السبت، 14 يوليو 2018

سيمائية الجسد // قراءة في نص الشاعر ( وجدي الروح ) إناء الرغبة // بقلم الاديب والناقد : حسين الساعدي // العراق


سيميائية الجسد
قراءة في نص الشاعر العراقي "وجدي الروح"
(إناء الرغبة)
إناء الرغبة
أحلق في فضاء الهواجس/ بخيالٍ سمجٍ مجنح/ تسمو به شاعرية عاشق مخمور مثلي/ فوق تقاطيع جسدكَِ......أترنح
،،،،،،،،،،
أتقافز فوق شموخ هضابكِ/ أنزلق في مهابط...وديانكِ/وبين/ بركان الرغبة و هشيش الشهوة....أترجح
،،،،،،،،،
غارق في غياهب النشوة الداعرة
أرتشف نبيذ اللذة ...المسكرة
وبطيات انوثتكِ.........أتصفح
،،،،،،،،،
أصل الى آية البلوغ الكبرى/ أردد تراتيل الولوغ....وأتعرى/ وأمام جلال ..التعري/ اخلع ثوبي خلسة/وبأيماءات الرعشة......أتوشح
،،،،،،،،،،
يامنْ شرعت لي/نوافذ الأنوثة على رحابِها/أني أراك امراة مأزومة بالحبِ
وجسد محقون بالرغبة...تستهلكني نارها/والنار لا تأخذها رأفة بعاشق مخمور/وهب نفسه/قرباناً....لرمادها
أقول/أن أعذب جنون اللذة فيه طعم الهياج/وأعذب طعم الهياج....هو
فك شفرة الجسد ومعرفة أسرارها
،،،،،،،،،،
أيتها الأنثى الراقدة في جرح/..الشقاء/أني خبير بعالمكِ/خبير بطبائع النساء/فأمنحيني جسدكِ وضعيني في إناء الرغبة/فأنا رجل أعرف قوة صلابتي...بسالتي/ولا أبالي/أذ كنت يوماً سأذبل في تلك ...الأناء/لأنك أنت اليقين الذي اراه في وجودي/وأنا الوجود الذي يمنحك ذروة .....الأشتهاء
،،،،،،،،،،،،
فتعالي/أرتشفي نبيذ سكري/أرقدي في فراشي وأستجيبي للنداء/لان الصمت الجسدي/بئر عانت مياهها من العفن والجفاف/وأن أبتلاع الخوف/ في دياجير البدن لا تجلب العفاف/لان العفة في أحياء الغرائز
لا ثوب نرتديه بذريعة ......الحياء
،،،،،،،،،،،
فدعيني/أمارس فحولتي كما أرغب
بل كما أنتِ......ترغبين/فأنا لباس لكِ..وأنت لباس لي/فيكِ أتموضع ..وفيّ تتموضعين/وعلى هدير الوجع نلتهم بعضنا/ويمترج فينا
أنوثة الماء.......... وطهارة الطين
وحين/نصل الى أعالي الرعشة
يحتقن كل شيءٍ فينا/فتتصاعد الأوردة وتنتحر....الشرايين
،،،،،،،،،،،،
لستِ سوى شاطىء ساحر تستقبل ....أمواجي/لستِ سوى ساحل للذة ترسو فيكِ سفن هياجي/وبين/صخب الموج وأعاصير/الهياج ...تتلذذين
،،،،،،،،،،،،
أنا الفاتح الاوحد/الذي أحتل قارة أنوثتكِ/وفوق تضاريسكِ أرفع/راياتي...وأتمجد/واعلن بأنني أول .........الفاتحيين
،،،،،،،،،،
اؤسس فيكِ امبرطورية الجسد/وفي تربة كيانكِ/ادعو أمم غرائزي كي ..نتوحد/وبأنوثة الماء.....وطهارة الطين/أكتب مسلتي/وفي الواح جسدكِ اخط القوانين/لأقول/أن الروح التي لاتعرف طعم اللذة
لا تستحق الهناء/وأن الجسد الذي لا يمارس الحب/يستحق الفناء/ثمل أنا...........مجنون أنا/وتلك هي فلسفة السكارى .....والمجانين/وتلك هي فلسفة السكارى .....والمجانين
...............
(الجسد هو الوجود الرمزي للرغبة)
الاديب والاكاديمي المغربي
"سعـيد بنكراد"
الكتابة عن الجسد لا تقل أهمية عن سواه من مواضيع الوجود والمعرفة، فلا ينظر اليه على أنه مجرد شكل مادي أو تركيب بايولوجي، وأنما جزء هام من كينونة الإنسان، الذي شكل موضوعاً ًفكرياً وثقافياً ًوأجتماعياً هامًاً في الدراسات السوسيولوجية والبايولوجية، والسايكولوجية، حتى أطلق على أحد فروع علم الأجتماع (سوسيولوجيا الجسد).
فكان مادة علمية وفنية وأدبية في متناول الكثير من العلماء والباحثين والرسامين والنحاتين والأدباء والشعراء الذي له وجوده الفعلي في النصوص الشعرية، رغم الأختلاف من نص لآخر، ومن شاعر لآخر، بل أضحوا - الشعراء - مسكونين بهاجس الجسد فهم لا يغادرون فلكه إلا ليعودوا اليه مجدداً في شعرهم، منهمكين في رسم تفاصيل وجغرافية وتضاريس الجسد الأنثوي، فقراءتهم للجسد هي خلق نوع من الأنسجام بين الرغبة والذات، هذه القراءة مستقرة في الوعي واللاوعي الإنساني. وقد يتحول من كينونة ذاتية إلى مادة أستهلاكية في الأعلان عن الجانب المسكوت عنه .
فالجسد (نص ثقافي بامتياز ُيحسن التكلم باللغة الإيروسية وُيتقن احتضان الذاكرة الثقافية لمجموعة ثقافية ولغوية ما) . في سيمياء الشخصية والجسد/ مـدخل لـقـراءة أعـمال سعـيد بنـكراد.
الشاعر "وجد الروح" يمتلك خاصية شعرية، وثقافة ولغة وأدوات، وأسلوب إبداعي، وحس مرهف، ومعالجة أدبية راقية للأشياء، وأدراك واسع للرؤى.
في هذه القراءة نحاول الأتكاء على التحليل السيميائي للجسد بأعتباره المرتكز الذي تستند عليه القراءة، فهي قراءة جزئية لنص الشاعر "وجد الروح" الذي ركز فيه على قضية محورية هامة وهي مركزية الجسد، وطرحها عبر صياغات نصية تختزن الكثير من الإيحاءات التي تشير دلالاته الى مكونات صوره الشعرية والفنية.
قد يكون النص وضع أستجابة لحاجة نفسية ورغبة حسية عند الشاعر، لإرضاء الذات وإشباع رغبة من رغبات النفس، حتى أن المتلقي يجد صعوبة البوح بها، ولكن الشاعر يمارس أستفزازاً عقلياً، متمرداً على مفاهيم مجتمعية، فهو يبوح بصراحة حسية تمنح المتلقي كل الدلالات الإيروسية، إلا أنه لا يعبر عن هذه الرغبات بشهوانية متطرفة أمام الجسد الأنثوي، أو يتعمد التصوير الجنسي المباشر، بل تراه يحرك الجسد ليعبر عن كينونته كجزء إنساني، ووجوده جزء لا يتجزأ من الكيان الإنساني، لان هذه الحركة من المشتركات الإنسانية التي يمكن فهمها، (أمام جلال التعري/ اخلع ثوبي خلسة)، فالجسد (إناء الرغبة) وهذه الرغبة لا تنتهي عند حد معين، فهي حاجة روحية وجسدية، (نفسية وبيولوجية) و (تجربة داخلية مرتبطة بالرغبة والشغف والنشوة، التي تأخذ شكلاً جسدياً أو عاطفياً أو روحياً)،"جورج باتاي"، (فأمنحيني جسدكِ وضعيني في إناء الرغبة).
في نص (إناء الرغبة) يظهر الشاعر "وجد الروح" الجسد متعدد الدلالات، فذكره في ثمان مواطن من النص، (فوق تقاطيع جسدكَِ/وجسد محقون بالرغبة/فك شفرة الجسد/ فأمنحيني جسدكِ/الصمت الجسدي/ِامبرطورية الجسد/الواح جسدكِ /الجسد الذي لا يمارس الحب) .
النص فيه إيحاءات إيروسية وخطاب إغرائي، ينتج دلالات مكثفة ذات أبعاد مختلفة، يقدم قراءات متعددة للمدلول الجسدي يتعدى الدلالة المباشرة والمدلول الجنسي كبؤرة تتجلى بها الذات، ونسق رمزي للوجود والبحث في أعماقه وبعده الكوني. كذلك يبرز في النص، أسلوب الإثارة، والسرد الشعري والحس الفني والبناء الإبداعي، وأنتقاء العناصر الجمالية، والدلالات اللغوية ذات المضمون الإيروسي، حين تكون المتعة الحسية تعطي مدلولاً على الترابط والتشابك الوثيق بين الحب واللذة والرغبة والجسد، ذات الإيحاء الجنسي. الشاعر "وجد الروح" يستخدم في نصه أسماء وأفعال (جسدك/َِ هضابك ِ/ مهابط وديانك/ الرغبة/ الشهوة/ النشوة/ اللذة/ انوثتك/ التعرى/ أيماءات الرعشة/ الأشتهاء/جنون اللذة/ أمارس فحولتي/ نلتهم بعضنا/ أعالي الرعشة/ الهياج/ تضاريسكِ )، كلها مفردات لها معناها الإيروسي، تخدم فكرة النص التي أرادها الشاعر، فالجسد تموضع في نقطة مركزية داخل النص كبنية رمزية تجمع الوعي باللاوعي و (تحول الجسد إلى أيقونة)، فهو يتغزل بمواطن الجسد وجمالياته، ولكنه يتحفظ في لغته ويبتعد عن الأسفاف والأبتذال، ويكتفي بالإيحاء والإيماء، ويستخدم الترميز بديلاً للطرح المباشر تلافياً للإشكالات الأخلاقية والأجتماعية، فلا يحمل المعنى الجنسي والرغبة والإغواء ، بل (كينونة رمزية وإيحائية وإشارية وعلاماتية وأيقونية تضاف إلى الأجسام من خلال تمثيل الإنسان).
يبدو الجسد كما ورد في النص، كإطار دلالي سيميائي خاضع (للرغبة) ومحدد بصيغ جسدية أيروسية بعيداً عن الأبتذال، فحضوره في النص مصدر عاطفة وإحساس ولذة وألم. والشاعر في لغته ليس إباحياً أستفزازياً للمتلقي، بل لغتة ذات واعية معبرة عن ماهية الجسد، يسعى من خلالها الى تحقيق رؤى فلسفية جمالية تحمل برمزيتها أبعاد المعنى الذي ترمي اليه، من خلال سطوة الجسد. فهو يحاول تجسيد وأستنطاق الجسد ومكوناته، فليس ضرورياً أن يكتفي الشاعر بالإشارة إلى ما يريد أن يصل إليه خيال المتلقي، دون أن يلج الى المسكوت عنه أو وصف الجسد أو التطرق إلى (التابو) الجنسي في نصه. تجليات (الرغبة) في النص ظاهرة في العلامات السيميائية في النص حد الأغراء الجنسي، فالجسد هو (إناء الرغبة) وجمالية النص أنه يجمع بين الرمزية واللغة المباشرة، فيبعث الدهشة عند المتلقي، ويجعله يحترق بنيران الرغبة الجسدية، (أصل الى آية البلوغ الكبرى)، كاشفاً عن دلالات الجسد الأنثوي وخارطته، وهذا من مقتضيات المشهد الجنسي الذي يثير اللذة ومسالكها الجمالية. (أن أعذب جنون اللذة فيه طعم الهياج/وأعذب طعم الهياج/ فك شفرة الجسد)، الشاعر "وجد الروح" من خلال نصه أستطاع وعلى ضوء رؤيته الشعرية الحداثوية أن يستنبط كوامن الذات الإنسانية وبواطنها، متمرداً في نصه على التابو الجسدي، وكاشفاً عن المسكوت . فهو في اشتغاله الشعري، يعد الجسد الانثوي مرجعية ذات دلالية سيميائية معينة، عبر عنه بأنزياح لغوي ودلالي عن ملامح جسمانية هذا الجسد، وبقصديه وذات دوافع غريزية، وتأثيرات تعمل على إخضاعه وترويضه، ملبية رغبات النفس وشبقيتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق