الجمعة، 14 ديسمبر 2018

مجلة انكمدو العربي للثقافة والأدب // من اوراق الحرب // كُتب بمداد الشاعر د. عبد الجبار الفياض // العراق

(( من أوراق الحرب ))
غُرابٌ
فرغَ من مراسمِ دَفنِ أخيه 
لعلَّ نعيبَهُ أصدقُ من ندمِ قابيلَ !
يَرثي ليلاً مشلولَ السّاقين
في عيونِ وسائدِه 
أحلامٌ 
أماتَها نزَقٌ في قلوبٍ ميّتة
سرقتْ لياليَ دجلةَ
كما سَلبتْ من قبلِها ثيابَ الفرات . . . 
. . . . .
نرام سين ١
أيُّها الملكُ العظيم
قد سلبوا ما مَلَكتْ . . . 
تهافتوا
جاؤوا بجنائنَ مقلوبة 
ما تيسّرَ من مواهبِ الدّمار 
زيّنوا بهِ أقنعةً لعبورِ الممنوع . . . 
لكنَّ الوحلَ أبداً 
ما عكسَ يوماً لعينِ السّماءِ زُرقةَ . . . 
. . . . .
يحاورُ دُخانَ سيجارتهِ بصمتٍ عال 
يرميها
يسحقُها تحتَ (بسطالٍ) ٢
دونَهُ وسامٌ على صدرٍ 
يتنفّسُ هواءَ غيرِه . . . 
لا يُريدُ أنْ يتذكّرَ من جبهةِ القتالِ ليلاً
يوخزُ خاصرةَ أمسِه . . . 
فالسّبَخُ 
لم ينسَ لوناً أحمرَ 
يغادرُ ثقوباً
تنزفُ عِشْقاً 
يُطفئُ عَطَشاً لشقوقِ الأرض . . . 
كيفَ لهذا العِشقِ ألآ يكونَ مِحراباً لصلاةٍ بيضاء ؟!
. . . . .
تيبّسَ الحنينُ حروفاً على شفةِ الطّين
المنايا 
تلاحقتْ نحوَ مغيبٍ 
لا يُستَردُ حصيدُه . . .
الموتُ 
يكتبُ بخطٍّ لا يُمحى 
مُذكّراتٍ عن آخرِ سكراتهِ في حناجرَ 
تجمّدَ فيها نشيدُ الحياة 
كُلُّ حكاياتِ شهرزاد بدفءِ لياليها الألف . . . 
سكتَ المُباحُ
صمتاً 
لا يكونُ لغيرِ الرّاحلين . . . 
. . . . . 
القابعون في غُرفِ الأبنوسِ الأسود 
يحفرون قبوراً من غيرِ شواهد . . . 
ينحتونَ للشّيطانِ وجهاً
أنكرَهُ آدمُ النّبيُّ عندَ الخطيئةِ الأولى
لعلّهُ ربٌّ يُعبًد على قبلةٍ
تُبوصلُها عملةٌ مُنفرجةُ السّاقيْن . . .
إنَّ الأرضَ في الحربِ للفقراء 
وحينَ تضعُ أوزارَها 
هي بكُلِّ ما تدرُّ 
لنُخبةٍعاهرةٍ ممنوعةٍ من الصّرف !
. . . . .
أُطفأتِ الحرب 
بحرقِ كُلِّ ما تبقّى من حياة . . .
لا شئَ ينتمي لجذورِه . . .
شُوّهَ التّقويمُ الأحسن
بنسخةٍ طُمسَ عنوانُها البهيّ . . . 
القبحُ
يقشطُ الجمالَ من لوحةِ الوجود . . .
تدحرجتِ النّهايةُ صخوراً 
لا تستثني من التّعساءِ قماطاً . . .
العائدون منها ميّتونَ بأسماء مثلومة . . .
في عيونِهم احمرارُ نَدَم
تخالفوا بينَ يومٍ كئيبٍ 
ويومٍ 
يفترسُ اشلاءَهم . . .
دَمٌ غبيّ 
أسرجتْهُ آلهةُ العَتمة . . .
. . . . .
ما بعدَ الحرب 
حرب
تشقُّ خنادقَها لموتٍ بلا عنوان . . .
نزعتِ الحروفُ ما عليها
خطوطٌ حمرٌ على فيءِ بني عَبْس . . .
الدّخولُ من أبوابٍ عدَّة 
الخروجُ من بابٍ واحدة . . .
لا عينَ تُبصرُ ما يَخطفُهُ الظّلام
جُمِعَ لفرعونَ ما رغِب 
ولهامانَ ما في جيوبِ النّهار . . .
. . . . .
ليسَ أمامَهُ سوى أنْ يُدخنَ سيجارتَه
الثّانية 
ربَما يُفرغُ فيها لعنةَ مَنْ تأبّطَ ساقاً . . . 
إذا كانَ الدُّخانُ عرّافاً 
فبمَ يُنبئُ هذه المرّة ؟
أتضيقُ العسرةُ على أهلِ أوروك ؟
أيجفُّ الهورُ في بطنِ سَمَكِه ؟
بعدَ خرابِ ما كان 
لابدَّ أنْ يتسلّقَ نكبتَهُ بطولٍ آخرَ
أنْ يجلو جُمجمةً 
نُخرَتْ بسفسطةِ واعظٍ 
أتقنَ رقْعَ خروقِ مولاه . . .
. . . . .
واصَلَ مَضغَ سيجارتِه
لا بغيرِها
عقاربُ السّاعاتِ تُحرق . . .
كم روما أُحرقتْ بعدَ نيرون . . . 
كم من بناتِ هيروشيما شوّهتْ وجهَ الأرض . . .
لبلدي منها نسخةٌ أحلكُ سواداً من البيتِ الأبيض !
البغايا 
تمضغُ العلكةَ بعدَ الفتح !
. . . . .
انتهى حلمُ الأيّامِ إلى أحاجٍ 
علقتْ بأرجلِ الذّباب 
حتى تلاشى نقطةً في خيالِ الوهم . . .
قامَ ليرسمَ غصنَ زيتونٍ على سبورةِ الحرب . . . 
لكنَّهُ 
نسيَ ساقَهُ الخَشبيّة 
فسقط . . .
لعلَّ الأرضَ أصبحتْ بساقٍ واحدةٍ كذلك !
أما آنَ للأشجارِ اليابسةِ أنْ تُقلَعَ حطباً لشتاءٍ ماطر ؟ 
. . . . .
عبد الجبار الفياض 
تشرين ثان / 2018
١- ملك الجهات الأربع في الحضارة السومرية .
٢- حذاء الجندي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق