الجمعة، 14 ديسمبر 2018

مجلة انكمدو العربي للثقافة والأدب // ليلة // كُتبَ النص بمداد الأستاذ // // عبد القادر صيد // الجزائر

ليلة
تتسلل هذه الليلة المشاعر الجميلة بثياب غير رسمية متسحبة على استحياء ، لكن أقدامها الضاغطة على الأوراق الجافة تحدث فرقعة في حديقتي اليابسة فتنتبه عيوني التي كانت غارقة في ابتهالات الخريف و هي تجمّش الجلد بدغدغات تحمل معها تبريرها الحسي من جهة و اللامنطقي من جهة أخرى، فأبحث عن الوافد فلا أجد شيئا ،فأستسلم للامبالاة من جديد ، لا أحس بتغير شيء داخلي كما الانتقال من موسم إلى آخر لا يتم عبر النقلة المفاجئة ، إذا أردت أن تخوض حربا فخضها و لكن لا تعلنها هذا ما تعلمته من زوابعي الداخلية الصغيرة .حين تدمع أشيائي الخارجية التي تربطني معها علاقة غريبة ،فإنني حتما أشعر بجو كئيب يغزوني و يفرض عليّ دون وعي مني أن أتلبس ثوب الحداد حالة و حرفا.
الحداد لوني الطبيعي ، غير أنّ حرباء مشاعري التي تكنّ لي العداء ، عدوّة نفسها، فهي لا تستلذ غير دور الضحية ، تبحث عن هذه الوظيفة في العيون الجديدة التي غالبا ما تحاول إجهاض هذا المشروع ..أنا هنا و مشاعري هناك تصنعها أطياف أشك في ولائها ، بل أطعن فيه ، فلم تأتني منها يوما نفحات تسر ، فهي من تواطأت في الغابة المظلمة على ذبح آهاتي من الوريد إلى الوريد و لم يبق منها سوى شخير يمتطي صهوات الحروف ليجسد فتوة لأصداء أبيات غير قابلة للاستعمال الآن ، أبيات سقطت أسنانها بفعل التسوس الذي سببته شدة حلاوتها .
يزعجني الضجيج كثيرا ، و لاسيما ذلك المختلط بنغمة العتاب ، سمفونية بغيضة يدمنها أصحاب النفوس المتألمة ، هكذا يتنهدون سما زعافا ، و يستنشقون منك روحا و ريحانا و لا يرجعونهما ، بل تبلعهما مصانعهم الداخلية ..أغبطهم أحيانا لأنهم لا يفرقون بين لحظات سعيدة و أخرى تعيسة ، و لكن هل العمى نعمة في الظلام فقط ، حيث يتساوى الجميع ؟ أعتقد أن الأحاسيس ليست كاذبة و لكنها منجّم مبتدئ ، و حاطب ليل..
هذا الفندق الذي أنزل فيه هذه الليلة يبيعني الفراش و المكان ، و لكن لا يضمن بعدها شيئا ،إنه يكلني إلى ماضيّ الذي صنعني و يصنعني ، و إلى تلك الجروح التي تتفتح كالزهور في مواسم الأنين و في عبق الأماكن التي تفرض عليك جوا من العواطف الكئيبة بموسيقاها الرتيبة و الهادئة ، سرب من النحل أتخيله يهجم عليّ لا لسبب إلا لأنه يريد أن يجرب شوكته على قلبي ،كأن الموقف كان ينقصه هذه الكائنات الجميلة و اللذيذة لتنضم إلى الطرف الآخر ، سأغلق النافذة ، و سأحاول أن أقتات من داخلي كما تعودت و لا أزعج أحدا قد يكون مارا بسرعة بسيارته فيحتار لآمري فآخذ من وجدانه حيزا قد يتكرر عنده مرات و مرات إلى أن يبهت، لا أريد ان أعيش داخل الكائنات البشرية بغير إرادة مني و تخطيط ..
لا أهتم بالألوان الخارجية كثيرا ، تلك الألوان يصنعونها ليشكلوا وجداني و يلعبوا بعواطفي،لذلك أمقتها ، أحب الألوان التي لم يكتشفوها بعد ، مادتها الأولية من بخار مادتي الرمادية ممزوجة بمواد أذكياء الكائنات جميعها ،لي همسات مع كل ما يتحرك حركة ظاهرة أو باطنة ، لهذا المكان مثلا أصوات تصدر من كل مكان تخاطبني و تعرض عليّ ألوانا مختلفة تستعصى على اللغة و العين أشكّل منها ما شئت من لوحات وجدانية لا يشعر بها إلا من له قالب وجداني مسكين .. المسكنة سيدة الموقف ، و من أسكنته المسكنة نجا من غرور المشاعر المنتفخة التي تصعد بك إلى أعلى ثم تتخلى عنك في وسط الطريق ، أما أنا فدائما معي سلّمي المتواضع يرافقني في كل مكان لا لأصعد عليه و لكن لأتمكن من النزول بسلام .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق