الخميس، 23 نوفمبر 2017

العفوية والبيان في رسم صورة القصيدة / قراءة موجزة في كتابات الشاعرة المغربية : لطيفة الاعكل / بقلم الاستاذ سعد الساعدي / العراق

العفوية والبيان في رسم صورة القصيدة .. قراءة موجزة في كتابات الشاعرة المغربية لطيفة الاعكل 
***""***""***""***""***""***
سعد الساعدي 
تداعب الطبيعة وتناغيها كل حين ، وهي ترسم قصائدها بنبرات متّزنة ، وموسيقى هادئة ، وتفرش أغصان عشقها اللامتناهي قرب البحر ، أو في ظل المساء ؛ هكذا هي الشاعرة المغربية الدكتورة لطيفة الاعكل .
اتخذت من بيئتها مرسماً ساحراً بعفويتها المعهودة وكلماتها الجذابة ؛ الواصفة أدقّ مشاهداتها .
في قصيدتها الليل والبحر ؛ احتظنت الشاعرة الطبيعة وكأنّها الأمّ التي تأوي اليها ، وتبدأ برسم لوحتها لإمرأة تأتي ماشية حافية القدمين – قد تكون هي فعلاً تصور نفسها – على شاطىء البحر ليلاً ، وعلى مايبدو أنّ الريح كانت هانئة مطمئنّة تضرب الامواج براحة يديها بهدوء وحياء ؛ فتعانق الموجة تارة ؛ تقبّلها ، وتبتعد تارة أخرى تتنفّس ، وتعيد الكرّة من جديد تقبّل موجة أخرى .
مع هذا العناق ، والقبل المسائية ؛ تُثار شهوة الرذاذ المتطاير لتقفز رذاذة جريئة تقبّل الشفاه ؛ تلك الشفاه الغير معروف كُنه لونها حينذاك حيث لا ضوء ؛ إنما هي ظلمة قاتمة لإننا لم نشاهد أية إشارة لنجمة ، أو قمر ، أو أضواء صنعها إنسان . 
يبدو هو الأحساس باندفاع رذاذة لامست مسرعة الشفة السفلى ؛ منسدلة تتحسس لذّة اللثم لتغفو ، وتحلم ، وتستعيد شريط الذكريات مع كل سنوات الحياة الماضية .
وضعت الشاعرة لطيفة الاعكل في قصيدتها ((بين الليل والبحر )) أحاسيس مفعمة بالحب والشوق ، جمال أنثى تتغزل بنفسها مع ليلها الذي عشقته بجنون تثيره ؛ تداعبه هو والبحر رغم الظلمة ، ولسان حالها يقول :
أيها الليل لفّني بعباءتك ، ونَمْ مع البحر في تلك العتمة بعيداً عن كل شيء .
تؤكّد الاعكل على إثارة أي شيء جميل لتضعه بكل انفعالاته مع أبطال قصائدها الذين ترسم شخوصهم في كتاباتها ؛ تشعل خيال المتلقي وتثير لهفته من خلال بناء وسرد متقن منذ البداية وبدون تأخير لتدخله معها قبل التهيؤ لأية مفاجأة وتبقيه يتفرج بلا ملل ، وبارتياح تام لما تقول ، أو ترسم ، أو تخطّ ، أو تنحت على حجر أو شجر كما في قصيدتها (( عربد الصمت )) :
عربدَ الصّمتُ مِن سكون ليله
وهبّت رياحُ العتمة
وقفَتْ شهرزاد أمام المرآة 
تفتّشُ عن ظِلّها 
إتّكأت على سماءِ الصبر ... 
ماذا نلاحظ هنا ؟ 
بكل بساطة تقفز من جديد صور الطبيعة تفترش القصيدة ؛ الليل ، الرياح ، السماء ..
وتسترسل الشاعرة مع طبيعتها العاشقة في القصيدة لتضيف بعد السماء وصف لنخلة ، هواء الليل البارد ، عصفورة ، فجر النهار ، وتختم قصيدتها بقفلة بعيدة جداً عن الرومانسية والطبيعة وجمالية التشكيلات السردية بكثافتها لتعلن لعنتها على الزمن :
تباً لك يا زمن الغدر .. تباً ..
وفي قصيدتها (( أحبك )) نلاحظ مفردات عفوية لصور الطبيعة الجميلة التي تتغنى بها وتضمنها نصوصها دائماً :
الغيم ، سنابل القمح ، العصافير ، الشمس ، الصباح ، الرياح ، الاشجار والانهار ، وغيرها .
وتتكرر مرة أخرى في قصيدة حينما يصبح الهوى قصة تروى ؛ لنلاحظ نفس صور الطبيعة تتكرر ممتزجة بدفقات وجدانية تندفع الى داخل الجسد ، وتصل نبض الشرايين مع خليط قد يكون غير متجانس حيث تجمع العنكبوت ، والقلب في صورة واحدة :
تخرُّ على الأرض
عناكب الجمود
نسجت خيوطاً من وهن
شبكت عشّها من حنايا القلب 
عزّ نبض الشرايين ... إلى أن تنهي القصيدة بقولها :
سلام على الحب والجوى
وأهلاً بالفراق والنوى
يا أهل الهوى .
هنا أدخلت الشاعرة مشاعرها وأحاسيسها مع خيوط عناكبها ، ونسجت أيقونة جميلة عفوية طبعها كقطوف دانية تلين ، وتتمدد لمن أرادها وأقترب منها . هكذا هي توصيفات لطيفة الاعكل ؛ تغني اللحن بلا تكلّف ؛ بايقاع هادىء متناغم مع أصوات اللوحات الحالمة في كل مكان تضيء بلا رموز مضمرة ، أو أصوات نشاز ؛ بل بوضوح المعنى والجمال .
كذلك نراها في قصيدتها الليل والبحر تقفل بآخر قطرة زيت من أصباغها ، وترسم صورة للوطن من رماد الغيرة : خلتك من رماد الغيرة بُعثت يا وطني ..
هنا نتساءل : ما علاقة الرماد والغيرة والوطن بإمرأة حالمة ، أو ربما عاشقة مفعمة بالعشق على شاطىء بحر يقبّل الرذاذ شفتيها ؟ 
في مثل هكذا نص مقتضب وقصير جداً لا يتجاوز بضعة كلمات أقرب لومضة ، أو هو ومضة شعرية سردية كونه مفتوح بعفويته يترك المجال للقارىء والناقد ان يتخيل ما يريده ، ويكتب ما شاء كتحليل إجرائي لقصيدة ممتزجة بشتى الألوان ، ودقة متناهية التناغم تؤكد مقدرة الشاعرة على انجاح العمل بامتاع قارئها بعيداً عن إشكاليات الصراع والتداخل والتشويش حيث يظل مسترخياً لا يملّ ، منفعلاً بالدهشة ، والبيان ، وسحر الكلمات الناعمة كما هي في كل مرة تكتب بها لطيفة الأعكل ؛ لتصنع مجد كلمتها ببساطتها المتواضعة ، واتقانها ، وصدقيتها المفعمة بأناقة كل مشاهدها فيما تكتب .
نص قصيدة الليل والبحر
...........................
كانت أمواجُ البحرِ تداعبُ قدميّ
وكان رذاذُ موجةٍ يقفزُ ليقبّل شفتيّ
خلتك من رمادِ الغيرة بُعثتَ ياوطني .
الشاعرة لطيفة الأعكل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق