من أي إنسان كي يكون ناقدا في جميع أحواله ، أو أن يدعي الكمال لأن الكمال لله الواحد القهار ، لكن ومن خلال تعاملنا مع طينة البشر ، فإننا دائما نواجه الكثير من العقبات والأخلاقيات المعقدة أو بالغة التعقيد ، حيث يصعب على المرء التعامل معها بنفس الأنماط المتشابهة ، لأن لكل إنسان خصائصه وخصاله وأخلاقياته ، ولهذا فقد يكون تخير نوع التعامل مع الإنسان صعبا للغاية ، فلكل نمطٌ خاصٌّ به وبتعاطيه مع الظروف ، وحتى بطريقة حياته ، لأن الخصائص كما أسلفنا حتما لن تكون متشابهة لدى جميع الناس .
تبين لي بأن الأصدقاء هم صنفان من البشر ، وكل من الصنفين يتمتع بميزة مختلفة عن الآخر ، فهناك الأصدقاء الأوفياء المخلصون ، الذين لا يستمرؤون الغدر والخيانة مهما كانت الأسباب والدواعي والمسببات ، وهناك الصنف الثاني وهم الذين لا يمكننا الاطمئنان لهم ولا لصداقتهم أصلا ، لأن طبع الخيانة والغدر الموجودان بهم يخرجانهم عن جادة الصواب ، ونراهم دائما نحسبهم مرضى تتغير نفوسهم وقلوبهم ألف مرة في الدقيقة ، بل وتأكل قلوبهم غيرة عمياء ، بلا سبب أو مبرر مقنع ، وهي حصيلة و نتيجة لمشاعر الحقد والكراهية التي تسري بدمائهم .
عشتُ عمرا ليس بالقليل ، وتعاملتُ مع أصناف شتى من البشر في وطني وخارج وطني في الشرق والغرب ، فعرفتُ عن طباعهم وأخلاقياتهم الشيء الكثير ، ومع هذا فلم أوفق دائما باختيار كثير من الأصدقاء المخلصين ، ولو أني عرفت من بين الذين عرفتهم وعرفتُ فيهم طبع الإيثار على النفس بلا منازع ولا إرغام ، ولم ألمح في تصرفاتهم أي ضلالة أو شبهة ، أو أي شيء يدل على أن الفارق الذي يفصلني عنهم ما زال له وجود ، بل هو معدوم وقد تلاشى تماما من أخلاقياتنا .
بطبيعة الحال .. أنا من جهتي لا أعقد صفقات صداقة مع أحد من أجل تحقيق أطماع أو أغراض أو مآرب شخصية ، أو منفعة ما يمكن تحقيقها من خلال صلاتِ الصداقة والأخوة والمحبة التي تتم ما بيني وبين إنسان ما .
لقد عرفت في بعض المخلوقات ، ما يسمى بوسيلة التستر والتخفي عن الأنظار والأخطار ، والتي عرفتها أكثر في مخلوقات أخرى ، كانت وما زلات ديدن تلك المخلوقات الضعيفة ، التي لا حول لها ولا قوة ، وعلى ما يبدو فقد تمكنت جميع المخلوقات من الاستدلال على هذه الوسيلة بالفطرة ، لم تتعلمها ضمن مقررات مقروءة أو مكتوبة ، أو تحصَّلتْ عليها وهي على مقاعد الدرس أو في الجامعة ، لأن طبيعة المخلوقات في هذا الكون ، لها قوانينها وخصائصها واستدلالاتها ، فلا تتم الحياة إلا بإتباع إلهامها الإلهي بطريق معيشتها .
طباع المخلوقات في الاستدلال هو تلقائيٌ وبمحض الفطرة أو المصادفة ، ولكن طباع البشر الذين يدعون العقلانية والفكر ، انبثق من تلك الاستدلالات ليس بالفطرة ، وإنما من المعرفة والتلقين ، فبرهنوا على أن العقلانيين الذين يتمتعون بخاصية الفكر والعقل ، لهم أسلوب آخر في مزاولة حياتهم كل على طريقته ، وسبب ذلك هو أن عقول البشر وأفكارهم لا تستقر على حال ، ما يجبرهم على التغير والتلون والخداع المستمر .
لا محالة فإن كل كائن بشري ، عليه أن يواجه الحياة بكل تفاصيلها وتناقضاتها ، ولا أدر إن كنت محقا في قولي له .. اتقِّ شرَّ من أحسنت إليه ، وعشت حياتك على هواك ، ولا تبتئس إن واجهت من البعض ما يسيئك ويجبرك على التنكر لكثير من أفعال البشر الذين كنت قد وضعتهم بقائمة الأصدقاء .. 
ونصيحة صادقة لكل إنسان ذي خلق ومنطق وفكر .. لا تنتظر من أي إنسان مهما كانت درجة علاقته بك ، المناصرة والعون والدعم والصدق ، لأن نجاحك قد يسوؤه ، و خلقك النبيل قد يخرجه من صمته يوما ما ، ومن جلده المطليُّ بالزيف ، ولا تنتظر من أحد أن يثني عليك أمام الآخرين أو يذكر محاسنك ، وخاصة إذا كان من النوع الذي لا يمكن له أن يكون إنسانا في يوم من الأيام ، والله من وراء القصد ،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق