السبت، 24 ديسمبر 2016

تصورات حول الخطاب السردي القصصي القصير جدا // بقلم الاستاذ عبد المجيد بطالي // المغرب

دراستي حول القصة القصيرة جدا الموسومة بعنوان: 
(تصورات حول الخطاب السردي القصصي القصير جدا) في صفحة 
(ثقافية المستقبل العراقي).. تحياتي وتقديري لكم
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
18/دجنبر/2016
18/ربيع الأول/1438
=====================
تصورات حول الخطاب السردي القصصي القصير جدا 
○○○○○●● ذ/ عبد المجيد بطالي ●●○○○○○
=====================
ينهل الخطاب السردي القصصي القصير جدا، من ينابيع ثقافية ثرة تراثية وغيرها.. منها التاريخي والاجتماعي والواقعي، والمتخيل الأسطوري، ويوظف كذلك الموروث الشعبي (الأمثال السائرة).. وما ينفتح عليه من ثقافات الشعوب المختلفة، والرّفْدِ منها ما يرصّف به بنيته اللغوية / التركيبية، وما يدعم به بناءه الدلالي العميق... وذلك باعتباره خطابا حداثيا مختلفا، يبحث عن تطوير كينونته الإبداعية، مستشرفا آفاقا أوسع ومعالم أرحب، حيث أنه أصبح مرتادا لعشاق كُثر من القراء، وقبلة للأدباء والشعراء والروائيين والقصّاصين وغيرهم... لما يتميز به هذا النوع السردي المشاكس من صفات تميزه إن على مستوى البناء التركيبي، أو على المستوى الفني والجمالي والسياقي... وكذا لما يتمتع به حجمه القصير جدا، المتماشي والمنسجم مع سياق الحداثة والمعاصرة، وما تطرحه من مستجدات واقعية واجتماعية مكثفة، تحتاج من المبدع اليوم أن يعبر عنها بسرعة ودقّة في خطاب سردي، مكثّف لغويا، مشحون دلاليا، ومختزل تركيبيا... مدهش وواخز معا، في نهاياته السّردية الحكائية، مثير لاستجابات القارئ / المتلقي، متطلع لتحقيق ميوله وحاجياته ورغباته سواء النفسية أو الوجدانية، والفكرية أو الاجتماعية، والحضارية وغيرها، قصد محاورته ومقارعته والنبش معه في القضايا المطروحة عليه... ولما يتمتع به من جاذبية في شكله، ومرونة في استلهام تجلياته من روافد شتى وينابيع مختلفة... ليضع منها لبنات معماره... إن على مستوى الشكل (البنية التركيبية) أو على المستوى المضمون (البنية الدلالية)... 
كما يمكن القول بأن القصة القصيرة جدا، كوْنٌ مجتمعي شاسع بتفاصيله الدقيقة وشخوصه المختلفة المتناقضة حينا والمتآلفة أحيانا أخرى... بحركاته المتناسقة والمتنافرة في ذات الآن... بأحداثه المتراكمة في الزمان والمكان... بمعالمه النفسية والاجتماعية والسياسية... الذاتية والموضوعية... كل ذلك وغيره يقدمه لنا هذا النوع السردي المكثف جدا، ضمن خطاب متناسق أحيانا، مختزل تركيبيا في جمل وكلمات قلائل جدا.. لكنه مخاتل تارة ومنفتح تارة أخرى على قراءات المتلقي المتعددة.. كل حسب وجهة نظره أو من زاوية طريقته أو منهجه أو منظاره الذي يرى من خلاله هذا الخطاب القصير جدا (المنضغط) ... سيّال المعاني، متناسل الدلالات...
والقصة القصيرة جدا باعتبارها نوعا أدبيا أثبت وجوده بالفعل في الساحة الأدبية، حيث أنه استطاع إقناع مريديه وعشاقه بركوب بحر المغامرة الإبداعية... وخوض غمار تجريب الكتابة السردية القصيرة جدا... والوصول بها إلى شطّ الأمان، وإثبات الذات... يساعده في ذلك اعتماده على المرجعيات المتعددة التي يرفد من خلالها موضوعاته المتنوعة، ويعالج قضاياه المختلفة المتصلة بواقعه الاجتماعي والتاريخي والسياسي، وكذا التعبير عن حالاته النفسية والعاطفية والذاتية، وكذا تصوير أحلامه وآلامه وآماله... وغيرها، كل ذلك في لقطة قصيرة جدا، مقتطفة بكاميرا السارد معبر عنها لغويا بكلمات وجب فيها بالضرورة الاختزال والتكثيف وسرد الأحداث بطريقة مركزة دون تفاصيل مملة ولا ثانوية في جمل أغلبها فعلية تهتم بالحدث / الفعل في الزمن (الماضي / المضارع..) كما تعتني بالراوي الذي يتقمص في أحيان كثيرة شخصية البطل للتعبير عن قضاياه.. واهتماماته.. وهمومه.. وتطلعاته المستقبلية.. وحكاياته التاريخية الماضية.. كذلك بأسلوب سهل وممتنع في ذات الوقت.. 
وما يجعل كتابة القصة القصيرة جدا مُوقعا للسارد في (المجازفة) هو ذلك التكنيك الأسلوبي إن شئتم الذي يحاول الكاتب من خلاله سرد قصته الطويلة (مجموعة من الأحداث) بطريقة مختزلة جدا مما قد يضيع عليه سبك النص وتقديمه للقارئ في طبق مثير وجذاب يأسره إلى المتعة الجمالية وإلى اللذة القرائية المنتهية بخاتمة مدهشة غير متوقعة لدى المتلقي تحرك فيه مكامن التفكير والتساؤل والتأمل من جديد.
والقصة القصيرة جدا حسب تقديري تلكم اللقطة التصويرية الدقيقة التي تحتاج من صاحبها / السارد Narrateur ... إلى المعرفة اللازمة، والدراية الممكنة لالتقاط الصورة بعدسته التعبيرية... التي تتشكل منها في النهاية تلكم (القصة القصيرة جدا) بأسلوب سهل، ومتقن يجعل المتلقي منجذبا وراء تتبع الحدث الرئيس / (البؤرة)... والتي تُنسج حوله الحكاية بتفاصيلها، وأحداثها وأشخاصها، بلغة تصويرية متفردة، حيث إنها ترسم ظلال لوحات فنية مثيرة ومشوقة، تسير في النهاية، نحو إقامة مفارقة مدهشة محبوكة تأسر المتلقي إلى الانخراط اللامشروط بكل جوارحه وأحاسيسه في الحكاية...
==============
ذ/عبد المجيد بطالي/المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق