الاثنين، 21 أغسطس 2017

قراءة في أربعة أجزاء / من الحدث إلى القصة : عندما تنتهي القصة : في مجموعة الأديب سليمان جمعة / قرى الملول : بقلم د . المصطفى بلعوام : المغرب

قراءة في أربعة أجزاء : 
الجزء الاول 
______________
__ من الحدث - القصة إلى القصة - النبوءة __
######
_______ عندما تنتهي القصة ________
في مجموعة الأديب اللبناني سليمان جمعة :
----- قرى الملول -------
__________________________________ بلعوام مصطفى 
____________________________________
١- ضرورات معرفية
إنها نفس القصة التي نعيد إنتاج مضمونها بلغة مغايرة توهم بأنها تقول شيئا جديدا كلما تعلق الأمر بجنس القصة الأدبي ومشتقاته، لأن قصة القصة هي قصة نظريات تكتب بشكل مفارقاتي قصتها من خارج القصة ذاتها وإن ادعت عكس ذلك مستشهدة ببعض من نماذجها. فكيف إذن نتخلص من إعادة نفس القصة في قراءة القصة وبالظبط قصص الأديب سليمان جمعة المنضوية تحث عنوان " قرى الملول"؟
علينا أن نتطهر كأننا مقدمون على صلاة، يجيب الناقد محسن الطوخي في قراءته لها، وذلك لأننا حسبما يشرح مقبلون على كتابة لا تقع في حيّز المألوف، إذ " سطوة النص" فيها تفرض من أول
التماس مقاماتها. وعلينا أن نعتبر عالم حروفها كائنات حية في تفاصيل التفاصيل التي تزخم بها، يشير القاص محمد البنا. كل منهما يتوخى إذا المجاز كفاتحة غريبة وفِي نفس الوقت موحية بالبشرى لما يبدو بدءا عصي الولوج. هنا المفارقة وعمق المعاينة الأدبية حيث الدرس النقدي يتخلى عن لغته ليستدعي لغة "الشيء الأدبي" ويجعلها لغته في قراءته له. إنها سطوة النص على سلطة النقد وقلب لمعادلة علاقة المفهوم - النقدي - بما يتصيده من مادة يشتغل عليها على اعتبار ألا وجود "لمادة خامة " تنتظر صقلا نقديا يأتيها من خارج ما تعج بِه من " حياة ادبية "، لها عالمها الخاص بها وبالمعرفة التي تنتجها وتكون إنتاجا لها. مالذي يجعل الناقد محسن الطوخي يتحدث عن " سطوة النص"؟
٢.١ - من سلطة النقد إلى سطوة النص
بين النص والنقد سوء تفاهم يكاد أن يكون جينيا تشكل من اللحظة التي اعتبرنا فيها أن النص يقول ما لا يعنيه في معطى دلالته الأولية ويحتاج إلى من يعطيه ما لا يستحوذ عليه لفك شفيراته ؛ إنه النقد الذي نسميه "تحليل النص" أو " تأويل النص " أو " علم النص " حتى يبدو أكثر إقناعا من حيث " الموضوعية العلمية ". هوية النص هنا هي في لا هوية ما يتضمنه الذي لا يستقر على حال معنى ويستدعي النقد كما لو أنه يملك هوية ما ليكشف عن هويته. لكن على ماذا يعتمد النقد من مقتضى الحال؟ 
يعتمد النقد على كل شيء وكأن النص يتضمن كل شيء مع أنه لا يفرض علينا أي شيء، فقط يدعونا إلى قراءته. النقد يقرأه إذن، لكن كيف ؟
اختزالا، بمفهوم أو مجموعة مفاهيم مرتبطة إلى حد ما بمنظومة أو منظومات نظرية ؛ مما يعني أن قراءة النقد هي، ابيستمولوجيا، علاقة مفهوم أو مفاهيم بنص، وعلاقة أدوات معرفية بموضوع معرفتها من خلال النص : النص ذريعة والمفهوم شريعة، ولا سطوة للنص هنا غير امثتاله لسلطة المفهوم. فكل منظومة نظرية تدخل إلى النص من باب فرضية أو أبواب فرضيات تبني عليها جسد مفاهيمها البرانية عنه من حيث المبدأ، أي بأصل التكوين. النص واحد والمنظومات النظرية متعددة في مقاربتها له : النظرية اللسنية، الفنيمولوحية ، الذرائعية، الإيكولوجية، العوالم الممكنة، السردية، السيميائية -على سبيل الطرح لا الحصر-. ماذا يعني هذا التعدد (في المنظومات النظرية) مقابل الواحد ( النص )؟ 
يعني شيئا واحدا يتلخص في أن مفهوم النقد لا مفهومية ولا هوية إبستيمية له مادام يأخذ معناه بحسب مقتضى حال كل منظومة فكرية عكس ما هو عليه النص ذاته الذي يظل دوما هو هو وإن تعددت القراءات. مفارقة قدر النص وقراءته : نقد بدون هوية إبستيمية يدعي تحديد"هوية دلالاته" من خلال فرضيات برانية عنه. هل ذلك راجع إلى النص ذاته؟ وما هي المشكلة (بنصب الميم) التي يطرحها على النقد في غياب هويته الإبستيمية ؟ 
إن المشكلة الأساسية والخطيرة تتجلى لما يتحول المفهوم وصيا على النص ويبحث فيه عن الذي لا بد له من أن يعثر عليه حسب مقتضيات المنظومة النظرية التي يستقي منها شرعيته المفهومية كما لو كان محكوما عليه بإعادة إنتاج نفسه في كل نص. وهو ما يسميه ب. بورديو "lologisme"، بحيث يجوب المفهوم عرض النص وطوله من نقطة المعرفة التي تكونه ويكونها مسبقا ليعود إليها في حلقة دوران على نفسه ويصبح غاية في ذاته. وتلك هي مأساة سلطة النقد أيضا التي بقدر ما تجعل من المفاهيم غاية لها، تغتال مباشرة غائية النص في إبداعيته فتحوله إلى حقل تمارس عليه معرفتها على حساب ما يحمله هو من معرفة. 
ما العمل إذن ؟ قلنا بأن الناقد محسن الطوخي يدعونا إلى " التطهر " قبل قراءة مجموعة "قرى الملول"؛ وهي دعوة قد تبدو نزقة في رحاب النقد وغربية عندما تصدر من ناقد صارم في اختيار كلماته، لكننا إذا نظرنا - بالمعنى الفكري- إليها داخل وفِي علاقتها بمجموعة "قرى الملول"سنرى
أنها ليست مجرد لغة بلاغية يلتجيء إليها الناقد 
جراء نقص أو تعويض للمفهوم، بل على العكس من ذلك، ،تشكل هي في ذاتها مفهوما ذا كينونة ترسم طريقة أخرى في معالجة إجرائية المفاهيم في القراءة النقدية. 
التطهر هو انتقال صفة من حالة ( أ ) إلى حالة أخرى (ب). ومبدأه يبدأ من غياب المطلقية لحاله.
حالة (ب) هي إذن تقويسية طرفي علاقة حالتين:
حالة (أ) تعلق بحالة (ب) المشروطة بعدم دوامها لتحل محلها حالة ( أ'). التطهر في القراءة يعني 
تقويض حالة (أ) لاكتشاف حالة (ب). وحالة (أ) هي حالة " الذات بكل خطاباتها علمية كانت أو غير علمية" بينما حالة (ب) هي نقيض بل نسف لها. ونجد نفس العملية التي يطالب بها غاستون باشلار في قراءة الفعل الأدبي من خلال مفهوم " العفوية أو السذاجة la naïveté " من حيث هي "خيار عقلي" يختلف عما هو عليه في خيار المنهج العلمي " المادي". العفوية هي حالة (ب) التي تترك جانبا أو تتطهر من حالة ( أ) المشوشة بخطابات ومفاهيم تشكل هي ذاتها عائقا معرفيا وسيكولوجيا.وكما يوحي إلى ذلك، إن الركب على المفهوم لقراءة النص عبر سلطته هو خنق لصوت أو لأصوات النص الإبداعية التي تبغي فقط أن ننصت إليها عِوَض أن تنصت لما هو براني عنها فينا. وما معنى الإنصات هنا لملفوظات لغوية؟ 
إنه قدرة الذات على خنق أصوات خطاباتها في الإنصات لخطاب الآخر/النص، يقول ج. لاكان.
الإنصات وقفة معرفية مرتبطة باللوغوس بمعنى l'entendement كما هي حالة (ب) الموجبة لها التخلص من قبليات المفهوم في القراءة، لأن
تطبيق المفهوم هو تكرار له، وتكراره يعني الموت لحياة النص وبالتالي لموته ( جيل دولوز)، الشيء الذي يعني أن وظيفة القراءة هي خلق فضاء للإنصات واللوغوس من داخل النص:إنه التَطهُّر. لكن هل للقراءة درجة الصفر في التطهر لنص يعلن انتماءه أصلا إلى جنس أدبي له شروطاته وقبليات قواعده؟
٣.١ - بين مرجعية النص وهوية متنه
لئن كان التطهر ما قبل القراءة احتفال افتتاحي للنص بفعل التقويض اللحظوي للمفهوم النقدي، فهل هذا يعني أن النص ذاته برآء من كل خلفية مفهومية أو على الأقل مفاهيمية؟ بداهة السؤال هاته تخفي اجتراحا في طبيعة النص وأشكلة لهويته التي تطرح من أول التصنيف لجنسه في كل قراءة، كما هو الحال هنا في مجموعة الأديب سليمان جمعة " قرى الملول " التي تحط مرجعية مسبقة لها ولمجموع نصوصها من حيث التجنيس الأدبي : "قصص قصيرة". إنها قصص وقصيرة تنهض على قص قصة في مساحة صَغِيرَة تحدد مقدمة المجموعة معالمها في فضاء بين بين : قصة قصيرة جدا وقصيدة نثر، وكأنها قصص قصيرة يجمعها القص في نقط تقاطع القصة القصيرة جدا بقصيدة النثر من أجل خلق نوع من الكتابة القصصية لا مرجعية له غير ما يؤسسه في حقل تجريبيته - كتابة لا تقع في حيّز المألوف ، يقول الناقد محسن الطوخي-. 
سلطة المفهوم التي أشرنا إلى ضرورة "التطهر" منها حتى ننصت إلى النص بلوغوس ينتجه من داخله، يكشف لنا عن سلطة أخرى أكثر مخاتلة
وتشويشا في القراءة، وهي سلطة مرجعية النص في نوعه الأدبي الذي ينص عليه باب الغلاف : " قصص صغيرة". إنها "قصص"، ومن المفترض أن تستجيب من حيث هي كذلك، لشروط ولوازم فن القصة حتى تنضوي تحث إسمها. لكن هل قراءة النص تستلزم وضعه على محك مرجعيته للنوع الأدبي الذي يرسم قواعده وهيكلته؟ يعطينا الناقد محسن الطوخي مدخلا للإجابة من خلال ما اعتبره ب "سطوة النص" في مجموعة الأديب 
سليمان جمعة، سطوة نص لا سلطة عليه غير ما يفرضه من سلطة من ذاته. وبعبارة أخرى، عملية القراءة تغير اتجاهها المعهود الذي يقتضي غالبا إخضاع النص لمستلزمات مرجعية نوعه الادبي : هل التزم بقواعد القصة من حيث البنية واللغة... مثلا أم لا؟ 
سطوة النص هي في مرجعيته التي يخلقها دون حسابات وعلاقات استيلاب مع قواعد جنس نوعه الأدبي حيث يعلق مرجعيات فعل ما قبل وما بعد القراءة ويحتفل بإنتاجه هو لما يخدم كيونته، لأن ما قبل وما بعد القراءة ليسا سوى إعادة صياغة لسطوة النص.
٢- في معاينة النص : تجليات عفوية القراءة من خارج المنهج في " قرى الملول".
كل قراءة هي في بدايتها جولة بدون وجهة وسفر بدون خريطة ولا خطة ممنهجة؛ لا تعرف من حيث المبدأ منتهى نهايتها وقصديتها عند الدخول إلى نصوص قصصية ( نص) تجهل ربما هي نفسها 
قصدياتها. تمر عملية القراءة بفاعليتين ذهنيتين: فاعلية القراءة العفوية وفاعلية قراءة القراءة. في القراءة العفوية غياب لكل حسابات استراتيجية ممنهجة فكريا، إنها قراءة استكشافية من قبيل جس نبض القاريء فيما يقرأ والمقروء فيما يتركه في القاريء، لاحتمالية موعد لقاء بدون طقوس.
وفي قراءة القراءة قصدية منهجية تخضع لعملية الفرز، والتقسيم، والترتيب، والتوظيب لكل ما قد يشكل وحدات ثيمية أو إيديو-لوجية.. قد نسميها حسب منهجية الثالوث : الفهم / الشرح / التأويل ( ب. ريكور ) أو وفق الثنائي المتعدد المسميات : المعنى والتأويل ( ت. تودورف) ، البنية السطحية والبنية العميقة ( البنيوية بجميع اشكالها )، لكن تظل في عمقها محكومة بقصدية منهجها: النص ذريعة والمفهوم شريعة. 
هل هناك مدخل ضروري وحتمي تلج منه القراءة إلى النص/النصوص؟ ربما ... إذا ما خلعنا عن مفهوم القراءة فاعليتها الأولية في المعاينة الحرة للنص وافرغناها من تجلياتها العفوية بإخضاعها لشروط المنهج وأسئلته، متحولة من ثمة إلى قراءة بالوصاية عليه وفق خطة منهجية تأتيه من خارجه لتبحث فيه عما يؤكد نجاعتها. ماذا نعني بفاعلية القراءة الأولية في المعاينة الحرة ؟ 
إنها تعني "لحظة التماس" التي تحصل في أول لقاء تعارفي بين القراءة والنص. وهي تختلف من قاريء لآخر، إذ لكل مراسيم احتفاليته في لقاءه التعارفي معه. كيف نظهر ذلك بشكل ملموس مع
مجموعة الأديب سليمان جمعة " قرى الملول "؟ 
نقرأ العنوان، نتجول في رحاب المجموعة من نص إلى آخر غير آبهين بتراتبية تسلسلها فيها. نقف على نص صغير الحجم ثم تليه نصوص أخرى مماثلة له، نعاين ما تحمله من قول في غياب أية إحالة إلى عنوان المجموعة ثم نعرج على بعض النصوص الطويلة نوعا ما، فنلاحظ درجة التباين بينهما في لغة القص وبنية القصة وما تقص مع سؤال تجترحه كبداهة في المعاينة الأولية : ماذا تقص ؟ وأين هي القصة؟ وقفاتنا هنا اعتباطية، لأنه بالإمكان القيام بعكس العملية أو أخذ اتجاه مغاير تماما. لكن هل كان هذا سيغير من شيء؟ 
إنها سطوة النص كما عبر عنها الناقد محسن الطوخي في تناوله لمجموعة " قرى الملول". من قبيل المثال ولو أن المثال هو الشيء نفسه ( بول لورن أسون ) :
1- " عنوان : هي / الشجرة /
النص :
عارية ...
تنتظر دورة الحياة 
لما وضعت أوراقها، 
قالت : 
عارية، 
بقربك كنت أجمل. "
2- " عنوان : مؤامرة 
النص : 
... جئت أكتب قصة قصيرة جدا،
تخيلت حدثا واخترث الشخصيات. دعوتهم أن ينفذوا ويتحركوا.
كان المكان مظلما، كل واحد ذهب في طريق.
من بعيد، كانت الأصداء دامية.e
عجبت لذلك، لم ألحظ بالي في سيناريو القصة قتالا..
صرخت.. صرخت ..
كان صدى صراخي يغرق في الضجيج ..
مزقت ورقي .. ورميت قصاصاتها في وجه تثاؤب
تباشير الصباح.."
لعبة القص في هذين النصين تَخلق بلبلة في متن القصة التي تبدو زئبقية لا تشي بوجودها إلا في ظلها المستحوذ على النص. وتضعنا أمام مفترق طرق القراءة ذاتها : هل نقرأها بمرجعية النص في إحالته لما يسمى بالقصة القصيرة جداً؟فهي تكشف أكثر ما تحكي، وتخلق فضاءها بمداعبة اللغة أكثر ما تقص حيث القص انسلاخ عن لغته في نظامية حركيّة الأفعال العينية التي اعتدنا تسميتها "بالحدث أو الأحداث ": أين هو الحدث 
بحسب ما هو متداول أو متعارف عليه من تقعيد صوري للقصة (أين ومتى وكيف..)؟ وهل لها في آخر المطاف علاقة بالقصة القصيرة جدا؟ ثم ما معنى تقطيعها الهندسي على شاكلة القصيدة النثرية؟ نلاحظ في نص " هي / الشجرة /" كما في نصوص أخرى لازمة التقطيع الهندسي مع استعمال أدوات تيبوغرافية تتوزع بين العارضة المائلة وبلاغة الصمت الدال في غياب مدلوله من خلال النقط المتتابعة : هي / الشجرة /، ما محل العارضتين المائلتين في العنوان وفِي القصة؟ ونفس الشيء في " مؤامرة ":...جئت أكتب قصة قصيرة جدا، تخيلت حدثا واخترت الشخصيات/ مزقت ورقي .. ورميت قصاصاتها). في القصة القصيرة جدا قصاصة ذات حدث وشخصيات يمزق الكاتب وجودها الورقي لكتابة "شيء آخر" على أنقاضها، لا هو بالقصة القصيرة جدا ولا هو بالقصيدة القصيرة جدا. 
المعاينة الأولية تبدأ إذن من سطوة النص المنفلت من سلطة المفهوم والباحث له عن مفهوم لهوية ما ينتجه من بنية معرفية.
٣- من الحدث إلى القصة أو قصة الحدث مع القصة.
من المعاينة الأولية لنصوص "قرى الملول" نلاحظ أننا أمام كتابة فريدة تخرج عن حيّز المعتاد كما قال الناقد محسن الطوخي. والمعتاد هو أن نجد في القصة بجميع مسمياتها قصة أو حكائية إذا ما أردنا استخدام مفهوم حداثي كما يقال، مع حدث أو أحداث تشكل لحمتها. القصة هي قص حدث في قالب قصصي يخضع لمستلزمات نوعه الأدبي. وهنا لب المعضلة : إذا كانت تخرج عن المعتاد، فعلى أي أساس نقرأها؟ أساسا على أساس المعتاد في علاقة تثويرية له وتفجيرية لما اعتاد عليه : تفجير الحدث وتثوير مفهوم القصة، وذلك من خلال تجريبية معالقة الحدث الشعري l'événement poétique بالحدث الحكائي l'événement narratif اللذان يخرجان لغة القصة من ثنائية الشعري واللاشعري ويؤسسان فضاء كتابة تتضمن مرجعية ذاتية في قراءتها. وعليه، فإن نصوص " قرى الملول" تمثل مغامرة في كتابة مغامرة الكتابة القصصية من خارج الأنواع الأدبية المتعارف علبه. ما هو الحدث في القصة قبل أن نبحث عما يعنيه فِيهَا؟
١.٣- ضبابية التعريف لمفهوم الحدث :
غالبا ما نرى غير الحدث في القصة إلى درجة التماهي بينهما حيث تصبح القصة مجرد قص حدث والحدث قصة حدث. هندسة القصة بجميع تصاميمها من " بداية " و " تأزيم " و " تنوير"، هي هندسة للحدث في مجريات تطوره. والحدث يعني حسب ما يتداول هنا وهناك " مجموعة من الوقائع والأفعال المرتبة بشكل سببي والذي يدور حول موضوع عام". ولكي يصبح قصّة، فلابد أن "تجيب هذه الأخيرة على أربعة أسئلة: أين ومتى وكيف ولم وقع الحدث؟ ". لكن هل كل إجابة على هذه الأسئلة كفيلة وحدها بأن تَخلق لنا قصة؟وهل هناك فرق بينها وبين تغطية صحفية لحدث تعالجه من نفس المنطلق : أين ومتى وكيف ولم وقع الحدث؟ يأتينا جواب غالبا ما نسوقه وكأنه كاف بذاته لتحديد " سيمة الحدث "، فنتحدث عن " الحدث الكامل " وأركانه التي يأخذ منها سيمته تلك : الفعل، والفاعل، والمعنى. وأغرب ما في التعريف أننا تقتطعه من كتاب " فن القصة القصيرة " الذي كتبه رشاد رشدي منذ ما يفوق نصف قرن، سنة 1959، مع تغاض الإحالة إليه كمرجع. الحدث الكامل هو الفاعل وهو يفعل فعلا ذا معنى أي"تصوير الشخصية وهي تعمل عملا له معنًى"، يقول رشاد رشدي. أركانه الثلاتة هي " الفعل والفاعل والمعنى وحدة لايمكن تجزئتها". 
إنها ترجمة وفية لمفهوم الحدث في قصص القرن التاسع عشرة حيث الحدث يدخل في حيّز بما يسمى faits divers : أخبار متنوعة لها ارتباط بالأفعال المهمة والصادمة غالبا : العنف، القتل، الجريمة ...هنا فعل وفاعل والمعنى عبرة يحملها: la morale de l'histoire. تعريف يمثل وجها من أوجه فعل القص في اللحظة التي تحول فيها هذا الأخير إلى موضوع تفكير أدبي يناشد فيه صياغاته الأسلوبية من كونه معطى أولي سابق على القص. وإشكالية الكتابة القصصية على مر العصور وباختلاف النظريات المصاحبة لها ستتمحور حول طبيعة علاقة الحدث "بالقصة" historie. لن يصبح للحدث وجودا قارا تحوم حوله القصة وتتشكل به، سيعرف تصدعا في ماهيته وبالتالي تصدع بنية القصة ذاتها التي تحاول أن تقوله. تلخص كلير كولان هذا التحول في نمطين من معالجة الحدث وذلك في مقالها " كيف تقول القصة القصيرة الحدث" ( القصة القصيرة المعاصرة: أمريكية/ فرنسية /إيطالية ).
١- نمط الغلو : la typologie de l'excès .
٢- نمط الحد الأدني للحدث la typologie de l'événement minimaliste.
يأخذ الحدث في النمط الأول كل سيمات " فعل الفاعل " وما يفعله من أفعال في القصة، إنه الحدث الكامل أو كما تقول كلير كولان الحدث المنجز عن آخره في تحيينه الزمني، ومحفزاته، وسياقه المكاني وطابعه الفجائي. 
ويأخذ في النمط الثاني موقع الغائب الحاضر حيث يترك حدته وطابعه الفجائي والكامل جانبا: " الفعل هنا، ولكنه بقدر ما هو جد عادي إن لم نقل تافها، يدفعنا إلى التساؤل حول قيمته من حيث هو حدث" تقول كلير كولان. في هذا النمط، 
القصة تكتب الحدث في دنيويته، بمعنى أنها لا تسعى إلى قوله كاملا بل يصبح خلفية إشكالية لها في المعالجة والقص. 
يمكن أن نرجع إلى مقاربات أخرى وفِي نفس سياق مساءلة الحدث وتحول السياقات التي أعطته توجهات ومفهومات أخرى. في مقاله: " حدث وسرد : علاقة إشكالية "، يتناول مارك كورتيو الحدث من خلال نظرية أودث التي تقترح أنموذجا يميز بين تلاتة سلم احتوائية ذي مستويات هرمية إلى حد ما للحدث في عمل فني : 
١- المستىوى بيدنيوي : intramondain. وهو 
يحدث في التخييلية : حياة الشخصية والعالم التخييلي الموضع لها. هنا الحدث يشكل العمود الفقري للنص وهو الأول والمحرك له حيث كل شيء يخضع له.
٢- المستوى الخطابي : discursif ، وهو يحيل الى ما هو ميتا-حكائية الذي يعالق النص في كيفية خروجه من الحدث وجعله موضوع التفكير فبه.
٣- المستوي التشريحاتي opéral، وهو " نتاج، وحصيلة للجهاز (نصي، بصري، إدراكي). إذ العمل الفني يقود القاريء إلى إدراكه من خلال من خلقه. فهو يرتبط أكثر بمقدرات العمل ذاته".
الحدث إذن هو إشكالية روح القصة وليس مجرد معطى براني عنها يؤطر داخل مقولات جاهزة القالب. فلكل نص حدثه ولكل حدث تمظهرات متعددة لا تتشابه فيما بينها، وذلك راجع لأمر بسيط جدا هو أن العمل الإبداعي لا يخضع لسلطة المفهوم وكأنه حقيقة ثابتة ميتا-نصية وميتا-تاريخية. وعلبه، فكيف تنتج نصوص الأديب سليما جمعة مفهومها للحدث الذي ينتج بدوره ما تحمل من بنية معرفية في مجال القص؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق