الخميس، 26 يناير 2017

شارع المتنبي أنموذج الأنتلجنسيا العراقية // بقلم الاستاذ حسين الساعدي /// العراق

شـارع المتنبـي أنمـوذج 
الأنتلجنسـيا العراقيـة 
بقلم/ حسين الساعدي
الأنتلجنسيا "intellingansia" مصطلح مشتق من أصل لاتيني "lntelliyers" بمعنى مرادف لـ "Intelligence" (المفكرون أو المبدعون في مجال الذهن والنشاطات المتعلقة به أو الذكاء ، أو ملكة عقلية لأكتساب العلم والمعرفة) . وهو يشير كذلك حسب تعريف معجم أكسفورد لعلم الأجتماع إلى(طبقة المتعلمين بصورة عامة في أيّ من المجتمعات ، وإلى المثقفين والمعنيين بشؤون الفكر على وجه التحديد . وقد حصر تاريخيا أستخدام هذا المصطلح ونوقشت أصوله أيضا ، وظهر أستخدامه بصورة مبكرة في القرن التاسع عشر خاصة في روسيا وبولونيا. بينما كطبقة أجتماعية أختلفت في البلدين لأسباب تاريخية جلية) . وتؤكد معظم المراجع على أعتبار كلمة "Intelligentsia" روسية الأصل ، حيث أستخدمت لأول مرة في منتصف القرن التاسع عشر ، في أوربا الشرقية لوصف فئة أجتماعية من المفكرين ذوي النزعة النقدية التقدمية فكان لهم الدور القيادي في تشكيل ثقافة المجتمع وسياسته . وأول ظهور له بمعناه الأجتماعي في بولونيا ، حين لعبت طبقة الأنتلجنسيا البولونية دوراً حيوياً ومتفرداً في فترات تاريخية متعددة من تاريخ بولونيا إبان فترة التقسيم في القرن التاسع عشر . فكانت الأداة الرئيسية التي أدخلت بواسطتها الأفكار الجديدة المتقدمة إلى نسيج المجتمع البولوني المجزأ. 
ثم أنتقل هذا المصطلح الى روسيا في منتصف القرن التاسع عشر ، فكان أول من أستخدمه هو الروائي "Boborykin" عام 1860 . حينما كانت الطبقة العليا في روسيا منقسمة إلى قسمين هما: البيروقراطية الحاكمة ، وصفوة المثقفين التي تتألف أساساً من المتخصصين في العلوم وأصحاب المهن الفنية العليا . وكذلك أستخدمه الشيوعيون لوصف الطبقات المثقفة البورجوازيّة في الدول الرأسماليّة .
وقد تشمل الأنتلجنسيا الفنانين ومعلمي المدارس، والأكاديميين ، والكتاب ، والصحفيين وغيرهم ممن يُطلق عليهم بشكل واسع ، مثقفين . أن أفضل تعبير عن الأنتلجنسيا هو الدعوة إلى تصورات مستقبلية تبشر بنظام جديد يحل محل النظام القديم .
نحن نعلم جيداً إن المثقف تقع على عاتقه مسؤولية تاريخية في وضع النظرة الشاملة لتغيير الواقع الأجتماعي للمجتمع من خلال القدرة على نقد هذا الواقع ، وعليه فإنَّ لطبقة الانتلجنسيا بصورة عامة وللمثقف منها بصورة خاصة الدور الكبير في كل الأحوال والظروف .
يشير د. محمد الدقس في تعريف الأنتلجنسيا الى النخبة المثقفة (يمكن تعريف الأنتلجنسيا بأنها النخبة المثقفة التي تمتهن الثقافة "المادية والفكرية" ولها تأثير قوي على المجتمع من خلال الوعي الاجتماعي) . 
بعد هذه التوطئة ، دعونا نلج الى واقع الأنتلجنسيا العراقية ما لها وما عليها وما ينبغي لها من دور أن تلعبه بعد أن سقط النظام السياسي الدكتاتوري في العراق عام 2003 ، بفعل قوى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ، مما وضعه أمام منعطف تاريخي خطير وتحديات تهدد وحدة وجوده كدولة ذات سيادة بفعل مخاطر القوى الإرهابية التي عاثت وتعيث بالبلاد قتلاً وتدميراً وفساداً .
يعتبر شارع المتنبي الرئة التي يتنفس منها المثقف العراقي نسيم الحرية والممارسة الديمقراطية بأفقها الواسع ، ففيه تشكلت الجماعات الثقافية والمنتديات الادبية بكل أجناسها بشكل تلقائي وملفت للنظر ، بعيداً عن التعصب الديني والمذهبي والقومي ، حتى تسمى شارع المتنبي بـ(بورصة المعرفة) . فهو فضاء واسع للمدنية والثقافة وللأدب ، وواجهه حضارية مشرقة ، ومستودعاً لمن خالف رأيه توجهات السلطة وطبقتها السياسية . فحواراته لا تنقطع ، ليس لها نوع معين ، وآرائه متعددة الميول ، وأتجاهات متنوعة ، مما شكل طبقة مثقفة واعية مدركة مصالح المجتمع والبلاد والأخطار التي تحيط به .
أن الأنتلجنسيا شارع المتنبي عندها القدرة على خط المفاهيم والتقاليد الثقافية التي توحد أبناء المجتمع وتفكيك إيديولوجيات الخطاب الطائفي والعنصري وسياسي المتشدد ، الذين أرادوا بهذه الإيديولوجيات أستغلال جهل العامة من الناس وأزماتهم الأقتصادية وصدماتهم الأجتماعية وهي تركة ما خلفه النظام السابق من مآسي وويلات وأستثمارها من قبل ساسة مرحلة مابعد سقوط النظام السياسي في العراق . 
وهنا يبرز الدور الحيوي للمثقف العراقي والمسؤولية التي تقع على عاتقه باعتباره جزءاَ من طبقة الأنتلجنسيا . 
(إنَّ المثقف هو الذي يضع أوسع نظرة لتغيير المجتمع وأشملها وهو الذي يعمل لصالح القطاعات العريضة فيه وهو الذي يتميَّز بما لديه من قدرة على النقد الأجتماعي والعلمي) .
أن الأنتلجنسيا العراقية بصورة عامة وأنتلجنسيا شارع المتنبي كان لها دور كبير ومازال في صياغة مفهوم العراق الجديد من خلال منظمات المجتمع المدني . حتى مثلت (لوبي ضاغط) على الأحزاب السياسية بكافة توجهاتها وعدم أنفرادها بالقرار السياسي . فكان لها الدور المرابط في سوح التظاهرات الرافضة لفساد الطبقة الحاكمة وكشف زيف شعاراتها ، كذلك وضعت الآليات التي تساعد على نشر ثقافة السلم الأهلي والتسامح الديني بين مكونات المجتمع وأشاعة ثقافة الحوار والمفاهيم الحضارية والديمقراطية التي يفتقر إليها الشارع العراقي . من خلال تفعيل الحراك السياسي والثقافي والأدبي والأجتماعي بين أروقة شارع المتنبي عن طريق وسائل الأعلام بكل تنوعاتها المرئي والمسموع والمكتوب ، وتثقيف العقل الجمعي العراقي بما يتلائم وطبيعة المرحلة التي يمر بها العراق . حتى مثل المركز الثقافي البغدادي وحدائق القشلة مركز جذب للمثقف والسياسي العراقي في أوسع تجمع ثقافي يشهده العراق بعد 2003 . حتى أصبحت كـ(هايد بارك عراقي) قل نظيره في الدول العربية ومنطقة الشرق الاوسط ، بسبب فسحة الحرية المتاحة للمثقف العراقي ، فالمثقف على حد تعبير "جان بول سارتر" هو (إنسان يتدخل ويدس أنفه فيما لا يعنيه) ، فأصبح المثقف العراقي يدس أنفه فيما يعنيه . فعلى الأنتلجنسيا العراقية المتمثلة بالنخب الأكاديمية والطبقة المثقفة الواعية لدورها والمنتجة للفكر الصحيح والحامية له ، تقع على عاتقها مسؤولية تاريخية في دعم المسيرة الديمقراطية في العراق الجديد ، وأعادة الوجه المشرق للشخصية العراقية التي عانت من الأضطهاد والقهر السياسي والفكري والأجتماعي ، والأرتقاء بها ، وصياغة الوعي الحضاري لها ، من خلال مطالبتها ببث الوعي بين أبناء المجتمع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق