السبت، 28 يناير 2017

الحلم الفلسطيني بين جيلين / قراءة في قصيدة الشاعر غسان زقطان / أصعدي يا ابنتي أكمة السرو// بقلم أوس غريب

الحلم الفلسطيني بين جيلين قراءة في قصيدة الشاعر غسان زقطان اصعدي يا ابنتي أكمة السرو
مقدمة القصيدة هي القصيدة كلها كما يقال فهل ينطبق هذا الحكم هنا والشاعر يؤكد على هذه المقدمة فيجعلها عنوانا ومطلعا في الوقت نفسه ؟
هل نستطيع أن نستخرج من العنوان مقولة النص فنتبين عالمه ونقف على شواغله ؟
أكثر ما يلفت النظر في العنوان كلمة أكمة التي تحيلنا مباشرة إلى المثل المعروف وراء الأكمة ما وراءها والذي يشير إلى أمر مريب ومكيدة خلف الشيء ، وتأتي كثرة الأفعال الطلبية وتنوعها بين الأمر والنهي في المقطع الأول لا تهملي ، لا تتركي ، اذكري ، عدي ، قولي ماذا ترين لتؤكد هذا الجانب سيما وهي تشدد على الانتباه والتمعن وطول الروية فالشاعر لا يريد من ابنته أن تهمل أو تترك أي شيء وهو يكثر من النكرات التي تفيد العموم وتتكثر تحتها الافراد مما يجعل الإحصاء والعد صعبا أي إن المهمة الملقاة على عاتق الفتاة مهمة عسيرة يقول لا وتهملي عشبة في التخوم
ولا ولدا شاردا في الهضاب
ولا تهملي طائرا ، زهرة
حجرا ، قشة
أو حصاة
ولا تتركي اثرا قد يسمى ولا شارة قد ترى
ومع ذلك يؤكد الشاعر ويلح على المهمة واثقا أن ابنته على قدر المسؤولية وكيما يخلق في نفسها الدافع الداخلي يطالبها بأن تتذكر اهلها الطيبين وأن تتذكر اغنية البئر، مما يخرج المهمة عن خصوصيتها ويعطيها بعدا عاما لأنه يقرن إنجازها بذكريات وحياة مشتركةفيها مشاهد ولحظات خاصة مما يجعل البنية امام هم جماعي عليها أن تلتزمه وتحفظه طول الوقت يقول الشاعر 
اذكري أهلك الطيبين إذا ما صعدت وأغنية البئر
<
فإذا وصلت الفتاة واطلعت على ما وراء الأكمة فعليها أن تظهره وتكشفه وتخبر عنه يقول الشاعر وقولي لنا عندما تبصرين الكروم
وخط البحيرة ماذا ترين
فإنا هنا لا نرى
نلاحظ أن الشاعر هنا قد استبدل بالنكرة المعرفه فخرج من حديث العموم والشيوع الى حديث الخصوص والتعيين محددا طبيعة المكان الذي يحتوي المكيدة وينطوي عليها
وتأتي افتتاحية المقطع الثاني والتي تتكرر وتتأكد ولكننا نستطيع التذكر هم لا يرون ولكنهم يستطيعون التذكر لقد اختطفت الأرض واختطف الافق منهم ولم يتبق منه إلا الذكرى
البنت وحدها قادرة ان ترى وتعاين وتحصي وتعدد فتذكر ولا تترك أو تهمل أثرا يسمى أو شارة ترى .
هذه الارض ومداها واقع متعين عند الفتاة وذكرى عند الأهل والفتاة رسول هنا بكل ما يحمله الرسول من صفات الامانة والإبلاغ
استطاع الشاعر بهذه الحركة العبقرية أن يعادل ويطابق بين قضية الفلسطيني الآن وقضية الإنسان في كل زمان ومكان فيجعل حنين الإنسان إلى موطنه الأصلي في الفردوس المفقود معادلا لحنين الفلسطيني إلى أرضه المسلوبة ويجعل الخطيئة الأولى التي أخرجت آدم من الجنة معادلة للخطيئة التي أخرجت الفلسطيني من أرضه كما عادل بين الإسرائيلي و أبليس
هكذا يغدو كل كفاح على الأرض كفاحا من أجل فلسطين وكل حنين وشوق إلى العدالة والحرية والوطن الكامل حنين إلى استعادة فلسطين وتحريرها
آدم الفلسطيني هنا وقد انسدت عليه الآفاق ينتظر من ابنته التي تعرف الاسماء ومن ربه الذي غضب عليه وطرده من جنته ، ينتظر كلمة التوبه 
وريثما تاتيه عليه ان يعاني كل ضروب الضياع والقلق والالم يقول الشاعر:
&quot;هنا الماء خط بعيد وخفق لاجنحة لا نراها 
واشرعة لا ترانا
وماء على قلق لا ينام
هنا نخلة في الطريق 
علامة من غادروا دون ان يبصروا طرقا او دليل 
هنا عاشق لم ينم منذ شهر طويل 
لا يخفى الصلة بين النخلة وآدم فهما مخلوقان من نفس الطينة والشاعر ملتفت إلى هذا الجانب فيجعلها دليلا على آدم المطرود بكل ما في بعده من الضياع والتيه
وكلمة التوبة التي بها يعود بعد ان يتلقاها من ربه هي الضوء العمودي الذي رآه الشاعر سلما منصوبا الى الفردوس الحافل بمعاني الابتهاج والسلم والنعيم:
هنا الضوء حيث رأى شاعر سلما في الهواء 
فالقى لنا وهو ينهض من نومه ما راى 
حين صار المكان المعد له جوقة للحمام
يطير الحمام 
يحط الحمام
والاكمة التي تخفي خلفها الشر والمكيدة هي الجلجلة هي السراط وقد زود الشاعر ابنته بتعليمات النجاة فلا خوف عليها
فلم يعد المرتقى بعد ان انسدل سلم النور مخوفا 
فما عدنا محتاجين إلى كل ذاك الحذر يكفي انتباه خفيف ،
&quot;اصعدي بانتباه خفيف له فتنة المكر 
حلم الغريب واعذاره
واصعدي في سؤال الحرير
بقلب بهي وشعرا كان احتفال الخواتم فيه 
بقي ان نشير إلى ان آدم رمز للاجيال الفلسطينية 
حيث يشكل الجيل الذي اضاع فلسطين (الامانة ) وعجز عن القيام بها آدم الغواية والضلال المطرود من الجنة 
ويشكل الجيل الذي حفظ الامانة فانتبه واحترس واخذ باسباب الفلاح آدم التائب الذي القى له ربه كلمة التوبة وسلم النور 
مع الجيل الضائع تلقي المعابد حجاجها للذئاب nbsp;حيث الضلال والجدل الذي لا يؤدي الى شيء
حيث انعدام الرؤيةوحيث السحر إذا تبدو الاشياء التي لا حقيقة لها
ومع الجيل المهتدي لقاء الحبيب (فلسطين المحررة )حيث يتكلم الضوء ويتالق الصعود
يقول الشاعر :
اصعدي يا ابنتي، كي يراك حبيبك
واذّكري دائماً أهلك الطيبين وإخوتك العشرة النائمين.
فإنا هنا لا نرى.
واصعدي حيث لا ترتقي حجة أو ضلال.
لا يُشترى السحر
لا يُشترى.
إنه كامنٌ في العطايا وفي الضوء.
ثم اصعدي واتركينا هنا، حيث ينحسر الظل عن نومه
واصعدي كي يراك حبيبك حنطيةً تحت شمس التلال
وبيضاء في النور من غير سوء.
فينصت للضوء حيناً
وللظل حيناً
ويبكي لأنك أجمل من حلمه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق