(على المَركبات) - فوقَ عرَبة (كارو)
ما بين قرية البرمبل منشَأ أجدادي الذينَ تناوَبوا العُموديَّةَ في جنوب الجيزة وقرية الخُرمان ، حيثُ يقطنُ بعضُ الأقارب على الضفَّة الشرقيَّة من النيل ، يضربُ طريقٌ تُرابِيٌّ ضيِّقٌ يتمَطَّى بين أعواد الذرة ذاتَ اليَمين وذاتَ اليسار ، لِمسافَةٍ يعسُرُ على المرء أن يخوضَها إلا أن تكونَ أداتُه حمارًا يمتَطيه ، لم يكُنْ يندُرُ أن يميلَ براكبه إلى الترعَة إذا ظمئَ - الحمارُ ، لا هوَ - حتَّى يوشك أن يقلبَه فيها ، وحافتُها مُتَحَدِّرَةٌ في سفولٍ لا يأمَنُ معه أن يُشفي على التَّلَف أو (عربَة كارو) يستأجِرُها فلا تنفَكُّ صاعِدَةً به هابِطَة ، وهيَ على ذلِكَ آمَنُ وأسرَعُ ، وكانَ أجمَل ما يكونُ مسراها ، وقد غلَّفَ الأرض طيلسانُ الظُّلمَة ولعلَعت النجوم في أجواز السماء ، وهبَّت معَ كلَّ دورَةِ دولابٍ ، وعلى إيقاعِ تقَلُّبِهِ ، نسمَةٌ عبِقَةٌ بأنفاس الزروع ندِيَّةٌ بلعاب النيل ، وفي مثل تلكَ الحال من صيف عام 1977 وأنا في الثالثَة والعِشرين نظَمتُ هذه القَصيدةَ :
أطَيْـــــــفًا أرَى أمْ خيــَــــالًا سَــرَى
وكَــونًــــا تُـــرَى أم خِـداعَ الكَــــرَى
قَطَعْنــــا الـفَضَاءَ على مَركبـــَــــاتٍ
تَــدبُّ دَبــيــبَ الـــرَّخَـا في الضَّنَى
وقَــد راحَـتِ الـحُمْـرُ مُستَــرسِلاتٍ
فُوَيْـــــقَ التُّــــرابِ وفَــوْقَ الحَـصَى
تَرَنَّـــــمُ إِمَّـــــا عَلَــــــتْ نَبْــــــــوَةً
فَيَــصْغَـى لهَـــــــا بالنُّـــــزاءِ الـصَّلا
وقَـــد رصَّعَـتْ ذاهِيـَــــاتُ النُّــجـومِ
جَبيـــنَ السَّمَـــــاءِ وَوَجْـهَ الفَـــــلا
تَبَسَّمنَ عَنْ حُلكَــةِ اللَّيْــلِ شاعَتْ
كَلَــمْـعِ الـخَـواطِــرِ بَيــْـــنَ الصَّـدَى
كَــــــذا فَلْتَــــكُنْ نَيِّــــرَاتُ الـعقـولِ
علَـى الـطِّـرسِ مَســرًى وإلَّا فَـــلا
وَصَلنـَــاهُ شَوْطًـا حَصورَ الجَمَـــــامِ
لـدَى النَّفسِ سَلمًا مَديـدَ المَسَى
مُحَــاطًـا بــأدوَاحِـــــهِ المُسْــدِلاتِ
عَلَى اللَّيـْــلِ لِلَّيـْــلِ مَعنَى العَشَـا
رَفيـــقًا لَـــــــــهُ جَلـــــوَةٌ بِالـــفؤادِ
كَمَــــا نَضَّـرَ الـزَّهْــــرَ رَفُّ النَّــــدَى
(محمد رشاد محمود)
...................................................................
الرَّخا : الهَشاشَة . يَصْغَى : يَميلُ .
الصَّلا : وَسَطُ الظَّهْرِ وما انْحَدَرَ من الوَرِكَيْنِ .
الفَلا : جمعُ الفَلاة ، وهيَ القَفرُ أو الصَّحراءُ الوَاسِعَة .
الصَّدَى : الدِّماغ . الجَمامُ : الرَّاحَةُ .
المَسَى : الرِّفقُ في السَّيْرِ . العَشَا : سوءُ البَصَر .
ما بين قرية البرمبل منشَأ أجدادي الذينَ تناوَبوا العُموديَّةَ في جنوب الجيزة وقرية الخُرمان ، حيثُ يقطنُ بعضُ الأقارب على الضفَّة الشرقيَّة من النيل ، يضربُ طريقٌ تُرابِيٌّ ضيِّقٌ يتمَطَّى بين أعواد الذرة ذاتَ اليَمين وذاتَ اليسار ، لِمسافَةٍ يعسُرُ على المرء أن يخوضَها إلا أن تكونَ أداتُه حمارًا يمتَطيه ، لم يكُنْ يندُرُ أن يميلَ براكبه إلى الترعَة إذا ظمئَ - الحمارُ ، لا هوَ - حتَّى يوشك أن يقلبَه فيها ، وحافتُها مُتَحَدِّرَةٌ في سفولٍ لا يأمَنُ معه أن يُشفي على التَّلَف أو (عربَة كارو) يستأجِرُها فلا تنفَكُّ صاعِدَةً به هابِطَة ، وهيَ على ذلِكَ آمَنُ وأسرَعُ ، وكانَ أجمَل ما يكونُ مسراها ، وقد غلَّفَ الأرض طيلسانُ الظُّلمَة ولعلَعت النجوم في أجواز السماء ، وهبَّت معَ كلَّ دورَةِ دولابٍ ، وعلى إيقاعِ تقَلُّبِهِ ، نسمَةٌ عبِقَةٌ بأنفاس الزروع ندِيَّةٌ بلعاب النيل ، وفي مثل تلكَ الحال من صيف عام 1977 وأنا في الثالثَة والعِشرين نظَمتُ هذه القَصيدةَ :
أطَيْـــــــفًا أرَى أمْ خيــَــــالًا سَــرَى
وكَــونًــــا تُـــرَى أم خِـداعَ الكَــــرَى
قَطَعْنــــا الـفَضَاءَ على مَركبـــَــــاتٍ
تَــدبُّ دَبــيــبَ الـــرَّخَـا في الضَّنَى
وقَــد راحَـتِ الـحُمْـرُ مُستَــرسِلاتٍ
فُوَيْـــــقَ التُّــــرابِ وفَــوْقَ الحَـصَى
تَرَنَّـــــمُ إِمَّـــــا عَلَــــــتْ نَبْــــــــوَةً
فَيَــصْغَـى لهَـــــــا بالنُّـــــزاءِ الـصَّلا
وقَـــد رصَّعَـتْ ذاهِيـَــــاتُ النُّــجـومِ
جَبيـــنَ السَّمَـــــاءِ وَوَجْـهَ الفَـــــلا
تَبَسَّمنَ عَنْ حُلكَــةِ اللَّيْــلِ شاعَتْ
كَلَــمْـعِ الـخَـواطِــرِ بَيــْـــنَ الصَّـدَى
كَــــــذا فَلْتَــــكُنْ نَيِّــــرَاتُ الـعقـولِ
علَـى الـطِّـرسِ مَســرًى وإلَّا فَـــلا
وَصَلنـَــاهُ شَوْطًـا حَصورَ الجَمَـــــامِ
لـدَى النَّفسِ سَلمًا مَديـدَ المَسَى
مُحَــاطًـا بــأدوَاحِـــــهِ المُسْــدِلاتِ
عَلَى اللَّيـْــلِ لِلَّيـْــلِ مَعنَى العَشَـا
رَفيـــقًا لَـــــــــهُ جَلـــــوَةٌ بِالـــفؤادِ
كَمَــــا نَضَّـرَ الـزَّهْــــرَ رَفُّ النَّــــدَى
(محمد رشاد محمود)
...................................................................
الرَّخا : الهَشاشَة . يَصْغَى : يَميلُ .
الصَّلا : وَسَطُ الظَّهْرِ وما انْحَدَرَ من الوَرِكَيْنِ .
الفَلا : جمعُ الفَلاة ، وهيَ القَفرُ أو الصَّحراءُ الوَاسِعَة .
الصَّدَى : الدِّماغ . الجَمامُ : الرَّاحَةُ .
المَسَى : الرِّفقُ في السَّيْرِ . العَشَا : سوءُ البَصَر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق