الخميس، 5 يوليو 2018

تمبكتو، جوهرة الصحراء الافريقية تفيض حضارة وثقافة أسلامية // بقلم د . صالح العطوان الحيالي // العراق

تمبكتو جوهرة الصحراء الافريقيةاهم المدن التاريخية تفيض حضارة وثقافة اسلامية 
ــــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي -العراق- 30-6-2018
''تمبكتو'' أو ''ملكة السودان'' كما كانت تدعى في الماضي أهم المدن التاريخية في جمهورية مالي بغرب إفريقيا وتكاد تكون نسياً منسياً بعد أن كانت ملء السمع والبصر خلال العصور الوسطى. وعرفها الرحالة من أوروبا إبان ازدهارها بالمدينة الغامضة حينا وبالمدينة الممنوعة أحيانا فقد كانت مركزا إسلاميا لا نظير له في مدن جنوب الصحراء.
تُمْبُكْتُو مدينة في مالي، وهي من أهم العواصم الإسلامية في غرب أفريقيا. سُميت قديماً تنبكت ، وتلقب بجوهرة الصحراء المتربعة على الرمال، وهي بوابة بين شمال أفريقيا وغرب أفريقيا، وملتقى القوافل البرية للقادمين من النيجر وليبيا، وكذلك تجار الملح القادمين من تودني، أنجبت العديد من الفقهاء والعلماء، وازدهرت فيها الحركة الثقافية، وتعاقب عليها الغزاة وآخرهم الفرنسيون الذي قاومته قبائل المنطقة بقيادة محمد علي الأنصاري. واحة تمبكتو هي حاضنة الإسلام في الصحراء الكبرى ومنارة للعلم فيها ومجمع العلماء وهي من أشهر المدن في غرب أفريقيا خاصة منذ القرن الثالث عشر، وسكانها جميعهم مسلمون وأشهر القبائل التي تقطن المنطقة هم قبيلة الآنصار كل أنصر التي ظهر فيها محمد علي وألذي اغتيل في عام 1897، وقبيلة السنغاي ذات الأغلبية السكانية وكذلك القبائل المتفرعة من الأشراف الأدارسة الذين أشتروا منطقة شمال النهر من أحد ملوك مالي السابقين وبعض القبائل ذات الأصول العربية والطوارق والبرابيش.
أصل التسمية ‏ 
ــــــــــــــ يجمع المؤرخون على أن معنى كلمة تمبكتو هو حافظة الأمانات وهو مأخوذ من اسم امرأة من الطوارق اسمها (تن بكتاون) أي حافظة الأمانات، كانت تقطن في الموقع الذي تأسست عليه المدينة فيما بعد. كانت هذه المرأة تحفظ للسكان الرحل الأمانات والودائع والأمتعة فاشتهر بها المكان وغلبت التسمية على المدينة بعد ذلك. وإذا كان الطوارق قد سموا تمبكتو بهذا الاســـم لارتباطها عندهم بالعجوز بكتو حافظة الأمانات، فإن القواميس الإنكليزية تفسر هذه التسمية بأنها المكان القصي الذي لم تطأه قدم البشر ولم يدركه بصر.
التاريخ 
ـــــــــــــــ تأسست مدينة تمبكتو بداية القرن الحادي عشر الميلادي، إلا أنها لم تكتسب شهرة واسعة بوصفها حاضرة للثقافة الإسلامية إلا في منتصف القرن الخامس عشر، وتعاقبت عليها ممالك كبيرة مثل مملكة مالي ومملكة السونغاي. لم يرد ذكر المدينة في المصادر العربية قبل زيارة ابن بطوطة لها سنة 1353، إثر زيارة سلطان مالي منسا موسى للمدينة عند عودته من الحج 1325 واتخاذه سكناً فيها، حيث بنى ما يعرف اليوم بالجامع الكبير.
العصر الذهبي وأنتهاءه
ــــــــــــــــــــــ شهدت المدينة عصرها الذهبي من الناحية السياسية والعلمية في القرن السادس عشر، وتحديداً في عهد السلطان الحاج أسكيا محمد الذي كان يهتم بالعلماء، وخرجت عددا كبيرا من العلماء الموسوعيين الذين ذاع صيتهم في الآفاق مثل أحمد بابا التنبكتي الذي توفي عام 1036هـ. كان الغزو المغربي لتمبكتو عام 1591 - أيام السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي - بداية النهاية لعصر ازدهارها، إذ بدأت أهمية تمبكتو العلمية والتجارية تنحدر تدريجيا إثر ذلك حتى كادت تضمحل. تخلّص حكام المدينة العسكريون المغاربة من تبعيتهم لدولة السعديين في المغرب، ووقعت تمبكتو تحت سيطرة قبيلة الفولب في النصف الأول من القرن التاسع عشر إلى أن احتلها الفرنسيون 1893، واستمروا في حكمها حتى إعلان استقلال مالي 1960.
استقبلت تمبكتو قديما قوافل التجارة بين قلب افريقيا وشمالها العربي ومنها انطلقت أيضا جموع الدعاة والعلماء لنشر الإسلام بين القبائل الإفريقية الوثنية. ويستطيع زائر تمبكتو الواقعة على ضفاف نهر جوهيبا أو كما يسمى اليوم نهر النيجر أن يلمح في شوارع المدينة ومبانيها بقايا الازدهار الحضاري التي كانت عليه عاصمة مملكة السنغاي الإسلامية خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر للميلاد.
وفيما بين القرنين الخامس والثامن الهجريين تحولت تمبكتو من مخيم متواضع إلى قرية مزدهرة بفضل موقعها المتوسط عند بوابة الصحراء الكبرى وعلى حدود الأراضي الخصبة وهيأ لها هذا الموقع ان تكون ملتقى للطرق القادمة من بلاد المغرب العربي والمتجهة إلى ممالك غرب إفريقيا مثل غانا ومالي. وساعد على ذلك النمو انتقال تجار مدينة ''جني'' المشهورة بتجارة تبر الذهب للإقامة بها ولحقهم أيضا تجار مدينة ولاتة او غانا كما يسميها العرب القدامى تحت ضغط الهجمات التي شنتها مملكة مالي ضدهم. وإلى الوافدين من ولاته يرجع الفضل في تحول تمبكتو من قرية إلى مدينة زاهرة ومنارة للحضارة والثقافة الإسلامية إذ كانت ولاته مهبطا للعديد من العلماء والفقهاء الذين وفدوا إليها من مصر وفزان وغدامس وفاس وغيرها من مدن الشمال الإفريقي.
ومع تحول طرق التجارة الإفريقية إلى تمبكتو وفدت إليها بعض بطون قبيلة صنهاجة المغربية وفرضت مملكة المانديغ الإسلامية هيمنتها على المدينة.
أشجار الذهب أينعت منارات علم
ـــــــــــــــــــــــــــ لمع اسم تمبكتو في الشرق الإسلامي عندما انطلق منها كانكا موسى ملك المنديغ في طريقه لأداء فريضة الحج بمكة مارا بمصر إذ نسب علماء مصر وتجارها وأهل الحجاز الهدايا الذهبية التي أغدقها الحاج موسى عليهم إلى تمبكتو حتى رسخ لديهم ان بالمدينة وما جاورها ببلاد السودان أشجار تثمر ذهبا وكان من الطبيعي أن يصحب كانكا موسى معه في رحلة العودة عددا من علماء وتجار الشرق العربي. وترتبط رحلة الحاج موسى أيضا بواقعة إنشاء أول المساجد الجامعة الكبيرة في تمبكتو بأمر من الملك في عام 1325م وهو مسجد دجين جاريبير اي الجامع الكبير وقد كلف موسى الشاعر الغرناطي الملقب بالسهيلي والذي قابله بمكة بتصميمه والإشراف على بنائه وحول هذا الجامع تكونت النواة الأولى للعلماء والمفكرين المسلمين في تمبكتو.
وبعد ذلك بحوالي قرن تبرعت امرأة ثرية من أهل تمبكتو ببناء مسجد آخر عرف باسم جامع سنكوري وتحول بعد وقت قصير إلى جامعة إسلامية تناظر الأزهر والقرويين تدرس بها العلوم الدينية والمعارف العامة.
كما قام الشيخ محمد النهدي وهو من أصل مغربي بإنشاء مسجد ثالث حمل اسم سيدي يحيى أول شيوخ هذا المسجد وكان من الأولياء الصالحين وتعتبر هذه الجوامع الثلاثة المصادر الرئيسة للإشعاع الفكري في تمبكتو ومراكز يلتقي فيها وينطلق منها الكثير من العلماء واللغويين والمؤرخين والفلاسفة ووصلت شهرة البعض منهم الى بلاد المغرب.
وحول هذه الجوامع نشأت في القرنين 15 و 16 للميلاد المدارس القرآنية التي وصل عددها لنحو180 مدرسة تضم 25 ألفا من طلاب العلم الذين وفدوا اليها من انحاء غرب افريقيا ليتلقوا دروسهم على نفقة الاوقاف التي رصدها اهل الخير من التجار والمحسنين.
وشهدت تمبكتو أزهى فتراتها خلال حكم أسرة اسكيا محمد والذي امتد من عام 1493م الى 1591م فتضاعفت مساحتها واعتنى الملوك ببناء المنازل الجيدة واعادة تجديد المدارس القرآنية حتى ذاع صيت جامعة سنكوري وتسابق العلماء من مدن المغرب ومصر للتدريس في هذه المدارس.
تقهقر المدينة
ـــــــــــــــــــ ـبدأت تمبكتو تتقهقر تدريجيا منذ وقوعها في أيدي القادة العسكريين المغاربة اذ أدت صراعاتهم للسيطرة على البلاد إلى انتشار الفوضى وعمليات السلب والنهب ولم يفلح أهل تمبكتو والطوارق رغم بسالتهم في الذود عن المدينة فوقعت بايدي الفرنسيين عام 1893م.
ومنذ استقلال مالي عن فرنسا عام 1960 وعناية الأهالي تبذل من أجل إعادة الحياة الى تمبكتو التي يفخر سكانها بأنها مدينة الـ 333 من الأولياء الصالحين حتى أنهم سجلوا هذه العبارة على لوحة كبيرة بارزة في أكبر ساحات وسط المدينة.
تبعد تمبكتو عن نهر النيجر 15 كم وهي مدينة قارية تماما وموسم الأمطار بها لا يتجاوز الأشهر الثلاثة وأدت موجات الجفاف خلال ثمانينيات القرن الماضي إلى تدهور أوضاعها العمرانية ولجوء العديد من سكان المناطق الصحراوية المحيطة الى الاقامة على مقربة من ضفاف نهر النيجر ورغم ذلك فان مجمل أعداد السكان بمن فيهم اللاجئون لا يتجاوز الخمسين ألف نسمة وهو تقريبا نصف عدد سكانها في القرن16م.
وينقسم السكان إلى قسمين رئيسيين أولهما سكان الشمال الذين يقومون برعي قطعانهم على مقربة من النهر وهم خليط من العرب والبربر والطوارق وتحتفظ كل مجموعة بلغتها الخاصة.
والقسم الثاني هم أهل الحضر وأغلبهم من قبائل سنغاي ويعمل هؤلاء بالزراعة والتجارة والصناعات اليدوية. ورغم تراجع حركة التجارة التقليدية عبر الصحراء فان تمبكتو مازالت تستقبل عددا لا بأس به من قوافل الجمال المحملة بسلع هذه الانحاء، لاسيما الملح الذي يستخرج من باطن الأرض.
ولتمبكتو ميناء شهير على نهر النيجر وعبر هذا الميناء تصل الى المدينة معظم احتياجتها من الوقود والسلع الغذائية ولا يتم اللجوء الى الطرق البرية المحدودة لنقل هذه الاحتياجات الا فى فترات جفاف النهر حيث تتوقف الحركة كليا فى هذا الميناء الذى يعرف باسم كيرا.
انضمام تمبكتو إلى لائحة المواقع الاثرية ‏ 
ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد ان تم ادراج تمبكتو على [[موقع تراث عالمي |قائمة التراث العالمي للإنسانية]]، أصيبت في عام 2012 بخسارات ثقافية جسيمة إثر تدمير جهاديين لأضرحة الأولياء الصالحين، أعيد بناؤها كما كانت بإشراف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونيسكو ولكن تدميرهم دفعها إلى إعادة تصنيف المدينة ووضعها على قائمة مواقع التراث العالمي المعرضة للخطر. شيدت هذه الاضرحة بغية حماية المدافن، تم تشييدها عمومًا من الطين في تمبكتو، بعض المدافن موجودة في المدينة أو في مقابر وأخرى في مساجد، وتضم حاليًا 22 ضريحًا سليمًا في الاجمال، أدرج 13 منها على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، وكانت هذه القائمة تعد في الأساس 16 ضريحًا ولكن 3 منها اندثرت بفعل تراكم الرمال. وأكتسبت تمبكتو لقب مدينة ال333 وليا بسبب هؤلاء الأولياء الذين دفنوا في الأضرحة، وهم يعادلون القديسين لدى المسيحيون، تدل هذه الأضرحة مع المساجد التاريخية في المدينة على انها كانت أماكن حج إلى مالي وإلى البلدان المجاورة في غرب إفريقيا.
المدينة الأسطورة
ــــــــــــــــــــــــ فبفضل جهود أبنائها أزمعت عدة شركات تجارية داخل وخارج مالي على القيام ببناء أول مطار دولي في هذه المدينة العتيقة، التي يقصدها السياح من كل أنحاء العالم بغية الوقوف على أطلال المدينة الأسطورة التي امتلأت بها الكتب الأدبية في شتى الثقافات العالمية، حيث أضحى اسمها «بامكو» مثالاً يضرب لكل ناءٍ وبعيد. إقامة جسر جوي مباشر بين تمبكتو والعواصم العالمية هو الأمل الوحيد أمام هذه المدينة، التي عرفت بمدينة العلم والتجارة، لتستعيد دورها بين الأمم. 
عما رة تعكس الصلات الحضارية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تعكس عمارة تمبكتو طبيعة الصلات الحضارية التى ربطت المدينة منذ القدم بمدن المغرب العربى. وتتجلى فيها ملامح هندسة معمارية أصيلة مطبوعة بالعادات والتقاليد الإسلامية ولا تخلو أيضا من سمات إفريقية خاصة تمليها الاعتبارات المناخية والبشرية فى هذه المنطقة القارية.
ويرى المعماريون أن طراز تمبكتو استمد بالأساس من التقاليد المعمارية لمدينة ''جني'' القديمة حيث تحتل المساكن مساحات كبيرة وتتميز جدرانها بسمكها الكبير للتغلب على الحرارة المنبعثة من الشمس الحارقة وأيضا للاحتفاظ ببعض رطوبة الليل لتثبت فى أرجاء المنزل أثناء قيظ النهار. وتتعدد النقوش والزخارف داخل المنازل وعلى واجهاتها.
وأبواب المنازل من الخشب الذى يقوم الحرفيون بتزيينه بقطع من المعدن، أما النوافذ فهي مرتفعة بشكل ملحوظ عن مستوى الأرض بغرض حجب سكان الدار عن أنظار المارة وايضا لضمان تهوية جيدة للمنزل.
ويتميز تخطيط المنازل التقليدية باقترابه من المنزل الإسلامى المعروف فى الشرق ولاسيما بوجود قاعات الاستقبال على مقربة من المدخل مباشرة، وقد شيدت بكل منزل قاعة منفصلة خلف المدخل الرئيسى مباشرة وتلعب دور قاعة الاستقبال للرجال والضيوف الطارئين.
وتبدو منازل تمبكتو من الخارج شديدة الشبه بالمدن المغربية الصحراوية ولكنها بحاجة الى اعمال كبيرة للصيانة والترميم وبخاصة المساجد الثلاثة القديمة التى طالما كانت عنوانا على مجد تمبكتو الغابر وسمعتها التى تجاوزت الافاق باعتبارها اغنى مدن العالم بالذهب والألماس ...
د. صالح العطوان الحيالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق