الأحد، 20 نوفمبر 2016

ملف خاص بموسوعة ينابيع المبدعين العرب والأنسانية جمعاء / للاديبة نورة حلاب من لبنان

الأسم والشهرة  :نوره حلاب
البلد : لبنان
الموقع الأجتماعي : اديبة وشاعرة ...
رئيسة جمعية " بيت الربيع "  التي تعنى
باعادة تاهيل بيوت الأيتام  والأرامل

المستوى التعليمي : بكالوريا  علوم  تجارية ..
بدأت الكتابة والنشر عام 1987 ولي
العديد من المنشورات في اهم الصحف والمجلات اللبنانية ...
حائزة على جائزة طرابلس في القصة القصيرة والنثر ....
فائزة بالعديد من الجوائز والأوسمة من اهم المواقع الأدبية ....
مؤخرا  نلت جائزة شكر وتقدير من مونديال 2016 جامعة الدول العربية  ....الأمانة العامة لشعبة المبدعين العرب ..

قيثارة الشوق ///

امطرك عتبا
امطرك عسلا
وامطرك عنبا .....

لا تفتح مِظلَتَك
يا سيدي وتحتمي
من رزاز هذا الحبِ
انت تعلم
انك ستغتني .......

اشتاقُ اليكَ يا رجلُ
شوقا لجوجا
يشبهني
اهدهده وادور به
بين القارات
فلا يسعفني .... ..

اشتاق اليك
شوقا يذهلني
اعبر به المحيطات
وانا اجدف 
فلا يغرقني .....

اشتاق اليك 
شوقا ابحرُ به
على ظهرِ السفن
اتسلق  الأشرعة
امدده على البسط
 الملونة

اشمّسه على الأرائك
لعل شموسَ عينيكَ
تلطفه قليلا
فلا  يخذّني  لا يؤرّقني ...

اشتاق اليك
لا اعرف لونَ عينيكَ
 طولَ قامتكَ،، عرضَ كتفيكَ
ولا عدد خُصُلات الشيبِ
 في راسِك ....

اشتاقُ اليك
واتخيل خزانتِك
 ربطاتِ عنقكَ ..
واعدّ على اصابعي
 فاجمع واطرح
عدد قمصانكَ
من عدد ياقاتها المنشاة ....

اشتاق اليك
شوقا يتذمر
ويضجرني ...فاسليه
واحلق به صوب القمر
والنجوم والكواكب
فلم يزل يتافف ويتعبني ......

اشتاق اليك شوقا 
لم يصنّفْ بعد حتى اليوم
 في خانةِ الأشواقِ  ........

شوقا يتعتعني
ينثرني شظايا
و يلملمني ليرُسمني
في اطارك .
وعلى جدران قلبك
منحوتة يعلقتي 

اشتاق اليك يا من ؟
لايسعفه الحرفُ معي
وتساندني فيه 
كلُ ابجديات العالم  .....
اشتاق اليك ....
حقا اشتاق اليك ....

نوره حلاب /// لبنان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في موسوعة القُبلة ..

1 -- الثمُ باطنَ كفكَ بقبلة
فيتثاءب في عينيك الضجر
يتناوب معه على وجهك
ضوء القمر
واصفّق لحسن قراءتي
في موسوعة  القبلات ..

2-- اوشوشُ ريفَ كفك بقبلة
فيصحصحُ الحب
ويطلبُ مني فنجان قهوة
لعينيه.....اطحنُ البنّ
احمّص حـَبّ هال
واسقيه بدل الفنجان
دذينة فناجين قهوة ..

3-- تنسكبُ مياهُ عيني
على وجنتيكِ ............
فتنفضحُ نواياها السرية
اشتهاءً لقبلة
تشخَصُ عيونُ الحبِ فرحاً
وتنهمرُ اطرافُه ابتهاجا
على انغام الڤالس والتانغو ..

4-- تسوّرني  الرجولةُ بذراعين
وتزيحُ عن جبيني ..ستار الخِصلة
فيخط القدر عليه ...مسرّة قبلة
تعزفها شفتاك حافية
على طول جبهتي الغافية ..

 5-- يتالقُ القمر
تشعشعُ الخيوط الفضية
فيرتفعُ مَدُّ الشوقِ
وينهارُ على الرمالِ
جاثيا يصلي
متجها نحو القِبلة
مستغفراً لألف قُبلة وقبلة ..

( نوره حلاب ) لبنان

النص رقم 3

سيجار ....الحب *****

ضع حبك في ملاذي ......
ضعه في حضن اتخاذي ......

اخمّره في خوابي انفاسي .....
اعجنه اقراص حلوى ......
واخبزها في موقد احساسي .....
احليها من سكاكرِ قلبي .....
وافرشها على اكبرِ صِدر نحاسي .....

اتسمر على المفارق .......
واهديها للعابرين على دربك .......
تعويذة الحجاجِ الى فردوسك .....
فيدعون لي ........

و اوزعها على الطرقات .....
تعزيةً للناجين من جحيمك ....
فيدعون عليك ...  

و استوقف المارةَ ... 
وارجوهم قبولَها مني ........
گحسنةِ جارية عن روح ما كان بيننا ...
فيقرأو "الفاتحة "....
على العقد الماسي الذي انفرط ...
الى سلاسل من المآسي .....
ثم يدعون لي بالصبر

وادعو بدوري على قلبي البكر .....
الذي خطر في باله يوما،،،،،،،،،،
ان يدخن الحب " سيجارا كوبياً فاخراً" ...
فاحترق كلفافة تبغ محلية

كان جدي  يلفها
ليلتذ باحتراقها
بين شفتيه ...
وهي تُلقىَ آخر الأماسي..........................

(نورة حلاب ) لبنان

النص رقم 4

بريد الحب ///

تواضع القلب ..

قال لها ///
انا النسرُ على القممِ              
 انا القاماتُ في الهممِ          
                        ........................

قالت له :
انا القلبُ انا الأممُ
واثقال هذا الحب
 على كتفي
ليست سوى الأيقاعِ
و النغمِ              .........................  

القمةُ القامةُ يا سيدي
  انتَ في صحوي ..
والهامةُ هي انت
 في فحوي ...
فلا تتقدم َ خطوةً
     نحوي                       .............................

قال لها :
صبراً صبراً فالماضي
 قد ولىّ
والحاضرُ َ يمضي
 للذكرى ،، والآتي
قد يحمل بشرى        ..............................

قالت :
كيف اصبِر بالله عليك
 كيف اصبِر
 وعرض كتفيك
َ يُغريني
وقميصُكَ المُقلّم
 بأقلام مروّسة
 يُشقيني                       ...............................
اتامّله واسرحُ
في ساحات الحب
ِ الخلفية
حيث غاباتِ
 الألفةِ العفوية    ..............................

ترمُقني يا سيدي ؟؟؟!!!
 تزجُرني ؟؟!!!!!
وعن سُلّم احلامي
 تدحرجُني
تدّعي انك تحميني
 وعلى ضِفاف
 إبتسامتِكَ ألتقيةِ ترميني  ...........................

قال  ///
 جفّ حلقي وعيلَ صبري
 ،، وانا  اكرر وأعيد
ُ دروساً  في الصبرِ و ازيد
        وانت   ..............  ...............................

قالت مقاطعةً ///

انا عن بابه التمهيدي
ِ،ابداً لن احيد

قال محتداً ///

هل نسيت أنني انا النسرُ
ُ وانا القممُ
انا الذي احلّقُ لأخطف
 انفاسكِ وارتحلُ             .......................

قالت له :
وهل نسيتَ انني
 انا القلبُ وانا الأمم
وانا كل خفايا
هذا النغم

اتعملق
 ساعةَ اقَتَدر
اسوّرُ جناحيكََ 
 اغرفُ منكَ
 تغرفُ مني

لنعزف لحن الحياة منهمر ..
ً       ................................

( نورة حلاب ) لبنان

النص رقم 5

حبيبي ألمحلًى ...بمرارة ألسُكّر ..

يا حبيبي ، ألمحلّى بمرارة السكر . 
لم تعد عيناك واحة حب مسوّرةً ، بنخيل ألعشق الأغبر ، لم تعد أغنيةً سلسةً تُشدى ولم تعد مياهُها أوفَ الشوقِ والعتابا وألميجانا لذاك الهُيام الذي لا يُقهر .
صارت عيناك نشرة أخبارٍ مفصّلةً عن حال طقس الصحة ألمُمطر وضباب المزاج  المعكر  ....

لم تعد خدودُكَ الورديةُ ، كعكةَ الحبِ ألشهيةَِ ، صارت أخاديد حيث تتكسّر على حوافيها  هينمات قبلاتي البهية ...
لم تعد شفتاك خوابي ألغذاء الملكي وألشهد المصفّى ، لم تعد هي ألدواء لكل داء ، صارتا لا تنفرجان إلا لكبسولة دواء أو لرشفة من كوب ماء .

يا حبيبي

لم يعد صدرُك ساحةً للحنان  ، تداعت اركانُه ودُكّت أسوارُه وصارت تحت أثقالهِ عضلة ألقلب ترزح .

مضى العمر وانت تهادن ،تداعب وتلاعب هذا المرض الأخطر . مضى ألعمر ولم تُدرك بعد أنه في فنون ألقتال هو ألمحترف ، هو أللاعب الأمهر ...

لم تترك معه تحدياً إلا وجربته ولا سباقاً إلا وخُضته .
كيف لم تعلم أن دراجتكَ يا حبيبي في أشواط ألسباق كانت هوائية وأن غريمك كان يتربص بك ليزرع في دربك شظايا الموت الخفية .....

يا حبيبي ،

مضى العمر وانت لا تنتصر عليه سوى في ألخيالات والأوهام ، مضى العمر وهو يشننّ عليك ألحروب وألغزوات ليسحقَ منك اليانعَ والأخضرْ  ...

هل تذكر ذات يوم بعيد حين وعدتني أن تهدَيني حباً ينمو في حقول قصب السكر ؟؟؟

لم نكبر معاً لنستمتعَ سوياٌ بطعم الحياة..
كبرت وحدك وتصرّ علي في كل حين ان الحق بك ، ان اهرم مثلك وياليت اكثر واكثر ..
كبرتَ ولم تهدني سوى التين والخوخ ألمجفف ، وصرتَ تزيّنُ لي فوائدَ كلَ ما هو جافُ ويابسُ واصفر .. 
وكان علي أن اجاملَك حتى صارت ألغصةُ في صدري تتسع وتحفر كل يوم هوّة اكبر واكبر....

ياحبيبي 

 المشاعر  في بيتنا تُسَتنفَرْ ولا تُتقن من فنون الحب سوى أنها تتذمر . .. 
كان حبك لي فيما مضى صيفاً صحراوياً  و اليوم صار خطيئةً مميتة  وصار حبي لك صبراً جميلاً و مغفرةً فريدة ..
اليوم صار ألحب في بيتنا مجرد تمنّي شعاع ضئيل دافئ ولا شئ أكثر .

يا حبيبي ،

كيف التبس عليك الأمرُ ذات يوم بعيد فاحتفلتَ وهللتَ وكبرتَ لهذا المرض الأغدر ؟؟؟!!! 
كيف فرشتَ له حقول ألرياحين ومددتَ له السجاد الأحمر ؟؟؟
كيف وهبتَ له عمرك..... ودون إذني صادرتَ عمري ، فراشاتِهِ ، ازهارَهُ  وورودَهُ  سفحتها كلها تحت أقدام مرارتك وسموم هذا الجباّر الأرعن ..

اتاملك هذا ألمساء ، انظر فيك واتذكر ...
كيف كنت شديداً عديداً انيقاً تتمشى على طول مساحات قلبي ، تقطع عليه الدروب متى شئتَ وانت ، تتوعد  وتتجبر...
اتامل ضوء الحياةِ الشاحبُ في عينيك فأُذهل وانا اتفكّر كيف لا زلتَ تعتقد أن العين اصابتك وأنه لا يُعقل ابداً ان يغدر بك هذا الوحش الكاسر الأخطر ...

يا حبيبي المحلّى على عدد الثواني وألدقائق والساعات بمرارة هذا السكر ..
الم تعلم بعد ان الغدر ثم الغدر ثم الغدر هو كل شيَم هذا المرض الكافر الأكبر ...

نوره حلاب /// لبنان
منحوتة الحب

حين احبك
يقفل الصاغة متاجرهم
فالذهب مفقود
كله مجدول
في قلادة لعينيك
اعلقها على صدري ***

حين احبك
يلملم الحب اشتاته
من اطراف الكون
ينتظم صفوفا
تأتمر برمش قلبي ***

حين احبك
يعتزل النحاتون
فقلبي عميدهم
ووجهك اشهر منحوتة
ترتسم فيها
تقاسيم حبي***

نوره حلاب ( لبنان)منحوتة الحب

حين احبك
يقفل الصاغة متاجرهم
فالذهب مفقود
كله مجدول
في قلادة لعينيك
اعلقها على صدري ***

حين احبك
يلملم الحب اشتاته
من اطراف الكون
ينتظم صفوفا
تأتمر برمش قلبي ***

حين احبك
يعتزل النحاتون
فقلبي عميدهم
ووجهك اشهر منحوتة
ترتسم فيها
تقاسيم حبي***

نوره حلاب ( لبنان)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الأديبة التي حصّنت قصصها واثرتها بما امتلكت من قراءآت مكثفة للواقع

قراءة / أحمد البياتي

القصة القصيرة فن قولي او كتابي يقوم على حدث ويتخلله وصف يطول او يقصر وقد يشوبه حوار او لايشوبه ، فالوصف والتصوير انما هو مجرد آلة يحملها القاص والتي من خلالها يعمد الى تثبيت العلاقات الخفية التي تتحكم بمصير الانسان وحركته

للوهلة الاولى وانا اقرأ عددا من القصص التي بعثتها لي الأديبة نورة حلاب من لبنان انها ادلت بدلوها بمهنية واحترافية عالية في مايخلفه الشك والالتباس وتمكنت من ايضاح ماتعانية المرأة العربية خصوصا والشرقية عموما من عدم اهتمام من قبل الرجل الذي تعتبره السند والعماد في تمتين اواصر المحبة والعلاقة الحميمية بينهما مما ينعكس بالايجاب على اسرة رصينة متما سكة  وجدت انها قد اوضحت بشكل لايقبل الشك والتأويل فقصة ( تعي دفيكي ) بجزئيها احسست انها تمتلك رؤية خصبة في الوصف والتحليل ورسم الابعاد باحترافية ومهنية من خلال استخدامها  المفردة المؤثرة التي تحمل بين طياتها الكثير من المشاهد الاليمة والمواقف المحزنة نظرا لما عانته المرأة الشرقية  ففي هذه القصة نجد انها صورت وبشكل جعلنا نحن المتلقين نقر ونعترف بعدم الإكتراث والإهمال من اقرب الناس للمرأة  الا وهو شريك حياتها  الذي لم يُعِرْ ادنى اهتمام على اعتبار انها شريكة حياته التي طالما ضحت بالكثير من اجل اسعاده وتوفير مايمكن من اجواء المحبة والوئام والانسجام ولكن تسير الرياح بما لاتشتهي السفن فالكثير من النسوة في مجتمعنا العربي قد  اصابتهن الغصة واكتنفها الالم من ذلك الاهمال وعدم اللامبالاة بوجودها كشريك فاعل وحيوي في بناء اسرة رصينة لتحقيق عيش هانىء ودافي واضفاء البهجة والسعادة على حياة الاسرة ، فقد صورت لنا الأديبة باسلوب جمالي مستند الى الحقائق التي افرزها الواقع الاليم المعاش بان المرأة وحدها من كانت تعاني وتكابد وتدفع الثمن ولكن رغم المرارة صورت لنا الأديبة باسلوب مهني واحترافي ان المرأة العربية لم تيأس بل واصلت مشوارها باقتدار وثبات كونها تتمتع بميزة الوفاء والاخلاص وحرصها على ان تكون الاسرة مبينة على اسس صحيحة كي تنعم هذه الأسرة باجواء المحبة والسعادة ،كما ان الأديبة باسلوب سردي مميز قد اعطتنا شواهد كثيرة من خلال عملية القص للصدمات والالام التي سببها الازوج لزوجاتهم نتيجة لعدم اعطائها حقها الطبيعي والشرعي كي تتجسد كينونتها وتشعر بوجودها الحقيقي ودورها المميز في هذه الحياة ، ببراعة وتقنية عالية واحترافية ومنهجية القاصة نورة حلاب  استطاعت ان تكوّن اثارة سريعة وواقعا يشبه الى حد كبير واقع حياة الكثير من الأسر وجسدت ذلك من خلال امتلاكها ثقافة رصينة وخبرة عالية وحصنت سردها القصصي بما امتلكته من ثراء في قراءآتها المكثفة للواقع وقد اوضحت  نتيجة عدم اكتراث الزوج  بالمسؤولية الملقاة على عاتقه على العكس من الزوجة التي كانت ممتلكة للارادة وهذا مااهلها لان تحافظ على الجو الاسري من التفكك والضياع وبالتالي نجد ذلك التجسيد واضحا في السرد من خلال اختلاق اسلوب مخاطبة بين الزوجة  للزوج وقد استشهدت بان الغالبية العظمى من الزوجات قد  انجبن ذكور واناث  كي تُدَعِم الروابط الاسرية وتحافظ على العلاقة الزوجية ولكن الحقيقة المرة التي صدمن بها انهن  اكتشفن ان هذه التضحية هي من طرف واحد لانهن وحدهن من شعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقهن لحماية الاسرة من التفكك والانحلال والضياع ، وفي مشهد اخر تنقلنا الأديبة الى ميدان الرجل الذي يعتبر الشطر الثاني والذي بينت فيه تجاهل الرجال لمسؤولياتهم وترك كل الامور في عاتق الزوجات وبينت بسرد محكم  اختلاقهم الأعذار الواهية وتهربهم من مسؤولياتهم فقسم منهم يبرر ذلك من انه يري جمع المال وزيادة ثروته  وفي المتن السردي ووفق السياق الذي اوضحته جسدت لنا البطلة من خلال قولها مع زوجها بأنها لاتريد  المال ولكنها تريد منه ان يكون قلبه شاعرا بها ومتحسسا لمشاعرها كونها بحاجة اليها اكثر من المال كي تضمن وجودها من جهة  وتشعر بان هناك من يسعى ليشاركها حياتها بصدق وفاعلية من جهة اخرى ،وهنا تمكنت الأديبة نورة من اعطائنا صورة مثلى في زمن ان هذا الرجل الشرقي يتصرف وكأنه يحكمه المجتمع الذكوري ويفرض عليه قيوده وتصرفاته التي تهمش بقصد او بدونه وجود ومكانة المرأة ، اليست هي الكائن الرقيق الذي يحتاج الى لمسة حب وحنان ، هذا من جانب البوح الواقعي اما فيما يخص الفكرة فانها كانت رائعة بحيث انها غطت كل التفاصيل التي دارت حولها احداث القصة بجزئيها ، لأن الأديبة تعتبر القصة القصيرة سرد نثري موجز يعتمد على خيال القاص وامتلاكه ملكة تركيبية تحبك الأحداث التي تتخذ اكثر من شكل للبناء والصياغة ، وبذلك كانت مقتدرة في تبيان بحث المرأة عن سحر الرجولة الذي انقضى او ربما تلاشى في عصرنا هذا وهو العصر الذكوري , كما ان اللغة السردية التي انضجت بها قصتها كانت غاية في السلاسة والبراعة مما اعطى السرد القصصي رونقا جميلا وهاجا يجعل المتلقي يشعر بالتلذذ رغم مرارة البوح والألم والانكسارات التي سببها هؤلاء الأزوج لزوجاتهم نتيجة عدم اكتراثهم بما يجب عليهم القيام به ، الوضوح والمصداقية في البوح تمكنت الأديبة من صياغته باسلوب مهني احترافي دون تكلف او تصنع لانها مسبقا قد اختمرت الفكرة عندها ثم شرعت بالتدوين وهذا في حقيقة الأمر اعطى رصانة وقوة للمفردات والجمل التعبيرية التي كانت عبارة عن شعلة وهاجة والتماعات نيرة وسط الظلمة . اما فيما يخص الجوانب الجمالية والفنية فانها كانت موفقة في عملية السرد والبوح بايجاد رابط بينهما عندما وظفت اللغة بشكل سليم في التدرج في البناء القصصي مما اعطى دلالات جديدة ووضوح اكثر في تبيان هيكلية القص الناجح وسحب المتلقي الى ساحتها واستشعاره بالمتعة في القراءة رغم الحزن الذي خيم على القصة . أما في قصتها حب خال من الدسم فقد نسجت حبكتها من اليومي المتكرر ومن الواقع المعاش الراهن وهي في تفاعل عميق مع الواقع لتنقل بنسق سردي التتابع في تقديم اشكال متعددة من خلال المبنى الحكائي المتميز المرتكز على اسلوب جمالي متعدد مما جعلها تعطينا نتاج قصصي زاخر ومتسم بطابع كتابة جديدة دلاليا وفنيا وجماليا . اما في قصة امي الحبيبة  وجدت ان المبنى الحكائي فيه انها كانت ملتصقة بامها وتمكنت من ايضاح كل مفصل من مفاصل التواصل معها اذ كانت ملتزمة في تنظيم مجريات الاحداث زمنا ومكانا واعطت للحوار والمناجاة الذي دار بينهما الأثر الكبير في اثراء النص كونها منحته بريقا اضافيا ، إذ حذقت بحرفيتها ان تحبك قصة رصينة وتختار مفرداتها بدقة متناهية مراعية اللغة الوسطى وميالة الى لغة مفعمة بالتألق التعبيري اذ انها تتبعت اثر كل لحظة انسانية مستخلصة من اعماق الروح كل مااحاط بها من علاقة مع والدتها ، لمست ايضا ان بدايات قصصها كانت ناجحة والتي من خلالها حددت مسار نجاحها ، وفيما يخص النهايات فكانت فيها التنوير النهائي على اعتبار انها اللمسة الأخيرة التي تمنح الكشف عن الشخصية والمعنى . امتلكت احساس راق في عملية القص من حيث انها تطوع المفردة وتداعب باناملها الحروف باسلوب شيق بحثا عن اظهار المكنون والمخفي .

ابارك لهذه الأديبة الرائعة حين تمكنت من انتاج قصص احتوت على كل اليات القص المتين من حيث اللغة والصياغة والاسلوب والفكرة واعطتنا لوحة قصصية فيها كل مكامن الجمال والابداع.

 

 

" تعي دفيكي "

الجزء الاول

زوجي العزيز : هو احد امرين ،،، او انك صرت تشكو من شح خطير في المشاعر او تعطل ميزان الحس لديك لذلك صرت تستعين" ببوست" سخيف ترسله لي في عز هذا البرد كما يفعل غيرك لتحدثني عن الدفئ وتقول لي " تعي دفيكي " .... ماذا تظن نفسك ...عصري ،، مهضوم ،، ام انك صرت اخيرا الرجل المتعاطف الحنون .... لعلمك يا سيدي انني انتمي لجيل العقد الخامس عند النساء ،، الذي صار اليوم وسط تلك الأجيال المعاصرة ما يسمى بالرقم الصعب و العملة النادرة .. جيلنا الذي كان عقد زواجه منذ ثلاثة عقود وهو لم يزل بعد في عمر الورود .... كان الزواج المبكر الموضة في ايامنا وكنا حريصات على اتباع احدث خطوطها وازياءها وقصاتها ... كنا في عمر الورود و كنا نواكب الموضة ومع امواجها كنا نموج .... وكنتَ كغيرك من الرجال ، فارس الأحلام جواد يمتطي جواد ، يصهل معه ويصهل لصهيله وحين يبلغ بوابة دارنا ،،،، يشد لجامه ويكاد يفقد صوابه حين ترحب به عرائش الياسمين ، يستقبله عطره الفواح الرقيق وتحييه شتول الورد ويسلم عليه قوام الزنبق الأنيق ......... مددتَ لي يدك حينها فتركتها لك ببراءة عمر الطيبة والصبا ...رفعتني على جوادك ،، فجلست خلفك احتمي بظهرك واطوق خصرك لتنطلق بي حينها وردة ندية مضرّجة بالخجل والوجل ... كنت اسمع صهيل فرسك وصهيل قلبك فيرتجف قلبي حماساً وتاثراً والفرس يعدو بنا نحو ارض الحب والفرح الموعود ....... هناك شعرت بالبرد لأول مرة حين عرفت انك تنتمي لعشيرة لا تشبه عشيرتي ....الحب عندكم مسوّر بحدود !!!!! ولا يمنح للصبية الغريبة مجاناً وله في ذلك شروط وقيود .. وكنت اشعر بالبرد بينهم ..... وحينها كان عليك ان تقول لي " تعي دفيكي " ..ولكنك كنت تبقى صامتا كأبي الهول .. ولم اكن سوى في الثامنة عشرة ...يافعة جدا وطيبة جدا ومستغربة جدا وسط وجوه مسطحة تجيد تبديل الأقنعة ،،، فلا اعرف الأصلي فيها من التقليد واشعر انني غريبة جدا وضعيفة جدا .... في االثامنة عشرة ،،، كنت أحاسَب على هفواتي وكانني املك خبرة الثامنة والثلاثين وكم كنت ارتجف واشعر بالبرد ،،، وكم انتظرتك لتقول لي " تعي دفيكي " .. كنت احلم ان ترفع لي رأسي حين اوشك ان انكّسه وتثبّت لي كتفي حين اود لو الوذ بالفرار ... ولكنك وسط اهلك كنتَ الشيخ والأمير ،، كنتَ الزعيم وكان لك السمع دون تردد وكانت لك الطاعة بلا حدود .وكنت اشعر بالبرد ولم تقل لي يوماً " تعي دفيكي " .... بعدها تعلمت ان اعتمد على نفسي فاوقد لها دفئاً من نفسي وحين جاور قلبي ذات يوم نبضاً ضعيفاً آخر غير نبضي عرفت انني انتظر مولوداً منك فتفائلت ... اخيرا ستكون لي ...اخيرا ستعيش معي سحر اللحظة وروعة الحدث السعيد اخيرا سيصبح لنا عائلة واطفال وخصوصيات ...اخيرا سنصبح اسرة انت لي فيها السند والحامي وال................ ولكنك............................والى للقاء في الجزء الثاني والأخير ( نورة ))

 

"تعي دفيكي " الجزء الثاني والآخير .. ولكنك تركتني في توقيت النساء الأهم ......وقت الولادة وهن بين الحياة والموت .. وبحجة السفرة الطارئة والعمل الذي لا يرحم والمستقبل والمجد الذي تسعى له ....ادرت ظهرك ورحلت ومن قلبي من حينها تداعيت .... وكانت ولادة عسيرة تركت طاقم المستشفى في عجز وحيرة ....ولم يكن يكفي صدر امي الحنون ولا ساعد الطبيب الموزون ،،، وكنت احتاجك شريانا للحياة في حين كان علي ان اهب الحياة وكنت اشعر بالبرد في عز صيف " تموز " ولم تقل لي حينها " انا هنا "وتعي دفيكي " ... ثلاثون عاما مضت لم تتذكر خلالها مرة عيد زواجنا لتقول لي " كل عام وانت بخير " ربي يخليلي ياك " ...حتى في عيد الأم لم تكن تعايد سوى امك متناسيا انني بدوري اما. وانك بفضلي صرت ابا لثلاثة من الذكور ..ومعهم غدوت الثريا المضيئة في حياتنا بثلاثة شموع.... سواء في عيد زواجنا او في عيد الأم او في اعياد ميلادي كنتَ تستكثر علي دائماً " كل عام وانت بخير" و الله يحميلي ياك . ... و كثيرا ما كنت اشعر بالبرد ولم تبادرني مرة ب " تعي دفيكي " .... ثلاتون عاما مضت على هذا الزواج كنت تسافر خلالها لاهثاً خلف اعمالك طامعا في انجازاتك ،،لم تتصل بي مرة لتقول لي انك نشتاقني او تفتقدني وكنت تعود دائماً محملا بالهدايا ، ممتلئ الجيوب ......................وفارغ القلب ... وكم كنت اشعر بالأسى وانا احس انني اسكن في الجزء الخلفي من دماغك ،، واحوم دوما حول قلبك فلا تترك لي منفذا اليه عن سابق تصور وتصميم .........وكانت تسري في داخلي قشعريرة برد ولم تقل لي ابدا وقتها " تعي دفيكي " . ثلاثون عاما مضت ...هل تعلم يا زوجي العزيز اي شوط قطعته خلالها من العذاب الصامت حين اعلم واتاكد انك تقطع في احدى نزواتك العابرة التي يقطع بها حكما معظم الرجال .... وكان علي ان اتحمل بروح رياضية ،، فاصبر بترف واتحمل باناقة لأن ما لقنتني اياه امي كان اطروحة في حسن التصرف واللياقة .... ان للبيت اعمدة عديدة يا بنيتي هي الرجل وجسر واحد هو المرأة هو انت فلا تنسفي الجسور كي لا ينهد السقف على روؤس هؤلاء الصغار ابناؤك .. وكنت وفية لحكمة امي وامومتي و وصية جدتي ...( الحكمة يا صغيرتي ثلثاها تغابي وثلثها فطنة) .. هكذا كانت تردد على مسامعي ...لا حقاً حين تكررت نزواتك اضطررت للتعديل في الوصية ومسارها ...ولم تعد الحكمة في نظري تعادل ثلت فطنة وثلثان تغابي صارت باثلاثها كلها .... التغابي ثم التغابي ثم التغابي .. لأن الفطنة كانت لدي والحمدلله تحصيل حاصل.. وكنت تظن نفسك حاذقا جدا وكنت اراك متذاكيا جدا فاتركك تعتقد انني آخر من يعلم ،،ادعك في عماك وانكفئ على نفسي ،، يرتجف قلبي ويكاد يثلج من شدة البرد ورغم ذلك ...... لم تاخذني مرة على صدرك لتقول لي انك آسف وانك اخطات " وتعي دفيكي " . ثلاثون عاما مضت ... امتدت شجرة العائلة ،، ومن بيتنا تفرعت ثلاثة بيوت وصار لنا باقة احفاد صاروا فرح مواسمي وصارت ضحكاتهم الدفئ الذي يسري في اوصالي .......................ولم اعد اشعر بالبرد .... زوجي العزيز ....انتهت رسالتي .. لم افكر في الكتابة لك يوما ولكنه ذاك البوست . تعي دفيكي """"" كان تلك النقطة التي طفح منها الكيل ،،، فانساب البوح وتفككت سلسلة المشاعر .. ساترك الرسالة لك جانبا واذهب للنادي حيث ينتظرني صف " الأيروبيك " ودفىء الصحبة الحلوة ورفيقاتي ... زوجي الحبيب ..... ابواب الدار مشرعة لك ، ،، وصدر البيت يرحب بك ، تركت لك المدفأة مشتعلة والحساء الدافئ الذي تحبه على المائدة بانتظارك ... وفي حال كنت متعبا تستطيع التمدد عل فراشك والتامل بالسقف فوقك .... السقف مذكر اليس كذلك ؟؟؟ ولكن الوسادة التي يغرق فيها راسك وعنادك هي مؤنث ....فلا تنسى ذلك وتذكر .....دائماً تذكر .. ( نورة ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حب... خالٍ من الدسَمْ

 

ملاصقاً لسور المستشفى، حيث كان يعتصم بائع الكعك بمنقله وكعكاته الشهية التي إستوقفت المرأة لتنتقي منها قمراً ذهبياً ساخناً شَرعت في إلتهامه بشهية مفتوحة وحدها تعرف سرّها.
كدشة وراء كدشة من العجين الساخن والزعتر كانت تجرفها في نشوة عارمة من الأخذ بالثأر من ذاك الرجل الذي يرقد في المستشفى أمامها على سرير أبيض تحفه أغطية بيضاء.

هو نفسه الذي أوصاها البارحة على كعكة يزعتر بها خفية عن طاقم الأطباء والممرضات ونظامهم الغذائي الصارم.
تبسّمت لنفسها منتشية حين لاحظت القمر الذهبي الدافئ بين يديها، يتناقص تدريجياً ويكاد يصبح هلالاً يتلاشى بسرعة قياسية.
لجمت شهيتها المفتوحة على كل الإحتمالات. لفّت بالورقة ما تبقّى من الكعكة، دسَّتها في حقيبتها وإنطلقت تصعد السلالم نحو باب المستشفى منتصبة القامة مرفوعة الرأس واثقة الخُطى، لا يخالطها أدنى شعور بالذنب أو الندم على نصف كعكة ستعطيها لهذا الرجل الذي لم يُعطِها طيلة مسيرة حياتها سوى مجموعة انصاف.

أعطته حباً كاملاً، قلباً كاملاً، عمراً كاملاً، ودائماً كان بكامل قواه العاطفية لا يتصدّق عليها سوى بنصف قلب، بنصف حب ونصف عُمر.
حتى حين وعدها ببيت الأحلام بنى لها نصف بيت تاركاً أعمدة الأساسات على السطح منتصبة تتورم تعباً من الوقوف وتتثاءب ضجراً من الملل.
ملل من طول إنتظار عائلة لم تكتمل.

حتى القدر تآمر عليها معه فخذلها على طريقته حين أهداها هذا الرجل الذي كوّنت معه نصف عائلة فقط دون أبناء. رغم ذلك أصَرّت أن تكون له عائلته الكبرى من الأم والأخت والحبيبة، حتى الزوجة والأبنة، رغم علمها جيداً أنها ربما لو حَمَلت إسم غيره لَحَملتْ ربما بقبيلة من الأطفال.

هو القدر وهي مستسلمة لقدرها ساكنة ذاك السكون المتخاذل الأحمق قانعة بقسمتها ونصيبها بذاك النصف الفارغ الذي يَمنّ به عليها والذي لا يروي ولا يُسمِن ولا يغني عن جوع.
كانت تخطو برشاقة مُلفِتة في ممر المستشفى يخالطها شعور خفيف بالشبع حين تذكرت أنها سَنَدت قلبها منذ قليل بنصف كعكة ساخنة إقتنصتها من حصة هذا الرجل الذي لن يطال منها بعد اليوم سوى النصف من كل شيء. بدءاً من نصف الكعكة ستنقلب الآية.

ستكون باسلةً، ستستجمع شجاعتها المتخاذلة وإصرارها لتسترجع منه كل ما لها بذمته من أنصاف، عبر ربع قرن، وتبدأ هي بالتالي تتصدّق عليه وهي بكامل قواها العقلية والعاطفية.
من قلبها لن تهبه سوى النصف. ومن حبها ستحجب عنه النصف، حتى جسدها لن تدعه بعد اليوم يتحلل بكامله بين ذراعيه، ستعطيه نصفه الصنم البارد، المبلّد الأحاسيس وتحتفظ لنفسها بنصفه الدافئ النابض بالحب والحياة.
منذ الغد حين يغادر المستشفى سليماً معافى ستباغته بسياسة الند للند، العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم ومثلما تراني يا جميل أراك.

كانت أفكارها تغافلها متسللة تجتمع بين شفتيها تمتمات شبه مسموعة وسط حلقة أشخاص ظلوا يُحدّقون إليها بفضول غريب وهي تتخذ مكانها بينهم أمام باب المصعد تنتظر بدورها وصوله. شعرت بالأحراج، إبتلعت ريقها، علّقت حقيبتها في كتفها ثم شبكت يديها على صدرها متجاهلة الأمر، شاخصةً ببصرها مع الشاخصين بأبصارهم نحو الإشارة الضوئية وهي تشير الى المصعد في الطبقة الأرضية.

حين فُتحَ الباب وولجت المجموعة داخل الكابين كان عددهم معها لا يتجاوز الخمسة أشخاص، ضغط كل بدوره على رقم طابقه وأخذ ينتظر لأكثر من خمس ثوان، أخذ المصعد يئن ويعنّ مستنفراً كل قواه ليحملهم ببطء شديد لفت إنتباه المرأة وأثار همة تفكيرها.
عزت الأمر لسلامة المرضى ربما أو للحرص على راحتهم أثناء نقلهم ربما.
كان عقلها يشتُّ في إتجاه بينما خيالها يجنح صوب إحتمال آخر. لعله لم يكن مجرد مصعد عادي بقدر ما كان حمالاً للهموم. يحمل همّها وهم هؤلاء الأفراد المحيطين بها.

إختطفت من الوجوه حولها نظرة عابرة. لا إبتسامات في مصاعد المستشفيات، ليس هناك سوى التنهدات والكل يغني على مواله الحزين.
كانت المرأة عن يمينها تزفر الزفرة تلو الأخرى والرجل عن يسارها يتمتم راجياً رحمة الله وفرجه، حين فتح الباب وأُفرج عنهما معاً في الطابق الأول عند قسم العلاج الكيميائي والأمراض المستعصية. سبحان الله، أخذت المرأة تحدث نفسها، بالتأكيد هما قريبا شخص عزيز دخل نفق هذا العلاج المشؤوم طامعاً بوصلة إضافية إصطناعية من الحياة.

في الطابق الثاني إستراح المصعد أمام قسم الولادات والأطفال حيث أحد لم يدفع الباب. أخذت تتخيّل رواد هذا القسم وزواره، بالتأكيد لا ينتظرون المصاعد، اقدامهم تصعد السلالم بخفة الغزلان محمَّلين بهدايا الحدث السعيد، علب الشوكولا، باقات الزهور وافراحهم بالمولود الجديد. حماسهم وحده كفيل بأن يحملهم حتى الطابق العاشر على رجل واحدة، سبحان الله... كانت تتمتم لنفسها وهي تغادر الكابين عند الطابق الثالث حيث جناح العناية المركزة وأمراض القلب والشرايين.

ركّزت حقيبتها على كتفها وانطلقت تقطع الممرات الطويلة بخطواتها المتراصّة حتى بلغت الغرفة إياها حيث دفعت الباب برفق وحذر تتفقّد رجلها، فأذا بها تعاين فراغ المكان. إرتجّ قلبها في صدرها وكاد يقع فريسة أسوأ الأحتمالات لولا تلك الممرضة التي أسعفتها في توضيح الملابسات. «لا تجزعي يا سيدتي زوجك في العناية الفائقة بعد تعرضه البارحة لنوبة قلبية، اتبعيني لزيارته من فضلك

في غرفة العناية المركزة أعطوها جهازاً كامل التعقيم، من غطاء الرأس، الى الروب الأبيض حتى الجوارب المعقّمة ثم أوصوها التوجه مباشرة نحو الغرفة الزجاجية حيث يرقد المريض مع التقيّد بالتعليمات.
«
احرصي سيدتي على ألا تمسّي شيئاً في طريقك حتى لا تنتشر الجراثيم، أخذت تخطو نحوه بتأن، كانت تحفّها طاقة حب فتشّعُ منها هالة افكار وتساؤلات. ترى اليست اشعاعات هذا الحب الذي يملأها كفيلة بتعقيم تلك الأرجاء حولها. خيالها كان جامحاً، أما عقلها فكان يتولى أمر ردّه لجادة الصواب، يخبرها حقيقة لا مناص منها في هذا المكان هنا، حيث لا يؤمنون سوى بما تشير اليه الأجهزة والأنابيب وتسجله الآلات التي يرقد بينها الرجل على ظهره.

تأملته، سبحان الله هو نفسه الذي بقي لسنوات طوال يدير لها ظهره، عادت قضية الأنصاف تشوّش على تركيزها، كيف أسرفت قلبها لتفديه؟!
كيف بذّرت كامل حبها لترضيه؟!
كيف سفحت كامل عمرها عند قدميه لتسعده وترويه؟!
كيف وكيف ،كيف كانت هي وكيف كان هو بكامل قواه العقلية والعاطفية شحيحاً وضنيناً لا يتصدَّق عليها سوى بنصف قبلة، بنصف حبه، بنصف إهتمامه معظم الرجال من حولها يخصمون سلفاً من حصص نسائهم نصف قلوبهم، نصف حبهم ونصف إهتمامهم.

أكثر النساء من معارفها يكابدن مثلها وجع تلك الأنصاف وسوء مرارتها. كانت تتقدم منه وهي تحدّق به عاجزاً لا حول له ولا قوة، ودّت ساعتها لو ترشقه بسهام تلك الأسئلة الصعبة.

ترى أين يذهب الرجال بكنوز أنصافهم؟!
ماذا يفعلون بها؟ هل يرمونها في البحر مثلا؟!
نورا الزين حلاب
أين يهدرونها؟! هل يختزنونها لأمرأة اخرى؟!
هل لديهم في الأساس شحّاً في عواطفهم؟!
أم يكدّسونها في صدورهم عمداً عبر السنين حتى تنفجر بهم ذات ليلة في نوبة قلبية؟!
أخذت تدنو أكثر فأكثر من العازل الزجاجي، صدرها يعلو ويهبط على وقع أنفاسها الدافئة المتلاحقة على صفحة الزجاج بقعاً ضبابية تتبينه من خلالها. كانت تقرأه وكان يرنو إليها بحب كبير، عيناه منصّة اعتذار تتلوان عليها قصيدة حسرة وندم، طاف في بالها ساعتها إحتمال وخطر لها ما لها بذمته!! كان مديناً لعمرها بمخزون الحب الهائل.

ماذا لو قرر الآن أن يصفّي حساباته أو يبرئ ذمته أمام ربه ونفسه فيعيد إليها حقها من قلبه ويفرغ لها مرةً واحدة كل بيادر حبه. ماذا ستفعل عندها؟!
كيف ستتدبر الأمر هي التي أصبحت في المقلب الثاني من العمر؟؟
ربع قرن كانت خلاله تَضخُّ في أيامه حباً غنياً كامل الدسم، غذاءً ملكياً للقلب والعقل والروح. ربع قرن قضاها ذاك الرجل يمتص رحيق هذا الحب يشرب من زبدته ولا يشبع!!



كيف سيعيده إليها اليوم وقد صار بلا لون ولا طعم ولا رائحة. لم يعد يلزمها حبٌ صار ماصلاً!!
سيعيده اليها حباً خالياً من الدسم...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على طاولة القراءات الثلاث / للناقد الهانئ بن عقيل/ لنص / رصاصة الرحمة ..لنورة حلاب

على طاولة القراءات الثلاث


.................((ادلجة النص والخطاب الشعري في قصيدة النثر))

( رصاصة الرحمة انموذجا )


المقدمة

ممالاشك فيه ان لكل نص ادبي اطياف هيولية متعددة منها مايكون فيض ذاتي تقتضيه المعاني المدرجة من قبل صاحب النص ومنها مايكون طيفا خارج السياق تقتضيه التراكيب المستحدثة والمجاز المبتكر لكن في كل الاحوال تتعدد تلك الاطياف برغم انها تصدر من ثيمة واحدة قد ترمز وقد تظهر لتوحد تلك الاطياف وبذا هي تقدم للناقد نصا نقديا وتملي عليه حيثيات كتابته بكل مافيها من انزياح ودهشة وان نحن اعدنا صياغة النص فقد يخف وقع الدهشة وهنا تطرح عدة تساؤلات من الذي يوجه خطى العملية النقدية ؟ ومن الذي له القدرة على التحكم في حيثيات الكتابة النقدية ؟ وحول هذا وذاك تتمحور عدة سياقات اجتماعية وفكرية وثقافية يمكن ان تكون قرينة المؤسسات ورغم ذلك يبقى النص الداخلي على درجة كبيرة من الخفاء ولكي يكون الحكم النقدي على درجة كبيرة من الصحة والمصداقية لابد من الارتكاز على نمط من البحث يتغلغل تحت قواعد السؤال النقدي وهنا سوف ندخل بل لابد ان ندخل الى ادلجة المناهج الحداثية بعيدا عن وجاهة المنهج ليفتح النص اكثر فاكثر وهذا سوف يمنحنا سلطة الصوت الذاتي القائم بين النقد كمنهج والايديولوجيا اذا نحن ازاء سلطة نقدية جديدة تتصدع امامها معمارية النص المغلق وآالية كتم الصوت الذاتي داخل النص فكما هو مسلم به ان يحمل الفكر النقدي حيثيات متصلة بعملية انتاج النص الادبي

*********************************************************************

(النص )

رصاصة الرحمة "


ضجر الضجر من نفسه ...

اسند كله على راحته ...

ولفّ الساق على الساق ...


همست للرجل نفسه الأمارة ...

طرزت له موائد التحلية ....

فتمتم لنفسه سراً ...

نوينا التسلية ....

ولم يسمّ بالله...


خجل الحماس من قلة الحيلة ...

نكّس الرايات البيضاء ...

وتسلق اعلام التحدي ....


هي ......................

على شاشة الأمسيات ...

وداعة بيادر القمح ...

وانوثة السنابل الذهبية ...


هو ........................

في المشهد المعاصر ...

يدندن الغرور لحن النشاز ...

في القيثارة العربية الذكورية ...


النفس الأمارة تهمس ....

لبيك لها يهتف ....

ولا يبسمل ...


جرف الرجولة ....

في قبضة السهم المسموم ...

بصريح العبارة والحروف .....


صوّبه لقلبها الأيمن ...

فادارت له الأيسر .....


تلعثم النبض ...

ارتجف الوريد ....

تراقص تاج الشريان ...

تموضعت العضلة في مهدها ...

فهامت الروح....

لسابع سماء..............

حيث تدوّن الملائكة والكتاب ...

ويشهد شهود الحق العيان ....


بينها وبينه ، كان طول السبع سموات ...

وعرض ابتسامة تصغي لهمس البهاء ...

للوصايا بمحاسن الصبر ...

للوعود بكنوز المرجان ....


بينه وبينها ، كانت سبع خطوات ...

وشهية قبلة مفتوحة ...

على عسل التمني ...

ومقعد الأحتمال ...


بثقة اخذ يدنو ...

لليقين كانت عهودها تبتسم ...

وكان متفائلاً .....

يظنها قد غفرت له .....


(نوره حلاب) لبنان

**********************************************************************

القراءة الاولى

(الخطاب الشعري )


ان خرق الواقع التكهني للنص وكثافة اللغة الشعرية كفيلان بمنح الخطاب النثري سمة الشعرية وهذا مانجده في ( رصاصة الرحمة ) حيث توخت الشاعرة اللبنانية نوره حلاب

كل السبل الحداثية لتحويل خطابها النثري الى خطاب شعري اذ كثفت المعنى وانتقت تراكيبها بحذاقة وبلغة محايدة وشفافة ليس هذا وحسب بل منحتنا ايقونات خطابية متعددة الاصوات داخل النص فنراها تارة تصرح بصوت هيولي نابع من الذات الحائرة فتقول هو وهي اذ تتمكرز لديها انات حائرة باصوات متعددة خارجة عن منطق النص الجمعي والتثاقفي ومن خلال ذلك نسشعر ترددات الذاكرة بالفعل الكلامي المصرح به وهذا لعمري تمظهر للذات المتكلمة العاكسة لروح النص الادبي .

هي ......................

على شاشة الأمسيات ...

وداعة بيادر القمح ...

وانوثة السنابل الذهبية ...


هو ........................

في المشهد المعاصر ...

يدندن الغرور لحن النشاز ...

في القيثارة العربية الذكورية .

الشاعرة نوره حلاب بتماهى لديها النص بين ثنائية الشعر والايديولوجيا من خلال التقابل والتضاد والتداخل وهي علاقات يحكمها الرمز واللغة الاستعارية وهذا يدلل على امتلاك الشاعرة لمخيال خصب وظفته الايدولوجيا لبناء مفاهيم فكرية مستحدثة وفي اطار ذالك قامت الشاعرة باستدعاء مفاهيم حداثية لتفكيك سلطة النص الايديولوجية ومنح الافق النصي حرية اكثر والتمرد على الرؤى المستقبلية لها


بينها وبينه ، كان طول السبع سموات ...

وعرض ابتسامة تصغي لهمس البهاء ...

للوصايا بمحاسن الصبر ...

للوعود بكنوز المرجان ....


****************************************************************

القراءة الثانية

( الانموذج البنائي )

رصاصة الرحمة كأنموذج ابداعي استطاعت ان تجد لها تشكيلا بنائيا كشف لنا سلطة الحوار الشعري والانموذج البنائي للنص فالشاعرة منحت النص حوارا وصراعا وتعددا للاصوات الشعرية يمكن من خلالها استطاع النص بناء الصورة بعيدا عن سلطة التقريرية والخطاب المباشر وهنا تكمن قدرة الشاعرة وتمكنها من بناء النص وفق معرفية متاصلة ومخيال للبحث عن الوجه الاخر للحقيقة

بينه وبينها ، كانت سبع خطوات ...

وشهية قبلة مفتوحة ...

على عسل التمني ...

ومقعد الأحتمال ...


ان ما تهمسه نوره حلاب في اذن المتلقي لايمكن ان يرتكز على الحدث فرصاصة الرحمة قصيدة منفتحة على تعدد القراءات واختلاف الاطياف التي من شأنها الغاء خصوصية النص وبهذا تتفرد الشاعرة في بنائية مستحدثة وضعتها لاقامة بنيتها الشعرية


بثقة اخذ يدنو ...

لليقين كانت عهودها تبتسم ...

وكان متفائلاً .....

يظنها قد غفرت له .....

*******************************************************************

القراءة الثالثة

( الصورة الشعرية )


للصورة الشعرية التي تقدمها نوره حلاب وجه تثاقفي منسجما مع رؤى التجديد والانفتاح

فهي استخدمت البنية المجادلة تقديرا منها للواقع الجمالي بلغة تعبيرية رافضة لكل رؤى التقولب والانكفاء وهذا ما نلمسه من خلال التنازع التثاقفي داخل النص لصناعة صورة متمردة وسعت نوره حلاب فضاء تلك الصورة بحدود ابداعية مستحدثة

تلعثم النبض ...

ارتجف الوريد ....

تراقص تاج الشريان ...

تموضعت العضلة في مهدها ...

فهامت الروح....

لسابع سماء..............

حيث تدوّن الملائكة والكتاب ...

ويشهد شهود الحق العيان ....

نوره حلاب شاعرة حداثية تتكون لديها الصورة باطر متعددة لتجسيد الدلالات النصية بحذاقة متفردة في قدرة تموضع الصورة داخل النص الحق ان الصورة لديها اكسير يمنح النص الحياة بمتلازمة فنية شعرية

وهنا نستطيع القول ان نوره حلاب استخدمت الصورة الشعرية وسيطا لتيحل النص النثري الى نمط اخر وهذا يدلل على عمق التجربة وقدرة الشاعرة على صياغتها ومن ثم تلقيها وهي بذا تقوم بنقلة شعورية وجدانية تختصر من خلالها الافكار والتداعيات الشعورية داخل النص

تلعثم النبض ...

ارتجف الوريد ....

تراقص تاج الشريان ...

تموضعت العضلة في مهدها ...

فهامت الروح....

لسابع سماء..............

حيث تدوّن الملائكة والكتاب ...

ويشهد شهود الحق العيان ....

*********************************************************************

العراق / هاني عقيل

الاربعاء / 4/ 5 /2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق