الخميس، 20 ديسمبر 2018

مجلة انكمدو العربي للثقافة والأدب // عبرات // كُتب النص بمداد الاستاذ : عبد القادر صيد // الجزائر

عبرات
على صفحة مساحيق وجهك تنبش عيني باحثة عن نقطة أواري فيها حزني ، فإما أنني ما زلت تلميذا غير نبيه لذلك الغراب الذي علم الإنسانية الأولى فن طمس الجريمة،أو أن تلك البراكين التي تثور في وجهي من مسمات بشرتك قد خمدت ، وللأسف الشديد فقد ضاق وجهك عن الجريمة الآن ، و قاتل مائة نفس الذي كنت تعرفينه لا يمكنه التراجع في هذه اللحظة ، سيتوب بقتل المزيد من الأرواح ، لقد بحث طويلا فلم يجد سوى نتوءات صارت قبورا لابتسامات كانت تدوي كفتوحات بعبق الجاوي ،الخيوط التي حبكت بساط الريح انسلت ، و لم تبق إلا خيوط عنكبوت عقيم لا يجد ما يلتهمه .. اللاحدث يلخص مناوراتك لاسترجاع العرش ،تنتظرين نسائمك تهب كي تغتنميها ، و لكن ما هي إلا رياح عاصفة ممزوجة بهشيم أوراق الخريف تئن من وجع الهجر ، تسقط على الأرض و تيبس ثم تتحطم لترجع إلى ضمة أمها من جديد..
عندما تقترح عيناك عليّ العديد من الأمنيات ، فكأنما تسألني عن آخر رغبة لي في هذه الحياة ، و هذا لا يحدث إلا قبل تنفيذ حكم الإعدام ، نعم أمر مخيف أن تتعرض لهذا الموقف مرتين ، فقد سبق لي و أن وقفته أمامك ، كان ذلك منذ سنوات حينما كنا أمام مفترق الطرق ، و كنت في كل طريق ، و لم يكن الخيار سواك ، لم تكوني مقطعة إلى أجزاء ، و لكن طيفك كان يحسن السباحة ، و كان يقضي جل وقته يمازح الأصدقاء بمحاولة إغراقهم ، كانت أيام لله درها ، و كنت أنت أنت الطريق ..
دعي ظلام هذه الليلة يذهب ، و سأتفرغ لك ، سأقصد نعشك المتحرك غدا ، و أقدم له كل التعظيمات التي كنت تتمتعين بها قبل اليوم ، ستأتيك بقية منها بأثر رجعي ، هي تأوهات من الزمن الجميل ، صوت موجوع من وتر العود المكسور يؤدي سمفونية لموسيقار مات قبل أن يعترف بموهبته التي فيها جزء من الفن و كثير من الشكوى، و الأهم من كل ذلك هي تغلي بحنين إلى التصفيق الذي يبخّرالوجدان و يجعله يرقى إلى فوق ليمتزج بالسحاب و ليسهل عليه التنكر..
لا أحتاج إلى مفسر الأحلام بعد اليوم ، فقد نفثت في أحلامي بسمّك ، فأصبحت محتاجا إلى ترياق من داء التكرار ، فنفس الحلم يتكرر بنفس الموسيقى و الألوان ، و بنفس القهقهات ، ثم أجد نفسي كأني لم أخض معك هذا الوادي الذي يزينه ريق الملح، و المكدر بتراب الفخار الأول الذي تتشكل منه كل الانحناءات الآثمة ، نفس الأصداء تتكرر و لكن لأشخاص مختلفين ، كلها لا تتعبني كما تتعبني أصداء الظلال البيضاء التي تبحث عن اللون الأسود ..
أنا الذي يبحث عن السآمة فتستعصي عليه ، لأنها معنى ، و المعنى عزيز في هذه الأيام ، لكونه روحا و وجودا ،فعلى نعشك المتحرك وقفت تسأذن كل حروفي لتشكل عالمها الخاص ، فلم يؤذن لها ، أو بالأحر لم تتلق أي رد ، ربما لانشغال من بالداخل بنرجسية ذابلة مضت عليها الفصول و لم تجد رائحة تتناسب مع الانقلابات المتعاقبة،كما لم تستوعب مرحلة وقف إطلاق النار من الطرفين ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق