الثلاثاء، 28 فبراير 2017

بين حياتين : قراءة في قصيدة الشاعر محمد معتوق " ترانيم لعشق لايموت " بقلم الاستاذ اوس غريب /// العراق

بين حياتين قراءة في قصيدة الشاعر محمد معتوق "ترانيم لعشق لا يموت "
اولا : القراءة :
"تراتيل لعشق لا يموت " هذا العنوان الذي كثيرا ما يشار إلى أهميته حتى جعله بعضهم النص كله وراح يؤكد وينوه بأهميته .
ما الذي يحمله ، و يضمره هنا في قصيدتنا التي نذهب إلى دراستها .
" تراتيل لعشق لا يموت " 
هذا هو العنوان عتبة انفجار الخفايا وانطواء المضامين ، بؤرة اسرار النص وباب مقولاته .
لنتأمل فيه ، لنتأمل في صيغة النفي " لا يموت" 
أليس في هذه الصيغة تأكيد على الحياة من خلال سلب ضدها ، سلب الموت .
كأنه يقول : الموت يتقهقر وينثني وتقصر يده ويعجز .
والحياة تتأكد وتترسخ وتثبت .
إذن فالنص ينطلق من الموازنة بين الحياة والموت ويعلن منذ البدء انحيازه الى الحياة وتبنيها واختيارها ، وهي كما يظهر العنوان حياة الحب الشديد ؛ حياة العشق الذي تتعلق به الروح و تتمسك وتنزع .
لها يرفع الشاعر ترانيمه ويزجي ابتهالاته وأغانيه الكثيرة والمتكررة كما تدل صيغة الجمع "ترانيم "
يقول الشاعر :
"وقور 
كعينيك ذاك المقام 
يفيض المدى 
طافحاً 
من يديك 
برف اليمام 
يبوح بسر التجلي لهذا التمام"
" ذاك المقام " لنتوقف قليلا مع هاتين الكلمتين :
- اسم الاشارة : "ذاك " .
كما نعلم جميعا "ذاك" إشارة للمتوسط ؛ ليس بعيدا وفي الوقت نفسه ليس قريبا 
- المقام : منزلة ورتبة يلزمها مجاهدة كي تنال كما تدل في التعبير الصوفي .
والمقام هنا مقام الشهادة فالشاعر يخاطب الشهيد 
و هو مقام مختص بالجد ، والرزانة . بالهدوء ، والرصانة . بالوقار والاتزان 
وهو متصل بالتمام وأسرار تجليه 
ومرتبط كذلك بمعاني الامتلاء والفيض والكثرة حتى غطت أسراب اليمام التي صدرت عن يده المدى 
فهو متصل بالأمان أيضا .
هذا المقام مع كثرة لوازمه وارتباطاته ممكن لا هو ببعيد معجز ولا بقريب متاح .
ولهذا المقام المتصل بالمجاهدة والسعي أهل فهو منزلة وإن أمكنت لكنها خاصة .
فمن أهلها ومن مستحقوها لنرى :
"يقول لخيل التحدي 
إمام الرفاق 
هنا 
باسط يده للنجوم 
فقومي إليه صفوفاً... صفوفاً 
وصلي عليه صلاة الندى يا نجوم "
قبل ان نتحدث عن المستحق ، عن المؤهل لهذه المرتبة لنتأمل هذا التعبير :
" إمام الرفاق " 
الإمام : من يؤتم به فالإمام مرتبة أيضا وهي مرتبة وإن أمكنت لها أهلها ولها مستحقوها كذلك ؛ يشغلها بحسب المتعارف رئيس ، او قائد ، أو رجل عالم بارز في حقل من الحقول كالدين او العلوم او الفنون 
وهو أيضا اقصد الإمام بمعنى المثال ومعنى الدليل ومعنى الطريق الواضح الواسع 
والإمام مضاف إلى الرفاق وكلمة الرفاق متصلة بالرفق وهو اللطف والرقة ولين الجانب وتجنب العنف وبالرفقة وهي الصحبة التي تضمر توافقا واتفاقا مما يجعل هؤلاء الرفاق على شيء من التجمع والتضام والتعاون 
إذا وصلنا الدلالات ببعضها علمنا ان الشهادة منزلة ، والإمامة منزلة ، وبينهما ما بين الآمر والمأمور ، القائد والتابع ، الرئيس والمرؤوس ، القدوة والمقتدي ، إذن فالشهيد منزلة على شاغلها ان يتصف بالرزانة والرصانة والهدوء واللين و الجد والنشاط والدأب .
وان يتصل كذلك بالتمام والكمال ومحبة الأمن والأمان .
عليه أن يصغي إلى الإمام إلى الخبرة والمعرفة والحكمة والمثال والدليل .
هذا ما نستشفه من المقطع السابق والإمامة لا توجه خطابها إلى المتقاعسين إلى الكسالى وانما تخاطب من يتسم بالتحدي والمواجهة والمجابهة والعمل والجد والمثابرة ، من يصلح ان يصير شهيدا 
الشهادة إذن ليست ارتجال ، ليست عملا عابثا ، ليست تهورا واندفاعا اعمى .
ليست هدما للاوطان وتخريبا وتحطيما لآثارها ليست تذبيحا وتحريقا ، ليست رعبا وإرهابا 
ليست مشروعا ظلاميا او إظلامي .
إنها بوابة الترانيم والابتهالات .
المدخل الذي ينفتح به الداني على العالي والناقص على الكامل والمحدود على التام ،
هي امتثال لإمامة تجعل المدى مسرحا لرفوف اليمام تفيض فيه وتطفح .
إمامة تقود الرفاق و تصل بين صنائعهم و النجوم حتى يستحق واحدهم ان تقوم إليه صفوفا صفوفا وتمنحه صلاة السخاء والخير والجود والمطر .
هنا نتساءل ويحق لنا أن نتسائل لماذا علينا ان ندفع حياتنا ثمنا ، لماذا لا تتحقق هذه الأمنية إلا بالموت
بالنزف والدم والتضحيات . الا توجد دروب اقل تكلفة .
يقول الشاعر :
" أرى مدن الملح تغفو على لوح ثلج 
أنا لا أراها 
قناديلها الموت 
تاهت وصحراءها في الفراغ 
وصار الربيع يباساً"
ما حياتنا ؟!!
حتى نتردد ونتساءل !!؟
ليت شعري ما حياتنا غير برد ، وظلام ، وضلال، يباس، وخلو ، وفراغ .
خواء، وقواء، وجدب .
محل ، وقحل وضياع .
ما حياتنا غير أجاج، وملوحة، وكدر .
أليست الحياة التي يطالعنا بها ويزجيها إلينا اجدر وأقمن وأولى وأليق .
الا تستحق حقا ان نخرج من فراغنا فنسعى ، ونجتهد ، ونعمل ، ونثابر ، ونكافح ، ونتحدى ونموت 
نعم نموت .
لأجلها .
و فيها .
لأغاريدها ، وترانيمها ، وأسراب نجومها ويمامها حتى تفيض وتطفح وتملأ حياتنا القاحلة .
"ونادى النخيل بلادي.. بلادي 
فأسعى إليك حثيث الخطى 
كي تخر طيور الحنين سلاماً عليك 
وأنت الأمين..الأمين 
اسميك وعد السماء على هذه الأرض 
أنت الفدائي في أول الرعد 
كم كنت غيثاً لنزف البلاد 
وطل الضريح على السهل 
فرت إليك الشقائق كيما ترد الصدى 
للصباح 
فعم يا سمير على العشب "
أسعى إليك حثيث الخطى ؛ كي تخر طيور الحنين ، انت الأمين الأمين نعم هو الامين ، وهو الحارس وهو الحافظ ، وهو الموثوق ، إنه المخلص والمخلص بسكون الحاء وفتحها. 
ولقد اصاب الشاعر في كل هذا السعي ،والتحضيض في كل هذا الدعاء ، والنداء ، ورفع الصوت
في هذه الاستغاثة ، والدعاء . 
لابد من الإجابة ، ولا بد من الالتزام بوعد السماء ولا بد من التضحية بالنفس ، والجهاد ، ولابد من النزف ، وسكب الدماء ، حتى يأتينا خير الغيث و ينهمر علينا عونه ونصره ، حتى تتردد أصداء الصباح ، وشمسه ، فتذيب الثلج والجليد وتنقي الماء من كدره وركوده .
الشهادة سر الخصوبة . 
والشهادة سر البقاء .
ونحن جميعا شهداء ، فليكن موتنا في مدينة الغناء والنشيد ، مدينة اليمام والندى ، مدينة الدفء و العمل ، مدينة الجهاد والنضال .
لا مدينة القواء واليباس، الرمل والملح والضلال ، التيه والبرد والظلام . 
ليكن موت عزة وكرامة موت بناء وتشييد موت تقدم ونهوض .
لنلقي عن كاهلنا هذه المسوخ ، هذا الخواء 
لنرفع ترنيمة العشق نحو وجود لا يموت ولا يعرض له غير التمام
ثانيا: نص القصيدة :
ترانيم لعشق لا يموت
مهداة لروح الشهيد القائد الرمز د. سمير غوشة 
محمد معتوق *
وقور 
كعينيك ذاك المقام 
يفيض المدى 
طافحاً 
من يديك 
برف اليمام 
يبوح بسر التجلي لهذا التمام
يقول لخيل التحدي 
إمام الرفاق 
هنا 
باسط يده للنجوم 
فقومي إليه صفوفاً... صفوفاً 
وصلي عليه صلاة الندى يا نجوم 
أرى مدن الملح تغفو على لوح ثلج 
أنا لا أراها 
قناديلها الموت 
تاهت وصحراءها في الفراغ 
وصار الربيع يباساً 
ونادى النخيل بلادي.. بلادي 
فأسعى إليك حثيث الخطى 
كي تخر طيور الحنين سلاماً عليك 
وأنت الأمين..الأمين 
اسميك وعد السماء على هذه الأرض 
أنت الفدائي في أول الرعد 
كم كنت غيثاً لنزف البلاد 
وطل الضريح على السهل 
فرت إليك الشقائق كيما ترد الصدى 
للصباح 
فعم يا سمير على العشب 
أنت الذي قد منحت الخصوبة سر البقاء.
*شاعر فلسطيني يعيش في سوريا
محمد معتوق


مقالة نقدية :بقلم الاستاذ صالح هشام /// العربية وأشكالية الوحدة العربية /// المغرب

مقالة نقدية : بقلم الأستاذ صالح هشام !
~~ العربية وإشكالية الوحدة العربية ~~
أ يا هذا البحر الكامن في أحشائه الدر والجوهر ، طاوعني على الإبحار في مجاهلك ،إبحار عاشق متيم بالمغامرات في عالم روعة حروفك عشقا صوفيا يمدني بالاتحاد والحلول فيك رغم اهتراء مركبي وضعف مجذافي إبحار غيرة واحترام وتقدير لك ،اعتمادا على وسائل إبحاري الخاصة ،لا غوصا في كتب ومتون قديمة أو حديثة قالت فيك ما قالت ، ودونت في ربوعك حروبا طاحنة ، بين من يريد بك الأذى ومن يريد لك النصر والنصرة ، عبر مختلف عصور وأجيال الأمة العربية ! 
أ ياهذه العربية الرائعة ، بروائعها ، والجميلة بجمالها ، أطمع في انتعاشة من رذاذ بحرك وروعة أفكارك وقداسة حاميك ، طاوعيني ،أريد أن أخترق ولو ربعا من ربوعك فهي بلا حدود وبحرك بلا شطآن ، وصحراؤك بلا رمال ، ولن أعتمد في إبحاري على مراكب الآخرين ، وإن كانت الذاكرة تعجز عن استيعاب ما بك وما عليك ، فالمجذاف هش والمركب لا يقوى على اختراق بحارك العظيمة ، والصمود أمام أمواجك ، فهي عاتية قوية ما لانت شوكتك يوما لمن أراد بك تلويثا وتعكير صفوك ،أشرعة إبحاري : حبي لك ، وكرهي لواقع آسن متخن بجراحك ترزحين تحت نيره !
رموني بعقم في الشباب وليتني٠٠ ٠٠عقمت فلم أجزع لقول عداتي*
أرادوا بك الأذى لغتي الرائعة ، فطوقوك بحشود من لقطاء ربما لا أصل لها يتوجونها ، وهدفهم إزاحتك من عرش مملكتك الضاربة في عمق التاريخ العربي تاج ،مملكتك قصي منيع متمنع عصي مستعصي عن كل أبنائك العاقين الذين تنكروا لك وأنكروك !
أنت عروس اللغات !
أنت لغة اللغات يا لغتي يا عربية !
يكفيك فخرا أن الله سبحانه اصطفاك من بين اللغات لتحضني كتابه المقدس بين حروفك ، حملك رسالة عظيمة ، وكنت في مستوى الرسالة ! 
وسعت كتاب الله لفظا وغاية ٠٠٠٠٠٠وما ضقت عن آي به وعظات!
فأنت لغة قريش ، وقريش أ فصح العرب ، لغة رسول الله الذي شرفك بقوله : ( أنا أفصح العرب بيد أني من قريش ) ٠ فقريش أرست دعامات بنائك على الذوق الراقي والسليقة العربية السليمة :ا نتقاء واختيارا إذ جمعت فيك ، كل جميل من لغات ولهجات غيرها من العرب ، الذين كانوا يقصدون مهدك ( قريش) ، نظرا لتوفرها على كل أسباب الحج من مختلف أنحاء صحراء العرب :منها ازدهارها الاقتصادي والأدبي وكذلك عوامل الاستقرا ر الاجتماعي والسياسي ، ولا أريد أن أدخل في متاهات تاريخك ، وإنما لا بد من وضعك في هذا الإطار ، حتى يستقيم الحديث عنك في هذا الزمن الرديء الذي تنكرفيه لك أقرب الناس إليك !
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي ٠٠٠٠٠٠وناديت قومي فاحتسبت حياتي *
اتركيني أيتها الرائعة ، أذكر بك وببعض الملامح من تكوينك الذوقي والتاريخي وإن كنت لا أحسن الإبحار في كتب التاريخ ،فأنا لا أحب أن أتيه في مكتبات الموتى ، إن هي إلا مغارات سحرية كثيرة الأبواب ، تستوجب حسن فن الاستغوار، في متاهاتها، فقد تكونت فصيحة جميلة رائعة، ترفلين في دمقس الحرف الراقص في محراب الجمال قبل الإسلام ، بذوق وذائقة قرشية رائعة تحسن التهذيب والتشذيب ، تستسيغ وتستطيب الجميل ، وتعيب وتستقبح القبيح ، وتحتفظ بجواهر ودرر الكلم ، وكان ذلك من مختلف لغات ولهجات القبائل الوافدة إلى قريش لما كانت تتميز به من أوضاع ، تعتبر من أسباب حج القبائل العربية سواء كان ذلك على مستوى الاقتصاد : التبادل التجاري ،أو على مستوى ، تنشيط تلك المحافل الأدبية في الأسواق الشعرية ، فعولت على ذائقة قريش الفنية ، التي كانت تستبعد الهجين والتافه من كلام قبائل العرب الوافدة ، ويمكن أن أجمل ذلك في قول الغراء المتوفى سنة 160هجرية : ( كانت العرب تحضر الموسم في كل عام وتحج البيت في الجاهلية ،وقريش يسمعون لغات العرب ،فما استحسنوه من لغاتهم تكلموا به ، فصاروا أفصح العرب وخلت لغتهم من مستبشع اللغات ومستقبح الألفاظ ) ٠
في خضم هذا التفاعل الأدبي ، وشحتك قريش بالفصاحة ووشحتها بالتميز بين سائر لغات العرب ، من أناقة الحرف ، وجمال التركيب ، فكنت ملكة لغات العرب من مختلف الأصقاع والبقاع ، واستقوت سلطتك وسيادتك بعد مجيء الإسلام ، إذ اختارك الله سبحانه وتعالى لغة القرآن الكريم - فجسدك في نص نهائي ، ووثيقة تابثة ، ومرجع للإسلام والمسلمين في جميع بقاع الأرض ، فكنت أيتها الرائعة مصدرا لتوحيد لغات العرب ، بعد تشتت ، ومصدر قوة للأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها ، بعدما كنت ضائعة بين لهجات ولغات أخرى لم تقو على الصمود والحفاظ على مكانتها بين العرب وبالأخص ، في الإسلام ، لكن لغتي الرائعة : يعز على أن أرى التاريخ يعيد نفسه ، فمن التشتت إلى الوحدة ، ومن الوحدة إلى التشتت ، وأعتقد أن هذا التشتت في عصرنا الجاحد ، يأتي من خلال ما يسعى إليه هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم أولياء عليك ، فأجازوا فيك اللحن ، وتجاوزوا قواعدك ، إعرابا وتركيبا ، ، واتهموك بالعقم وما أنت عقيم ، وبالفقر وما أنت فقيرة ، وما الفقر والعقم إلا في نفوسهم الضعيفة التي لا تقوى أبدا على مجارات روائعك ،و تذوق جمالك ،وذلك لأسباب لا ترقى إلى مستوى الموضوعية ، ولعجزهم عن الإبحار في علوم روادك من القدماء والمحدثين ، لقد أعلنوا عليك الحرب يا لغتي يا عربية ! يا ملكتي ، عصوك ، و بلا هوادة ، يبحثون عن بدائل تافهة في لهجات و عاميات، من أجل توحيد لغة التخاطب بين الشعوب العربية ، دعوا إلى نبذك بشكل مباشر أو غير مباشر ، وإضعاف شوكتك في المدرسة والشارع ، والإدارة ، والأدب وسائر الفنون التعبيرية ، وهم رغم ذلك لجمال وكنوز عامياتهم ولهجاتهم جاهلون ! وقد تجرؤوا عليك ونادوا باستبدال حروفك الذهبية بحروف لاتينية بعيدة عن العرب كل البعد ، كما فعل الشاعر اللبناني [ سعيد عقل] في ديوانه (يارا)سنة 1960٠٠!
قررت أن أنجز رسالتي الجامعية في الأدب الشعبي [الحكاية الخرافية ] وهو الشفهي والمكتوب باللهجات والعاميات العربية ، فكنت أتيه كل يوم في المكتبات بحتا عن مصادر عربية تمدني بمادة بحتي ، فلم أجد إلا كتابا قليلين يعدون على رؤوس الأصابع ، يتناولون أجناس الأدب الشعبي بالدراسة ، فأعود وفي نفسي حسرة وغصة تكاد تخنقني ، أعود إلى كتب المستشرقين ،وكتاب الغرب فأجد المكتبات مليئة حتى التخمة بمجلدات ضخمة أمثال ( الإخوان جريم أو جيمس فريزر وكراب )وغيرهم كثير ٠ تساءلت لماذا نقرأ أدبنا من خلالهم لا من خلالنا وفي مجال عامياتنا ؟
رغم أن أغلبية كتابنا يدعون إلى تعويضك بهذه اللهجات والعاميات وما أكثر هؤلاء الدعاة الذين يضيق المجال للحديث عنهم ، وقتها استنتجت أن هؤلاء الغربيين ، كانوا يعيرونك بالعقم ، والعقر وما أنت بعاقر !
سرت لوثة الافرنج فيها كما سرى٠٠٠٠٠٠لعاب الأفاعي في مسيل فراتي *
وضربك لغتي في الصميم ضرب الوحدة العربية برمتها ، فلا كتابنا يعرفون كنوزك ولا هم يعرفون كنوز هذه اللهجات التي يدعون إلى تبنيها ، فكانوا لقمة سائغة في الكتابات الغربية التي كانت تتوخى من بعثاتها تشتيت الأمة العربية ، لأنهم كانوا يعرفون مسبقا بأن التمسك بك لغتي تمسك بالهوية العربية ، وتمسك بالتاريخ ، والأدب وكل المقومات العربية التي بنيت عبر أجيال وما أنت إلا مصدر قوتنا ووحدتنا ، فما أنت لغتي إلا وعاء يحصن وجودنا العربي تاريخيا وفكريا وأدبيا وسياسيا ودينيا وتدميرك تدمير لوجود نا ٠ 
أيطربكم من جانب الغرب ناعب ٠٠٠٠٠٠ينادي بوأدي في ربيع حياتي *
كانت هذه نوايا تلك البعثات التي تسبق احتلال الغرب لمناطق شاسعة من الوطن العربي ، الذي لا هو في العير ولا في النفير من هذه المؤامرات ، والذي يؤلمني لغتي الجميلة أن بعض صفوة أبنائك انساقوا مع المؤامرة واحتكوا بالغرب ، واتخذوه المثل الأعلى وبدؤوا يبحثون عن البديل عندهم لا في بطون أمهات كتبتك من أجل وحدة عربية لن تكون إلا وهمية ،وهم يسيرون على نهج هؤلاء الغرب في اتهامك بأنك لست لغة علم وعلوم وبأنك عاقر ٠
ولعل الاحتكاك بالغرب جعلهم يتلفون قواعدك ،وسننك التي يحفظها القران الكريم كوثيقة نهائية للغة العرب والمسلمين كافة (إنا أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ولعمري إن هؤلاء الذين يحفرون الحفر للإيقاع بك ويناصرون لغات عامية ، لا ترقى إلى مستوى تحقيق لغات تخاطب ضمير العرب الجمعي ،يعود إلى مجموعة من الأسباب ، تتجلى في جهلهم بك ،وعجزهم عن تعلمك وعدم قدرتهم على الغوص في بحار علومك ، واعتبروك لغة صعبة المراس نحوا وتركيبا ، ففتحوا الباب على مصراعيه لتمرد الفعل على الفاعل دون حياء ،متوهمين فصل المعنى عن التركيب ، فضلا عن عجز ذائقتهم عن تذوق فصيحك من كلام سلس وعذب ، فغاب عنهم الذوق واختلت ذائقتهم الجمالية العربية ، احتكوا بالغرب وبدوائره الاستعمارية ، فشنواعليك حملة شعواء ، وفي نيتهم تدمير صرح مملكتك التي قاومت المناورات حقبا طويلة من الزمن ، وهم يجهلون أن دعوتهم الى التمسك بالعامية هو في حد ذاته دعوة إلى تشتت الأمة العربية لا توحيدها ٠ يرجع هذا إلى اختلاف آلاف اللهجات التي تنتشر عبر مناطق الوطن العربي من المحيط إلى الخليج ، فكيف نتخلى عن وحدتنا في لغة القرآن والتاريخ العربي الحافل بالأمجاد ، ونعمل جاهدين للبحت عن لهجات عاجزة عن اقتحام الأذن العربية التي تحكمها السليقة القحة التي تجري في دماء القلب وتستوطن تلافيفه ،يقول أنور الجندي (لقد جند الاستعمار قواه لهذه الغاية ،وحرص عليها ورسم خططا بعيدة المدى ،وقامت في الأقطار العربية المحتلة منظمات لهذا الغرض ليس لها مهمة غيرتوجيه الحملات إلى اللغة العربية واتهامها بالقصور وعدم الكفاية العلمية ، ) فهلا انتبه العرب إلى هذه الحقائق التي تستهدفك بالتدمير والقتل لغتي الرائعة ، فكان الظلم عليك من أقاربك ومن غيرهم ، والله لغتي الجميلة ، أنا هنا لا أقف موقف المدافع عنك ، لكن رأيتك مظلومة في المدرسة العربية ، وفي الإعلام العربي ، وفي الحياة اليومية العربية ،ولست ضد تعلم لغات الآخر ، فرسولنا صلى الله عليه وسلم يقول ( من علم لغة قوم أمن مكرهم ) وأنا أرغب في أن آمن مكر الآخر لذلك أتعلم لغاته ، لكن هل تعلم هذه اللغات ، يعني إقصاؤك من حياتنا اليومية ، فلو كا ن ذلك لكانت الكارثة لمجموعة من الأسباب التي لا أراها إلا موضوعية ، فالالتصاق العشوائي باللغات الأجنبية ، حد الاعجاب من شأنه خلق جيل ، منقطع الصلة بماضيه وتاريخ أمته العتيد ، إذ التركيز على هذه اللغات الاجنبية من فرنسية وإنجليزية وإسبانية وغيرها ، في المدارس العربية من شأنه ،طرح كنوز التراث العربي ، إن هي إلا خصائص الهوية العربية ، فكيف لنا بالحديث عن الوحدة العربية في ظل هذا التشرذم اللغوي في مدارسنا ؟
فكيف لنا أن نعرف روائع أمتنا ونحن ننساق وراء أوعية أفكار وتاريخ أمم أخرى ؟ وكيف لنا بخلق العنصر العربي الغيور على أمته العربية وهو يجهل مقوماتها تماما ،والغريب في ذلك أن النشء العربي أصبح يتباهى ويفتخر بإتقانه لغات الغرب مع جهله التام بلغته الأم، التي أصبحت تدرس في مقرراتنا بشكل خجول يندى له الجبين ، فحتى كتب العربية التي تعتمد كمقررات مدرسية أصبحت تخضع للعامل التجاري من حيث النشر والتأليف ، وأنطلق هنا من تجربتي كمدرس لمادة العربية لمدة تربو عن العقدين من الزمن ، إذ تستبدل روائع النصوص العربية من شعر ونثر ، بكتابات تافهة لمؤلفين متخصصين في التأليف المدرسي والذين لا يعرفون عن قواعدها وأدبها شيئا ، إضافة إلى الحد من حرية إبداع المدرس وتفجير طاقاته المعرفية في مجالك لغتي الرائعة، بمجموعة من التوجيهات الرسمية التي تحوي في طياتها نية مبيتة لتدميرك ، والحد من سطوتك ، ولا تقف هذه عند هذا الحد وإنما تتجاوزه إلى تقليص كم الحصص بشكل كبير لا يخدم إلا اللغات الاجنبية ، فيبهت دورك ويقل مفعولك في فصول الدراسة ،وبالتالي ينساق المدرس مرغما لا مختارا على إهمالك ، لأنهم رسخوا في ذهنه فكرة أداء الواجب بالطرق التي يفهمونها هم فقط ،فتجد نفسك وأنت في فصل عربي إسلامي ،أمام نشء وكأنه يتكلم لغة الكسكسة أو الكشكشكة أو العنعنة أوما شابه ذلك من لهجات عربية قديمة ، فعن أي وحدة عربية سنتحدث يا عرب ؟ 
فكيف لهذا النشء في المدرسة العربية أن يتربى على تذوق شعر وأدب لغته العربية ، وكيف له أن يعرف لغة تاريخه ودينه ، وهو الذي أصبحت حروفها تمارس عليه شغبها من حيث لا يحتسب ، فنشؤنا له ملكة لغة عربية فصيحة ،وله سليقة عربية ، لكن الملكة تستوجب الصقل والسليقة تربى دائما في حضن لغة يحترمها أهلها، وحتى لو لم يكن ذلك ، فإن أي لغة على وجه الأرض ، سيخبو بريقها وينطفيء وميضها عندما تنافسها [ضرات ]من مختلف اللغات الأخرى في مضجعها ، وهذا ما وقع بالفعل لك لغتي عندما بدأت بالانتشار إبان الفتوحات الإسلامية ، إذ كلما اتسعت رقعة انتشارك كانت تضايقك لغات الأمم المعتنقة للإسلام و التي احتفظت بلغاتها ، ولكننا لا نأخذ العبرة من روادنا في العربية وأدبها ،فهذا طه حسين يعلم مكر الفرنسيين فهل انساق وراء لغتهم ، وهل كتب بها ، ما رأينا ذلك ، وما دعا يوما إلى إهمالك لغتي الجميلة وما دعا إلى استبدالك بلغات عامية ، أو تقليص كم حصصك في المدارس العربية أو اعتماد هذه العاميات من أجل تحقيق وحدة عربية ، فالاحتكاك بالغرب يؤدي إلى تدمير اللغة العربية فما بالك باعتماد هذه اللغات المستوردة لغة للإدارة ولغة للتلميذ ولغة للشارع ولغة للبيت ،يقول العلامة ابن خلدون : (ولهذا كانت لغة قريش أفصح اللغات العربية وأصرحها لبعدهم عن بلاد العجم من جميع جهاتهم ،ثم ما اكتنفهم من ثقيف ،وهديل وخزاعة وبني كنانة وغطفان وبني أسد وبني تميم ) فعبد الرحمان ابن خلدون ربط الفصاحة القرشية بالبعد عن بلاد العجم ، فماذا سيقول لو أخبرناه بأن مناهجنا ومقرراتنا المدرسية وحتى الجامعية أصبحت كلها مستوردة من بلاد العجم إن على مستوى الشكل أو المضمون . ويقول أيضا : ( وأما من بعد عنهم من ربيعة ولخم وجذام وغسان وإياد وقضاعة وعرب اليمن المجاورين لأمم الفرس والروم والحبشة ،فلم تكن لغتهم تامة الملكة بمخالطة الأعاجم ) فهذا التجاور يدمر الفصاحة اللغوية في نظر ابن خلدون ، فماذا سيقول لو قلنا له : إن لغات الأعاجم كما سماهم ،أصبحت تعيش فينا ونعيش فيها ونتباهى بها في البيت والمدرسة والشارع ، ماذا سيقول إذا علم بأن محاولات كثيرة تستهدف تهديم كيانك بمبررات واهية ناتجة أساسا عن ضعفهم وعدم قدرتهم على تذوق جمالك أو لأسباب أخرى تسهتدف النيل منك عنوة ، تحقيقا لأجندات غربية ٠ فهذا يدعو إلى إعدام حروفك لتحل مكانها حروف لا تينية ، بعيدة كل البعد عن الذائقة الجمالية العربية ، وذاك ينتصر إلى اللهجات والعاميات وتضييق الخناق عليك ، والآخر يدعو إلى تمصيرك ( لطفي السيد ) كل هؤلاء يستهدفون القضاء على قواعك ، وتحرير الخطأ النحوي من عقاله ليصول ويجول في جملك وتراكيبك ، لكن لا نستغرب ذلك فاعوجاج حال الأمة العربية ، وتبعيتها اقتصاديا للدول الغربية حتما سيؤدي إلى اعوجاج حالك ، يا لغتي ، رغم أنك حية وفي كل حرف من حروفك تحيى الحياة ٠ لكننا مع كامل الأسف نريد قتلك وتجميدك ، وإبعادك عن العصر العربي المتخن بالجراح !
ولعمري إن التبعية بمختلف تجلياتها من أهم هذه المعوقات المفروضة علينا لتدميرك لغتي باعتبارك مصدر وحدتنا العربية ، ففيك الكفاءة للتعبير عن واقعنا وعن آمالنا وأحلامنا دونما حاجة إلى استيراد لغات أخرى تحل محلك كما نستورد مواد تنظيف المنازل من الخارج ، أنك قادرة على قهر واقعنا المتردي الذي يجري أصحابه لاهثين وراء لغات بعيدة عنا كل البعد ، فهل هم متوفقون في مسعاهم للنيل منك يا لغتي ، وأنت التي يحصنك القرآن الكريم ، ويحفظك منذ أربعة عشر قرنا أو ما يزيد ، وأنت الوعاء الذي يحتوي كل خبراتنا وتجاربنا ومقومات هويتنا منذ القديم ، فهل ستنجح هذه النزوات التي تعاديك يا لغتي ، هذه العدوانية وهذه الحرب الطاحنة التي تخاض ضدك في وسائل الإعلام التي حلت محل الكتاب ، مدسوس فيها السم الزعاف : هذا الإعلام الذي بشكل متعمد أو عفوي يصرف النشء عن قراءة كتبك ، ليسمم أفكاره بإعلانات وبرامج مبتدلة ساقطة مشبعة بكلام عامي أو أجنبي ساقط ، في غياب تام للسهر على مراقبة ما يقدم لهذه الأجيال الصاعدة ، فقدرة الإعلام على السيطرة على الاجيال لتصبح أكثر تعلقا به، قد ينال منك يا لغتي ! إذ تقدم برامج تلفزيونية بك ولكن لا ترقى إلى مستواك ، وأعجب العجاب أنها حتى في البرامج الأدبية أو كما يعتقدون تذبحين من الوريد إلى الوريد بآلة حادة ، فلا الفاعل فاعلا ولا الممنوع ممنوعا ٠ فهؤلاء كبارنا الذين نطمئن لهم ، ليس لهم من سلامتك شيئا يذكر ، هؤلاء الذين نثق بهم أصبح الخطأ في قاموسهم قاعدة لا استثناء !
ولكأني بهم يعيدوننا إلى أيام ( يصح الوجهان ) أو ( اجزم تسلم ) تبريرا لأخطائنا ، فكيف لهذا النشء أن يعرفك لغتي ، وهو يطمئن إلى من استوطنت اللكنة الأجنبية او العامية مخارج حروفه ، فالإعلام الهادف الذي يضع في اعتباره الحفاظ عليك ، ووقايتك من شوائب من يهدف إلى تهديمك ، قادر على نشرك في أبهى حلة إذا توفرت النية السليمة للبحث في ثناياك عن أسباب الوحدة العربية لا التشرذم والتشتت ، الذي تمكن منا حتى النخاع ، فكيف لهذا الإعلام العربي المهتريء ، أن يساهم في تشكيل لغة مشتركة بين الامم العربية توحد ها من البحر إلى البحر ، متوخين في ذلك الجمع بينك وبين لغات عامية ، تنتشر هنا وهناك ؟ لماذا نغطي دائما الشمس بعيون الغربال ؟ كيف ننساق وراء الغرب وننفي العلمية عنك يا لغتي ، ونحن غير قادرين على الالتفات إلى ماضي أمتنا الحافل بعلومك ، فلا نحن تذكرنا رياضيات الخوارزمي ولا نحن تذكرنا علوم ابن الهيثم ولا نحن تذكرنا فلسفة ابن سينا ، لم نذكر أحدا من هؤلاء ، لأننا أصبحنا غير قادرين على الالتفات ، إلى هذا الماضي الزاخر ، عمود فلادي مغروز في أعناقنا يمنعنا ، من الالتفات ٠ فأين يكمن العيب يا عرب ؟ أفينا أم في لغتنا ؟ أم أن سيف الغرب أصبح يتلمس رقابنا في كل لحظة وحين ، ويجردنا من أجمل ما نملك ألا هو هذه اللغة العربية الفصيحة الرائعة التي طوعها أجدادنا ، وروضوا حروفها وتركوها أمانة في أعناقنا لنعيث فيها فسادا باسم العصرنة المستوردة ، فأي إعلام هذا الذي لا ينتظر منه الحفاظ على لغة الضاد من أجل الوحدة وتوحيد مشارب الأجيال العربية التي أصبحت تائهة بين اللكنات واللهجات واللغات الغربية المفروضة عليهم ، فقط لأننا أصبحنا تحت رحمتهم ، على جميع المستويات ٠ فعن أي عصرنة سنتحدث ونحن لا نعرف أو نتجاهل أنك لغتي تتمتعين بكفاءة عالية وقدرة فائقة على استيعاب متغيرات العصر ، لأنك حية ، لا جامدة ، تستمدين حياتك من جمال حرفك ، وقدرتك على الاشتقاق والترادف والقياس وما إلى ذلك و الذي قلما نجده في لغات ، أجنبية أخرى نتغنى باتقانها ، في جميع مناحي حياتنا !
فكيف اضيق اليوم عن وصف آلة٠٠وتنسيق أسماء لمخترعات*
ليس هذا غريبا عنا ولا عنك لغتي ، فتاريخك مليء حتى التخمة بمنازعات اللهجات لك أو لغات أخرى ، لأن هذه المشكلة ، تاريخية ولم تخضع في يوم من الأيام لملابسات ظرفية ، يمكن تجاوزها بسهولة !فأنت لغتي منذ ما قبل الإسلام كنت لغة توحيد ومع الإسلام كنت لغة دين ودنيا ، ولغة قرآننا الكريم ، يتجلى ذلك على سبيل المثال ، في رؤية سلفنا المتبصرة لأهميتك ٠فالخلفاء الراشدون لمسوا فيك هذه السمة البارزة ،لذلك استغلوك وحتوا على تعلمك ، لا لخدمة الدين والقرآن فحسب بل لخدمة الدولة أيضا إيمانا منهم بأنك لغة الدين والدولة ٠ هذا السلف الذي لمس فيك كلغة فصحى الطابع الفني ، إذ كان الإقبال عليك منقطع النظير ، واستبعدوا منك ما عاب من لهجات العرب ، فكنت لغة الشعر والأدب والعلوم بمختلف مشارب أهلها ، ولغة وحدة منذ العصر الجاهلي ، إذ كان من الضروري أن يلتف حولك العرب من كل الجهات باعتبارك لغة موحدة خالية من الشوائب ، منتقاة من لهجات العرب ، بدقة متناهية ، كما حدث هذا لأمم وشعوب أخرى من رومان وألمان وإنجليز وفرنسيين وغيرهم !
فلماذا نبحث عن أسباب الوحدة في غير ك ، وأنت القادرة على توحيدنا إعلاميا وسياسيا وفكريا ، وقد كنت كذلك منذ أمد بعيد !
أهو البحث عن وسائل الوحدة ؟ أم البحث عن وسائل التشتت والتفرقة العربية ؟ ما كانت اللهجات أو اللغات العامية من أسباب الوحدة العربية أبدا ! ولكأني بهم بدعواتهم هذه لا يستهدفون الوحدة العربية إلا بما يسيء إليها ويساهم في التفرقة والتشرذم ، ولا يسعني في هذا المقال إلا أن أقول : اتركيني أبكيك يا لغتي وأبكي معك ، علنا نجد في البكاء عزاء وسلوانا !
لك الله من قبل ومن بعد يا لغتي يالغة العلم ، والدين والدنيا ، يا لغة بحور الدرر والجواهر !
________________________________________________
*ابيات شعرية مقتطفة من قصيدة [اللغة العربية تنعى حظها بين أهلها ] للشاعر الكبير حافظ إبراهيم وقد نشرت عام 1903 م ٠
بقلم الأستاذ :صالح هشام 
الجمعة 3 فبراير 2017

اقسمت /// للشاعرة رجاء احمد امير /// المغرب

"اقسمت
برحيق الثغر
وبعذب الوجد
اني اهواك
اقسمت
والسهام بخافقي
تنطق
شوقا لمحياك
اقسمت
جنونا وقسمي
عهد
ان اكون لك
لالسواك "
-بقلمي-

الفرح المبتور /// للشاعرة المبدعة ريم نبيل زحالق /// فلسطين

الفرح المبتور
***********
يغرد الفرح
المبتور
حين الغياب 
يشدو انفاسه
عالقة بين الكلمات
حروفه بعثرها الحنين
تهفو بحرقةٍ وأنين
وأصوات النبض
تناجي وترًا
يعزف لحن الشجن 
يمزج بعض السعادة
في كأس وصال
حلو مذاقه
يتوه في سراديب الزمن 
ليثملَ بعد عناقٍ
بين زهرات الخمائل 
ونغمات الحساسين 
فينساب بين الأنامل
عشق أبدي الدهر
لينساب عطر العشق المحتوم 
تحت سماء ربيعية 
يكتب قصة حبٍ
كان هو
ابن الشمال المتيم
وكانت هي
ابنة أرض الجنوب
ريم نبيل

عودة البلشون /// ق . ق. للاستاذ القاص عبد الكريم الساعدي /// العراق

عودة البلشون
إلى: الشهيد الطفل الفلسطيني (عبدالله عيسى)
في لحظة غفلة يقع في الشِباك، تحاصره عيون طافحة بالتوحش، متّشحة بالخراب، تبرز لهم ملامح البراءة طفلاً مذعوراً، منكسراً، يطلق فزعه، تبزغ على الشفاه ابتسامات صفراء، تتهامس، تُبشّر بصيدها الثمين؛ السكين تبرق في فضاء مضمّخ بالدماء، تداعب عنقه الجميل، تحاصره التكبيرات، عيناه تستحمّان بموجة رعب، يلملم حتفه، المدى يغلق بابه، المسافة الممتدّة بين شجرة الزيتون وبحيرة الأسد تتقلص، تتلاشى، يستبدّ به عشق النجاة، يهزّه صوت أبيه:
- يا ولدي، كلّما نهشتك المحن، اقطف من بستان الحلم زهرة قرنفل، علّقها على باب القلب، وابتسم.
يغمض عينيه، يبتلع شيئاً من خوفه، يرهف السمع لعزف سماوي، يتأمل طيفاً من فسحة الغياب، يعتلي سرج العشق، يهبط هناك، تشاكسه شرفته المطلّة على بحيرة هادئة، تهدهدها رتعاشة موجها، يسحره ألق فراشاتها الملوّنة، تستفزّه أشجارها المزدحمة بأصوات الطيور، يغمره ضياء فجرها العابق بنشوة الأحلام؛ السكين تتربص اللحظة، تشاكس عروجه، يسقي عروق كبريائه، يمدّ بساط الشوق لطائر جميل، ناصع البياض، زاهد، يتلو أنشودة الفجر في ظلّ لحن شجي، يطرب الأسماع. كانت عيناه في مواسم الفرح تنظران بشغف إليه، يصيخ السمع لتراتيله، تبهجه رقصته، لم يعد مذ تَعمّد فضاء المدينة بغبار البارود؛ بيد أن شرفته ظلّت مشرعة نوافذها، الأيدي تلتفّ حوله، رقبته تلهث على حافة السكين، تبعثر صراخه، يحلم بالفناء، بالرحيل إلى عشّه؛ يغمره فيض من الوله، يحبس دمه، يخلع موته، تتشكّل أنفاسه جسراً، ينكشف الستر، يعبر ناحية شرفته مزدحماً بالوجد، حاملاً زوادته على طرف غصن الزيتون، ينتزع ذكرياته من رحم الغربة، يطوف سبعاً حول المخيم، يعود إلى نسغه، يجوب أطلال الخراب، يفتح أبوابه المختنقة بالذهول، يلثم نهد الأرض؛ ليصبح بساط العشب سجادة للصلاة؛ يتدثّر بالذكر، يغطي الأجساد الهامدة بعباءة آذان الفجر، يصعد محتجباً بضباب كثيف؛ يحمل صرة أسفاره، يهبط على ضفة شرفته المهملة، يحاور اللحظة، تدهمه بتغريد الطائر المهاجر، ينتفض مجنوناً بالشوق، تلهث عيناه في حنان، تجوبان الآفاق، تشتعل اثنتا عشرة شمعة لرؤيته، يحطّ، يسمع نبض أُلفته، يمدّ جناحيه، يعانقه، يشمّه، يقبّله، يعاتبه:
- لماذا تأخرت؟ 
تدمع أعين الأشجار والفراشات والطيور، تتساقط الدموع فرحاً، تختلط بماء البحيرة الهادئة؛ وقبل أن يُشيَّع رأسه، وتُلطخ أيدي الظلام بدمه، يفتح عينيه، يحدّق في مرايا السماء، يلجم فزعه، يصفع التماعة السكين بابتسامة هازئة، يتهجّى لحن الفناء، يرتّل بخشوع آية اللقاء:
- حمداً لله، أنّك عدتَ إلى البحيرة، أيُّها البلشون الجميل.
.................................................................................................... 
*البلشون: طائر يعيش بالقرب من المياه، يمتاز بطول سيقانه ورقبته، ويطلق على البلشون الأبيض أيضاً ( مالك الحزين )

شخصي من بلادي /// الشاعر والقاص طالب حسن /// العراق // اعداد الاستاذ موفق حسن /// العراق

من بلادي. 240
طالب حسن
الشاعر والقاص طالب حسن ، ولد في مدينة الكاظمية عام 1951 دخل الكتاتيب وحفظ القرآن ثم أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة وتوقف عن الدراسة بسبب ضيق ذات اليد ووفاة الاب فأتجه للعمل في سن مبكرة
• في تلك الفترة تعرف على جار جديد وبعمره وكان من هواة المطالعة للروايات الرومانسية والبوليسية فأعطاه رواية ماجدولين ( تحت ظلال الزيزفون ) للمنفلوطي فقرأها ومع هذا الجار توسعت مداركه وتهذبت ذائقته
• اعتمد على نفسهِ بالقراءه بعد رحيل جاره ، فأخذ يوفر الدراهم في حينها ليشتري الروايات ذات الطبعات التجارية الرخيصة
• قرأ ( البؤساء / الجريمة والعقاب / بائعة الخبز / قصة مدينتين ) عالمياً ، وقرأ ( نجيب محفوظ / أحسان عبد القدوس / محمد عبد الحليم عبد الله / غائب طعمة فرمان / محمد خضير ) عربياً ومحلياً
• قرأ شعر ( محمد مهدي الجواهري / احمد شوقي / بدر شاكر السياب / نازك الملائكه / عبد الوهاب البياتي / توفيق الصائغ / أنسي الحاج ) وتأثر كثيراً لالشاعر محمد الماغوط
• كتب الشعر والقصة القصيرة منذ سبعينيات القرن الماضي ونشر نتاجاته في صحف ( الراصد / التآخي / الجمهورية / العراق ) حتئ عام 1980حيث توقف عن النشر
• عاود الكتابة والنشر بعد التغيير في صحف
( الصباح / المدى / التآخي / الدستور/ طريق الشعب / الزمان / الصوت الاخر )
• صدرت له تسعة مجاميع شعرية ومجموعة قصصية 
- تأبين عائلي 2008
- أتهجى حكمة التراب 2009
- ثريات أور 2010
- مرارات 2011
- لم يعد الصمت ممكناً 2012
- زهايمر 2013
- خريف الاسئله 2014
- وطن في قبعه 2015
- قارب على اليابسه 2016
- نوح الحمام ( مجموعة قصصية ) 2015
• أقيمت له أصبوحة في المركز الثقافي وعلى قاعة نازك الملائكة للحديث عن مجموعته الشعرية وطن في قبعه والمجموعه القصصية نوح الحمام
• عضو الاتحادالعام للادباء والكتاب في العراق وعضو اللجنة التحضيرية لانتخابات الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق عام 2013
• كتب عنه الكثير من الاساتذة والنقاد والشعراء منهم ( د. عبد الله راضي / د. كريم حسن اللامي /
د. حسنين غازي / الناقد صباح الشيخلي / الشاعر قاسم محمد مجيد / الشاعر حميد الساعدي / الشاعر الدكتور علي لعيبي / الشاعر والناقد احمد البياتي / الناقد علوان السلمان / الكاتب شكيب كاظم / الناقد عبد الغفار العطوي / الشاعر ليث الصندوق )

جدلية الألم والحزن في الشعر العراقي المعاصر /// بقلم الاستاذ حسين الساعدي /// العراق

جدليـة الألــم و الحـزن
فـي الشـعر العراقـي المعاصـر
بقلـم / حسـين السـاعـدي
كتب بلزاك( 1799 / 1850) يقول :"الألم لا نهائي ، أما الفرح فمحدود".
قد تكون ظاهرة الألم والحزن دالة يُعرف بها الشعر المعاصر ، ولكن يتفرد بها الشعر العراقي المعاصر ، حيث شكلت هذه الظاهرة ، حالة أنفعالية ، ومركز أستقطاب ، وسمة مستديمة بارزة في نصوص الشعر العراقي المعاصر ، حتى أضحت إيقاع أستوطن ويستوطن في نفوس وقلوب الشعراء العراقيين ، المنقوعة بالألم والحزن المركب ، فنرى هذه السمة ترسم لنا رؤية وجودية مستندة الى المعاناة والألام التي يعاني منها المجتمع العراقي بمجمله . فالشاعر لسان حال مجتمعه نراه يحمل كل هذا الألم والحزن ، فهو الذاكرة الحية للمجتمع من خلال قصائده ، فلا نجد تعبيراً مكثفاً عنهما - الحزن والالم -أنعكس في النصوص الشعرية مثل ما يطرحه ، فتعبيره أشد تعبيراً عن واقع الإنسان العراقي ، فالنص الشعري العراقي يفيض بالحزن والبكائية في لغته و عاطفته وتكوينه الوجداني . فهو ينطلق من الأعماق ، ولا يكون مجرد ترف فكري ، ولا تختلف إرهاصاته في كتابة النص وأحاسيسه عن آلام المخاض والولادة . 
أن ثنائية الحزن والألم شكلت نتاجاً لواقع أجتماعي يحياه الإنسان ويعاني منه . حتى أضحى هذا الواقع المحرك الأساس في عملية الإبداع الشعري التي لا تتم إلا في معادلة الحزن والألم ، فكان للبيئة الأثر في إثراء المعجم الشعري للشاعر ، فنرى الشاعر العراقي يحترق وهو يحمل فوق كاهله الفواجع ، والهموم ، والأحزان . 
أن العامل الاساسي والمؤثر في الشخصية العراقية ، هو الحزن وعدم القدرة على تجسيد الروح المتفائلة ، مما جعل المبدع العراقي لا يستطيع تقديم حتى الفرح ، أو الإحساس به . ومسببات ذلك عند الشعراء متباينة ، منها العاطفية أو السياسية أو الأجتماعية . كذلك طبيعة الحزن عند الشاعر مختلفة المشاعر في رؤيته للواقع ، فالوجع الشعري مرآة لهذا الواقع ، في تعبيره عن القضايا الوطنية والأجتماعية والنفسية ومعالجتها في نصوصه الشعرية .
والشعر المعاصر يعبر بوضوح عن هذه الظاهرة من خلال نغمة الحزن التي صارت علامة فارقة تلفت الانتباه ، فتحرض الشاعر على الابداع ومنبع إلهام يعتمده في إنتاج نصوصه الشعرية ، " فالقصائد لا تولد من تحقيق ورضا وإنما تولد من الحزن والإخفاق والبحث الذي لا يُغني " ، 
يتضح أن الحزن يكاد يكون قاسماً مشتركاً ومحوراً أساسياً بين شعرائنا المحدثين والمعاصرين ، التي أتسمت أشعارهم بالنزعة التشاؤمية الناتجة من الإحساس بالتأزم النفسي والشعور بالألم ، حزن عبر عنه الشاعر نزار قباني حين قال: 
أنـا جـرحٌ يمشي على قدميه 
وخيولي قـد هـدَّهـا الإعيـاءُ
فالشعراء تتباين دواعي حزنهم بإختلاف شخصياتهم وتكوينهم النفسي . ولكن السؤال ، الى متى يحمل الانسان والشاعر العراقي هذا الألم وأبجدياته ؟ أما من ضوء في نهاية النفق المعتم ؟ إن الحزن العراقي عموماً ذات طابع بنيوي يدخل في تركيبة الشخصية العراقية ، فهو أنين يمتد من سومر إلى يومنا هذا ، ويندر أن تجد شاعراً حدیثاً یخلو شعره من مضمون الحزن ، فالحزن (خبز الشعراء) كما قيل عنه ، أما الفرح والتفاؤل فهو أستثناء . وصدق الشاعر محمد الماغوط حين يقول " ليس الفرح مهنتنا " .

الرمز - توظيفُ ضياع /// بقلم الاستاذ صلاح البابلي /// العراق

الرمز -توظيفُ ضياع -
بمعظّم الكتابات وانماط الخطاب الإبداعي المختلفة النثريّة يلجأ الكثير من الشعراء والكتّاب إلى توظيف الرموز من حوادث تأريخيّة أو أبطال أساطير أو كل ما يمت للميثولوجيا بصلة في بُنيةِ ضياعٍ لذاتها ويحسبون أنّهم يُحسنون صنعاً !!
وحتّى نفهم من أين وكيف ينتج هذا الوعي السلبي بالرمز وسوء إستعماله وسوء التفكير أيضاً ينبغي الإشارة إلى أمرين مهمين جدّاً ...
الأمرُ الأول..
الرمز لم يكتسب أهميةً في ذاته العُليا الّا بعد أن رسخ في أذهان المتلقين وباختلاف الفرق الزمني بينهم أنّه حقيقة،،
وهذه الحقيقة ساهمت البُنية اللغوية في جعلها علامة أو ظاهرة متميّزة تُشيرُ إلى مكنون ذاتها 
وتُمارس فيه-الرمز- ظهوراتها وتعمل الى طمس الدوافع الآنية والمتراكمة لظهوره من خلالها بخبثْ مقصود عمليّة ممارسة العنف بصورتين 
صورة اللغة وصورة الرمز الحامله له .
وتحاول تنمية نفسها بإعادة انتاج البؤر الاحتمالية الخاصة بكل صور الإمكان لحقيقة الرمز الأولى 
ولهذا كان القرآن الكريم دقيقاً جدّا بهذا الجانب 
وسنعلم لماذا..
الأمرُ الثاني..
كل رمز هو نسبةٌ هندسيّةٌ خاصّة بين إمكان حضور حقيقته بذاته وغياب تلكم الحقيقة في الكيان ا لحامل له وهذا يُحيل مرجعيّاً 
إلى عمل منظم تمارسه اللغة والمز معاً 
في زمكان وعي المتلقّي داخل البنية العقلية 
الآنية والموروثة معاً،،
ولهذا تكون عملية توظيف الرمز هي سحبٌ أجوف 
لحقيقة مُفارقة في وهم ظاهرة خارجية تكون اللغة احدى علاماتها .
وهذا معناه تحطيم لماهيّة الرمز وحقيقته في ذاته في حدود ما حُطّم ذلك المز من أجله وهي 
ظاهرة أو صورة لرمزٍ آخر في بُنيتها الفوقيّة 
وعليه سيكون عمل الشاعر هو انتاج بنية ضياع 
في ماهيّتين حطّمتا معاً لا لغرض انتاج معادل رمزي بل انتاج وهمٍ زائف يُدعى إلى الجمال 
ولا أعرف في الضياعِ جمالاً!!
ولهذا كان القرآن الكريم معلّماً أكبر لطريقة استخدام الرمز 
ففي كل ما استخدمه القرآن لم يقم بتوظيف الرمز أبداً بل مارس الإحالة الإشارية إلى الرمز 
وهي احالة اعتبارية في صورتها العُليا 
مثلاً..
واضرب لهم مثلاً..
واذكر لهم...
وغيرها استخدمها القران وهو أعلى خطاب إبداعي عرفته البشرية 
بحيث يكون الرمز محتفظاً بحقيقته في ذاته 
والإحالة عليه تكون لتوسيع مدارك الفهم وتوسيع الرؤى الإدراكية في ذهن المتلقّي .
أمّا ما نراه هو سحبٌ للرمز وليس إحالة عليه 
وشتّان بينهما.
---صلاح النبهاني---

نص /// للآديب د. المصطفى بلعوام /// المغرب

إني أرتاح
مني
ومن بعض قبلات 
ونجيمات 
ودويلات 
أراشقهم الغزل 
في ليل 
عز عليه ما قتل..
ويحي !
من وجه يبحث عن ملامحه
وكحل الموتى
يسيل عشقا على ظله...

نص /// للشاعر المبدعة أروى طلعت /// فلسطين

أولُ سَطرِ في القصيدةِ مُبتداه حرفُ إسمك ..
فما لغيركَ يليق كلامُ الهوى .. ،،
وﻻ دروب العشقِ تَحلو إﻻ لرسمِك..
*********
سلام لروحكَ في الخيالِ وَ النوى ..
وَ سلام للروحِ التي ترسمُ الجَمالَ .. ،،
وَ تُترفُ الروح بلحنِ شِعرك .. وَ عذوبة نَثرك ..
أروى طلعت ،،
فلسطين

خاطرة /// للاستاذ محمد رشاد محمود /// مصر

(خاطِرَة)
مَنْ أنصَفَ الإسلامَ بِلا تَجَنٍّ ؛ رَاَى مِنهُ تَوَسُّطًا بَيْنَ الإفراطِ والتَّفْريطِ ، وتَزاوُجًا بَيْنَ الجَسَدِ والرُّوحِ ، واقتِرانًا لِلقَلبِ والعَقلِ ، وتَعانُقًا لِلدُّنيا والآخِرَة ، واتِّزانًا بَينَ حُرِّيَّةِ الفَردِ ومَصلَحَةِ الجَماعَة .
(محمد رشاد محمود)

نفحة وجد /// للاستاذ علي حمادي الناموس /// العراق

(نفحة وجد)
عانقَ الشوقُ عروشَ الياسمينْ.
عاشقٌ يعزفُ آيات الحنينْ.
دَنِفٌ في ظبيةٍ كانت هنا
قَتَلَتْني
ثم غابتْ من سنينْ.
مُغرمٌ فيها جنونٌ دائمٌ
وعذابٌ من فِطامٍ وأنينْ.
دلني يادهر
أين اختبأت؟
أين حلّتْ؟
فأنا للان في سٙقْمي حزينْ.
بقلمي
علي حمادي الناموس\العراق
27\2\2017

نص /// للاستاذ نهاد معروف /// العراق

أعترفُ أمامَ جمعِ العشاقِ
بأنني خسرتُ معركتي بعدم الأكتراثِ،
دفنتُ شموخي بأروقةِ التراثِ.
وتعلمتُ كيفَ يحبُ الرجلُ سيدةً،
من دونِ مكابرةٍ ولا نفاقِ.
عيناكِ علمتني سنابلُ الاشتياقِ،
فأنا طفل كبيرٌ،
أمام حنانِ آمرأةٍ تُخيئني بالاحداقِ.
أعترفُ بأنكِ مدرسةٌ تعلم الرجالَ،
ما لم تعلمهم شقاوة أيام الانطلاقِ.
نهاد معروف.

أشراخ /// للاستاذ مصطفى الحاج حسين /// سوريا

أشراخ ...
وحدكَ .. تتعبّدُ خطاياكَ
تمضي في أرجاءِ الهروبِ
تسيّجُ خطوتكَ بالمديحِ
وتلعنُ قامةَ الدّربِ
عنقكَ .. تسبلهُ على سكينٍ
تنهمرُ ارتعاشاً
على حافةِ الجّرحِ
من دمكَ تعرّيتَ
صارَ اسمكَ ناصع الإنحناء
والرّيحُ على الجّمرِ
كَوَت انشداه الرّوح
رمّدتَ لهاثكَ
تبرّدتَ بالغبارِ
طوّحتَ بظهركَ للهاويةِ
وجئتَ بلا محيّا
سكنت وجهكَ السّهوبُ
بمقلتيكَ الجّحيمُ اختبأ
توزّعتَ على عنقكَ
شَربتَ الوريد
آلامكَ مضغتها
ورحتَ تجترَ الانكسار
عبثاً .. أن تختفي في جوفكَ
والنّبضُ بالرعدِ ينوء
وهذا الانكفاء نعشكَ
ترتدُّ .. من حيثُ الجّهات انغلقت
حاصرتكَ النّداءات
الذكريات مرايا
فأبصر ملامح منكَ .. تداعت
وهتافات كوّنها الاختناق
ماذا تقول ؟
وأنتَ من حاربَ الرّدة
وشرّعَ التّحاورَ
كنتَ تستبق النّبعَ لاروائنا
لاحتضاننا تنافس الدفء
وإذ نجوع
تصطاد لنا المستحيل
فمن علّمكَ الانطواء
لتلتفّ حولَ انكماشك ؟!
كيفَ اقتحمكَ الشّرود ؟
وأنتَ إذ تعتكف
تفاجئنا بالحلولِ
فهل ماتت نيّاتكَ
أم أفزعكَ التّرهل ؟!
ماأنتَ بالعبثي .. فتحيد
ما بالخائن أنتَ
فكن واضحاً للدّروبِ
انهج مسارَ الشّهيد
أمط لثام المخاوف
انهض من شتاتكَ
لا يريحكَ التّفرج
فانتفض من الهواجسِِ
جابه وجهكَ .. واشهر رؤاكَ
صرنا من أيادينا نرتعبُ
نتجسّسُ على خطانا كي لا تنفلت
حيارى نحنُ
بين تربّصنا والجنوح
بكاؤنا .. ماذا نسمّيهِ ؟!
والبلاد التي تلج المقابر
زوّدتنا بالوقتِ كي نفيق
كلّ هذا الضّياع .. لاختلافنا
على منصبٍ من فراغٍ
نتهمُ العابرينَ .. مخبرينَ
وننسى انقسامنا
جزّأتنا السّيادات
باسم التّطرف .. التّعقل
التّجدد .. والثّبات
قهقه السّوط
الذي علينا يلتفّ أفعى
زغرد الدّجى
فارتجل ميلادكَ الأبدي
وحّد أصابعنا في الكفِّ
لنرسمَ خلاصَ البلاد
لا رفيقٌ إلاّ أنتَ ..
لا أنصار إلاّ نحنُ
فانبثق من عنادنا
متوّجاً بالأفق .
مصطفى الحاج حسين .
حلب

مزمور يرقص بلا بخور /// للاستاذ باسم الفضلي /// العراق

( مزمور يرقص بلا بخور )
صهٍ ....:
الأساريرُ البور.. تغطي وجوهَ الأفياءِ الرمداءِ القلب
فلا تبحثْ عن قشِّ نبويِّ الإبر.. كي تجدَ في ثرثراتِه المعصومة حرفاً من إسمك
فالمناقيرُ المنفوشةُ الأقداح تترجمُ لغوَ السماء لعجائز القوارير المسلوبة الفحولة .
تكلمْ .... : .....................زززززززززريابُ الأجراسِ المنقوشة الأجنحة 
يبحث عن هرطقةٍ تعيد اليه ألوانَ مواخيرِ الورودِ المرقَّمةِ الحواصل
ويصطاده ظلُّ عشٍّ مجانيِ الإشارة ، على غصنِ نَتِّ النازحين من بُرجِ الدواعش
الى الصفحات الإباحيةِ التزيل ..
لا صلااااااااااااااااااااةَ مشفَّرة القِبلة :
الحمير تقود الجماهير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ/ باسم الفضلي ـ العراق

الاثنين، 27 فبراير 2017

علي جانبي النهر /// للشاعرة المبدعة هدى ابو العلا /// مصر

على جانبي النهر
.......................
ابحث عنه...
فى عيون الليل
فى شفاه
نجمة ظمئه
فى إبحار
سفينة متعبه
فى وجه 
قمر مكتمل حزنه
فى تجاعيد
جبين الزمن
فى دهاليز الحكمه
بين انامل الورود
على جانبي النهر
بين اخدود الهذيان
ابحث عنه
اتوهم رؤاه
اهرول ادنو
اكاد المسه
يجرفني..
موج لا يهدأ
يزلزلني ...
صدى الأصوات
يبتعد...
كأنه لم يدنو
أاااه من عبث الأقدار.
هدى ابو العلا

يابحر عذراً /// للاديبة المتميزة فاطمة سعد الله /// تونس

يا بحرُ...عُذْراً..
وأنا أُحْصِي كَدَماتِ الفُصول...
قُلْتُ..أيّها البحرُ عُذْراً..
غَيّبْتُك عنْ أبْجدىيّتي..
محوْتُك منْ خارِطَتي...
فلكمْ أغْرقْتَ حُلْمي بملحك الجليدي..
تسلّل صوْتُ موجةٍ طائشةٍ يقول:
ابْقَيْ في رُكْنكِ الباردِ..
قُرْبَ مِدْفأةِ الذكرياتِ المنطفئةِ..
قصّرِي الوقْتَ ..أوْ اُقْتُليه..
ذرّيه..
إنْ شئتِ معَ حبّاتِ الّلبّ المالحةِ جدّاً..
ظلّ الرّدّ ..
غُصّةً في حُنْجُرَتي..
ترُومُ الذّوَبانَ والانصهارْ..
تعثّرتْ..على أهْدابِ الصمْتِ..
دمْعة..
أطفأتْ للغيابِ ألفَ شمعةٍ ..
وشمْعة..
ولكنْ رغْم ثِقْلِ الصمْتِ ..
وحيْرةٍ تسكنُ الحرْفَ..
تركضُ القصائدُ جرّاها بين ألفِ ليْت وليْت..
عُدْتُ..
فـــــــــــــــ قُلْتُ...
يَا شجرةَ السّنْديانِ الحانية
على نافذتي..
هُزّي إليْكِ بجِذْعِ الصّبْرِ ..غُصْناً..
اُنْسِجي للأماني..فجْرًا..
اُسْكُبي في أذِنِ الأمْواااااجِ لحْناً...
عسى الشّمْسُ تنْسى الغروب..
وثلْجُ الاغتِرابِ..يذوب..
ونبضاتُ هذا القلْبِ..تتوب..
فاطمة سعدالله /تونس .....6/2/2017

سراب /// للاستاذ أحسان الموسوي /// العراق

سراب..
أنا لو رأيت الموت يخنق لهفتي 
لفديت عمري للهوى وشبابي 
.
ولكم جرعت الصاب في كأس الأسى
مذ كنت بين صبابتي وعذابي 
.
سأهيم في جنح الظلام كأنني
قيس العصور ممزقا جلبابي
.
وأعد أوراقي لأكتب همسة
من صلب قلبي الهائم المتصابي
.
من بعد عمر في النوى أفنيته
في غفلة طرق الهوى في بابي
.
غيداء قد عشق الفؤاد جمالها
لمابدت في أفخر الأثواب
.
فدهشت من هذا الجمال وخلتني
مترنحا حتى فقدت صوابي
.
لما أفقت سألتني عن ما جرى
أحقيقة أم كان محض سراب
.
كانت غواية شاعر هذا المسا
رحلت على عجل بغير حساب
إحسان الموسوي البصري

ومضات الآبار /// للاستاذ عادل نايف البعيني /// سوريا

ومضات...... الآبار
لا تَغُوري أيَّتُها البئرُ
دَعِي ماءَكِ يغْسِلُ جِرَاحَنا
وَيَمْحُو خَطَايانا
لِيَعُودَ الإنْسَانُ إِنْسِانا
***
سَتَبْقَى آبارُنا غَائِرَةً 
مادُمْنا نَحْفُر لِبَعْضِنا حفراً 
ونوسّعُ الهوَّةَ بَيْنَنا
*******
تَفَجَّري أَيَّتُها الآبارُ
وامْنَحِينا ماءَ الحياةْ
قَبْلَ أنْ تَجِفّ العُيُونُ
وَيَيْبَسُ الأَمَلُ
****
لِكُلِّ بِئْرٍ حَبْلٌ تُنْضَحُ بهِ الحَيَاةْ
إلاّ آبارَنا غَارَتْ 
وَصُرْنا نَنْضَحُ منها الْمَوَاتْ
***
آبارُنا 
يَشْرَبُ آبارَنَا الغَُرباءْ 
وِشَفاهُنا التي أيْبَِسَها النِّفاقُ
تَسْتَجْدِي منهُمُ الْمَاءْ
محبتي

عاشق /// للاستاذ مصطفى الحاج حسين /// سوريا

عاشق ...
شعر : صطفى الحاج حسين .
عارياً من دمهِ
يرتدي بكاءهُ
يتشظّى في الطّرقاتِ
لافظاً خطاهُ
يدمدمُ انتحاره
نافضاً حلمه على قارعاتِ الجّرحِ
لا ينهضُ من صمتهِ
خائر القلب
كلّما انكفأ على عشقٍ
أو .. موت جديد
عالقاً في نزفهِ
يعاركُ انحداره
لا ينتمي لحزنه
أو .. لوقتهِ
ناصعٌ في قهرهِ
يلتاع من رؤياه
ظلَّ عاماً تلو سنة
وقتاً تلو موت
يناهضُ نبضه الوحشيّ
ويقارعُ انتماءه
كأنَّ على دمهِ سحنةٍ من جنونٍ
فوق خطاه بعضاً من خواءٍ
في حدقتيهِ هالة من حنينٍ
يرتدُّ إلى الأمامِ
حينَ الوراء يسابقهُ
يصادف شارعاً يعبر المارة
ينهزمُ إلى حقولِ الخلاء
حيثُ الأشجارُ تقطفُ زارعيها
وهناكَ قمرٌ ينبحُ
أكداسٌ من الشّكوى
فيستبصرُ بالغموضِ
يأوي إلى ارتحالهِ
قالَ :
لا أدخل مدينة تفرّخ العهر
لا أطأ أرضاً فقدت سروالها
لا المطر يغسل القحل
ولا الحبّ يطهّر العشّاق
هنا ..
انفلقَ حلمهُ
عن اسمِ حبيبتهِ
وماتَ
وكانت حبيبتهُ تقشّرُ قصائدهُ
قطعة حلوى .
مصطفى الحاج حسين .
حلب

بين عدوين : قراءة في قصيدة الشاعر خليفة عموري " يتكفيء المنفى على السراب // للاستاذ أوس غريب // العراق

بين عدوين قراءة في قصيدة الشاعر خليفة عموري "يتكيء المنفى على السراب "
اولا: القراءة :
"يفتتح الشاعر قصيدته بهذا المقطع:
يتكىء المنفى على السراب
فأمسك بيد الريح 
و الخيمة تنشد رحيل ذكرياتي
فأصحو و الغبار في عيني"
لنبدأ بتأمل الفعل يتكيء وما فيه من معاني الاستناد والاعتماد والتمكن ولكن حين يكون المستند والمعتمد والمتكأ هو السراب فكأنما صار اللاشيء ، مالا حقيقة له ، الوهم ، الكذب 
يريد ان يقول انت من دون بلادك في لاشيء ، في كذبة ، في وهم ، في عدم .
" أمسك بيد الريح " يريد ان يزيدك بصيرة بنفسك فيقول لك انت في غير مستقر فالريح كائن الانتقال والرحيل وهو انتقال ورحيل بنى الشاعر نصه بتمامه على رفضه ومجابهته كما سنرى.
" الخيمة تنشد رحيل ذكرياتي 
فأصحو والغبار في عيني " 
الذكريات هي الحوادث الحاضرة في البال والذكريات تتصل بالمكان السليب ، بالمكان المتروك ، المكان الذي هربت منه لتنجو ببدنك ، المكان الذي طردت منه وأكرهت على مغادرته ؛ كأنما يقول لنا الشاعر : الذكريات هي من يقيم بعد أن رحل الجسد ؛ هكذا يقسم الشاعر الفلسطيني إلى قسمين مرتحل الى المنفى وهو الجسد وقسم مقيم ومتعلق بالوطن وهو الذكريات . ولما كان العدو الصهيوني وراء ارتحال الجسد فإن الخيمة ، اللجوء من يريد ارتحال الذكريات كما يدل الفعل تنشد الذي يعني طلب وأراد بإلحاف وإلحاح ، كأنما يقول لنا إن العدو الذي يستهدفنا عدوان بدأ الأول بجسدنا تاركا مهمة تصفية ذكرياتنا للعدو الثاني الاول هو الصهيوني والثاني هو اللجوء ، الاول بدأ المهمة والثاني أتمها أو يعمل على إتمامها .
يريد الشاعر ان يقول إن حماية الذكريات والدفاع عنها مقدمة لاسترداد موطنها واستعادته ، أي دحر اللجوء الذي هو الاستبدال بالوطن سواه ؛ الذي هو تخلي عنه وتخاذل في شأنه مقدمة لدحر الصهيوني.
هنا نتساءل كيف سيحمي الشاعر قضيته التي هي ذاكرته وذكرياته ، يقول الشاعر : 
"أعيد رسم خارطتي
و أعلن ان التراب أقرب من حلم
حملته البنادق
و بقيت مثل الأمس
أفتح فمي للهواء الأصفر 
وللوقت المفرود وجعا
وحزنا...
و أشلاء ربما سقطت مني
وانا احاول الضحك على نفسي"
يعاود رسم خارطته ليحمي ذكرياته ، يريد أن يحفظ الهيئة التي عليها وطنه بحدودها وتضاريسها كيما يستعيد الأحداث التي جرت فيها 
لذلك فإن العودة تبدأ بمكافحة النسيان ، بالتذكر والتأكيد عليه ، برفض اللجوء ، ولما كان الوطن لا يستعاد بغير القوة فإن القوة يجب ان تلحقه وتتبعه ولا تهدأ او تسكن حتى تحرزه وهذا معنى تقدم التراب على البنادق . يقول الشاعر :
"الكل باع 
ووحدي من بقي كاسد الحلم 
فمن يشتريني 
من "
هنا نتساءل لماذا الكل باع وبقي الشاعر وحده لا رفيق له لا شريك ، حتى نفهم هذا المعنى علينا ان نعود الى المقطع السابق ، بل إلى المقطعين السابقين : مقطع الخيمة التي تنشد رحيل الذكريات وجعل عيني الشاعر المتمسكتين بالوطن تمتلئان بالغبار والصحراء وزوال كل شيء
ومقطع الذكريات التي عبر عنها بقوله :
"أفتح فمي للهواء الأصفر 
وللوقت المفرود وجعا
وحزنا...
و أشلاء ربما سقطت مني
وانا احاول ان الضحك على نفسي"
الكل باع لأن الذكريات مؤلمة ، لأن الذكريات فظيعه ، لأنها ذكريات وجع وحزن وهم وغم وكدر وكرب وبلاء ، ولهذا ومن شدة وطأة هذه الذكريات ما عاد الشاعر يعرف الاعضاء التي تتسابط أعضاؤه هو ام أعضاء سواه .
هنا وبعبقرية الفن يضيف الشاعر عدوا جديدا لا بد من محاربته ودحره هو النفس الأمارة بالتخاذل والاستسلام والتي نجحت مع الجميع وكادت من شدة مكرها تنجح معه كما تظهر عبارة " الضحك على نفسي " كأنما التمسك بهذه الأهوال والإصرار عليها بعد ان تخفف الجميع منها ضرب من الضحك على النفس ، ولما كانت قضية الشاعر أعظم من ان يفرط بها او يتنازل عنها فقد هزم نفسه وتحدى اللجوء الذي يغريه بالوطن البديل الذي لا اعمدة له غير السراب فقال معلنا بصوت مدوي يرشح بمرارة الوحدة والعزلة والبعد كما يدل قوله: انا من هناك " 
وقوله "من يشتريني من " إذن هو وحده بلا معين ورفيق يناشد ويستصرخ ويهيب فهل من مجيب .
وتأتي الخاتمة وهي نهاية القصيدة واكتمال العزيمة والقرار الذي لا رجعة عنه معلنة التمسك بما لا يجوز نسيانه لأنه الوقود الذي سيشعل نار العدل وإحقاق الحق وعودة الماء إلى مجاريه يقول :
انا ابن هناك ..ولي رغبة ان احيا
دونا عني
فلست اللاجىء 
ولن أكون ...
وهنا وإن كانت القراءة قد اكتملت والرسالة بانت وتوضحت يحسن التأمل في قول الشاعر :
لي رغبة أنا احيا 
دونا عني 
لماذا قال دونا عني 
فقرن بين لفظة دون ولفظة عن ، الدون هو التحت ، هو الذي انخفض مستواه فانحط وذل هو ضد الفوق ، هو الحقير 
وعن هي حرف المجاوزة والبعدية والمجاوزة والبعدية اقترنت بياء المتكلم كأنما يعلن الشاعر إعلانا قاطعا عن انفصاله عن ذلك اللاجيء المتلبس به : " لست اللاجيء ولن اكون " 
لأنه يريد الانفكاك من الذلة والحقارة والضعة والمهانة فهل يجديه استصراخه ومناشدته اتمنى ذلك
ثانيا : نص الدراسة :
يتكىء المنفى على السراب
فأمسك بيد الريح 
و الخيمة تنشد رحيل ذكرياتي
فأصحو و الغبار في عيني
أعيد رسم خارطتي
و أعلن ان التراب أقرب من حلم
حملته البنادق
و بقيت مثل الأمس
أفتح فمي للهواء الأصفر 
وللوقت المفرود وجعا
وحزنا...
و أشلاء ربما سقطت مني
وانا احاول الضحك على نفسي
فالكل باع
و وحدي من بقي كاسد الحلم
فمن يشتريني
من...
انا ابن هناك ..ولي رغبة ان احيا
دونا عني
فلست اللاجىء 
ولن أكون ...

قراءة نقدية تحليلية : بقلم الاستاذ صالح هشام // الرباط المغرب / مورفولوجيا حكاية ( هين ) من التراث الشعبي

قراءة نقدية تحليلية :بقلم صالح هشام / الرباط / المغرب ٠
مورفولوجيا حكاية [ هينة ] من التراث الشعبي المغربي ٠
النص ------------------------ -----------------------------------------------
كان يا ما كان ، في يوم من الأيام ،خرجت ثلاث بنات للغابة من أجل جلب الحطب . وكانت واحدة منهن رفقة أخيها . فوجدت بنتان ( مغزلات صغيرة ) أما الثالثة وكان اسمها هينة وكانت رفقة أخيها فوجدت هراوة حديدية كبيرة .
وعندما قفلن راجعات إلى منازلهن . بدأت الهراوة التي وجدت هينة وأخوها : تكبر .....تكبر .....تكبر ......وبقيت هينة وأخوها لوحدهما في الغابة .. فحاولا حمل تلك الهراوة الحديدية لكنهما لم يفلحا في ذلك . 
فجأة تحولت الهراوة غولا مخيفا وضخما وغريبا عجيبا .. فطلب هذا الغول يد [هينة] للزواج ..فقبلت ووافق أخوها أيضا خوفا منه ، رغم أنها كانت مخطوبة لابن عمها الذي كان في مهمة سفر خارج البلاد ! وعرفت[ هينة ]خاطبها الغول بمنزلها . فتركها تذهب رفقة أخيها لبيتهما ! 
وعندما أظلم الليل تسلل الغول قرب بيتها وبدأ يصرخ وينادي هينة :
-آهينة ، آهينة ، أعطيني جرعة ماء !
ولكن هينة عرفت أنه جاء ليخطفها ، ويتزوجها فأجابته :
-يعطيك عمي الماء !
ورجع الغول من حيث أتى . وفي اليوم الثاني بعد غروب الشمس حضر ونادى هينة :
-آهينة أعطيني شعلة نار ! 
عرفت هينة أنه جاء ليخطفها ويتزجها فأجابته :
-آعمي الغول ...يعطيك جدي شعلة النار ! 
فغضب منها وصاح فيها حاقدا :
-الدمار لك ..الويل لجدك ! 
غضب الغول وقفل راجعا إلى قصره . ومرت الأيام والشهور . فعاد الغول إلى قرية هينة ذات ليل دامس .. فترصد بها حتى خرجت للعب مع صديقاتها تحت جنح الليل ..فخطفها وفر بها هاربا إلى قصره وكان :بعيدا ٠٠٠بعيدا٠٠٠ وكان هذا القصر لا يدخله أحد كيف ما كان نوعه . وكان يمتلك فيه :
سبعين فرسا وسبعين كلبا وسبعين خروفا..... ومرت الأيام (دازت أيام وجات أيام ) والغول يذهب إلى الصيد . ويترك هينة وحيدة في القصر . وكانت تقضي يومها في البكاء وذات يوم عاد خاطبها من سفره الطويل . فسأل عن [هينة] فأخبره أهلها بأنها ماتت ! 
وعرفوه بقبرها وليوهموه بموتها .أخذوا خشبة ووضعوا فوقها [مجدول حرير ] !
أصبح خاطب هينة كل يوم يزور ذلك القبر ، وهو يبكي ويقرأ ما تيسر من الذكر الحكيم : وفي يوم من الأيام مرت قربه امرأة عجوز وكان يبكي هينة بحرقة . فقالت له العجوز :
-يا ولدي لماذا تبكي ؟ 
أجابها :
- يا والدة إني أبكي مخطوبتي هينة التي ماتت وأنا في سفر ! 
عرفت العجوز بأن أهل هينة كذبوا عليه وأوهموه بموتها فقالت له : 
-يا ولدي هينة لم تمت وإنما اختطفها الغول . وتعيش معه الآن في قصره البعيد ! 
وعندما علم خاطب هينة أنها لا زالت حية فرح فرحا كبيرا . فقرر السفر للبحث عنها،ركب حصانا وتزود بالأكل وبالشرب ، وخرج يجوب البراري والقفار والغابات والجبال بحثا عن مخطوبته المخطوفة [ هينة] مر بالقرب من إحدى الوديان فقال له :
- يا وادي مالك جف ماؤك ؟
أجابه الوادي :
-جف ما ئي وزاد لما شربت منه هينة !
عرف الفارس أن هينة مرت من قرب هذا الوادي. وتابع طريقه، فوصل لشعب (بكسر الشين) عميق فقال له :
-يا شعب مالك عميق ؟
فأجابه الشعب: 
-عمقت وزاد عمقي لما مرت هينة قربي !
وتابع طريقه حتى وصل إلى نهر خرج ماؤه عن ضفافه ، فقال له الفارس :
-يا نهر مالك فاضت مياهك ؟ 
فأجابه النهر ' فاضت مياهي وزات لما مرت هينة من هنا !
علم الفارس بأنه قريب من قصر الغول ، فتابع طريقه : زيد ....زيد ....زيد ......زيد ...
وإذا بقصر الغول يظهر له فرأى أمام بابه ديكا عجيبا ، فكلمه الفارس وقال له :
- اذهب واخبر[هينة] أني قدمت أبحث عنها!
ذهب الديك عند هينة وأخبرها بقدوم خاطبها وفارسها ، لكن هينة لم تصدقه ، عاد الديك من حيث أتى، وأخبره بأن هينة لم تصدقه بقدومه..فقال له الفارس :
- عد إليها واخطف لها صوفا في أظافرك ، فإنها ستتبعك وعنداك ستراني !
وفعل الديك ما أمره به الفارس...فتبعته هينة وقتها رأت خاطبها فعانقته عناقا حارا وبكت وبكى . وأحسنت ضيافته في قصر الغول . وعندما اقترب موعد عودة الغول من الصيد أخفت ابن عمها تحت قصعة من نحاس وأوصته عندما تنام وينام الغول : أن يستل شعرها من تحته شعرة ،شعرة ،شعرة !
وعندما قدم الغول اشتم رائحة البشر،قال لها :
-قنصري ، بنصري !
لعرب داخل للدار !
هينة يا بنت الغدار !
ولكن هينة أنكرت وأقسمت له بأنه لم يدخل أحد عندها في قصره ، فصدقها الغول وعندما أراد أن ينام أفرشت له سالفا من سوالفها وغطته بسالف آخر ، احمرت عينا الغول ، فعرفت هينة بأنه نام واستغرق في نومه! 
خرج الفارس من تحت القصعة النحاسية وسل شعرها من تحت الغول شعرة ، شعرة . فقامت هينة برش جميع جنبات القصر وأتاثه بالحناء ، ولكنها نسيت أن ترش المهراس ، فهربت هي وفارسها وكان يحمل معه حفنة من الإبر وحفنة من النبال وحفنة من الملح . وعندما هربا من القصر بدأ المهراس الذي لم يرش يصرخ :
-طن ....فطن ...طن ....فطن ...هينة مشات !
طن ....فطن ....طن ...فطن ...هينة مشات ! 
فاستيقظ الغول من نومه واقتفى أثر هينة وخاطبها فكان كلما اقترب منهما رماه الفارس بالإبر ، فتخترق جلده فينشغل عنهما ليزيل هذه الإبر الكبيرة ، وعندما ينتهي يتبعهما . فيرميه الفارس بالنبال . وينشغل بإزالتها من لحمه وعندما ينتهي يتبعهما .وفي الأخير رماه الفارس بحفنة الملح فأصيب بالعمى وفاض بينهما وبينه النهر . توقف الغول عن اللحاق بهما . فقال لهينة :
- سأوصيكما والوصية لا تقتل ولا تحيي . في طريقكما ستجدان طائرين يتشاجران ، لا تصلحا بينهما. وستجدان نهرا اذا شربتما منه فلا تتنفسا ، وسيلقاكما في الطريق طائر سيطلب منكما أن يحلق لكما شعركما ، فلا تتركاه يفعل .، وامنعاه !
قفل الغول راجعا إلى قصره ! 
أما هينة وخاطبها فأكملا طريقهما وفعلا وجدا طائرين يتعاركان فلم يتدخلا لحل نزاعهما . ووجدا واد وشربا منه ولم يتنفسا . ووجدا طائرا كبيرا تحايل على خاطب هينة ليحلق له شعره . فانخدع الفارس ونسي وصية الغول وترك هذا الطائر يحلق له شعره ، ولكن هذا الطائر ابتلع الفارس ومعه حصانه وطار في السماء بكته هينة وتابعت طريقها وحدها فوجدت جلد سلوقية ( فصيلة من الكلاب) فلبسته وأكملت رحلتها ، فوصلت إلى أحد الدواوير وبقيت تعيش مع الكلاب ، وعندما تغرب الشمس يأتي ذلك الطائر الذي ابتلع خاطبها ويبدأ في مناداتها :
- هينة ! يا هينة أش عشاك الليلة ؟
فتجيبه هينة :
-عشائي النخالة ( قشور القمح بعد الطحين ) وركادي (نومي ) بين لخوالف (ستائر الخيمة من الشعر ) يوسف ، يا الغدار !
وبقيت هينة كلما أقبل الليل تناجي ذلك الطائر.
وفي يوم من الأيام اكتشفت حقيقة أمرها ، فسألها أهل الدوار من تكون ؟
-واش أنت خلقة ( إنسان ) أو ( جن ) ؟؟
وأجابتهم عن أسئلتهم : 
- أنا خلقة من خلائق الله ! 
وحكت لهم قصة خاطبها مع الطائر وأن هذا الطائر الذي يأتي كل ليلة ويحاورها هو الذي ابتلع خاطبها . فألبسها هؤلاء الناس أحسن ما تلبس بناتهم من ثياب وأكرموها وأحسنوا ضيافتها ، ووعدوها بتخليص خاطبها من هذا الطائر ،وفي تلك الليلة اتى الطائر كعادته وقال:
- هينة يا هينة أش عشاك الليلة ؟
فأجابته هينه:
- عشائي لفتات ( أكلة شعبية مغربية ) ورقادي (نومي ) بين البنات ، يوسف يا الغدار ! 
واتفق سكان الدوار وذبحوا ثورا أسود لا بقعة بيضاء فيه . فهيؤوا وليمة لجميع الطيور وقسموا ذلك الثور إلى سبع قسمات من اللحم واكثروا الملح في قسمة من تلك القسمات فنزلت الطيور من السماء وأكلت حتى شبعت وكان معها الطائر الكبير الذي ابتلع خاطب هينة ، فطار جميع الطيور ، إلا هو فإنه لم يستطع الطيران ، فقبض عليه سكان الدوار وشرعوا في ضربه ضربا مبرحا و يقولون له: 
-حط يوسف كما أكلته !
فيجيبهم :
-أحطه بلا عود (فرس ) !
ويبالغون في ضربه :
- حط يوسف كما أكلته ! 
فتقيأ الطائر خاطب هينة بفرسه وسيفه ، فقتلوه وأقاموا احتفالا كبيرا لهينة وخاطبها وتزوجا وأنجبا البنين والبنات وعاشا في هناء وسعادة في تباث بين البنين والبنات !
وامشات حجايتي مع الواد ..الواد وأنا كليت فواد ( أكلته ..فواد أحشاء الخروف ) وأنت كليت ( أكلت) خبزة وبراد ( براد الشاي ) 
ملاحظة :-----------------------------------------------------------------------
قمت بنقل هذا النص من العامية المغربية ومن لغته الأصلية إلى العربية الفصحى لتسهيل فهمه !
----------------------------------------------------------------------------------
التحليل والقراءة / مورفولوجيا الحكاية :
** الاستهلال :
ثلاث فتيات يخرجن إلى الغابة لجلب الحطب ، و[ هينة ] هي البنت الثالثة وكانت رفقة أخيها.
وجدت الفتاتان ( مغزلات صغيرة ) ووجدت هينة وأخوها هراوة كبيرة .انشغلت هينة وأخوها بحملها فبقيا وحدهما في الغابة ، تحولت الهراوة غولا ضخما ،مخيفا ومرعبا ،فيطلب يد هينة للزواج فتوافق مكرهة على ذلك فيتم الاتفاق على الزواج مع أخيها الذي قبل لتلافي غضبه فيعودان إلى البيت ! 
* قبل بداية التحليل التركيبي للحكاية أشير إلى أن الوحدات الوظيفية ذات طابع ثنائي على مستوى البطولة في الحكاية ، فالبطولة مزدوجة، أي أن البطل هو ابن عم [هينة ] وهو خاطبها وهي مخطوبته ، كما سنرى في هذه القراءة ، كما أننا سنكون بصدد شخصيتين شريرتين كل شخصية سببت الأذى لبطل بعينه ، فهينة يختطفها الغول وخاطبها يختطفه ذلك الطائر ويبتلعه بحصانه وسيفه ،وإن اختلفت عملية الاختطاف بينهما :
* الوحدات الوظيفية :
وهي 31 وحدة كما حددها بروب في كتابه [ مورفولوجيا الحكاية الخرافية ] وهي في هذه الحكاية كما يلي : 
1-*تغيب كل من البطلين :
هينة تتغيب عن البيت للاحتطاب من الغابة وخاطبها يتغيب عن الأهل في مهمة سفر .
6*الشخصية الشريرة :
الغول والطائر ، فأما الأول أي الغول . يحاول أن يخدع هينة في الوقت الذي يناديها وهي في منزلها ويطلب منها الماء والنار ، فتكتشف الخدعة فلا تستسلم له ، أما الثاني (الطائر ) فيحاول خداع الخاطب ( ابن عم هينة ) في الوقت الذي يطلب منه أن يحلق له شعره ، فينخدع البطل ويبتلعه هذا الشرير . 
7*البطل يستسلم لخداع الشخصية الشريرة :
يستسلم خاطب هينة للطائر ليحلق له شعره فيبتلعه .
9*10 : البطل يعقد العزم على تخليص هينة من أسر الغول في قصر بعيد . 
11*البطل يترك الأهل ويخرج للمغامرة من أجل تخليص [هينة ] وهذا الغياب سيختلف عن الغياب الأول ، لأنه سيكون لا إراديا و لا مقصودا بل سيكون اضطراريا .
12* الشخصية المانحة : 
في هذه الحكاية لا تمنح البطل الأداة السحرية ( العجوز ) وإنما تعرفه بمكان[ هينة ] وترشده إلى طريق قصر الغول بطريقة ضمنية ، وهذه الشخصية تتجسد في الواد والشعب (بكسر الشين ) إذ يسألهما البطل أسئلة لا علاقة لها بهينة ويجيبانه بطريقة غير مباشرة إلى مكانها . 
15* البطل ينتقل إلى العالم المجهول :
أي إلى مكان قصر الغول ، حيث توجد [ هينة ] أسيرة .
21*الشخصية الشريرة تقتفي أثر البطلين :
أي عندما يستفيق الغول على رنين المهراس الذي نسيت هينة أن ترشه بالحناء
22*البطل يهزم الشخصية الشريرة :
خاطب [هينة ] ينتصر على الغول بأدواته السحرية (الابر والنبال والملح )!
19*زوال خطر الشخصية الشريرة :
رجوع الغول إلى قصره . وقتل الطائر الذي ابتلع البطل، على يد سكان الدوار الذي لجأت إليه [هينة ] في صورة سلوقية. 
2*تحذير يوجه للبطلين لاجتناب فعل محظور:
ويتجلى ذلك في وصية الغول لهما بأن يشربا من الوادي دون تنفس وأن لا يحسما في خصام وأن لا يستسلم البطل لخداع الطائر .
3* ارتكاب المحظور : 
استسلام البطل لحلق شعره من طرف الطائر الذي سيبتلعه .
23*البطلان يصلان إلى بلد غريب عنهما :
إذ لا يتعرف عليهما أحد لأن [هينة ] دخلت إلى الدوار في جلد سلوقية أما خاطبها فكان يزوره كل مساء على شكل طائر !
29* البطل الحقيقي يظهر في وضع جديد :
فهينة تظهر في صورة كلبة والبطل في صورة طائر ! 
30 * الشخصية الشريرة تعاقب : 
الغول يعاقبه البطل سيفقده بصره بالأدوات السحرية والطائر سيقتل على يد سكان الدوار !
31* الخاتمة السعيدة :
البطلان يتزوجان وينجبان البنين والبنات!
** من خلال هذا التحليل التركيبي للحكاية يتضح لنا بأنها استوفت تقريبا كل الوحدات الوظيفية التي اعتمدها بروب لتحليل الحكاية الخرافية وهي لم ترد كاملة في هذا النص الحكائي ، كما أنها لم تلتزم الترتيب حسب كيفية بناء أحداث الحكاية وهذا ما نص عليه بروب بالفعل وقد وردت على هذا الشكل:
الوحدات1~6~9~10~11~12~15~23~18~19~2~3~23~29~30~31]
إلا أننا نلاحظ أن بعض الوحدات وردت متلازمة (2~3/ التحذير وارتكاب المحظور ) و الوحدتين (18~19/انهزام الشخصية الشريرة وزوال خطرها ) والوحدتين (30~31/ عقاب الشخصية السريرة وزواج البطلين )
إلا أن المثير في هذه الوحدات الوظيفية هما الوحدتان (2~3)ذلك أن التحذير هنا لم يرد من شخصية أخرى وإنما ورد من الشخصية الشريرة نفسها التي تسببت للبطلة في الاذى والتي خاض البطل غمار حربها لتخليص مخطوبته [هينة ] فرغم عداء الغول لهينة وخاطبها يحذرهما من الحسم في خصام أو الشرب من الوادي والتنفس . كما يحذر البطل من الاستسلام لذلك الطائر المخادع ويأتي التحذير من الشخصية الشريرة بعد الهزيمة ، وهذا يبدو لي فعلا متناقضا وغير منطقي ابدا لأنه لا يعقل أن تتحول الشخصية الشريرة إلى شخصية مانحة أو مساعدة . وهذا ما يدعو إلى المزيد من طرح السؤال لأن هناك سرا ما يخفيه الأنسان الشعبي وراء هذا التناقض ، خصوصا وأن الوحدتين تردان في بداية الحكاية تقريبا ، وهذا ما لا نلاحظه في هذه الحكاية كما أنها تكون في أحيان أخرى حافزا منشئا لحركة الحكاية ، والدافع لخروج البطل مغامرا متحديا الأهوال!
كما أننا نلاحظ أن مرحلة الانفصال والانتقال إلى ذلك العالم المجهول حتى الوصول لتحقيق الهدف لم تتميز بذلك الصراع الحاد خصوصا بين الشخصية الشريرة والبطل (ثنائية الخير والشر ) إذ لم يعان البطل من صعوبات ، وهذا يدل على عدم ظهور شخصيات أخرى شريرة تعرقل مسيرة البطل وتؤدي إلى تأزم الأحداث .
ولكن البطل في هذه المرحلةحقق الهدف في العالم المجهول دون استعانة بأداة سحرية خارقة تمكنه من الوصول إليه وإنما بأدوات بسيطة وإن اعتبرناها سحرية . إلا أن المنحة في هذه الحكاية كانت منحة إرشاد إلى قصر الغول بطريقة غير مباشرة ، ويتجلى ذلك- كما سبق- في الحوار الذي دار بين البطل والوادي والشعب (بكسر العين) ففي الوقت الذي سأل عن سبب جفاف الوادي أجيب بأن [هينة] اغتسلت بمائه كما أن الشعب أجابه بأن هينة مرت منه . أما الوادي الثاني فقد أرشده إلى الطريق لأن هينة تجلب منه الماء لقصر الغول ، هذه المرحلة إذن لم تعرف الصراع الحاد الذي لن يخوضه البطل إلا بعد العودة إلى عالم الواقع !
ولن تعرف الحكاية نقطة تأزم إلا في هذه المرحلة، وذلك لأن الشخصية الشريرة التي ستسبب له الأذى لن تظهر إلا بعد تخلصه من الأولى .أي بعد انتصاره على الغول وتخليص [هينة ]من قبضته وإن سبق أن أشرنا إلى أن شخصية الغول تظهر بشكل متناقض ، يزرع فينا نوعا من الشك باعتباره شخصية شريرة ، لأنه بعد الهزيمة دعا إلى فعل الخير وأوصى البطلين باجتناب فعل يراه محظورا، وهذا بطبيعة الحال لم نألفه في حكايات خرافية إلا في هذه (حكاية هينة ) . 
ونشير إلى أن العجوز التي نبهت البطل إلى خدعة أهل[ هينة ] لا يمكن اعتبارها من الشخصيات الرئيسة في الحكاية لأن دورها انحصر فقط في إنشاء حركة الخروج ، في الوقت الذي حفزت البطل بشعور وإحساس مفاجئ للخروج والمغامرة من أجل الحصول على ضالته . وتبعا لهذا يمكن اعتبار العجوز قوة محفزة ودافعة لأنها هي التي كونت الحركة الأولى ( حركة الخروج ) والتي ترتبت عن كشف البطل أكذوبة[ موت هينة ]ومعرفة وجودها في قصر الغول .
أما الأخ فإن ظهوره كان نتيجة لتبرير عملية الاختطاف من البيت لا من الغابة ، فعند موافقته الغول على الزواج من أخته وعرفه بالبيت لاجتناب خطره ، تركهما الغول وانصرف إلى حال سبيله ، كما كان ظهور الأخ أيضا من أجل تبرير الوحدة رقم (1) أي محاولة الغول خداع البطلة عندماكان يناديها ويطلب منها الماء والنار. 
ونظرا لضرورة التركيز في الحكاية على بطل بعينه وعلى حدث بعينه ،تم هذا التركيز على الخاطب (ابن عم هينة ) والمخطوبة وبالتالي اختفت الشخصيات الأخرى التي لا تلعب دورالبطولة!
ونظرا لكون الزواج من العناصر المهمة في الحكاية ، كان من المنتظر أن تتخلص [هينة ] من معاناة الأكل مع الكلاب والنوم تحت ستائر الخيام وأكل (النخالة) وخلعها جلد السلوقية الذي كانت تستر نفسها به ،وهذا سيتم عندما تكتشف حقيقتها من خلال الحوار الذي كان يدور بينها وبين ابن عمها في بطن الطائر :
-(هينة يا هينة اش عشاك الليلة ) ؟ 
-( عشاي النخالة وركادي بين لخوالف يوسف يا الغدار ) وبالتالي خلاص الخاطب من بطن الطائر الذي ابتلعه فيعودان معا إلى صورتهما الآدمية ليعلن زواجهما وتنتهي الحكاية نهاية سعيدة كما هو الشأن لمعظم الحكايات الشعبية والخرافية !
أشرت منذ البداية في تحليلي التركيبي إلى أن الحكاية تتميز بثنائية البطل والإقرار بهذا راجع إلى كون البطلين ( الخاطب والمخطوبة ) يتسمان بالخصائص نفسها التي يتميز بها بطل الحكاية الخرافية ، فكل منهما قام بالفعل نفسه الذي قام به الآخر ، وإن كان الاختلاف فقط في مرحلة الخروج ، وفي نوع الأذى الذي لحقهما من الشخصيتين الشريرتين الطائر /الغول !
فالبطلان سيعانيان من المتاعب نفسها منذ خروجهما من قصر الغول وإن خاض البطل مرحلة الانفصال لوحده ، فإن مرحلة الاتصال كانت فيها المشاق مشتركة بين البطلين . فقد اقتفى الغول أثرهما معا وعانيا من الأذى معا وغيرا شكلهما معا ، أي أن هينة كانت على شكل كلبة وخاطبها كان على شكل طائر . ووصلا إلى بلد آخر لم يعرفا فيه ، فبعض الوحدات الوظيفية إن لم نقل جلها مشتركة بين البطلين، ولكن ماذا يمكن أن نقول عن نوعية هذه البطولة ؟؟
إن البطل في هذه الحكاية لا ينمو من داخل نفسه أي أنه لم يكن بصدد امتحان يختبر فيه نفسه فيتوقع منه النجاح أو الفشل وإنما ينمو من الخارج ، أي من خلال قوى مساعدة وإن كانت هذه المساعدة غير مباشرة ، وذلك لأن البطل لم يكتشف قصر الغول بنفسه وإنما اكتشفه من خلال قوى مساعدة أرشدته بشكل غير مباشر إلى مكانها وأخبر بالتدريج إلى الهدف !
وعندما يصل إلى قصر الغول فإنه لا يتدبر خطة هجومية لتخليص هينة من أسرها، وإنما يسلك في ذلك مسلك الحيلة التي ستمكنه من إخراجها من هذا القصر ، هذه الخطة التي ستساهم فيها قوة مساعدة أخرى وهي الديك ، الذي سيخبر هينة بمجيء ابن عمها وليتم اللقاء بينهما في غياب الغول ، إذ ستخفيه تحت قصعة من نحاس، وتوصيه بأن يستل شعرها من تحت الغول عندما ينام. وتخفي عنه وجود بشر في القصر وقد كان على وشك كشف الحقيقة عندما اشتم رائحة البطل في قصره . 
هكذا نجد أن البطل لم يبق أمامه من المغامرة إلا احترام ما أوصته به[ هينة ] وهذا ما حدث بالفعل ،كما أنه لم ينتصر على الشخصية الشريرة بنوعيها( الطائر والغول ) بالقوة الجسدية وإنما بأدوات بسيطة لكنها اعتبرت سحرية .(النبال / الملح /الإبر ) ولم يتخلص من الشخصية الثانية إلا من خلال مساعدة تلقاها من سكان الدوار ، الذين هم بدورهم لجؤوا إلى التحايل ، لقتل هذا الطائر.
أما [هينة ] فإنها لم تتخلص من الغول إلا برش جميع جنبات وأمتعة القصر بالحناء ، من هنا يتضح لنا بأن البطل بالفعل نما من طرف قوى مساعدة مكنته من تحقيق الهدف ،ولهذا لم يكن من المنتظر فشله في مهمته وذلك لأن المتلقي ألف هذا النوع من بعث الأمل في نفسه حيث سيؤول مصير كل من البطل والبطلة إلى نهاية سعيدة وهي الزواج ! 
ولكن هل يمكن الاقتصار على هذا التحليل التركيبي الذي لا يتجاوز الجانب الشكلي في الحكاية ؟؟
في اعتقادي أن ذلك لا يمكن أبدا أن يفي بالغرض المتوخى للكشف عن الدلالات والرموز وتفسير مغزى الحكاية الذي يعج بتشابك خيطي من دلالات ورموز وشفرات مختلفة ، فالحكاية لو كانت تهدف إلى زواج هينة بخاطبها لما التزمت بكل هذا التعقيد ، ولهربت مع ابن عمها في الوقت الذي خرجت فيه من القصر للقائه في غياب الغول للصيد ، وهذا يجعلنا نصرف النظر عن التحليل التركيبي إلى تحليل رمزي أكثر عمقا نتوخى منه الكشف عن الدلالات التي تثوي وراء الألفاظ ، لأن الحكاية لا تتكلم بألفاظ بقدر ما تتكلم بصور ورموز ، يجب تفسيرها في أنساقها التي وردت فيها ولأن الرمز لا يكتسي أهميته إلا في موضعه من النسق العام ! 
فما حركة البطل وسط هذا التشابك الخيطي من الرموز إلا إخراج لعمليات نفسية جد معقدة تفعل فعلها داخل كل فرد وتدفعه إلى اجتياز العقبات الواحدة تلو الأخرى ، رغم ما يواجهه من مشاق ومتاعب ، ومن فشل، حتى يصل إلى التكامل الشخصي غير المتناقض مع الناس، وذلك لأن هذه الوحدات الوظيفية التي تتحكم في بناء هذه الحكاية بمثابة دلالات نفسية وإن كان الفارق بين بطل الحكاية والواقع النفسي للإنسان متباين كل التباين ، فالبطل في الحكاية يمثل الأنموذج الذي لا يمكن أن تبوء مغامراته بالفشل ، عكس واقع الإنسان الذي يفشل وينجح تبعا لظروفه الاجتماعية والحياتية بصفة عامة ! 
إن مغامرة البطل ،منذ سماعه خبر اختطاف مخطوبته [هينة] وخروجه واتصاله بالعالم المجهول ، حتى العودة والاستقرار بالزواج منها ، ليس سوى صور رمزية ونفسية لتلك التناقضات والصراع الداخلي الذي يعاني منه الإنسان الشعبي المقهور ،من أجل الوصول إلى تحقيق الذات أو تحقيق تكامل شخصيته ، فخروج البطل إذن خروج من النفس المظلمة وتخطي العقبات والحواجز و تجاوز تلك التناقضات العنيفة التي يمر منها الإنسان ،كما أن الوصول لتحقيق تخليص هينة من الأسر هو تحقيق الإنسان لاتحاده بقرينته ، وتخليصها من الأسر ، هو إخراجها من العالم المجهول ، وتخليصها من قبضة الغول يعني تسليمها للشعور ، الذي لا يبدأ عمله إلا نتيجة للتضارب والصراع الداخلي الذي يعاني منه الإنسان وتحقيق هذا الهدف ، أي تخليص[ هينة ] أو الاتحاد بالقرينة يتطلب من البطل أن يكافح كفاحا مريرا من أجل الحفاظ عليها ، وذلك لأنه وإن حصل على هينة وفكه أسرها لا يعني ذلك أنه حقق الانتصار النهائي ، لأن هذا النجاح سيسلمه لمتاعب أخرى وللحفاظ على[ هينة ]على البطل أن يستخدم ثلاثة عناصر من الأهمية بمكان وهي عنصر التفكير والإحساس والإرادة ، لكون عدم استخدام عنصر من هذه العناصر سيؤدي حتما إلى فقدانها (القرينة ) . 
فالغول يحذر البطل من الشرب والتنفس في الوقت نفسه من الوادي ، كما يحذره من الحسم في صراع الطائرين ،ويحذره من الطائر الذي يريد أن يحلق له شعره ، وقد استخدم البطل العناصر كلها بالنسبة لشربه من الوادي مع عدم التنفس كما أنه استخدمها في عدم الحسم في الشجار بين الطائرين . إلا أنه في المرحلة الثالثة تناسى التفكير والإرادة واستخدم عنصر الآحساس فقط ، ولهذا كان إدراكه تحذير الغول إدراكا سطحيا لأنه وعاه بلفظه لا بمضمونه ، ولم يواجه الموقف الأخير إلا بعنصر واحد هو الرغبة والإحساس بالحاجة الماسة إلى قص شعره ،ولهذا فشل فابتلعه الطائر ، وفقد هينة للمرة الثانية ٠
وهكذا نجد أن تحقيق النجاح في تخليص هينة من قبضة الغول لا يعني تحقيق التصالح بين الشعور واللاشعور ، أو تحقيق (الأنا ) بقدر ما يعني بداية خوض معارك أخرى يحقق فيها نجاحا معينا ٠ وقد يتحقق هذا النجاح بقتل الطائر ونهاية المغامرة بالزواج من هينة ، إذ يعني هذا تحقيق التكامل في الشخصية أي أن البطل سيتحد بقرينته (هينة ) بالفعل وبالتالي يحقق أناه ، لأنه سيستقر نفسيا ، فتزول التناقضات والصراعات الداخلية ٠
ويمثل أناس الدوار من جهة الجزء الواعي في الإنسان الذي تمكن من إعادة الروح المحلقة في الفضاء ، إلى العالم الواقعي / الأرضي ، ومن جهة أخرى القوة الروحية التي بقيت ساهرة على هينة ( القرينة ) على شكل كلبة ترعاها إلى أن سلمتها لقوة روحية أخرى وهي البطل الذي سيتزوجها ، وليست[ هينة ] في هذه الحالة إلا ذلك الوعي الجديد في الإنسان الذي يستلزم السهر عليه حتى ينمو ويترعرع .
فكان البطل حريصا على زياراتها الليلية ، سائلا عن أحوالها :
--( هينة يا هينة اش عشاك الليلة )
فتجيبه :
--(عشاي النخالة وركادي بين لخوالف )
و ما هذا التقرب من البطلة إلا دلالة على تساؤلات البطل عن جانبه الروحي الذي انفصم عنه لوجود عائق يمنع الالتحام به، وهذا العائق يتمثل في الطائر ٠وسيتم هذا الالتحام عندما تعود هينة إلى طبيعتها الإنسانية ،إذ ستتغير إجابتها :
- ( عشاي لفتات وركادي بين لبنات يوسف يا الغدار ) 
وتزول تلك القوة المانعة من الالتحام بقتل الطائر وعودة الخاطب إلى طبيعته كذلك ، فهينة وخاطبها يمثل كل منهما بالنسبة للآخر تلك الدوافع التي تجعل الإنسان يحس بالأنا ٠
وقد يتبادر إلى أذهاننا تساؤل عن سبب ودافع توظيف التفكير الشعبي تلك الأشياء والأدوات التي تتسم بالطول (الهراوة /المغزلات/ النبال/الإبر ٠٠٠) فإذا ما سلمنا بأن الصور والرموز في الحكاية الخرافية والأسطورة تشبه تلك الصور و الرموز في الحلم ، فإن علم النفس الفرويدي يعتبر هذه الصور والرموز المتسمة بالطول في الحلم تعبر عن تلك الغرائز الجنسية المكبوتة ، كما أن تصوير الأبطال في الحكاية في أشكال حيوانية ( البطلة /سلوقية٠٠ البطل /طائر )دلالة على الجانب الغريزي والبهيمي في الإنسان والذي يقوده في كثير من الأحيان إلى متاهات اللاشعور المظلمة !
كل هذه الدلالات تتجسد في الحكاية ( زميلات هينة / مغيزلات ٠٠٠هينة / هراوة حديدية/ الخاطب / الابر والنبال والملح ) ،( هينة تتحول كلبة / خاطبها يتحول طائرا ) !
فماهي دلالة الأمكنة في الحكاية باعتبارها من العناصر المهمة في كل حكاية دون استثناء ؟ 
فالغابة ليست إلا ذلك الجانب المظلم والخفي في اللاشعور ، ففيه يواجه الإنسان الظلام الداخلي والذي لن يتغلب عليه إلا عندما يكف عن الشك في حقيقة أمره ، وما هذا العالم المجهول الذي يتحرك فيه البطل وكأنه عالمه الواقعي المألوف ،ليس إلا ذلك العالم الذي يريد أن يحقق فيه النجاح ويقضي على الشر، ويرقى إلى مراتب عليا ، وتبعا لرؤية التفكير الشعبي فالبطل يتحرك في هذا العالم بكل حرية وبدون قيود وإن اعترضته عوائق كثيرة سيتغلب عليها لا محالة ٠ 
إن النزعة الوصولية في الإنسان الشعبي تجعل البطل يرقى إلى مراتب الملوك ، إذ يتزوج ذلك البطل المستضعف الملكات ويعتلي عرش مملكاتها ، وهذه ميزة من ميزات الحكاية الخرافية ، إلا أن حكايتنا سلكت مسلك البطل العادي الذي لا يصارع الخوارق من أجل الزواج بأميرة . وإنما يصارع من أجل الزواج بمحبوبته العادية الفقيرة و المقهورة ، فالبطلان لا تفرق بينهما فوارق طبقية أو اجتماعية ، بل ينتميان للمستوى الاجتماعي نفسه ، وقد بررت الحكاية عدم وجود هذه الفوارق منذ بدايتها الاستهلالية ٠ 
أما زمن الحكاية فهو ثنائية ضدية تتجلى في الليل والنهار ، فالبطل يصل إلى قصر الغول نهارا ويزور( هينة ) ليلا ، فهذه الثنائية الضدية ترمز إلى نقيضين هما : الأمل والنجاح والفشل واليأس ، فالوصول نهارا دلالة على النجاح وبلوغ الهدف وقد تم ذلك فعلا بتخليص هينة من قبضة الغول ، وهذه دلالة مستوحاة من كون النهار هو الذي يشع فيه نور النفس وتخامرها المسرة، إذ تغمر الدنيا بالنور وتختفي الأرواح الشريرة ، وهذا عكس الليل الذي كانت تتم فيه زيارة البطل البطلة باستمرار ، إذ ترمز هذه الفترة الزمنية إلى اليأس وموت الأمل ، لأن البطل كان أسيرا في بطن الطائر ، والبطلة أسيرة في جلد كلبة لتخفي حقيقتها عن سكان الدوار وإن كان ذلك مؤقتا لأنهم سيكشفون حقيقتها ، فالليل هو الفترة التي تضطرب فيها النفس لأنه يترك فيها آثارا سلبية ومخيفة فهو مسرح للأرواح الشريرة ومتنفس لسكان العالم السفلي ٠ وتبعا لهذه الدلالات نلاحظ أن الإنسان الشعبي عبر عن الموقفين الذين مر بهما البطل بالليل والنهار ، فالانتصار وتحقيق الهدف تم نهارا ، والفشل واليأس كان يخامر نفسه ليلا !
والليل يدل على عدم الانطلاق الروحي للإنسان ، ويمكن إدراج هذا التصور لبعض المعتقدات الشعبية القديمة لخلق الليل على سبيل الاستئناس يقول كراب على لسان من يعتقدون ذلك ( :( إن الله عندما خلق النهار وهو شيء مفيد وجميل أراد الشيطان أن يقلده ولكنه لم يستطع إلا صنع الليل وهو شيء لا يضاهيه كما أنه ضار٠٠ ) 
ويمكن الإشارة هنا إلى زمنين آخرين لكل منهما خصائصه في الحكاية : الزمن الخيالي والزمن المرن ويتعلق الأول بتقليص المسافة ويتعلق الثاني بمرونة الأبطال في الحكاية ! 
فالفكر الشعبي يقلص المسافة بين المرحلتين : 
مرحلة الانفصال وبلوغ الهدف ومرحلة العودة والدفء العائلي الذي يتم بالزواج لإعلان استمرارية الحياة ، ويتجلى الزمن الخيالي الذي يقلص المسافة بين العالم المحسوس والعالم المجهول ، في كون البطل بمجرد علمه بخبر اختطاف محبوبته خرج مغامرا :فمر بواد جاف وشعب عميق وواد فائض ، كل هذا تم بسرعة خيالية كأن قصر الغول كان بجانب منزله ، وهذا التقليص الزمني يعزى إلى إخباره بمكان قصر الغول من طرف الوادي والشعب واللذين كان يسألهما عن أشياء لا علاقة لها بالبطلة فيوحيان له بقرب المسافة بينه وبين القصر ! ويرجع كذلك تقليص المسافة إلى كون العالم الذي كان يتحرك فيه البطل كأنه مألوف لديه ، أو كأنه يتحرك فيه بدون قيود ،إذ يصل البطل إلى قصر الغول بسرعة خيالية ، وهذا الزمن من خصائص هذه الحكاية !
أما الزمن الثاني : الزمن المرن فيتجلى في عبارات يوظفها الراوي (دازت أيام وجات أيام)أو قوله (سير يا أيام جي يا أيام ) فرغم أن البطلة قضت زمنا طويلا في قصر الغول وقضى البطل زمنا في بكائها كما قطعا أزمانا أخرى في المغامرة فإنهما لم يتغيرا إذ ظلا شابين كما كانا في العالم الواقعي وتبعا لهذا نقول إنهما خارجان عن حدود الزمان لا تصيبهما الشيخوخة والهرم ! 
وليست دلالة الزواج الرمزية في الحكاية إلا تحقيقا لسعادة يحلم بها الإنسان الشعبي، ولتحقيق ذلك لابد من خوض المغامرة وتخليص البطلة من الشر ، فكان من الضروري أن يضع الإنسان الشعبي هذه العقبات أمام البطلين التي يجب عليهما تحديها وتجاوزها بنجاح تام ، وإن كان هذا النجاح يعزى بشكل أو بآخر إلى قوى مساعدة مكنتهمامنه ،وبما أن الزواج يرمز إلى الاستقلال الكامل والحقيقي ، فإنه يرمز كذلك إلى تكامل الشخصية أي تحقيق الذات أو( الأنا ) أو التصالح بين الشعور واللاشعور ،بين الوعي واللاوعي وتجاوز هذه العقبات والعراقيل هو في حد ذاته تجاوز لذلك الصراع الداخلي، الذي يعاني منه الإنسان الشعبي قبل تحقيق التكامل .
وما هذا الصراع الذي خاضه البطل والبطلة ليس في حقيقة الأمر إلا ذلك الصراع الداخلي الذي يعاني منه الفكر المبدع لهذه الحكاية !
غير أن هذه الحكاية زودتنا بالحل المناسب لفك لغز هذا الصراع الذي خاضه البطلان في شكل رموز وصور تبعث في النفس أملا يتم تحققه بخلاص البطلين معا من الأسر ونهاية المغامرة بالزواج ٠
ورغم أن الأحداث والصراعات التي يخوضها أبطال الحكاية تبدو بعيدة عن المنطق ،فإننا نريد ها كذلك لأنها تجري أحداثها في عالم خيالي بعيد كل البعد عن الواقع ، الذي يقيدنا بقيود المنطق والعقل في الوقت الذي تتكسر فيه هذه القيود في عالم الخيال ، وبالتالي يتحقق ما يطمح له هذا الإنسان ، خصوصا وأن الحكاية تعبر عن كل تطلعاته وأحلامه . أيضا لأن الحكاية تمارس نشاطها في اتجاهين متباينين كل التباين : فهي من جهة تفهم الكون وتتعامل معه على أنها ترفضه لأنه لا يتفق مع نظرتها الأخلاقية والاجتماعية ومع تصورها للكيفية التي يجب أن يكون عليها هذا الكون ، ومن جهة أخرى تقترح عالما يرضي كل ما يخامر هذا التفكير الساذج من تطلعات!
تصور الحكاية رؤية الإنسان الشعبي لفكرة صراع :الخير والشر والفضيلة والرذيلة . والأخلاق واللاأخلاق ،حيث ترمز إلى الرذيلة مثلا بتلك الشخصيات الشريرة التي تقف كحاجز أمام الأبطال وتحاول منعهم من تحقيق قيمة الفضيلة والخير باعتبارهما من القيم العليا ، هذه الشخصيات الشريرة التي تسبب الأذى لفرد من أفراد الأسرة الذي لن يكون إلا البطل ! إن انتصار الشر غالبا ما يكون مؤقتا لأنه سرعان ما ينتصر البطل الساعي إلى نصرة الخير والأخيار ، فينال الأشرار عقابهم على أيدي هؤلاء الأبطال الذين يثق فيهم الإنسان الشعبي وينيطهم بمسؤولية تحقيق أحلامه وتطلعاته، التي عجز عن الظفر بها في العالم الواقعي.
*** الحكاية تدين الظلم وتنفيه عن هذه الطبقات الضعيفة والمحكومة والتي لا ترقى إلى المراتب العليا،إلا في هذا الحلم الذي يحققه الأبطال ، ويتضح ذلك سواء في هذه الحكاية أو غيرها في كون البطل يولد مستضعفا مهمشا ومن طبقة لا حول لها ولا قوة ، ولكنه ترعاه قوة غيبية وتقوده إلى تحقيق المآرب ، التي لن تكون إلا مآرب الجماعة ، التي تحققها في شخص هذا البطل ، فيصل إلى مراتب الملوك ويتزوج الملكات ويعتلي عروشا ضائعة في تلافيف تفكير شعبي حالم ! 
بقلم الاستاذ : صالح هشام / المغرب
الأحد 26 فبراير~ 2017 ~ الرباط