رجال المجد الضائع "قلج علي"
ـــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق - 11-121-2018
اسـمـــه ومـــولـــده
ــــــــــــــــ
قلْج عَلِيّ بَاشَا واسمه الاصلى " جيوفاني ديونيدجى غاللينى (1519 - 21 يونيو 1587) من رجال البحر العثمانيين من أصلِ إيطاليِ ، اعتنق الإسلام وأصبحَ من رياس البحر العثمانيين ثم قبودان بحرى للأسطولِ العُثمانيِ في القرن السادس عشرِ. عُرِفَ أيضاً بعِدّة أسماء أخرى في البلدانِ المسيحيةِ المطلة على البحر الأبيض المتوسط، كما ظهر في الأدبِ أيضاً تحت أسماءِ مُخْتَلِفةِ. فقد عرفً في إيطاليا تحت اسم Occhiali ، ودعاه ميجيل دي سرفانتس Uchali في روايته دون كيشوت .[1][2][3] كما سماه جون ولف في كتابه "الساحل البربرى" Ali Euldj
حياته المبكرة
ـــــــــــــــ ولد اولوج على لاحد رجال البحر الإيطاليين بمدينة كالابريا بجنوب إيطاليا , كانت رغبة والده ان يتلقى تعليما دينيا ولكنه أسر في العام 1536 على يد "على أحمد" أحد رجال خير الدين بارباروسا حيث عمل مجدفا على ظهرأحد القوادس . بعد اعتناقه الإسلام وباعتباره من رجال البحر المهرة ترقى اولوج على في الرتبة وبحصوله على المزيد من الغنائم اصبح شريكا في سفينة من سفن الجهاد في الجزائر وفى وقت لاحق وباعتباره من أشجع رياس البحر انضم اولوج على إلى طورغود باشا الذي كان يبث الرعب في قلوب البلدان المسيحية المطلة على البحر المتوسط والذي كان أيضا حاكما لـ طرابلس الغرب . أعجب أمير البحر بيالى باشا بالنجاحات التي حققها اولوج على فتم تسليمه حكم جزيرة ساموس في بحر ايجة في العام 1550 وفى العام 1565 تم تعيينه حاكما عاما لمدينة الإسكندرية , وفي نفس العام انضم إلى الأسطول العثمانى المصري المحاصر لـ مالطا . وبعد مقتل طورغود باشا اثناء الحصار تم تعيينه خلفا له في حكم طرابلس الغرب حيث حمل جثمان طورغود وقام بدفنه في طرابلس حيث تم تثبيته حاكما عليها بقرار من السلطان سليمان القانوني. حيث قام في الأعوام اللاحقة بعديد الغارات على سواحل صقلية – كالابريا .
يعد ( قلج علي ) احد أهم وأبرز البحارة العثمانيون الذين تألقوا وسطع نجمهم في القرن السادس عشر الميلادي ، كان اسمه ( أولوج علي ) ، ثم سماه السلطان ( سليم الثاني ) بـ ( قيليج علي ) أي السيف القاطع ، وعرف بأسماء أخرى في الدول النصرانية المطلة على البحر المتوسط ، خصوصا في بعض الكتابات الأوروبية بـ ( أوش علي ) ، ودعاه الآخرون بـ ( بوش علي ) ، و ( علي باشا ) ، وبالتركية يطلق عليه ( قلدج ) بضم القاف وتعطيش الجيم مع الشدة والقلقلة ، ويسمى بالعربية ( قلج علي ) .
ولد ( رحمه الله ) في سنة ( 1507م ) في قرية ( كاستيلا ) الواقعة في كلابريا بجنوب إيطاليا لأب وأم نصرانيين .
نـشـــأتـــــــه
ـــــــــــــــ أراد أبوه أن يعلمه تعليما دينيا بحتا حتى يصير قسيسا ، ولكن الله قدر له شيئا آخر ، فعند بلوغ ( قلج علي ) العاشرة من عمره تقريبا ، وأثناء قيام ( خير الدين بربروس ) بإحدى غاراته على سواحل جنوب إيطاليا ، وقع ( قلج علي ) في الأسر فيما بين ( سنة 1524م – 1528م ) ، وعند توزيع الغنائم وقع في سهم ( علي أحمد رئيس ) ، فاشتغل في البواخر الإسلامية مجدفا ككل الأسرى والعبيد النصارى ، وكان زملاؤه يسخرون منه ويلقبونه بينهم بالفرطاس لصلع كان في رأسه ، ومنذ سنة ( 931هـ - 935هـ / 1524م ) ظل ( قلج علي ) يربى في دار ( علي أحمد ) رئيس ، واعتنى به الرجل عناية خاصة ، مما جعله منذ طفولته مولعا بالبحار وحب المغامرات .
حسنة من حسنات خير الدين بربروس "" تلميذ ملك البحر المتوسط طرغود باشا "
آخر البحارة العظماء في القرن الـ 16م "" عاش ومات وعينيه وقلبه مصوبين تجاه الأندلس "سلوا عنه الجزائر الأبية إسبانيا البحر المتوسط بأسره بجميع شواطئه وجميع موانيه وجميع جزره ، بل كل صخرة فيه ...الفرنسيين ، الإيطاليين ، اليونانيين ، بل كل أوروبا ليبيا بأسرها ، تونس الخضراء ، بل الشمال الإفريقي كله ...شارل كوينت إمبراطور اسبانيا يعرفه جيدا فلطالما نكل بجنوده ودحر قواده
فيليب الثاني إمبراطور اسبانيا الهالك يعرفه جيدا فلطالما لم يعرف طعم الراحة ولإعصار يعصف بأساطيله ...ملكة انجلترا تعرفه جيدا ، وكيف لا وهي من طلبت معونة الإعصار للتصدي لتهديدات الأسطول الأسباني لانجلترا
دون جوان قائد البحرية الصليبية وخليفة دورا يعرفه حق المعرفة ، وكيف لا والإعصار هو من أفقده حلاوة النصر الذي أحرزه في ( ليبانتو )
يعرفه الاوربيون !ولا يعرفه المسلمون !يعرفه الكافرون !ولا يعرفه المؤمنون !
مجدوا الأقزام !وغمروا الأعلام !
علم من أعلام البحرية الإسلامية في القرن السادس عشر أحد سادات القادة والفاتحين ، أحد الغُرّ الميامين ، إعصار البحر الدامي قلج علي العثماني ، الذي هو حسنة من حسنات ( الإخوة بربروس ) ، وامتدادا لملك البحر المتوسط الوحش الضاري ( طرغود باشا العثماني ) ، فكان الإعصار ( خير خلف لخير سلف ) فرحمة الله عليهم أجمعين هم وجميع قادات وسادات الأمة من العلماء والمجاهدين .
إسلامه ( رحمه الله ) وبداية جهاده في سبيل الله
ــــــــــــــ بعد عدة سنوات أسلم ( قلج علي ) ، وأضاء قلبه بنور الإيمان والإسلام ، فشمر عن ساعد الجد ، وأخذ يستغل أفضل ما عنده من براعة وخبرة في القتال البحري وفنونه ويوظفه لخدمة الإسلام والمسلمين .
وخلال فترة وجيزة ارتقى مناصب رفيعة وعلت مكانته فتولى رئاسة البحارة على سفينة ( علي أحمد ) رئيس ، فازدادت حصته من الغنائم ، ولم يعمد كغيره إلى تبذير أمواله بل جمعها واشترى بها سفينة أخذ يستخدمها في الجهاد ضد النصارى ، وقد ساعده جِدِه وانتظامه على جمع ثروة ضخمة ، فأصبح من كبار الأغنياء ، وقد استغلها للذهاب إلى الشمال الإفريقي وانضم إلى ( حسن بربروس ) وكان من أصدق وأشجع قباطنته .
قلج علي في الجزائر مع ( حسن بربروس )
-ــــــــــــــ أبان فترة ولاية ( حسن بربروس ) للجزائر قام ( رحمه الله ) بتولية قلج علي إمرة تلمسان ، فعرف عنه العزم في تسيير الإدارة والبطولة الحربية والشجاعة ، وتولى قيادة العديد من الحملات المظفرة على اسبانيا وأبلى فيها بلاء حسنا .
قلج علي وطرغود باشا
ـــــــــــ ارتبط ( قلج علي ) بروابط قوية بأمير البحار الأعجوبة ( طرغود باشا ) ، وتشير العديد من المصادر أن ( قلج علي ) صار تلميذا نجيبا ومتميزا جدا لدى طرغود ( رحمه الله ) ، وكان أول ظهور له معه في الديوان الهمايوني كان في سنة ( 1551م ) ، حيث تم تكليف طرغود بشن العديد من الهجمات البحرية على السواحل الإسبانية ، والسواحل التابعة لها .
رافق ( قلج علي ) طرغود باشا في حملاته على صقلية ، وحملته الناجحة على ( مالطة ) والتي استطاع فيها ( رحمه الله ) الاستيلاء على جزيرة ( جوزو ) الملاصقة لها في ( 16 يوليه 1551م ) ، ثم انتقل معه في حملة فتح ( طرابلس الغرب ) والتي نجح فيها من تحرير ( طرابلس ) من أيدي ( فرسان مالطة ) في ( 15 أغسطس 1551م ) .
في سنة ( 1560م ) تولى ( قلج علي ) قيادة الجناح الأيسر للأسطول العثماني وذلك في موقعة جربة البحرية التي سلف الإشارة إليها ، والتي أبلى فيها ( رحمه الله ) بلاء حسنا .
بطولة لا نظير لها في فتح قلعة جربة
ــــــــــــــــــــــــــــــ ظهرت بطولته وتألقت شجاعته في موقعة جربة البرية ، والتي كان له فيها النصيب الأوفر من الإقدام والشجاعة ، وقد أورد ذكر هذه المعركة تفصيلا ( يلماز إيزتونا ) فيما يلي : " طوق بيالة باشا وطرغود باشا قلعة جربة بـ 14 ألف جندي من البر وبالسفن من البحر . كان قد تجمع في القلعة الصليبيون الذين لجئوا مؤخرا و ( 8000 جندي ) من الجنود المسيحيين ، كانوا قد تلقوا أمرا من فيليب بعدم ترك القلعة قبل أن يموت آخر جندي . دام هذا الحصار 63 يوما واستسلمت القلعة في ( 30 يوليو 1560م ) . أطلق الأتراك خلال هذه المدة 12 ألف طلقة مدفع وأكثر من 40 ألف سهم . لقد كانت هذه المعركة إحدى معارك التاريخ الدموية ، وكانت في هذه الحرب قد انقلبت الحرب من حرب قلاع إلى حرب آبار المياه الإرتوازية ، فالطرف الذي يحوز الآبار يكون هو الطرف المنتصر . تمكن ( أولوج علي ) رئيس من حيازة بئر واحدة فقط بعد قتال دموي شديد ، وظلت البقية لدى الأسبان . كان الأتراك لا يجدون الماء بدرجة كافية ، أما المسيحيون فلم يكن لديهم أي مصدر للمياه عدا الآبار . شوهد أسبان جنوا يلجئون من شدة العطش إلى الأتراك . استشهد وجرح بجراحات بليغة 7 قواد سفن ( قبطان ) برتبة عقيد بحري دفعة واحدة . اقتربت الخنادق من بعضها إلى درجة أن الأتراك والأسبان كان يكلم بعضهم بعضا من أماكنهم ، أبدى ( الدون آلفارو ) شجاعة بحيث اقترب من سرادق ( طرغود باشا ) . نفذ توصية مليكه ، فلم يبق عند سقوط القلعة ، شخص واحد حي من جنود الأسبان الذين كان عددهم ( 8000 ) . اسر دون آلفارو لوحده ، كان قد اقترب إلى مسافة بضعة أمتار من سرادق باشا .
كان دون آلفارو قد اشتهر بمعاملته السيئة للجدافة المسلمين ، لذلك فقد حاول الذين كانوا أسرى وجدافة تمزيقه . جعل ( دورمش رئيس ) ربان سفينة الأميرالية ( القيادة العامة ) ليبالة باشا من جسمه سدا لجسم الأميرال ونجاه من الموت " . انتهى كلامه .
في عام ( 1565م ) رافق ( قلج علي ) معلمه ( طرغود باشا ) في الحملة الهمايونية للأسطول العثماني على مالطا ، والتي سبق الإشارة إليها ، ولقد أبلى فيها ( قلج علي ) بلاء حسنا حتى نهايتها ، فلما مات ( طرغود باشا ) عاد قلج علي بجثمانه إلى طرابلس الغرب ودفنه هناك في قبره المعروف حتى الآن وتولى إمرة طرابلس لمدة خمسة شهور حتى أتى الوالي الجديد ( يحيى رئيس ) فتولى زمام الأمور ...
قلج علي بيلرباي الجزائر
ـــــــــــــــــــــــــــ
أصدر السلطان "سليم الثاني" فرمانًا بتعيين "قلج علي" أميرًا (بيلربك) على الجزائر، وذلك خلفًا للأمير السابق "حسن بن خير الدين بربروسا" الذي عين قائدًا عامًا للأساطيل العثمانية، وتم اختيار "قلج علي" لما عرف عنه من العزم في تسيير الإدارة والبطولة الحربية والشجاعة، والعاطفة الإسلامية الجياشة، خاصة نحو مسلمي الأندلس الذين يعانون أشد صنوف العذاب تحت نير البطش الإسبانية.
تشير بعض المراجع إلى أن ( قلج علي ) تولى منصب ( بيلرباي الجزائر ) في عام ( 1565م ) ولكن المشهور انه تولى هذا المنصب في يوليو ( 1568م ) على إثر اصدر السلطان العثماني فرمانا يقضي بتعيين ( قلج علي ) بيلرباي إفريقيا .
عند تولي ( قلج علي ) لهذا المنصب وضع نصب عينيه العديد من المهام والأهداف ، وكان من أهمها عنده تصفية بقايا الجيوب الأسبانية في الشمال الإفريقي ، وضم المغرب للراية العثمانية أو التحالف والتعاون المشترك بينهما ، ومن ثم استرداد الأندلس .
"قلج علي" والمشروع الكبير:
ــــــــــــــــ عندما تولى الأمير "قلج علي" الجزائر، لم يكن حديث عهد بهذه البلاد، بل كان علي دراية تامة وواسعة بأحوال المغرب العربي والأندلس، ودرس تاريخ هذه البلاد جيدًا، واطلع على كثير من خطط وتحركات الإسبان مما جعله يفكر في مشروع كبير وخطير في نفس الوقت، وبه كثير من الطموح الذي قد يقول عنه البعض أنه محض خيال وضرب من ضروب المستحيل، هذا المشروع هو تحرير الشمال الإفريقي كله من الجيوب الصليبية وتوحيد المغرب العربي كله من ليبيا إلى المغرب الأقصى، ثم الانتقال لإعادة دولة الإسلام بالأندلس مرة أخرى كما كانت من قبل، وقطعًا لو عرض هذا المشروع على أكثر الناس تفاؤلًا لقال فورًا: مستحيل، ولكن صاحب الهمة والعزيمة والإرادة الحديدية والتوكل التام على الله عز وجل لا يعرف مستحيلًا.
توحيد المغرب العربي:
ــــــــــــــــــ كان الأمير "قلج علي" ينظر إلى بلاد المغرب نظرة موضوعية وعميقة، فبلاد المغرب تشمل كلًا من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى، أما ليبيا والجزائر فكلاهما ولاية عثمانية، وأما تونس فتحت حكم "الحفصيين"، وأما المغرب الأقصى فتحت حكم "السعديين" وكل من هؤلاء وهؤلاء في ضعف وهوان وخضوع كامل لإمبراطور إسبانيا والبرتغال، لذلك فقد كانت خطة العمل تقتضي البدء من تونس ثم المغرب.
وكان "قلج علي" مهتمًا بشدة بمنطقة شرق الجزائر لاتصالها بتونس، ولكونها ظهر قاعدة الانطلاق في الجزائر، فرأى أن يبدأ بتأمينها، فجهز "قلج علي" جيشًا كبيرًا مؤلفًا من نحو سبعة آلاف مقاتل، وكان الوزير "أبو الطيب الخضار" يعمل عند "الحفصيين"، ولكن يكره أفعالهم وخضوعهم لصليبيي إسبانيا، لذلك فلقد اتصل بالأمير "قلج علي" وسهل له طريق الفتح ويهون عليه أمر "الحفصيين".
وصلت أخبار الهجوم الجزائري على تونس، فجهز سلطان الحفصيين "أبو العباس" جيشًا كبيرًا لصد هذا الهجوم، وبعد قتال عنيف انتصر "قلج علي" على "أبي العباس"، وفتحت تونس وأصبحت ولاية عثمانية، وإن كنت منطقة "حلق الواد" قد ظلت بيد الإسبان، لأن قوات "قلج علي" قد أنهكت في قتالها ضد الحفصيين، ولم تستطع مواصلة القتال مع الإسبان، لكن هذا الفتح أضعف الوجود والتأثير الإسباني بتونس للغاية.
قلج علي ومسلمي الأندلس
ـــــــــــــــــــ بعد سقوط الأندلس في أيدي أسبانيا ، وما حل بالمسلمين من اضطهاد وتعذيب ، وتهجير جماعي ، جرح المسلمون جرحا بليغا وداميا ، كان ولطالما محفزا ومثيرا للدولة العثمانية في حربها ضد إسبانيا بلا هوادة ، ولم تبرم الدولة العثمانية أي معاهدة أو ميثاق معها ، وخير دليل على ذلك هو أن سلاطين وقادة العثمانيين ظلوا يقاتلونها بكل قوتهم برا وبحرا دون راحة أو انقطاع .
وبالرغم من أن الأندلس وسقوطها كان قد مر عليه أكثر من نصف قرن ، إلا أن ذكراها كانت ما تزال حية في نفوس المسلمين ، بسبب الأنباء التي ينقلها اللاجئون والمهاجرون من الأندلس عن المجازر والمظالم التي يتعرض لها المسلمون ، كما أن الغزوات التي كان ينظمها المسلمون على شواطئ أوروبا الجنوبية وعلى ساحل الأندلس خاصة كانت تعزز آمال المسلمين الذين مكثوا بالأندلس ( بعد أن تظاهروا بالتنصر ) في إمكانية استعادة فردوسهم المفقود . خصوصا وأنه في نفس الحقبة التاريخية التي سقطت فيها الأندلس (التي كانت تشكل الجناح الغربي للإمبراطورية الإسلامية ، كانت قد سقطت القسطنطينية معقل النصرانية الشرقية في أيدي المسلمين العثمانيين وكسر الجناح الشرقي لأوروبا ) .
إذن فلا غرابة أن يستمر أمل المسلمين في بذل المحاولات المستمرة من أجل استعادة الأندلس ، لأن عوامل الانهيار المعنوي التي يمكن أن نتخيلها نحن الآن ، ومرور الكثير من القوت قد ضاعف منها ، بالإضافة للحماس الكبير الذي كان يغلب الكثيرين في هذه الفترة وشوقهم وتطلعهم لاستعادة الأندلس وعودتها لحوزة الإسلام .
في ظل الأجواء المظلمة التي يعيش فيها المسلمون في الأندلس ظهر زعيم مسلم يدعى ( محمد بن أمية ) ، قام بتوحيد جهود المسلمين للقيام بثورة شاملة ( جبال البشرات ) ضد الأسبان .
علم البطل من مخابراته وعيونه وعبر قنوات اتصال سرية بينه وبين ثوار الأندلس بترتيبات الثورة ، فشمر عن ساعد الجد من أجل تقديم المساعدة والعون لإخوان العقيدة في استعادة حقهم المغصوب ، فقام بإرسال أسطوله المكون من ( 40 سفينة ) إلى ميناء ( ألمرية ) وتمكن من توصيل قدر كبير من الأسلحة النارية إلى الثوار المسلمون في جبال الأندلس ، واستطاع أن يركب معه الكثير من مسلمي الأندلس الذين استطاعوا الاقتراب من الشاطئ .
لأن الله عز وجل لا يضيع أبدًا أمة الإسلام، وإن أضاعها الخونة والعملاء، فإن الله عز وجل دائمًا يقيض لهذه الأمة، من يعيد لها الأمل، ويبعث فيها نسائم الرجاء، فرغم خيانة "الغالب السعدي" فإن الأمير البطل "قلج علي" قد قام بأعظم الأدوار في إنقاذ مسلمي الأندلس وذلك على شكل الخطوات الآتية:
1- أنشأ قنوات اتصال دائمة مع قادة الثورة في الأندلس، وأشرفت المخابرات العثمانية بنفسها على هذه القنوات.
2- التنسيق مع قادة الثورة في اختيار توقيت الحركة والثورة، وتحديد أماكنها.
3- إنشاء قاعدة انطلاق ثابتة في مدينتي "مستغانم"، و"مازغران" بالجزائر، لتجميع المجاهدين والقوات العسكرية التي ستنطلق إلى الأندلس، وكانت الجيوش المتجمعة في هذه القواعد العسكرية مجهزة بالمدافع والذخائر ومشحونة بآلاف المجاهدين.
4- أعد أسطولًا قويًا مكونًا من أربعين سفينة مليئة بالرجال والسلاح، للهجوم في توقيت معين متفق عليه مع قادة الثورة، لوضع الإسبان في ارتباك وتشتت، ولكن سوء تصرف أحد قادة الثورة، أدى إلى اكتشاف الخطة، وأيضًا قامت زوابع بحرية شديدة أغرقت 32 سفينة من الأسطول.
5- لم ييأس "قلج علي" من فجيعة غرق معظم أسطوله، وعاود الكرة وأنزل هذه المرة أربعة آلاف مجاهد بالسلاح وانضموا لثورة مسلمي الأندلس.
6- أقنع "قلج علي" السلطان "سليم الثاني" بضرورة مواصلة دعم مسلمي الأندلس، وإعانة الثورة، فوافق "سليم الثاني" وأصدر بذلك فرمانًا في 23 شوال 977 هجرية.
وظل "قلج علي" يساعد مسلمي الأندلس ويمدهم بالسلاح وبالرجال ويضغط على القوات الإسبانية في البحر المتوسط وينقل المسلمين الفارين من الاضطهاد الصليبي بالأندلس، حتى إنه قد عزم على الذهاب بنفسه لقيادة الجهاد والثورة هناك، ولكن حدث ما لم يكن في حسبان "قلج علي".
على إثر ذلك قام ( قلج علي ) بإعداد خطة دقيقة لتصفية الجيوب الأسبانية في الجزائر ، في نفس الوقت الذي يدعم فيه الثورة الأندلسية ، لذا ومن اجل التعمية على الأسبان قام ( قلج علي ) بتعبئة 14 ألف جندي عثماني و60 ألف جزائري ووجههم إلى ( مزغران ومستغنام ) التي كان قد وجه إليها قبل ذلك المدفعية وألف وأربعمائة ناقلة محملة بالبارود والذخيرة الحربية ، وذلك من أجل أن يقوم بهجوم منسق ضد القاعدة الاسبانية في وهران ، في نفس الوقت الذي يقود فيه حملة لاحتلال شواطئ الأندلس ، مستغلا أن (الثورة المتوقعة داخل الأندلس في شغل الحاكمين المسيحيين عن وهران وصرف نظرهم عنها .
لكن الأسبان تفطنوا للخطة السرية بسبب عثورهم على مخزن كبير من مخازن السلاح في الأندلس وقاموا بالاستعداد لمواجهاتها، ولذلك أجل ( قلج علي ) تنفيذ تلك الخطة .
على الصعيد الآخر في الأندلس فقد اندلعت الثورة ولكن هذه الثورة فشلت فشلا ذريعا لعلم الأسبان بكافة تفاصيل الثورة قبل وقوعها ، واندلعت ثورة الأندلس المتوقعة في وقت لم يكن فيه ( قلج علي ) ينتظرها ، وبالرغم من المواجهات التي حدثت بين الثوار والأسبان وامتداد الثورة إلى الأجزاء الجنوبية الغربية من أسبانيا ، لكنها فشلت لعدم وجود سند شعبي واسع من الداخل ، بالإضافة إلى عدم وجود حركة خارجية قوية تساندها ، ولم يستطع ( قلج علي ) تقديم المساعدات المنشودة لهبوب عاصفة بحرية شتتت البواخر الحربية فلم يستطع الوصول إلى الشواطئ الأندلسية إلا ست بواخر فقط ، وبذلك ضاعت فرصة ثمينة وغالية لتحرير الأندلس من أيدي الظالمين مرة أخرى وكان أمر الله قدرا مقدورا .
جاء نتيجة استفحال أمر الثورة أن قام ( دون جوان ) الحقير بالعديد من المذابح الدموية التي سالت فيها دماء المسلمين انهارا .
الأسبان كانوا دائما وأبدا متعصبين دمويين ليس ضد المسلمين فقط ، بل كانوا كذلك أيضا ضد رعاياهم من البروتستانت ، فمن أشهر المجازر الوحشية التي ارتكبوها ضد ( البروتستانت ) هي ذبح كل سكان مدينة ( هارليم ) البالغ عددهم ( 15 ألف نسمة ) في سنة ( 1573م ) ، كما قاموا بالقضاء على كل سكان ( دلنز ) البالغ عددهم ( 4 آلاف نسمة ) في سنة ( 1595م ) .
بالرغم من فشل الثورة ، فلم تتوقف مساعدات ( قلج علي ) للأندلسيين ، فلقد استطاع القيام بعملية إنزال ناجحة على السواحل الأندلسية ، عن طريق توغل عدة مئات من جنود البحرية العثمانية ، المدججين بأسلحتهم النارية ، وانضمامهم إلى الثوار الأندلسيين .
في عام ( 1569م ) استطاع ( قلج علي ) القيام بعملية إنزال كبرى على نطاق أوسع ، حيث شملت عدة مئات من جنود البحرية العثمانية الذين توغلوا إلى داخل الأندلس وهم مسلحين بأربعة آلاف بندقية ، ومكلفين بمهمات أخرى ، حتى انضموا إلى الثوار .لم يتوانى ( قلج علي ) في تقديم أي مساعدة أو إعانة لنجدة ودعم الأندلسيين ، فقد وصل الأمر به ( رحمه الله ) أنه اخذ يستعد استعدادا كبيرا وكله عزم على المسير إلى الأندلس بنفسه على رأس قوات ضخمة لتحريرها لولا أن قضاء ( الله عز وجل ) كان قد نفذ ، فقد أرسل إليه السلطان ( سليم الثاني ) يستدعيه لكي يشارك مع الأسطول العثماني لدفع الهجوم الكبير الذي كانت تعده أوروبا النصرانية ضد الدولة العثمانية .
قلج علي وتـــونــــــــــــــس
ـــــــــــــــــ اشرت سابقا أن ( خير الدين بربروس ) قام بفتح تونس في عام ( 1534م ) ، واستطاع تحريرها من أيدي الأسبان ، وطرد السلطان الحفصي منها ، ولكن هذا الأخير ارتمى في أحضان الأسبان وطلب مساعدة مليكهم ( شارل كوينت ) من اجل إخراج العثمانيين منها ، ولبى ملك اسبانيا دعوة السلطان الحفصي واستطاع أن يسترد تونس مرة أخرى من أيدي ( خير الدين بربروس ) الذي انسحب منها وهو في غاية الألم بعد أن لعبت الخيانة دورها في فقده لتونس .
منذ هذا التاريخ وشعب تونس يعاني من ( ظلم الأسبان – الحفصيين العملاء ) ، مما أدى إلى قيام الأعيان والوجهاء بالقدوم إلى استانبول وعرض شكواهم بعد استراحتهم في الديوان عام ( 1563م ) .
- طالب سكان تونس السلطان العثماني بإرسال جيوش الإسلام لطرد السلطان الحفصي الخائن ، والحامية الأسبانية المتمركزة في تونس ، خصوصا وقد لمس التونسيين وشاهدوا جميع مدن الشمال الإفريقي الخاضعة لسلطان ( آل عثمان ) وعلى رأسهم الجزائر التي قد بلغت حد من الغنى والرقي والأمن لم يسبق وأن وصلت إليه هذه البلاد تحت إدارة إسلامية منذ الفتح الإسلامي لهذه المناطق .
قلج علي يسترد تونس مرة أخرى ( 1569م )
ـــــــــــــــــــــ على إثر ذلك وفي ( سبتمبر 1569م ) قام ( قلج علي ) بترك وكيلا عنه في الجزائر ، وقام بالمسير إلى تونس على رأس ( 5 آلاف جندي تركي – 6 آلاف جندي عربي ) ، فخرج لمواجهته السلطان الحفصي في جيش كثيف قوامه ( 30 ألف جندي ) لملاقاته ، ويشاء ( المولى عز وجل ) أنه لما تلاقى الجيشان للقتال ، قام أفراد جيش الحفصيين بالانضمام إلى جيش ( قلج علي ) ولله الحمد والمنة .- لما رأى السلطان الحفصي ذلك قام بالفرار والاحتماء بالحماية الأسبانية المتمركزة في ( حلق الواد ) ، فدخل ( قلج علي ) مدينة تونس بكل سهولة ، واستخلف احد قواده ويدعى ( رمضان باشا ) في المدينة واليا عليها ومعه حامية مكونة من ( 3 آلاف جندي ) للدفاع عن المدينة .
نظرا لعدم تطور الأعمال القتالية واستثمار الفوز ، تمكن السلطان الحفصي مدفوعا بالأسبان من طرد ( رمضان باشا ) والحامية العثمانية ، فتراجع ( رمضان باشا ) إلى القيروان واستقر بها بعيدا عن سلطان الأسبان ، والسلطان الحفصي .
موقف للتاريخ
ــــــــــــ طلبت الملكة ( اليزابث ) في رسالتها إلى السلطان ( مراد الثالث ) مساعدته ضد الكاثوليك الذين سمتهم ” عبدة الأصنام ” وذكرت أن عبادة التصاوير في المذهب البروتستانتي ممنوعة كما في الدين الإسلامي ، فكتب السلطان إليها في خطابه الذي حرره سنة ( 1580م ) للملكة : ” وأنتم كذلك عليكم بالطاعة والانقياد للباب العالي ” ووعدها بالمساعدة المالية والعسكرية .
,,,, لم تكتف ملكة انجلترا بهذا الخطاب وقامت بإرسال العديد من الخطابات تطلب فيها المساعدة إلى الوزراء العظام ( سنان باشا – سيواش باشا ) ، وناظر البحرية ( قلج علي باشا ) .
زار السفير الإنجليزي ( سير ويليام هوربورن ) قلج علي في مقامه في سفينة الأميرالية ( 16 ابريل 1584م ) ، وقبل يد قائد القوات البحرية وسلمه كتاب الملكة . ( يورد السفير في تقريره السياسي تعجبه من طلاء سفينته الباشا من الخارج والداخل بطلاء الذهب ) أجابه الباشا بأنه سوف يقدم لانجلترا المساعدة القصوى التي يعينها الديوان
ـــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق - 11-121-2018
اسـمـــه ومـــولـــده
ــــــــــــــــ
قلْج عَلِيّ بَاشَا واسمه الاصلى " جيوفاني ديونيدجى غاللينى (1519 - 21 يونيو 1587) من رجال البحر العثمانيين من أصلِ إيطاليِ ، اعتنق الإسلام وأصبحَ من رياس البحر العثمانيين ثم قبودان بحرى للأسطولِ العُثمانيِ في القرن السادس عشرِ. عُرِفَ أيضاً بعِدّة أسماء أخرى في البلدانِ المسيحيةِ المطلة على البحر الأبيض المتوسط، كما ظهر في الأدبِ أيضاً تحت أسماءِ مُخْتَلِفةِ. فقد عرفً في إيطاليا تحت اسم Occhiali ، ودعاه ميجيل دي سرفانتس Uchali في روايته دون كيشوت .[1][2][3] كما سماه جون ولف في كتابه "الساحل البربرى" Ali Euldj
حياته المبكرة
ـــــــــــــــ ولد اولوج على لاحد رجال البحر الإيطاليين بمدينة كالابريا بجنوب إيطاليا , كانت رغبة والده ان يتلقى تعليما دينيا ولكنه أسر في العام 1536 على يد "على أحمد" أحد رجال خير الدين بارباروسا حيث عمل مجدفا على ظهرأحد القوادس . بعد اعتناقه الإسلام وباعتباره من رجال البحر المهرة ترقى اولوج على في الرتبة وبحصوله على المزيد من الغنائم اصبح شريكا في سفينة من سفن الجهاد في الجزائر وفى وقت لاحق وباعتباره من أشجع رياس البحر انضم اولوج على إلى طورغود باشا الذي كان يبث الرعب في قلوب البلدان المسيحية المطلة على البحر المتوسط والذي كان أيضا حاكما لـ طرابلس الغرب . أعجب أمير البحر بيالى باشا بالنجاحات التي حققها اولوج على فتم تسليمه حكم جزيرة ساموس في بحر ايجة في العام 1550 وفى العام 1565 تم تعيينه حاكما عاما لمدينة الإسكندرية , وفي نفس العام انضم إلى الأسطول العثمانى المصري المحاصر لـ مالطا . وبعد مقتل طورغود باشا اثناء الحصار تم تعيينه خلفا له في حكم طرابلس الغرب حيث حمل جثمان طورغود وقام بدفنه في طرابلس حيث تم تثبيته حاكما عليها بقرار من السلطان سليمان القانوني. حيث قام في الأعوام اللاحقة بعديد الغارات على سواحل صقلية – كالابريا .
يعد ( قلج علي ) احد أهم وأبرز البحارة العثمانيون الذين تألقوا وسطع نجمهم في القرن السادس عشر الميلادي ، كان اسمه ( أولوج علي ) ، ثم سماه السلطان ( سليم الثاني ) بـ ( قيليج علي ) أي السيف القاطع ، وعرف بأسماء أخرى في الدول النصرانية المطلة على البحر المتوسط ، خصوصا في بعض الكتابات الأوروبية بـ ( أوش علي ) ، ودعاه الآخرون بـ ( بوش علي ) ، و ( علي باشا ) ، وبالتركية يطلق عليه ( قلدج ) بضم القاف وتعطيش الجيم مع الشدة والقلقلة ، ويسمى بالعربية ( قلج علي ) .
ولد ( رحمه الله ) في سنة ( 1507م ) في قرية ( كاستيلا ) الواقعة في كلابريا بجنوب إيطاليا لأب وأم نصرانيين .
نـشـــأتـــــــه
ـــــــــــــــ أراد أبوه أن يعلمه تعليما دينيا بحتا حتى يصير قسيسا ، ولكن الله قدر له شيئا آخر ، فعند بلوغ ( قلج علي ) العاشرة من عمره تقريبا ، وأثناء قيام ( خير الدين بربروس ) بإحدى غاراته على سواحل جنوب إيطاليا ، وقع ( قلج علي ) في الأسر فيما بين ( سنة 1524م – 1528م ) ، وعند توزيع الغنائم وقع في سهم ( علي أحمد رئيس ) ، فاشتغل في البواخر الإسلامية مجدفا ككل الأسرى والعبيد النصارى ، وكان زملاؤه يسخرون منه ويلقبونه بينهم بالفرطاس لصلع كان في رأسه ، ومنذ سنة ( 931هـ - 935هـ / 1524م ) ظل ( قلج علي ) يربى في دار ( علي أحمد ) رئيس ، واعتنى به الرجل عناية خاصة ، مما جعله منذ طفولته مولعا بالبحار وحب المغامرات .
حسنة من حسنات خير الدين بربروس "" تلميذ ملك البحر المتوسط طرغود باشا "
آخر البحارة العظماء في القرن الـ 16م "" عاش ومات وعينيه وقلبه مصوبين تجاه الأندلس "سلوا عنه الجزائر الأبية إسبانيا البحر المتوسط بأسره بجميع شواطئه وجميع موانيه وجميع جزره ، بل كل صخرة فيه ...الفرنسيين ، الإيطاليين ، اليونانيين ، بل كل أوروبا ليبيا بأسرها ، تونس الخضراء ، بل الشمال الإفريقي كله ...شارل كوينت إمبراطور اسبانيا يعرفه جيدا فلطالما نكل بجنوده ودحر قواده
فيليب الثاني إمبراطور اسبانيا الهالك يعرفه جيدا فلطالما لم يعرف طعم الراحة ولإعصار يعصف بأساطيله ...ملكة انجلترا تعرفه جيدا ، وكيف لا وهي من طلبت معونة الإعصار للتصدي لتهديدات الأسطول الأسباني لانجلترا
دون جوان قائد البحرية الصليبية وخليفة دورا يعرفه حق المعرفة ، وكيف لا والإعصار هو من أفقده حلاوة النصر الذي أحرزه في ( ليبانتو )
يعرفه الاوربيون !ولا يعرفه المسلمون !يعرفه الكافرون !ولا يعرفه المؤمنون !
مجدوا الأقزام !وغمروا الأعلام !
علم من أعلام البحرية الإسلامية في القرن السادس عشر أحد سادات القادة والفاتحين ، أحد الغُرّ الميامين ، إعصار البحر الدامي قلج علي العثماني ، الذي هو حسنة من حسنات ( الإخوة بربروس ) ، وامتدادا لملك البحر المتوسط الوحش الضاري ( طرغود باشا العثماني ) ، فكان الإعصار ( خير خلف لخير سلف ) فرحمة الله عليهم أجمعين هم وجميع قادات وسادات الأمة من العلماء والمجاهدين .
إسلامه ( رحمه الله ) وبداية جهاده في سبيل الله
ــــــــــــــ بعد عدة سنوات أسلم ( قلج علي ) ، وأضاء قلبه بنور الإيمان والإسلام ، فشمر عن ساعد الجد ، وأخذ يستغل أفضل ما عنده من براعة وخبرة في القتال البحري وفنونه ويوظفه لخدمة الإسلام والمسلمين .
وخلال فترة وجيزة ارتقى مناصب رفيعة وعلت مكانته فتولى رئاسة البحارة على سفينة ( علي أحمد ) رئيس ، فازدادت حصته من الغنائم ، ولم يعمد كغيره إلى تبذير أمواله بل جمعها واشترى بها سفينة أخذ يستخدمها في الجهاد ضد النصارى ، وقد ساعده جِدِه وانتظامه على جمع ثروة ضخمة ، فأصبح من كبار الأغنياء ، وقد استغلها للذهاب إلى الشمال الإفريقي وانضم إلى ( حسن بربروس ) وكان من أصدق وأشجع قباطنته .
قلج علي في الجزائر مع ( حسن بربروس )
-ــــــــــــــ أبان فترة ولاية ( حسن بربروس ) للجزائر قام ( رحمه الله ) بتولية قلج علي إمرة تلمسان ، فعرف عنه العزم في تسيير الإدارة والبطولة الحربية والشجاعة ، وتولى قيادة العديد من الحملات المظفرة على اسبانيا وأبلى فيها بلاء حسنا .
قلج علي وطرغود باشا
ـــــــــــ ارتبط ( قلج علي ) بروابط قوية بأمير البحار الأعجوبة ( طرغود باشا ) ، وتشير العديد من المصادر أن ( قلج علي ) صار تلميذا نجيبا ومتميزا جدا لدى طرغود ( رحمه الله ) ، وكان أول ظهور له معه في الديوان الهمايوني كان في سنة ( 1551م ) ، حيث تم تكليف طرغود بشن العديد من الهجمات البحرية على السواحل الإسبانية ، والسواحل التابعة لها .
رافق ( قلج علي ) طرغود باشا في حملاته على صقلية ، وحملته الناجحة على ( مالطة ) والتي استطاع فيها ( رحمه الله ) الاستيلاء على جزيرة ( جوزو ) الملاصقة لها في ( 16 يوليه 1551م ) ، ثم انتقل معه في حملة فتح ( طرابلس الغرب ) والتي نجح فيها من تحرير ( طرابلس ) من أيدي ( فرسان مالطة ) في ( 15 أغسطس 1551م ) .
في سنة ( 1560م ) تولى ( قلج علي ) قيادة الجناح الأيسر للأسطول العثماني وذلك في موقعة جربة البحرية التي سلف الإشارة إليها ، والتي أبلى فيها ( رحمه الله ) بلاء حسنا .
بطولة لا نظير لها في فتح قلعة جربة
ــــــــــــــــــــــــــــــ ظهرت بطولته وتألقت شجاعته في موقعة جربة البرية ، والتي كان له فيها النصيب الأوفر من الإقدام والشجاعة ، وقد أورد ذكر هذه المعركة تفصيلا ( يلماز إيزتونا ) فيما يلي : " طوق بيالة باشا وطرغود باشا قلعة جربة بـ 14 ألف جندي من البر وبالسفن من البحر . كان قد تجمع في القلعة الصليبيون الذين لجئوا مؤخرا و ( 8000 جندي ) من الجنود المسيحيين ، كانوا قد تلقوا أمرا من فيليب بعدم ترك القلعة قبل أن يموت آخر جندي . دام هذا الحصار 63 يوما واستسلمت القلعة في ( 30 يوليو 1560م ) . أطلق الأتراك خلال هذه المدة 12 ألف طلقة مدفع وأكثر من 40 ألف سهم . لقد كانت هذه المعركة إحدى معارك التاريخ الدموية ، وكانت في هذه الحرب قد انقلبت الحرب من حرب قلاع إلى حرب آبار المياه الإرتوازية ، فالطرف الذي يحوز الآبار يكون هو الطرف المنتصر . تمكن ( أولوج علي ) رئيس من حيازة بئر واحدة فقط بعد قتال دموي شديد ، وظلت البقية لدى الأسبان . كان الأتراك لا يجدون الماء بدرجة كافية ، أما المسيحيون فلم يكن لديهم أي مصدر للمياه عدا الآبار . شوهد أسبان جنوا يلجئون من شدة العطش إلى الأتراك . استشهد وجرح بجراحات بليغة 7 قواد سفن ( قبطان ) برتبة عقيد بحري دفعة واحدة . اقتربت الخنادق من بعضها إلى درجة أن الأتراك والأسبان كان يكلم بعضهم بعضا من أماكنهم ، أبدى ( الدون آلفارو ) شجاعة بحيث اقترب من سرادق ( طرغود باشا ) . نفذ توصية مليكه ، فلم يبق عند سقوط القلعة ، شخص واحد حي من جنود الأسبان الذين كان عددهم ( 8000 ) . اسر دون آلفارو لوحده ، كان قد اقترب إلى مسافة بضعة أمتار من سرادق باشا .
كان دون آلفارو قد اشتهر بمعاملته السيئة للجدافة المسلمين ، لذلك فقد حاول الذين كانوا أسرى وجدافة تمزيقه . جعل ( دورمش رئيس ) ربان سفينة الأميرالية ( القيادة العامة ) ليبالة باشا من جسمه سدا لجسم الأميرال ونجاه من الموت " . انتهى كلامه .
في عام ( 1565م ) رافق ( قلج علي ) معلمه ( طرغود باشا ) في الحملة الهمايونية للأسطول العثماني على مالطا ، والتي سبق الإشارة إليها ، ولقد أبلى فيها ( قلج علي ) بلاء حسنا حتى نهايتها ، فلما مات ( طرغود باشا ) عاد قلج علي بجثمانه إلى طرابلس الغرب ودفنه هناك في قبره المعروف حتى الآن وتولى إمرة طرابلس لمدة خمسة شهور حتى أتى الوالي الجديد ( يحيى رئيس ) فتولى زمام الأمور ...
قلج علي بيلرباي الجزائر
ـــــــــــــــــــــــــــ
أصدر السلطان "سليم الثاني" فرمانًا بتعيين "قلج علي" أميرًا (بيلربك) على الجزائر، وذلك خلفًا للأمير السابق "حسن بن خير الدين بربروسا" الذي عين قائدًا عامًا للأساطيل العثمانية، وتم اختيار "قلج علي" لما عرف عنه من العزم في تسيير الإدارة والبطولة الحربية والشجاعة، والعاطفة الإسلامية الجياشة، خاصة نحو مسلمي الأندلس الذين يعانون أشد صنوف العذاب تحت نير البطش الإسبانية.
تشير بعض المراجع إلى أن ( قلج علي ) تولى منصب ( بيلرباي الجزائر ) في عام ( 1565م ) ولكن المشهور انه تولى هذا المنصب في يوليو ( 1568م ) على إثر اصدر السلطان العثماني فرمانا يقضي بتعيين ( قلج علي ) بيلرباي إفريقيا .
عند تولي ( قلج علي ) لهذا المنصب وضع نصب عينيه العديد من المهام والأهداف ، وكان من أهمها عنده تصفية بقايا الجيوب الأسبانية في الشمال الإفريقي ، وضم المغرب للراية العثمانية أو التحالف والتعاون المشترك بينهما ، ومن ثم استرداد الأندلس .
"قلج علي" والمشروع الكبير:
ــــــــــــــــ عندما تولى الأمير "قلج علي" الجزائر، لم يكن حديث عهد بهذه البلاد، بل كان علي دراية تامة وواسعة بأحوال المغرب العربي والأندلس، ودرس تاريخ هذه البلاد جيدًا، واطلع على كثير من خطط وتحركات الإسبان مما جعله يفكر في مشروع كبير وخطير في نفس الوقت، وبه كثير من الطموح الذي قد يقول عنه البعض أنه محض خيال وضرب من ضروب المستحيل، هذا المشروع هو تحرير الشمال الإفريقي كله من الجيوب الصليبية وتوحيد المغرب العربي كله من ليبيا إلى المغرب الأقصى، ثم الانتقال لإعادة دولة الإسلام بالأندلس مرة أخرى كما كانت من قبل، وقطعًا لو عرض هذا المشروع على أكثر الناس تفاؤلًا لقال فورًا: مستحيل، ولكن صاحب الهمة والعزيمة والإرادة الحديدية والتوكل التام على الله عز وجل لا يعرف مستحيلًا.
توحيد المغرب العربي:
ــــــــــــــــــ كان الأمير "قلج علي" ينظر إلى بلاد المغرب نظرة موضوعية وعميقة، فبلاد المغرب تشمل كلًا من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى، أما ليبيا والجزائر فكلاهما ولاية عثمانية، وأما تونس فتحت حكم "الحفصيين"، وأما المغرب الأقصى فتحت حكم "السعديين" وكل من هؤلاء وهؤلاء في ضعف وهوان وخضوع كامل لإمبراطور إسبانيا والبرتغال، لذلك فقد كانت خطة العمل تقتضي البدء من تونس ثم المغرب.
وكان "قلج علي" مهتمًا بشدة بمنطقة شرق الجزائر لاتصالها بتونس، ولكونها ظهر قاعدة الانطلاق في الجزائر، فرأى أن يبدأ بتأمينها، فجهز "قلج علي" جيشًا كبيرًا مؤلفًا من نحو سبعة آلاف مقاتل، وكان الوزير "أبو الطيب الخضار" يعمل عند "الحفصيين"، ولكن يكره أفعالهم وخضوعهم لصليبيي إسبانيا، لذلك فلقد اتصل بالأمير "قلج علي" وسهل له طريق الفتح ويهون عليه أمر "الحفصيين".
وصلت أخبار الهجوم الجزائري على تونس، فجهز سلطان الحفصيين "أبو العباس" جيشًا كبيرًا لصد هذا الهجوم، وبعد قتال عنيف انتصر "قلج علي" على "أبي العباس"، وفتحت تونس وأصبحت ولاية عثمانية، وإن كنت منطقة "حلق الواد" قد ظلت بيد الإسبان، لأن قوات "قلج علي" قد أنهكت في قتالها ضد الحفصيين، ولم تستطع مواصلة القتال مع الإسبان، لكن هذا الفتح أضعف الوجود والتأثير الإسباني بتونس للغاية.
قلج علي ومسلمي الأندلس
ـــــــــــــــــــ بعد سقوط الأندلس في أيدي أسبانيا ، وما حل بالمسلمين من اضطهاد وتعذيب ، وتهجير جماعي ، جرح المسلمون جرحا بليغا وداميا ، كان ولطالما محفزا ومثيرا للدولة العثمانية في حربها ضد إسبانيا بلا هوادة ، ولم تبرم الدولة العثمانية أي معاهدة أو ميثاق معها ، وخير دليل على ذلك هو أن سلاطين وقادة العثمانيين ظلوا يقاتلونها بكل قوتهم برا وبحرا دون راحة أو انقطاع .
وبالرغم من أن الأندلس وسقوطها كان قد مر عليه أكثر من نصف قرن ، إلا أن ذكراها كانت ما تزال حية في نفوس المسلمين ، بسبب الأنباء التي ينقلها اللاجئون والمهاجرون من الأندلس عن المجازر والمظالم التي يتعرض لها المسلمون ، كما أن الغزوات التي كان ينظمها المسلمون على شواطئ أوروبا الجنوبية وعلى ساحل الأندلس خاصة كانت تعزز آمال المسلمين الذين مكثوا بالأندلس ( بعد أن تظاهروا بالتنصر ) في إمكانية استعادة فردوسهم المفقود . خصوصا وأنه في نفس الحقبة التاريخية التي سقطت فيها الأندلس (التي كانت تشكل الجناح الغربي للإمبراطورية الإسلامية ، كانت قد سقطت القسطنطينية معقل النصرانية الشرقية في أيدي المسلمين العثمانيين وكسر الجناح الشرقي لأوروبا ) .
إذن فلا غرابة أن يستمر أمل المسلمين في بذل المحاولات المستمرة من أجل استعادة الأندلس ، لأن عوامل الانهيار المعنوي التي يمكن أن نتخيلها نحن الآن ، ومرور الكثير من القوت قد ضاعف منها ، بالإضافة للحماس الكبير الذي كان يغلب الكثيرين في هذه الفترة وشوقهم وتطلعهم لاستعادة الأندلس وعودتها لحوزة الإسلام .
في ظل الأجواء المظلمة التي يعيش فيها المسلمون في الأندلس ظهر زعيم مسلم يدعى ( محمد بن أمية ) ، قام بتوحيد جهود المسلمين للقيام بثورة شاملة ( جبال البشرات ) ضد الأسبان .
علم البطل من مخابراته وعيونه وعبر قنوات اتصال سرية بينه وبين ثوار الأندلس بترتيبات الثورة ، فشمر عن ساعد الجد من أجل تقديم المساعدة والعون لإخوان العقيدة في استعادة حقهم المغصوب ، فقام بإرسال أسطوله المكون من ( 40 سفينة ) إلى ميناء ( ألمرية ) وتمكن من توصيل قدر كبير من الأسلحة النارية إلى الثوار المسلمون في جبال الأندلس ، واستطاع أن يركب معه الكثير من مسلمي الأندلس الذين استطاعوا الاقتراب من الشاطئ .
لأن الله عز وجل لا يضيع أبدًا أمة الإسلام، وإن أضاعها الخونة والعملاء، فإن الله عز وجل دائمًا يقيض لهذه الأمة، من يعيد لها الأمل، ويبعث فيها نسائم الرجاء، فرغم خيانة "الغالب السعدي" فإن الأمير البطل "قلج علي" قد قام بأعظم الأدوار في إنقاذ مسلمي الأندلس وذلك على شكل الخطوات الآتية:
1- أنشأ قنوات اتصال دائمة مع قادة الثورة في الأندلس، وأشرفت المخابرات العثمانية بنفسها على هذه القنوات.
2- التنسيق مع قادة الثورة في اختيار توقيت الحركة والثورة، وتحديد أماكنها.
3- إنشاء قاعدة انطلاق ثابتة في مدينتي "مستغانم"، و"مازغران" بالجزائر، لتجميع المجاهدين والقوات العسكرية التي ستنطلق إلى الأندلس، وكانت الجيوش المتجمعة في هذه القواعد العسكرية مجهزة بالمدافع والذخائر ومشحونة بآلاف المجاهدين.
4- أعد أسطولًا قويًا مكونًا من أربعين سفينة مليئة بالرجال والسلاح، للهجوم في توقيت معين متفق عليه مع قادة الثورة، لوضع الإسبان في ارتباك وتشتت، ولكن سوء تصرف أحد قادة الثورة، أدى إلى اكتشاف الخطة، وأيضًا قامت زوابع بحرية شديدة أغرقت 32 سفينة من الأسطول.
5- لم ييأس "قلج علي" من فجيعة غرق معظم أسطوله، وعاود الكرة وأنزل هذه المرة أربعة آلاف مجاهد بالسلاح وانضموا لثورة مسلمي الأندلس.
6- أقنع "قلج علي" السلطان "سليم الثاني" بضرورة مواصلة دعم مسلمي الأندلس، وإعانة الثورة، فوافق "سليم الثاني" وأصدر بذلك فرمانًا في 23 شوال 977 هجرية.
وظل "قلج علي" يساعد مسلمي الأندلس ويمدهم بالسلاح وبالرجال ويضغط على القوات الإسبانية في البحر المتوسط وينقل المسلمين الفارين من الاضطهاد الصليبي بالأندلس، حتى إنه قد عزم على الذهاب بنفسه لقيادة الجهاد والثورة هناك، ولكن حدث ما لم يكن في حسبان "قلج علي".
على إثر ذلك قام ( قلج علي ) بإعداد خطة دقيقة لتصفية الجيوب الأسبانية في الجزائر ، في نفس الوقت الذي يدعم فيه الثورة الأندلسية ، لذا ومن اجل التعمية على الأسبان قام ( قلج علي ) بتعبئة 14 ألف جندي عثماني و60 ألف جزائري ووجههم إلى ( مزغران ومستغنام ) التي كان قد وجه إليها قبل ذلك المدفعية وألف وأربعمائة ناقلة محملة بالبارود والذخيرة الحربية ، وذلك من أجل أن يقوم بهجوم منسق ضد القاعدة الاسبانية في وهران ، في نفس الوقت الذي يقود فيه حملة لاحتلال شواطئ الأندلس ، مستغلا أن (الثورة المتوقعة داخل الأندلس في شغل الحاكمين المسيحيين عن وهران وصرف نظرهم عنها .
لكن الأسبان تفطنوا للخطة السرية بسبب عثورهم على مخزن كبير من مخازن السلاح في الأندلس وقاموا بالاستعداد لمواجهاتها، ولذلك أجل ( قلج علي ) تنفيذ تلك الخطة .
على الصعيد الآخر في الأندلس فقد اندلعت الثورة ولكن هذه الثورة فشلت فشلا ذريعا لعلم الأسبان بكافة تفاصيل الثورة قبل وقوعها ، واندلعت ثورة الأندلس المتوقعة في وقت لم يكن فيه ( قلج علي ) ينتظرها ، وبالرغم من المواجهات التي حدثت بين الثوار والأسبان وامتداد الثورة إلى الأجزاء الجنوبية الغربية من أسبانيا ، لكنها فشلت لعدم وجود سند شعبي واسع من الداخل ، بالإضافة إلى عدم وجود حركة خارجية قوية تساندها ، ولم يستطع ( قلج علي ) تقديم المساعدات المنشودة لهبوب عاصفة بحرية شتتت البواخر الحربية فلم يستطع الوصول إلى الشواطئ الأندلسية إلا ست بواخر فقط ، وبذلك ضاعت فرصة ثمينة وغالية لتحرير الأندلس من أيدي الظالمين مرة أخرى وكان أمر الله قدرا مقدورا .
جاء نتيجة استفحال أمر الثورة أن قام ( دون جوان ) الحقير بالعديد من المذابح الدموية التي سالت فيها دماء المسلمين انهارا .
الأسبان كانوا دائما وأبدا متعصبين دمويين ليس ضد المسلمين فقط ، بل كانوا كذلك أيضا ضد رعاياهم من البروتستانت ، فمن أشهر المجازر الوحشية التي ارتكبوها ضد ( البروتستانت ) هي ذبح كل سكان مدينة ( هارليم ) البالغ عددهم ( 15 ألف نسمة ) في سنة ( 1573م ) ، كما قاموا بالقضاء على كل سكان ( دلنز ) البالغ عددهم ( 4 آلاف نسمة ) في سنة ( 1595م ) .
بالرغم من فشل الثورة ، فلم تتوقف مساعدات ( قلج علي ) للأندلسيين ، فلقد استطاع القيام بعملية إنزال ناجحة على السواحل الأندلسية ، عن طريق توغل عدة مئات من جنود البحرية العثمانية ، المدججين بأسلحتهم النارية ، وانضمامهم إلى الثوار الأندلسيين .
في عام ( 1569م ) استطاع ( قلج علي ) القيام بعملية إنزال كبرى على نطاق أوسع ، حيث شملت عدة مئات من جنود البحرية العثمانية الذين توغلوا إلى داخل الأندلس وهم مسلحين بأربعة آلاف بندقية ، ومكلفين بمهمات أخرى ، حتى انضموا إلى الثوار .لم يتوانى ( قلج علي ) في تقديم أي مساعدة أو إعانة لنجدة ودعم الأندلسيين ، فقد وصل الأمر به ( رحمه الله ) أنه اخذ يستعد استعدادا كبيرا وكله عزم على المسير إلى الأندلس بنفسه على رأس قوات ضخمة لتحريرها لولا أن قضاء ( الله عز وجل ) كان قد نفذ ، فقد أرسل إليه السلطان ( سليم الثاني ) يستدعيه لكي يشارك مع الأسطول العثماني لدفع الهجوم الكبير الذي كانت تعده أوروبا النصرانية ضد الدولة العثمانية .
قلج علي وتـــونــــــــــــــس
ـــــــــــــــــ اشرت سابقا أن ( خير الدين بربروس ) قام بفتح تونس في عام ( 1534م ) ، واستطاع تحريرها من أيدي الأسبان ، وطرد السلطان الحفصي منها ، ولكن هذا الأخير ارتمى في أحضان الأسبان وطلب مساعدة مليكهم ( شارل كوينت ) من اجل إخراج العثمانيين منها ، ولبى ملك اسبانيا دعوة السلطان الحفصي واستطاع أن يسترد تونس مرة أخرى من أيدي ( خير الدين بربروس ) الذي انسحب منها وهو في غاية الألم بعد أن لعبت الخيانة دورها في فقده لتونس .
منذ هذا التاريخ وشعب تونس يعاني من ( ظلم الأسبان – الحفصيين العملاء ) ، مما أدى إلى قيام الأعيان والوجهاء بالقدوم إلى استانبول وعرض شكواهم بعد استراحتهم في الديوان عام ( 1563م ) .
- طالب سكان تونس السلطان العثماني بإرسال جيوش الإسلام لطرد السلطان الحفصي الخائن ، والحامية الأسبانية المتمركزة في تونس ، خصوصا وقد لمس التونسيين وشاهدوا جميع مدن الشمال الإفريقي الخاضعة لسلطان ( آل عثمان ) وعلى رأسهم الجزائر التي قد بلغت حد من الغنى والرقي والأمن لم يسبق وأن وصلت إليه هذه البلاد تحت إدارة إسلامية منذ الفتح الإسلامي لهذه المناطق .
قلج علي يسترد تونس مرة أخرى ( 1569م )
ـــــــــــــــــــــ على إثر ذلك وفي ( سبتمبر 1569م ) قام ( قلج علي ) بترك وكيلا عنه في الجزائر ، وقام بالمسير إلى تونس على رأس ( 5 آلاف جندي تركي – 6 آلاف جندي عربي ) ، فخرج لمواجهته السلطان الحفصي في جيش كثيف قوامه ( 30 ألف جندي ) لملاقاته ، ويشاء ( المولى عز وجل ) أنه لما تلاقى الجيشان للقتال ، قام أفراد جيش الحفصيين بالانضمام إلى جيش ( قلج علي ) ولله الحمد والمنة .- لما رأى السلطان الحفصي ذلك قام بالفرار والاحتماء بالحماية الأسبانية المتمركزة في ( حلق الواد ) ، فدخل ( قلج علي ) مدينة تونس بكل سهولة ، واستخلف احد قواده ويدعى ( رمضان باشا ) في المدينة واليا عليها ومعه حامية مكونة من ( 3 آلاف جندي ) للدفاع عن المدينة .
نظرا لعدم تطور الأعمال القتالية واستثمار الفوز ، تمكن السلطان الحفصي مدفوعا بالأسبان من طرد ( رمضان باشا ) والحامية العثمانية ، فتراجع ( رمضان باشا ) إلى القيروان واستقر بها بعيدا عن سلطان الأسبان ، والسلطان الحفصي .
موقف للتاريخ
ــــــــــــ طلبت الملكة ( اليزابث ) في رسالتها إلى السلطان ( مراد الثالث ) مساعدته ضد الكاثوليك الذين سمتهم ” عبدة الأصنام ” وذكرت أن عبادة التصاوير في المذهب البروتستانتي ممنوعة كما في الدين الإسلامي ، فكتب السلطان إليها في خطابه الذي حرره سنة ( 1580م ) للملكة : ” وأنتم كذلك عليكم بالطاعة والانقياد للباب العالي ” ووعدها بالمساعدة المالية والعسكرية .
,,,, لم تكتف ملكة انجلترا بهذا الخطاب وقامت بإرسال العديد من الخطابات تطلب فيها المساعدة إلى الوزراء العظام ( سنان باشا – سيواش باشا ) ، وناظر البحرية ( قلج علي باشا ) .
زار السفير الإنجليزي ( سير ويليام هوربورن ) قلج علي في مقامه في سفينة الأميرالية ( 16 ابريل 1584م ) ، وقبل يد قائد القوات البحرية وسلمه كتاب الملكة . ( يورد السفير في تقريره السياسي تعجبه من طلاء سفينته الباشا من الخارج والداخل بطلاء الذهب ) أجابه الباشا بأنه سوف يقدم لانجلترا المساعدة القصوى التي يعينها الديوان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق