الجمعة، 4 نوفمبر 2016

ملف خاص بموسوعة ينابيع الابداع العربي والانسانية جمعاء / للاديب د. عبد المجيد بطالي / المغرب

(أ‌





)  السيرة الذاتية:

ذ.عبد المجيد بَطالي
شاعر وقاص وفنان تشكيلي وناقد مغربي من مواليد 1958 بمدينة الدار البيضاء.
ـ حاصل على الباكالوريا سنة 1982.
ـ حاصل على الإجازة في اللغة العربية وآدابها/كلية الآداب والعلوم الإنسانية/جامعة الحسن الثاني/عين الشق/الدار البيضاء 1986.
-        تابع دراسته بجامعة محمد الخامس/ الرباط / 1987
سنة أولى دراسات معمّقة (تخصص أدب أندلسي)...
-        حظيت مجموعة من قصائده بالنشر الرقمي في مواقع إليكترونية، وفي جرائد ومجلات ورقية، وحازت على مراتب مشرفة وعلى شواهد تقديرية...
-        كما حظيت قصصه القصيرة جدا بالنشر في مجموعة من المواقع الإليكترونية والمنتديات الأدبية الجادة... وفازت بمراتب أولى وبشواهد تقديرية...
-        حاصل على (جائزة التمّيز)في (القصة الومضة) من (الاتحاد العالمي للشعراء والمبدعين العرب) سنة 2014...
-        حاصل على الجائزة الأولى (الدرع والشهادة التقديرية) في الققج عن مؤتمر القصة القصيرة جدا بالإسكندرية الدورة الثانية 10/10/2016
-        له عدةأعمال جاهزة للطبع في الشعر، وفي القصة القصيرة جدا،وفي الومضة القصصية،وفي الدراسات النقدية...
-        له دراسات نقديةكان لها شرف النشر مبكرا في بعض الجرائد والمجلات الورقية...
-        شاركفي عدة ملتقيات أدبية محلية مبدعا وناقدا...
-        صدر له:

-        أ) في القصة القصيرة جدا:

1) (قصص عربية قصيرة جدا) عن مختبر السرديات عمل مشترك مع نخبة من المبدعين العرب في القصة القصيرة جدا... / رهف للنشر والتوزيع / القاهرة/ ط.2013
2) (انطولوجيا غاليري للقصة القصيرة جدا) عمل مشترك مع نخبة من المبدعين العرب في القصة القصيرة جدا... عن مجموعة غاليري الأدب.../ مطبعة دار القرويين / الدار البيضاء/ ط.2015

ب) في الشعر:
1) ديوان شعر بعنوان (بوح أدرد) وهو عمل مشترك مع مجموعة من الأدباء العرب/ دار سطور للنشر والتوزيع/ بغداد / ط. 2016
2) ديوان شعر بعنوان(حروف وهواجس) وهو عمل مشترك مع مجموعة من الأدباء العرب ط/ 2016
3) صدر لي ديوان شعر (رواء الروح) وهو أول باكور أعمالي الشعرية التي رأت النور في شهر يوليوز 2016 عن دار النشر / طوب بريس / الرباط / الطبعة الأولى..

(ب)من نصوصي الشعرية:

1)
سيدة البهاء
......
أحلب أثداء قوس قزح
أملأ قوارير الجمال
من ألوان طيفك السبعة
أمزج الدهشة بالبهاء
من أهدابك الرقيقة
ينْسِل القمر
بعضا من لآلئ حُبيباته
على مساحات الفرح
إذ يتعرّش النور
يبسط أغصان المحبة
تتدلى قطوف الزّهو
وتدنو كسبيكة لجين
في حضرتك..
متربعةً على عرشها
بين أحضان البوح
كأنها رقرقة الصفو
وأنا شارد
بين الغرائب والنوادر
أستل فرشاتي
كشعرة العجين
من جراب عشق غرير
ألملم مسارب الألوان
ومشارب الأنغام
لأجدل خيوط لوحة
من حروف السحر
وترنيمات البهاء
لسيدة تغزل أحلامي
كساء سندسيا
مكنون المقام..
...............


2)أيا بحر...
======
أيا بحر......
لك ما تشتهي
من عيون القادمين
وهياكل الهاربين..
................
أولئك المتسللون..
من هرج المدينة
......ومرج الجدران
إلى سيمفونية...
....الماء المغتسل
......بملح الصفاء
وإلى أغنيات.....
...بهمسات الروح
واشتهاء السكينة
.............
أيا بحر......
لك المد...... والجزر
لك الغور.... والصخر
لك الجمال.... والسحر
لك هذا المدى
في عيون الشعراء
لك هذا السخاء...
الممتد، الممتد
...........بلا نهاية
...........ولا انتهاء
.............

3) عناق النخيل
======
في واحة الحبّ التقينا
عانقنا ظلال النخيل
لم نعبأ بتذكرة الوقت
شربنا حدّ الارتواء
من عسل الذكرى
هززنا بجذع اللقاء
تسّاقطت علينا
رُطبُ الوجد
تزمّلنا بالبراءة
والتحفنا رداء النضارة
غططنا عميقا فينا
قتلنا عقارب الزمان
وغُصنا بين عشق وهيام
حتى ارتقينا كنخلة
وهي تعانق السماء...
...............
4) العصافير
=====
هذي العصافير خماص
كما .............. تغدو
...................
تروح
والبيادر خاوية........
إلا من صفير الريح....
والحَبُّ غائر.... غائر
............
جفّ حلقهُ
.........
في جوف الثرى
يستغيث................
.......
من غياب القَطْر
..........
هذي العصافير..
ممرّات فراغ........
..............
حُويْصِلاتها
وجذبٌ وقحطٌ....
.............
دواخلــــها
على صخرة الحسرة...
تتمزق في الهواء
...............
تغريداتها
........
هذي العصافير...
........
حظّها العاثر
..
على رؤوس الأشواك
...........
تحطّ تارة
.........
ثمّ تطير
تقاوم عنْف الريح
بأذرُعٍ مهيضة
إلا من عزم أكيد
لا تستقر... لا تستريح..
................

5) عني سألت شيخ الأحلام..
========
...... فتشتُ عنّي......
في كل صفحات الأدهر
.......
وأسريَ بي......
بين سطور الأيام
عني سألت شيخ الأحلام
..........
عمّا لعَقتْه الأقلام
.............
من مَحابرِ التصبّر
........
وما سطّرته من آلام
.....
في مجلدات الأوهام
-
قلت: لنفسي وأنا المفؤود
.......................
المفقود
بين شوك القتاد
..........
وإبر الأزاهير...
- أأنت ابن سيرين؟
-
قال: أجل، أجل..
...............
أنا من
..
ركبَ مطايا الألغاز
....
وفكَّ خيوط الإعجاز
.......
وحلَّ أزرار الأسرار
.........
وأشرعَ أبواب الإيجاز
.........
وأبحرَ في جماجم الأحلام
.......
وسبر خبايا الأغوار.....
-
قلت: وجناح قلبي مخضوض
..
وحرفي بين حناياي مخفوض
-
سيدي... أأقص عليك رؤياي؟
-
قال: بلى، اقصص!!!...
واكتم سرّك ورؤياك
عن الكيد بين سهر النجوم
ولا تمط عن حرفك لثام الغيوم
-
قلت: ..... يا ابن سيرين
.........
ما عِلّتِي.. وأنا أكرعُ
...........
من حِشمة الليل
فناجينَ العشق الكوثري
..........
حتّى يُغمى عليّ
......
فأراني أعصر الأحلام
أنغاما.... وتراتيلَ
.. ...
لتجليات الأنوار
وأنا أعبر، وأعبر كالومض
....
على متن السبع المثاني
-
قال: افتح لي باب الصدر
واكشفْ لي عما في البئر
ولا تنبس ببنت الثغر
-
قلت: وكلامي لبّه إشاره
-
قال: حيّرتْني طلاسم أحلامك
......
فاخلع بحضرتي لَبوسك عنك
...........
وتدثّرْ.. فهذي بردتي إليك
.........
في مدارج السالكين......
................
مناره..............
.............


6) اشتياق...
.......
اشتقت لحِبّي، ما غده
فمتى يبدو لـي مولده؟
===

فكأنّي أرعى نجْمًا في
ليــل يغشــاني مــرقده
===

يتجافى جنبي من سهْدٍ
كالجـمر تسـعّر موقده
===

فـفؤادي حطّ به سـقم
وطبيبي خولف موعده
===

يا ليلى عيني لم تغمض
وفـمي بـهواك يُنـاشـده
===

قمر يتباهى في حُـللٍ
يـمحو غسـقي ويبدده
===

وشوارد حرفي كم رصدت
مـن أبيــاتٍ لـتــخَـلِّـده
...........

7) أريج العطر

هل أتاك أريج العطر
 
قد فاح...
يا فاتنة العشاق
كل حدائق الهوى
تغار منك
والأزهارُ 
تلثمُ وجهَها
الرياح
فتكشف عن سيقانها
للنسيم
والفراشات 
استهوتها 
شهوة البوح
لعبير الورد
.....
هل أتاك أريج العطر 
قد فاح...
بنفحة الوجود
بنسمة الكون 
في مهوى المسافات
في باحة الفرح
بين راحتيك 
أرتشف النشوة 
من أباريق الطيب...
كل النسائم عبق
إذا ما الريح 
حركت جناحيها
يصافحني شذاك
أكسّر أعواد 
الطيب المزيف
أعانق صفاءك
أحضنه في لهفة
فيحضنني
............

8)أنت العطر..

أنت العطر
أنت الزهر
فاح أريجه
فانتشت بعبيره أركاني
أغتسل برحيق فجرك
من بقايا أدراني
أتضوع مسكا
أربو في عطرك
فتمتد فيك أغصاني
أترنح في شذاك
وأنا العاشق
الولهان...
كلما شممت ريحك
أتنفّس عميقا...
أكسر قنينات الزّيْف
أُلقي بكل القوارير خلفي
أطفئ عطشي ولهفتي
من خابية عطرك
وفي نهر طيبك
تذوب أشجاني
...............
(ج) قراءات نقدية في نصوصي الشعرية:

القراءة الأولى الناقد المغربي صالح هشام:

قراءة نقدية: بقلم الأستاذ صالح هشام / المغرب *
خريف العمر: للشاعر عبد المجيد بطالي/ المغرب
========
خريف العمر مسألة حتمية في الحياة ويجتاح هذا الخريف جميع من يدب أو لا يدب على وجه هذه الأرض التي عمرها الإنسان ودمرها ، وقضى على الأجمل فيها ولم يعد يتمتع بشيء يذكر من جمالها . أما الزمان فإنه يحصدنا ويمعن في حصادنا. ترى هلا حاربناه بما يفيدنا ويفيد غيرنا قبل أن يصل موعد الرحيل ، فيكون الندم شوك زقوم يدمي حلوقنا ! كل هذه الأشياء هي تحصيل حاصل لأي قراءة تقف عند منطوق وظاهر الجمل ولا يهم هذا على اعتبار أن الجري وراء المعاني قد يقضي بشكل أو بآخر على التعدد والاختلاف في القراءات وانفتاح النص ، وشرحه حتما سيقتله تكريس المعنى سيشدنا إلى الأرض ويمنعنا من التحليق ! سأنظر إليه من زاوية لا تعدو أن تتجاوز ماهو بصري ، يتسم المبدع بالشجاعة لأنه لايخاف الفراغ وهذا ينعكس على تكوين فضاء النص بصريا ، بحرك أخي هاديء وصفحته تكاد تكون مستقرة تماما ، يتجلى ذلك في طريقة تعاملك مع سطور نصك إذ يكاد المد ينعدم ويسيطر الفراغ على جل المساحات ، وتختل جدلية الصراع بين البياض والسواد وإن دل هذا الاختلال على شيء فإنما يدل على الدفقة الشعورية المتحكمة أساسا في حركية الكر والفر بين البياض والسواد الذي ألفناه في القصيدة الشعرية الحديثة ، إضافة إلى أن هذا التكوين النصي على المستوى البصري يكون مؤشرا على الانفعالات النفسية الداخلية ، ولعل هذا الهدوء الذي نعيشه في حركية الجمل تدل على هدوء النفس وخلوها من كل اضطراب ،فعلا لأننا نقول : لكل مقام مقال ، هذا يعني أن التيمة التي يعالجها تقتضي الهدوء ، والتريث والرزانة في التفكير ، فليس من السهل أن نتناول موضوعا من الصعوبة بمكان طرق بابه، فهو ليس بوحا عاطفيا ،نترك فيه العنان للنفس تضطرب وتثور ، تهدأ و ترقص ! تغني وتحزن وتكتئب ، وإنما حديث عن خريف العمر وعن الزمان وعن حفره في دواتنا التي أصابها الترهل أخاديد ! هذا الزمان القاسي الذي ينوء بكلكله علينا ، ويمحو ملامحنا يوما بعد يوم إلى أن يصيبنا الاصفرار كأوراق الخريف الآيلة للسقوط ، هو الزمان هو الخريف هي النهاية تقترب وكلما اقتربت جف منا الماء ونضب وتصلبت شراييننا ، فنقوض خيمنا لنعلن الرحيل و منا من ينتظر تلك النهاية الحتمية على مضض !
نص أشم فيه نفس أبي العتاهية وأبي العلاء المعري وابن الفارض، وحتى فلسفة طرفة ابن العبد، وإن لم يكن ذلك على مستوى الشكل فعلى مستوى تناول الفكرة، يقول أبو العلاء المعري:
غير مجد في ملتي واعتقادي ::::::: نوح باك ولا ترنم شاد
وشبيه صوت النعي إذا قيس ::::::::بصوت البشير في كل ناد
أبكت تلكم الحمامة أم غنت :::::::::على فرع غصنها المياد
وهكذا يستمر هذا الفيلسوف في سبر أغوار هذه المسرحية التي يلعبها الإنسان منذ خروجه إلى الدنيا إلى أن يستقر في تلك الحفرة التي لن يزيد عرضها عن شبر البالغ ، هو الزمان حفار ماهر يحفر في الغض من الأجساد بالمبرد والإزميل وينحت التجاعيد إعلانا لبداية النهاية ، ولكن ما دام كذلك لماذا لا نقاوم قسوته بالبسمة التي يريد ان يطمسها فينا على الأقل حتى يحين وقت رحيلنا و قد عشنا الحياة عريضة لا طويلة وأقصد بعرضها ما حققناه في سبيل البلاد والعباد وما أنجزناه في هذه الحياة الفانية ، وأقصد بالطويلة تلك التي تقاس بمدى ما استهلكه الإنسان بعيدا عن أي انتاج أو فعل خير يشفع له هذا الطول وشتان ما بين الطول والعرض ،(يحفر بأظافره على المحيا ) ربما يوهمنا بأنه يحفر بالأظافر ، وهو يحفر بالإزميل والمبرد فالأظافر تحدث الخربشات أما الإزميل والمبرد فإنه يحفر أخاديد أشبه بالسيول ، هذا الموضوع الفلسفي الشائك عبر عنه المبدع بكل هدوء وكما سبق أن أشرنا إلى ذلك ، وبأسلوب جميل ، يعطي فيه للجملة حقها في النص وللكلمة حقها في جغرافية السياق العام، ولا بأس من التعامل مع بعض العينات من التراكيب لدراستها على مستوى اللغة والنحو، على اعتبار أن النص لا يخلو من تلك الانزياحات وبلاغة الغموض ، عنون الكاتب نصه( بخريف العمر ) تركيب أسند فيه خبر المبتدأ المحذوف المقدر(هذا) إلى المضاف إليه من باب إفادة التعريف والتخصيص ، أظن أن المضاف والمضاف إليه بينهما علاقة الزمن، إذ العمر تلك المرحلة التي يقضيها الإنسان في حياته من مهده إلى لحده ، والخريف فصل من الفصول الأربعة يتميز بخصائص تجعله يختلف عن باقي الفصول ، اصفرار وشحوب وتساقط واضمحلال وتلاشي ،ولعمري إن هذه خصائص آخر مرحلة من حياة الإنسان ، هذا الرابط بين المضاف والمضاف إليه جعل الانزياح مقبولا طرف القارئ لأنه ليس مبالغا فيه ،فهو لم يوظف كلمات لا علاقة لبعضها ببعض ومن تم يشرع في التوفيق والتأليف بينهما ، لأنهما على الأقل لهما رابط معنوي يؤلف بينهما ويجعلهما أكثر انسجاما وتقاربا ، وهذا لن يخلق أي تشويش على فهم القارئ ،إلا أن المبدع يبدأ في التحليق بعيدا عن الواقع من خلال التأليف بين ما اختلف من كلمات في الجملة التالية ( جاثم هذا الزمان ) إذ عمد إلى توظيف ما يدل على الحركة المادية المدركة بواسطة الحواس ، فالجثوم مدرك بالبصر ، إلى أنه أسند إلى اسم الإشارة وإلى الزمان الذي لا يدرك بالحواس ، فهو مدرك بالعقل وجعل له كلكلا أي إسناد كلمات إلى أخرى لا تربطهما أية علاقة سواء من حيث الخصائص أو الروابط المعنوية ، ولكن حرفية صاحب النص تكمن في قدرته على خلق الائتلاف بين الكلمات رغم اختلافها فتحسن الأولى بالثانية والثانية بالثالثة ومن تم تحصل مزية كل كلمة في جغرافية الجملة ، وتجمل الجملة بجمال هذا التركيب ، ويستسيغ القارئ السياق العام للنص بعد تذوقه لجمال هذا الإسناد البارع ، يقول الجرجاني ، ( الكلام الناجح: شدة ائتلاف في شدة اختلاف ) ويعتبر عالم اللغة البنيوي دوسوسير أن النظام بصفة عامة يتكون من اختلاف العناصر والوحدات في اللغة ، ولعل هذا الاختلاف والائتلاف في الكلم هو الذي يجعل الكلام ينحو منحى الانزياح وبالتالي كسر المألوف في التركيب وفق منطوق النص ، وإن لم يقع الخرق على مستوى النحو ، لأنه لا يهتم إلا الحفاظ على الموقع السليم للكلمة من الإعراب ، وهكذا يستمر الشاعر في نهج أسلوب الانزياح وبلاغة الغموض من خلال هذا النوع من الإسناد ،( بقساوته يحرثنا ..ليل نهار ) إن اي كلمة كيفما كان نوعها يخضع جمالها لبراعة المتكلم وأقول هنا المتكلم ولم أخص الشاعر لأنه ليس إلا متكلما ، فقد نستحسن الكلمة في هذا التركيب ولا نستسيغها في ذاك وهذا هو وجه الاختلاف بين شاعر وآخر ، فقد كان العرب قديما عندما لا يستسيغون تعبيرا يقولون : ما قالته العرب هذا ! وإذا اأجاد التركيب استحسنوه وحكموا له بالشاعرية ، معنى هذا أن اللغة بصفة عامة عبارة عن فوضى من الوحدات غير المنظمة ، يتدخل المتكلم وينتقي كلماته بدقة ويرتبها أي يركبها بكل دقة وفق خلفيته الثقافية والاجتماعية والمعرفية كالصيرفي يرتب جواهر عقد ، وهذه الخلفية هي التي تتحكم في نجاح التركيب أو فشله ، أيضا وفق المخزون المعرفي للمتكلم ، فعن طريق هذه التراكيب تحصل الاستعارات ، والخطاب الشعري حسب اللسانيات ديدنه الجملة باعتبارها النواة لتكوين النص ككل ، ( الزمن يحفر بأظافره على المحيا ) نستعير من الحي العاقل أو غير العاقل ، المحسوس ونسند للمعقول أي ما ندركه بواسطة العقل ، (المجرد ) وبالتالي يحذف المشبه والتي هي التجاعيد ويصرح بالمشبه به فالتجاعيد كالأخاديد ، ولا يمكن هنا أن ندرس كل هذه التراكيب التي توفر لنا انزياحا وبلاغة غموض قد تخلق بعدا بين القارئ والنص وذلك من أجل هدمه وإعادة بنائه وفق التصورات الفلسفية لكل قارئ على حدة ، وأيضا وفق قدرات كل متلق على الإبحار والاختراق والعبور في مجاهيل لغة النص للوقوف على مواطن الجمال والحسن أو الرداءة في النص ولي ملاحظة اعتبرها مهمة تتعلق بالتيمة العميقة التي طرحها المبدع ، ألا وهي جدلية هذا الصراع بين الانسان والزمن منذ أقدم العصور . من أهل الكهف إلى (جيل فيرن) في روايته دورة حول العالم في ثمانين يوما (
jules vernele tuour du monde en 80 jour ) و هذه المعركة غير متكافئة ، وفقك الله يوجه فيها الاسنان الزمن بسلاح افضل منه رمح دون كيشوت !! وغلبك الله على هذا الزمان، لتعيش خريف عمرك في أحسن الاحوال !!
بقلم صالح هشام / الرباط الخميس 10/3/2016*
القصيدة بعنوان (خريف العمر)
جاثم هذا الزمان
بكلكله علينا
يطمس بعضا من
معالم البسمة فينا
بقساوته يحرثنا
ليل نهار
يشتعل الرأس
بياضا ينادينا
تنكمش وردة
الجسد وينهار
غلظة.. يأخذنا
خريف العمر
فيرمينا...
يحفر بأظافره
على المحيا..
أخاديد.. تسرد
تفاصيل الوجع
وأحيانا تنسينا
فلا.. ولا..
تحسبن الغفلة
سفينة النجاة..
فيد القدر من
كؤوس المنية
يروينا.......
.........
عبد المجيد بطالي
....................................

القراءة الثانية للشاعر والناقد المصري أسعد الوفا:
(العنوان مدخل إلى القصيدة) دراسة نقدية للناقد /أسعد أبو الوفا في قصيدة (عبرات حيرى) للشاعر عبد المجيد بطالي *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولا النص:
:::::::::::::::
عبرات حيرى

ــــــــــــــــــــــــــ
عبراتك الحيرى تهاوت فوق ثدييك
تعانق دمعة بردت على خد الوليد
لتحل بالدم... بالحليب
وعلى الصخور النائمة
سهرت جفونك
ترقب الفجر الخجول
وخيط شمس هائمة
وظللت ساكنة على جمرات صمتك
هكذا منذ الأزل حتى المغيب
تتجرعين بلا اكتراث غصة...
غرزت أظافير المنون
وتغرغرين سكوتك الصخري
والنجوى جنون
وركبت يا قدر الفراق
سفينة البوح العميق بلا قرار
إذ كنت تخنق فيك صمتك بالعناق
وبالعناق...
فتفجر الدمع الدفين على الخدود
وفي المآق
ها أنت تختم بالصلاة الواعده
شفتي خليلتك... الحلم

فمتى تعود؟
تعود زرقة بحرنا وسمائنا
وتعود زنبقتي الذبولة
للنضار...
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد المجيد بطالي
:::::::::::::::::::::
ثانيا الدراسة :
::::::::::::::::::
العنوان :
ـــــــــــــــ
في قصيدة شاعرنا بطالي (عبراتك الحيرى) أول ما يشدنا في قصيدته العنوان.والعنوان هو المدخل إلى القصيدة بل إن القصيدة لا تقرأ إلامنه ولنا وقفة مع عنوان القصيدة هنا فقد جاء صريحا لمضمون النص على عادة الشعر العمودي والشعراء الجاهليون لم يكونوا ليسمون قصائدهم أو يعنونونها بل كانت قصائدهم تسمى بأسمائهم وتنسب لهم فيقال قصيدة الأخطل أو قصيدةبشار أو تنسب لقافيتها فيقال بائية البوصيري أو همزتيه، أو تنسب إلى أول ألفاظ البيت الأول فيها فيقال قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير أو قصيدة إن الذوائب لحسان بن ثابت.
وهكذا نجد عنوان النص عند شاعرنا بطالي لايتضمنه النص بل يأتي صريحا من أولى كلماتهفيبدو أن الشاعربطالي في كتابته شعره ما زال يتأثر بقراءته أشعار السابقين من عمالقة الشعر العربي في عصوره المختلفة أو تأثره بمدرسة الإحياء والبعث واتباعها في نظم القصيدة وانتهاجها نهج الجاهليين والعباسيين وانعدام التجديد عندهمولا ننكر انسيابية شاعرنا بطالي وخروجه من قالب الشعر العمودي إلى التفعيلة (الحر) لكن تبقى ثقافته وتأثره بالشعراء السابقين في عنونة وتسمية قصائدهم.
لهذا كان العنوان هو أول درجات القارئ التي من خلالها يرتقي بقية درجات النص . ولا بد ألا يكون واضحا في النص أو أن يأتي بلفظه أو بألفاظه في بداية النص الشعري
يذكر ضياء راضي الثامري في هذا الشأن أهمية العنوان للنص وكونه لابد أن يكون دلاليا متضمنا في النص لاصريحا فيقول :(من جانب آخر كان العنوان سببا في ذيوع العديد من النصوص أو كسادها ؛ ولهذا يحرص الكُتَّاب على ضرورة أن تكون عنوانات نصوصهم مثيرة وجاذبة عبر العديد من الوسائل،إضافة إلى قابليته الدلالية ، وكل ذلك يأتي لغرض سحب القارئ إلى منطقة العمل الأدبي )(1)
ومن أشهر من كتب عن عنوان النص بحوثا وأسس لدراسات خاصة به(هنري ميتران ،لوسيانجولدمان ،شارل تريفل )
بل إننا نذكر هنا رأيا لجميل حمداوي عن عنوان النص فنجده يقول(العنوان مفتاح تقني يجس به السيمولوجي نبض النص وتجاعيده وترسانته البنيوية وتضاريسه التركيبية على المستويين الدلالي والرمزي )(2)
بين يدي النص:
ـــــــــــــــــــــــ
يتحدث الشاعر عن دمعات أم حيرى تتهاوى هذه الدمعات لتتعانق مع دمعات الطفل الرضيع وتسهر جفونها (الأم)تنتظر قدوم الفجر الخجول لكنها صامتة من قديم الأزل وتركب سفين البوح العميق ويستغرق الشاعر في الرمزية التي بهذا تحتمل أو جها عدة فلربما يتحدث الأم البائسة،وهكذا يترك بطالي تخريج الرمزية لقارئي شعره بلا تدخل منه ولا وجود دليليقوي رأيا عن رأي آخر.أتقن الشاعر السباحة في بحر الكامل ببراعة وخدمه ذلك البحر ليحول في بعض أسطره (مُتَفاعِلُن ) إلى (مُتْفاعِلُن ) بتسكين الثاني المتحرك ويسمى إضمارا.
الجماليات:
ــــــــــــــــ
الصور البيانية تعج بها القصيدة في رونق من شاعرنا الذي جمع بين ألوان البيان فتارة نجد التشبيه التمثيلي في قوله:(هكذا منذ الأزل) وسر جماله التوضيحالاستعارة المكنية في:(تفجر الدمع الدفين)وسر جمالهاالتوضيحالمجاز المرسل في (سهرت جفونك)وعلاقتهالجزئية حيث أطلق الجفون وأراد صاحبتها.
البديع:
اعتمد الشاعر على الصور البيانية اعتمادا كبيرا فجاء على حساب المحسنات البديعية ، ولا ننكر أن المحسنات البديعية هي زخارف لفظية تجمل النص وتطرب الأذن ، لكن جاء في نصه القليل من البديع ومنه :
ـ الطباق بين تهاوت وفوق
ـ الجناس بين النائمة وهائمة
ملحوظات :
ــــــــــــــــــ
شاعرنا بطالي أجاد بناء الصور والأخيلة لكن جاء هذا على حساب اللفظ فقلت أنواع البديع عنده ، والقصيدة لا تبنى على الصور فحسب ــ جاء الشاعر بكلمة(المئاق)وأصله(المئاقي)وذلك لتوازن (العناق ) لكن حذف ياء الاسم المنقوص في غير علة يعد عيبا وقع فيه ، ولم نسمع في شعر التفعيلة عن ( الضرورة الشعرية ) حتى نحمل كلامه عليها
ـكذلك وقع الشاعر في خطأ آخر وهو (متى تعود تعود زرقة بحرنا) الأصل والقياس في الفعل الأجوف أن يحذف واوه أوياؤه في المضارع عند جزمه فالصواب (متى تعد تعد زرقة بحرنا) لأن متى أداة جزم تجزم فعل الشرط وفعل جواب الشرط
ولن نخرج ذلك على الضرورة الشعرية وإلا اجتمعت عندنا ضرورتان
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أخيرا نحن أمام نص رائع يفيض جمالا وتأنق ،وشاعر حسبناه قاصا فإذا هو شاعر يقظ لا يستهان به.
ـــــــــــــــــــــــــ
الناقد /أسعد أبو الوفا
معلم اللغة العربية في المرحلة الثانوية
مصر / أسيوط / منقباد
ــــــــــــــــــــــــــ
*القصيدة الفائزة في ملتقى منقباد الأدبي بالدراسة للعدد الرابع في بين الشاعر والناقد
(1)مجلة القادسية مجلد9عدد2 بقلم / ضياء راضي الثامري
(2)السيمولوجيابين النظرية والتطبيق لجميل حمداوي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق