الأحد، 12 فبراير 2017

الحلم المالح /// للاستاذ صالح هشام //// المغرب

الحلم المالح /خاطرة !
بقلم : ذ صالح هشام !
أيا مبرق البروق !
أيا مرعد الرعود!
أيا جامع الغيوم !
اقصف جسدي رعدا و في نفسي أبرق برقا ، فقد امتص مني اصفرار الوجه وانتفاخ البطن القوة وغاض لعابي وتحجر ريقي وجف ! 
أطرد هذا اللون الكريه من أمعائي، من كوابيسي .. فرعودك المشعشعة الرهيبة •• ترهبني ترعبني •• ورجفة الخوف تزيل مني ومن كل جسدي هذا الاصفرار !
في يوم من الأيام نصح الدجالون ومشعوذو الطب أمي : 
- عندما يصفر جسد أخي وتتسع عيناه كبيرتان صفراوان مثل عيني بومة، ويأخذ منه داء الصفار مأخذه . تدحرجه في بركة وحل باردة حتى التجمد : كل شهقة تعيد دمه الأخضر إلى قلبه ، وشرايينه فتحمر وجنتاه وتلمع عيناه .
علاج فاسد نصحها به فاسدون تآمروا علينا وصادروا حقي وحق أخي حتى في الاصفرار ، وأمي المسكينة تخاف أن يحرق ابنها .فقدكانوا يعالجون مرضى الاصفرار بالحرق ودر رمادهم في فراغ لا متناه ••لأنهم يخافون عدوى اصفرار وجوه الحرافيش والصعاليك الذين تتزايد أعدادهم كخلايا مرض خبيث!
أيتها الريح الصرصر العاتية ! 
حاويات قماماتهم ،فيها ما لذ وطاب من متاع الدنيا ؛ متاع يتمتع به كلاب الكلاب والقطط الضالة ، وانا جوعان تراوغني أمعائي . وتلاعبني ديدان وطفيليات مصاريني لعبة [ الغميضة ] .
أغفو ثم أصحو وحكاية المرأة التي هزمت جوع اطفالها وقرقرة أمعائهم بطهو الماء تنقر على دماغي نقرات مؤلمة : 
لم يكن اصفرار الجوع أو الحمى الصفراء قد تمكنا من أجساد صغارها . كانت تطهو الماء وتكتكة القدر تدغدغ مصارينهم فيتلمظون روائح الماء ، وهل للماء روائح يا ناس؟ يوهمون أنفسهم أنهم يتلذذون بعصيدة لذيذة !
ربما يتلمظون روائح حلمهم الأصفر مثل صفرة عيونهم ! فيستسلمون للنعاس جوعى وفي نفوسهم شيء من ماء مغلى ومن تكتكة قدر فارغ . 
أتذكر هذه المرأة وهي تبيع صغارها الوهم مكرهة لا راغبة ، فتكذب لأن ذوي أمرها أجبروها على الكذب وعلموها الكذب واعتبروه أبيض وهل للكذب لون يا ناس ؟ فهؤلاء أدرى بألوان الكذب !
يلمع الدمع في عيني ،وأذوب حسرة وكمدا على طاهية بارعة لا تطهو إلا الفراغ !
قعقع رعدك يا مرعد الرعود ومسقط الصواعق : 
مالي أرى شرارة غضبك ما عادت تعاقب أشرار هذا العالم الأحمق !أراها اضمحلت وخبا نورها .
إن لوني يميل يوما بعد يوم إلى الاخضرار . والاخضرار لا محالة لون الاموات ·· هذه حقيقة لا شك فيها .
احمليني ايتها الريح عبر شقوق النوافد لأقتحم الموائد المتخمة بأرزاق البلاد والعباد ونعم الفساد ! 
تحولي أيتها الريح إعصارا :
دمري من عاثوا في الأرض والعرض فسادا ، دمري زناة الليل!
فأنا أشارك الكلاب المأكل والمشرب ، وإن كانت أفضل مني حالا مني أنا الإنسان، على الأقل لها تعريف وتغطية صحية !
فما أبشع هذا الزمن ، فيه تغتصب خيرات البلدان وتمتص دماء المأزومين والمقهورين بالدجل السياسي والاتجارفي الوهم و الأحلام المزيفة . 
أيتها الريح السموم ! 
كوني صاعقة قوية ،واقذفيني رصاصة تخترق خاصرات مكتنزة ، متخمة بلحم مسروق .
تعاقب الأشرار عبر الزمن أيتها الريح امتص منك شرارة الغضب فلم تعد رعودك ترسل إلا جذوة ضعيفة تخبو وتتلاشى قبل أن تلامس تراب الأرض !
لم تعودي أيتها الريح تحملين في طياتك لا نارا ولا دخانا ··و هذا الداءالأصفر يستبد بجسدي المتعب يوما بعد يوم !
مزق الجوع أمعاء أخي الصغير فصرخ : 
-هل صحيح أني عندما أموت سآكل دجاجا كثيرا وسأغوص في خم مملوء بالدجاج فآكل من الواحدة إلى العشرة بل إلى المئة ! 
نهرته وكان الجوع قد نال مني أنا أيضا وأخذ مني مأخذا لا أحسد عليه و تغلغل الاصفرار بلا هوادة في كل عظامي :
-يا أخي أرى أن الجوع أفقدك صوابك، أعطيني أنا الآن فقط نصف دجاجة واحتفظ بالباقي عندما تموت .فانا لا أريد دجاجا من عالمك . لا أريد أن يمسحوا عهرهم وفسادهم ببلادتك وأوهامك يا أخي ؟!
الدجاجة لن تكون إلا دجاجة هنا أو هناك !
أعطيني نصف دجاجة الآن أريد إسكات هدير هذه الأمواج التي تتشظى على جدار معدتي الخاوية . تلمظ مذاق حلمك ايها الأبله :
ملوحة قهر و عهر وغبن و حياة مغتصبة !
درسوك في المدارس أن الأغنياء أشقى من الفقراء !
أقنعوك أن الفقر نعمة و أن الغنى نقمة وأن المال ما هو إلا وسخ الدنيا الفانية !
صدقت أن الإسكافي ينام قبل أن تأوي فراخ الدجاج إلى خمها أما الغني فإنه يقضي ليله ساهرا يحصي النقود . 
صدقت أن المال لا يصنع السعادة !
أعطيني بؤسهم وأعطيهم سعادتي !
اعطيني وسخهم وأعطيهم نظافتي ! 
أعطيني ليلهم واعطيهم ليالي الطوال!
روضوك على استعذاب الحلم المالح العقيم !
دربوك على الصبرعلى أوجاع الأمعاء الفارغة !
فما رأيت هذا الدجل والنصب إلامدونا وبالخط المضغوط والعريض في كراساتك الحمقاء .
يا للمفارقة !
هم يعيشون البذخ والترف وأنت تعيش حلمك الأحمق : 
تحلم بالدجاجة الوهمية التي حفر الجوع صورتها على جدار ذاكرتك •• أطفالهم يداعبون بشوكاتهم جملا محمرا في أحسن أرز صيني من رأسه إلى الخاصرة !
إنك لا ترى صفرة وجهك الفاقعة ، أما أنا فاخترقك شعاعا سينيا فأرى معدتك تأكل من جدارها فتتأوه وتتألم و تشكو من ألم القرحة !
فهل رأيت من يجتر مخزون معدته سعيدا يا أبله ؟ 
مرة قال رجل لصديقه وكان جائعا : 
-عد معي رؤوس قطيع أغنامي: ستة خرفان +ست نعجات كم تساوي يا صديقي؟
أنزلق فكره إلى فرن الحي ...ابتلع ريقه تلمظ شفتيه : 
- ستة + ستة تساوي اثنى عشر خبزة ! 
هذا أنت تحلم بأكل عشرات الدجاجات عندما تموت و عشرات الجمال قربك تداعبها النار تحمر في أشهى وألذ وأطيب المأكولات !
هم يستلذذون خاصرة الجمل المشوي !
أنت تستطيب وتستعذب حلمك الأبله !
إذا كان حلمك دجاج العالم الآخر حقيقة ، فالبرد المتساقط من جوف السحب مفتول بأنامل أمك حقيقة يا أبله ؟ 
اتركيني أنوح معك أيتها الريح ففي نواحك عزاء وسلوان !
وحدك القادرة على انتزاعي من براثن الجوع وملوحة الحلم وحموضة الكبت وتورم الأمعاء!
أيتها الريح العاتية !
يا هذه القادمة من قصور جبيتر الزمن الغابر ، أخلطي الأوراق فإنك لاعبة نرد بارعة ، أخلطيها، أفركيها جيدا ، عل ورقتي تكون رابحة ، علي أحظى بمكان الملك في رقعة السطرنج ! غرزوا في مخاخنا الأوهام والأحلام ..استوطنت منا أنفسنا فأصبحنا نلمسها حقيقة .
احلم يا أخي : 
بإدارة زر تصبح وريثا شرعيا لقارون . و في رمشة عين تصبح معلم الذواقيين من الناس آداب المائدة ... تعلمهم كيف يستعملون الشوكة و السكين على طريقة لويس الرابع عشر ، تشرب عصير الحمام معطرا بألسنة الأ فاعي. لك ذوق ماري انطوانيت ، تتعطر بالكلونيا و تشرب لبن العصافير خمرا. 
تملك ألف ناقة هيفاء مليحة حمراء قادمة من صحراء الربع الخالي، وملكة شهريار ولم لا تكون مملكته أيضا .. الحلم تحليق لا حواجز تحده... لا موانع ولا سدود... شريطة أن لا يصادر منك، فشعورك وعقلك الباطن ليس ملكك . 
فأنا أخوك ابن أمك وأبيك في حلمك الأصفر فأر يقتات مع الفئران مما تجود به مائدتك من فتات ، ستتنكر لي لن أعود من جلدتك : فيها شيء من بؤس هذا الواقع البئيس، هذا الحلم/ الكابوس ، يستحوذ عليك في البيت والمدرسة والشارع وصلة عري إشهارية ماجنة ، تحط بك في فراغ لا نهاية له .
تنتشلك امعاؤك من بئر عميقة ليس لها قرار ،وهي تتقاسم ما بقي فيها من ماء ضحل مسموم ، فتسمع أصواتها خرير أنهار جامحة! 
وهم يعلمونك ،( يسخرون منك) كيف تطهو الدجاج المحشي بأكباد الخرفان وأنت ليس لك لا دجاج ولا خرفان ولا حتى فئران ،فقط قمة حلم مدمر قاتل :
كيف تتعلم أن تحلم في كذا أيام مقررك هذا العام !
كراساتك المدرسية حافلة بالأحلام ... كتبك عامرة بالأحلام : أحلام وردية تنتزعك منها لذغة من معدتك الجائعة مثل الأفعى السوداء ، فتتحول حالما حلما أسود مالحا كماء البحر . 
تعود من حلمك ، فتجد أن الاصفرار قد تمكن منك وأصبحت منذ فترة طويلة موبوءا من الدرجة الأولى وقتذاك :
ترمى نفاية عفنة ، نتنة مع النفايات في حاوية القمامة ، فنفسك ونفسك مصدر خطير لعدوى الصفار و الاصفرار . 
احلم ..احلم ..لكن تذكر أن الحلم يفقد المرء حلمه( بكسر حائه!)
اترك حلمك ،ا صرخ معي بكل ما أتيت من قوة : 
يا أيتها الريح القادمة :
من زمن الرعود والعواصف !
من هناك ، من مجاهل البحر !
ساعديني على إحراق كراريس الحلم الملعونة !
افتحي لي بابا من أبواب جنة الجمال المشوية ! 
فقد أتعبني هذا الاصفرار وأخاف أن أتحول كلي قوس قزح فأموت موتة لا موتة كلاب، فالكلاب تحظى بشرف التأبين والدفن .على شرف موتها تنصب خيام العزاء .وتقام مآتم عظمى لتأبينها ، فتذبح الذبائح وتجز رؤوس الجمال ! 
أما أنت فإنك يا أخي لا تساوي فلسا أزرق ، لا تساوي حبة بصل فاسد ، إما أن ترمى في المزابل و الحفر . أو تحرق مع النفايات في المطارح !
فما قيمتك ؟ فما أنت إلا بنفسجة حمقاء نمت في غير مكانها الطبعي . طاولت عنان سماء . مملوكة لغيرها ؛ و أنت يا أخي من هذه السماء اللامحدودة لا تملك إلا نسمة هاربة شاردة يقتنصها منخرك..وتضيع في متاهات خيشومك ، احلم ..احلم ..احلم وتذكرأن حلمك أصفر مالح ؟
بقلم الاستاذ : صالح هشام 
الجمعة.10/فبراير/2017

هناك تعليق واحد: