بعضُ تجربتي ..
قاسم وداي الربيعي مواليد 1967 ميسان . حيث كانت هناك البداية التي منحتني
الصور الشعرية من خلال طبيعتها , وطفولة
كانت مشبعة برائحة سومر .رغم أن بيتنا بيت القصب يلاصق الماء والطين إلا أن
مكتبتنا كانت هي جميع ما نمتلك قرأت فيها أسماء الكتب فقط حيثُ ما زلت لا أجيد
الأبجديات .غادرت ميسان عام 1977 ليستقر بي المطاف في بغداد حيث توفرت لدي مساحات
كبيرة من الفكر والقراءات المتنوعة ومصاحبة العديد من الأدباء والإعلاميين وأهل
التجربة الصحيحة .. تأثرت كثيرا بالأدب العربي العباسي وشغلني فرحتُ أبحث عن
شعراء العصر العباس الأول . لكن هذا لم
يمنعني من متابعة الأدب الغربي الذي أخذ مني المزيد من البحث حتى كان ت_س_
اليوت وبول إيلور ولووركا وآرثر رامبو
وناظم حكمت قد منحوني ثقافة شعرية كبيرة . كذلك الشعر العربي الحديث خالط تجربتي
الفتية حتى شحذ لساني العديد من الشعراء ربما أمل دنقل وعبد الوهاب ألبياتي
والسياب وحسين مردان كانوا يقفون في
المراتب الأولى
كتبت العديد من النصوص منتصف الثمانينات وتسعينات القرن الماضي وحاولتُ أن
أجمعها في ديوان وفعلا جمعتها في ديوان ( ساحل الأصداف ) لكن بعد مرور زمنا وجدتها
نصوص غير ناضجة وفيها الكثير من التكرار فأوقفت مشروعي للطباعة واكتفيت بكتاب واحد
مستنسخ حرقته فيما بعد لأنني لم أجد فيه إلا صرخات مراهقة ودخان حرب ورحيل بلا
مواعيد ورغبة لم تتحقق بسبب كثرة الطعنات
وحيث البارود كان مائدة العراقي في تلك الحقبة
نهاية التسعينات بدأت كتاباتي تنضج فنشرتُ في بعض الصحف العراقية وأخذت
أقرأ وأقرأ حتى كان رفيقي الوحيد هو الكتاب . فقرأت لطاغور ولجبران خليل جبران
ولتوفيق الحكيم ومحمد عبد الحليم عبد الله
ونوال السعداوي ومي المظفر .. حتى جمعت أغلب مؤلفات توفيق الحكيم وكادت مكتبتي
تشغل مساحات البيت .. لولا الحروب والحصار الذي أبعدني بعض الشيء عن الكتابة
بعد 2003 بدأت ثانية معركتي مع الأبجدية فكتبت مذكرات الحرب وسجلتها وكذلك نشرت كثيرا في صحافة ما بعد التغير
أصدرت كتبا منها مشتركه مع شعراء ومنها كتاب نايات الوجد الذي شاركني فيه
الشاعر كريم عبد الله وعدنان ألساعدي وهناك كتب مشتركه شعرت فيما بعد هي خطأ قد
ارتكبته حين أزج أسمي مع أسماء لا تمت للشعر بشيء لا سيما وأنا تلميذ شعر رغبتي
مرافقة الكبار وأصحاب التجارب
أصدرتُ ديواني الأول ( رفات شاعر ) وفيه أنقل معانات الإنسان . الإنسان ككل
لا محيط وقدمه لي الشاعر والناقد عباس باني المالكي
ديواني الثاني ( قيامة الطين ) سيصدر قريبا بعون الله وهو مرحلة أخرى في
رسم صورتي الشعرية وقد ابتعدت عن النصوص المثقلة بالحزن في هذا الديوان حزني
ومنفاي هو الوطن
أنشر في صحافة متعددة ربما جريدة الزمان وجريدة الصباح والبينة والمستقبل
والرأي أشهرها نشرت أيضا في مجلة ثقافية مصرية ونشرت دراسة نقدية في جريدة الوطن
السورية
أقوم بنشر حوارات صحفية مع العديد من الأدباء العراقيين والعرب في جريدة
المستقبل العراقي وهي حوارات أسبوعيه وهدفي منها أن أقدم الشاعر الحقيقي وسط ضجة
كبيرة لا تميز بين الأديب الحقيقي عن الأديب الفيسبوكي ..
حصلت على العديد من الشهادات التقديرية والدروع ...لكني لم أشعر بالفخر
أبدا من هذه الشهادات والدروع لأنها لا تضيف للشاعر سوى الأنظمام إلى تلك الضجة
التي تربك تجربتي المتواضعة لأنني أجد الشعر سلاح فكري لصنع الجمال ..
قدمت دراسات بحقي ودون علمي وهذا ما جعلني أفتخر بتلك الدراسات ربما أشهرها
دراسة قدمها ناظم ناصر في كتابه العين الثالثة وكذلك الدكتور أنور قدم دراسة حول
ومضات قاسم وداي وأستاذي عباس باني قدم دراستين جميلتين أفتخر بهما ...ثم قدمت
الأديبة السورية دراسة نقدية حول نص ( قيامة الطين ) وكانت دراسة ستكون مقدمة
لديواني القادم
وقدمت الناقدة والتشكيلية خيرة مبروكي دراسة لنص قمر الخراب وكانت دراسة
جميلة أعتز بها أيضا وهي من تونس
حاورتني صحف عديدة عراقية وعربية أجمل حوار هو الذي نشر في جريدة رأي اليوم
وقدمه ألأعلامي حميد عقبي وهي تصدر في فرنسا فقد كان حوارا كبيرا
أوراق سومري
____________
(1)
إلى منْ رافقتني
من زقاقٍ لمدينة
التهمت معي وجع الفاقة
سكبت أنوثتها في فمي
فأخضر الحقل
صبية وعصافير
(2)
تلك النجوم هبطت تزاحم رأسي
أثدائها قناديل تروي ظلام
الصحبة
ترتعش في أوتارِ صمتي
مثل طفل يترقب الولادة
(3)
يا أسمر قف نهاية السلم
كالنهر
ستأتيك المراكب كالسلاسل
تترنح خاوية
بعد أن غادرها المطر الأحمر
(4)
أنا لا أريد
إلا شعر
وقميص شهيد
ومشنقة
(5)
أخيرا
وصلتني رسالة من سومر
ليس فيها
إلا بصاق وسوط
(6)
أخشى أن أقول أنا عراقي
أخشى
أن أغني بصوت سومري
أخشى
الخنازير تجري خلفي
وأنا الطريد
(7)
بهدوءٍ طرقنا مدنهم
تكلمنا بلغةٍ عربيةٍ
قلنا هذا الفضاء يمنح الجميع
أجنحة
حياة
فانهال الموت قذيفة مدوية
(8)
خلف المُدن الهزيلة
سأنتظر
..
..
المُنتظر
يكادُ أنينه يخلع جلد الشوك
(9)
هذا الشهيد يرفض الأخلاء
يرفض التشييع
قال لرفاقهِ عند نهاية المعركة
سيُطلق سراح منْ أستباح دمي
(10)
كانت أمي تجيد
صناعة المحبة وذرف الدموع
حين شيعوهــــا
كان كفنهــا ثوباً أسود
قد أشبعتهُ رائحة ( العجين )
تيجان البَوَار
_______________
تلك الأرض وجهتي للسنابل
كلما نثرت بذاري لعقته السبخة بلسانِ القفر
زمني قميص لا يغادره الدم
شبابنا كل منْ تسول جسد
الوطن
أستطعم لحمهم
لا يرغبون إلا بوطن يُغني
أرجوك أيُها القنفذ
لا تسرق خيولهم بواخزاتك
هذا الغبار الأبيض لا يفتح
أمانيهم المغلقة
أستيقظ أنت ..
قبل أن تفتح الشوارع
مشانقهــــــا
ظمأى ’ فلا شيء أسمه الضفاف
حتى هذا المطر النازل تسرقه
جيوب الحضارة
تئن بطون الجداول وجعا على
هيئةِ عطش
جذوع الشجر محمرة كساق جريح
محزوز البشارة
النبض نداء للبقاء ,
والبيادر قبور
أيتُها الأرض مهلا هذي
الشقوق
عارية الرحيل تأشيرتُهـــا
رأس برق
لا طواف يناسبهـــا !
القبح الأصفر ما يغطي عورة
المدافن
أخشى عليها من ذقونهم
المفخخة
كلاب صيدهم تلتهم صدور
النساء طعاما شهيا
لكن ستدور الأرض
سيحلُ الصوت المدوي
يطرق هامات التيجان الشمعية
تتساقط الأوثان والرؤوس
كالحطب بفم الفأس
كالرسائل العالقة
بالمواعيدِ القاحلة
منْ أراد أن أكون وحيدا تحت
المطرقة
حين تدور الأرض سأقول له
تلك الغربان لعابها كالصمغ
أفكر بالملايين
بالإنسان والصخر والرماد
بهذا الطاعون الماسك للوجوه
تعالــــوا نعلن الفرح
حتى ترتدي الأرض فساتين
القهقهات
وأنا المغني الأسمر
حين يجتاحني الجوع أطعم
جسدي للقافية
طوابير الموتى
___________
عليكم السلام مواطن النمل
عربي أنا يرهقني التشيع
مقابرنا عواصم كلما كبرت
شاع في
دكاكينها الخراب
أهل
الأرض يبذرون الحقول
إلا نحنُ
نحز الورد ونملأ جيوبنا أصنام
أيُها
الموتى تعـــالوا ندمن تشهد الملوك
نفترش
جلودنا لعاهرات القصور
كؤوس
نادلنا دم الأبريـاء وجفاف وجوه الأمهات
كانت
كذبة كبيرة بيارق قادتنا
تعرت
فيها عورات الشعوب
وأنا
نزيف الليل
خلف وجهي
جبل يتدلى ...أسمه الصمت
يسيرُ
معي ...يُحدثني ...ويصفعني بلا رحمة
نصب
الجندي المجهول رمز من ظل
ترشقه كل
يوم طعنات رايتنا المخذولة
استفيقوا
أيُها الموتــــى
قبل هطول
قيامتنا الموعودة
القبح
الأسود لم يترك مساحة للكفنِ
أيُهــــا
الملل الخبيث
متى يجد
رأسي طرقات الوسادة
وهذه
الطوابير صراطها قيح ودمار
يطرقون
بوابات التاريخ في جبل طارق ..
فلا شيء
سوى حُلم
على هيئة دبابيس
من
يدُلني على أرضٍ عربيةٍ
أقيم
زفافا جماعيا
للشهداء
من صبيتنا
قبل أن
تُباع حبيباتهم في سوقِ النخاسة
صمـت التجــاعيد
_____________
أزرع صمتك بين الشقوق
كثيرٌ من الدهشةِ لا تجيد الطرق
مناديل الكالونيا شبح في
خزانة الشيخوخة
قلتها ذات مساء
فضمني الجدار كتابات عاشقٍ
هزيل
يرحل النبع...صوب الصخر
يستجدي القبعات بين أسنان
الحجر
هُناك رائحة مهشمة بين
القسمات
فلترحل مواكب عزاء الأجنحة
وليكتب البحر بعض حسراته
خلف تجاعيد الدهشة
يأتي البرق حصانا من رذاذٍ
يغوي عطش المنحدرات
يلقي رداء الجذر الميت
هي .. تراقبني من بعيدٍ
فيأتي صوت الفرح راكضا
يستلقي على محطاتٍ منسيةٍ
التهمها الضجر المدوي
فغادرت تجمعُ أشلائي
وتنعم بالنسيان
قمر الخراب
__________
البحثُ عنها خطيئة
فالجدران تلتهم صمت المُكان
قلتُ لها ذات مرة ..
المحطات
أسنانها الحَجر
والرحيل
صوب تضاريس الرمل الأحمر
اشتهاء
يلجم الحُلم..
هي هربت
، فساتينها الخوف والرغبة
لكنها
تركت في جوفِ أوردتي
صراخ
جميل ، يطرقُ بابي كُلما غنى الدَغل
يضمني
بين أعتاب قمر المعرة
كنداء
الجنادب وسط ظلام العيون
ربما
القادم سيكون مقعد من انتظارٍ
ودفء
أصابع تتسلق المُنحدرات
لنلتقي
نهاية أرائنا المختلفة
نمزق
قبعة الخجل المحشو بالقيمِ الصفراء
فالحب
الذي تراه الكلمات لم ينفجر بعد
وكم
ناشدتُ الله أن يولد كالأجراس
من حقي
أن أركب صهوة رياحي
أجهشُ
باللحنِ العابر لتقاسيم جلدي
أدق
مساميري بجسدِ المزامير
أنادي
كثيرا بما تبقى من ذاكرةٍ
أنتِ ،
باقية ضمن حصادي
تتلو
قافيتي فصول ميلادي الهزيل
فقط ما
يهمني وشم الرمل وهذا البرق
البرق
الخارج من عينيكِ مثل الفزع الشرقي
ورائحة
الأصابع وهي تتجول بفناء روحي
لا لشيء
سوى لجم الوهم ؟
الذي
وخزني حد الجنون
رقــــاب ذابلـــة
______________
أينَ نمضي والزمن الشحيح رغاء
ذابلة تماماً حنجرة الإصلاح في رقابِ
الآخرين
أسأل عن أشباهي في مقابرِ الغرباء
أنادي
ويأتيني الصدى دمية مشبعة بمضاجعةِ الخوف
كُن
محترساً فالغمام على كثرتهِ لا يحجبُ النور
أنا لم
أكن ميتاً حين هزل الفكر واستباحنا الطاعون
المرور
خلف زقاقٍ يجيدُ العثرات
يفقدنا
عبء المحنة ومخاض الأرض
المتحذلقون
يسرقون الضياء ويمرون خفافا وجوههم الغبار
هم عبء
على أرضنا التي لا تموت
وأسلاك
شائكة تجاور النبعَ والغصن
الحمم
المقذوفة من أفواهِ الرمل الآسن
لا تغير
أشرعة الحقول الساجدة تحت ضياء الشمس
هي تلهو
بالحفرِ وتلتهم أثداء جمرها
لي حق
العبور من أسوارِ الظلمات منتصباً منتشياً
وأقول
لهم : هذا الكون الواسع لا تحتويه رقابكم الذابلة
وهذا
التاريخ لن يكون ذات يومٍ محبرة يتلاقفها الصبيان
القول
التائه تصفعه الأجيالُ ويعمه الخراب
تشيعه
أيادي ملوثه ليقبر في مجاهلِ القمامة
أبي العلاء
شاهدي على خُطانا وغير هذي الجذور (1)
حينما كان السلطانُ يهذي في طرقاتِ السَّابلةْ
كنا
نفترش أضلاعنا جسورا كي لا يسقط الغَضب
يَعتريني
الخوف لكني منحت الآخرين حُسن النية
تلك
الضوضاء ، لا تجلب إليك إلا أبواباً ضيقة
لا يسعك
الخروج منها إلا عاريا .
رفيقك الشوك
بعد أن يغادرك الجدار والزهر
قفْ
أيُها العنوان المسلوخ تحت المطر قبل هطول البول
أغتسل من
هذا السواد العالق فيك كالقطران والزرنيخ
عناق
السماء لا يحتاجُ إلى مقصلةً ومنشورا سرياً______________________________________________
(1)أبو العلاء المعري، شاعر وفيلسوف وأديب عربي من العصر العباسي، ولد
وتوفي في معرة النعمان في الشمال السوري وإليها يُنسب . لُقب بـرهين المحبسين أي
محبس العمى ومحبس البيت وذلك لأنه قد اعتزل الناس بعد عودته من بغداد حتى وفاته
معراج أم عهر عربي
________________
هاتي يديكِ هناك أساور بلون الشمس
تتساقط بين ثنايا أصابعي رغبة للعناقِ
الحرب فتنة يا حبيبتي
الخاسر
فيها ما تبقى من إنسانٍ
المقتول
بين فجوات التاريخ كان عاشقا
سرقته
فروسية الحقد والضَغينة
حينما
يَهجع المساء يفترش النهر أشرعته
يستلقي
النداء له صراخ الظل والمَغيب
الواقفون
كالخناجر شوهوا حضارة السماء
يتلون
آياتهم على رقابِ الأطفال والأبرياء
يشهرون
سيوفهم بوجهِ الأسرى
كالبدو
والرمل
لا
يجيدون الغناء على قسماتِ
مصباح
الزيت المنسي في ظلامِ المَجهول
أقواس
النَصر في ساحاتنا العامة
هي مشانق
الفُقراء حين يفتحوا نوافذ رؤؤسهم
تعالي
نخترق صدور الفتنة ونعلن سر الفجر
أنا
العربي قامتي ضفيرة البحر
كلما
قالوا لي الحُب خطيئة
تنفست
صدر حلب .
كلما
أتموا طوافهم ورجموا الشيطان
سمعتُ
صوت الموت الخارج من وجوه الصبية في اليمنِ
أعطيني
رجولتي يا سيدة العرب
ثوب
زفافي بدله جندي شهيد
وحفلتي
تضيء العالم في معرةِ النعمان
عانقتُ
الخرطوم فطال عناقي
يمس
قامتي لواء النصر في سيناء
أجري مثل
المَغيب بين فساتين القاهرة
أجمع
تذاكري من بين الفوهات
أرتدي
مجد رفات الشهداء في الجزائر
ومحنة
العصر في ( سبايكر ) (1(
تضج لها
شيبة الأولياء
أكداس
البارود والعهر القابع في تاريخنا
لا يدرك
أنيني وأنا المَجنون
________________________________
(1) جريمة سبايكر التي راح ضحيتها 1700 شهيدا من الجيش العراقي من قبل الإرهاب
قافلة النباح
__________
يساقون بلا ألسن
يأكلون بعضهم , لحما طريا
نهر يحاصره الظمأ الملعون
يثقب
الضفاف كي يعلو الجذر
هذه الأرض
موطن الجميع
بيوتنا
شتلات عشب كبيرة كخيام أجدادي
هي (
تدمر ) الواثبة بخاصرة الأرض (1(
تقرع
طبولها كلما رفع العهر سوطه
كلما كشر
الزيف أنيابه
خيوط
الفجر ندائها بوجهِ الظلام
لا تركل
التراب فهو وجه الحياة والتمني
يكفيك
جدار تنشر عليه قديد لحمك
حين
سرقونا من بطون الأرحامِ
ما كان
لنا مهر جامح
سروجنا
ملتوية أسفل الساق
خيولنا
عاقر استباحها القيظ فيبست جلودها
لا تحرق
ما تبقى من وجوه
ربما
نحتاجها ليوم يتطاير فيها الجميع
خرق
بالية جلود نداءنا الموحش
أمست
هزيلة مساحات الليل والمدن
خراب ،
شعار قادتنا والموت رفيق الريح
سوداء
قامة الانتظار
لا نريد
إلا رقاب الحق ومركب النجوم
حين شقوا
بطن الأرض
كان
الجميع نيام , سوى لافتات وعبيد
إلا هي
كانت تزرع مساميرها
في
مساماتِ جلدي وتنعم بالخلود
هذا
الراكد في صدري يعلو هامتي
يخرجُ
مثل الرعد إذا تسارع النبض
سئمتُ
الغبار . والرخام بين أزقة التجوال
فليأتِ
المجد الذي ولى وليعم السلام
تغدوا
جدران المعتقل لوحات ترقب
قف
فالنباح على أبواب قيامة الحق
يسرق من
أفواه الجياع خبزهم
يلتهم
رقاب تعشق الشمس والأوطان
وحدي
أذود عن بيضِِ الرخ العربي
لدي رحلة
تحتاج إلى أجنحة
رحلة بين
قبعات الرمل الأحمر
كُتب على
أبوابها ..لا يدخلها إلا مجنون
مَقْعَد أعمى
______________
يقترب صوب فاكهتي ضجيج
عيون العناد تخترق أفنيتي
مناديل الريح تصفق وتترك الغبار
تلتصق
أصابعي بساق ( جسر الجمهورية (
انتظار
يطوق رقبتي
أيُها
الخشب البارد دعني أوزع جسدي
مائدة
للمقاعد الفقيرة
لأرى
القلب أين يئن
وتلك
أثواب الأيام تُنشر على سطوحِ العشب
رائحة
الفساتين والأظافر
المقعد
يُهاجر بين فجوات أنيني
نبحثُ
معا والزجاج يملأ مسامعي
وخزاته
وتر لاهث
منتصف
الوقت يحمل السياط
مثل برق
شتاء أسود
فأهوي
قشة بين أسنان العجلات
هروب ،
آخر المنظر
تقاطعات
الأنفاق وقامات الصخر
أضع رأسي
في حقيبتي وأرحل
حقول الليل
___________
(1)
وددتُ أن أودعهـــــا
أقولُ لها . بعض شجون
أشكو شقوقي وأشرعتي
المثقوبة
أطعمها من حقولِ الليل
اصفعها بجمع الألوان كي
تثمر موقد
وهل يأوي الضياء
إلا لمعصميكِ
مسكينة هي أصابعي
يتسكع بينها الجليد
وأنتِ نجمة تتدلى بين أظافري
محشوة بجمرِ الكؤوس الثملة
أنا بعضُ قصيدة
حين لامسها بريق عينيكِ
استحالت إلى رماد..
( 2 )
وجهها حضارة سومرية
خرساء تطالع أجنحتي
قُلت لها
أمكثي بين الأوردة
أنا السومري
أنا
..
..
وازداد العويل
( 3 )
وأنا وحدي اجري بين الأزقة
عقارب زمني تلتهما الشوارع
مطر .. وخوف .. وظل يراودني
أتصفح جدران المعابد
تركت بجيوبي رائحتها
وبعض أنفاس
سأهرب ولن أترك لي أثرا
كي أصن نفسي وأبحث عنها
بهدوء
( 4 )
اركض بين المدن والأشعار
أبحثُ عنكِ ، فلا شيء إلا
غصن وخريف
حلم مائل يُراودني
وبعض
هزيمة..
( 5 )
قف ، صوتك فزاعة للطيور
عيونها عليك
لكن قلبها يتسلق أضلاع غيرك
( 6 )
لن أكتم صوتي
..
لن أجامل ضجة الغربان
نرفع القبعات لمتسولي الشعر
وكبارنا يستوطنهم النسيان ..
ميتون جميعنا..
فمن يعطيني سيفه ، يعطيني فمه
لنقول للجميع .. هُنا الشعر ..هُنا الشعر
( 7 )
قحطان العطار
شارع السعدون
منتصف الدخان والبارود
الزى الموحد وكتب مستنسخه
نرسم الفرح ويلاحقنا ( الزيل))
قحطان العطار رسالتنا على شكل (كاسيت)
( يا روحي هلبت يوم حن وتعناج ....يا ويلي)
غير مسيره الماي وأنتِ برجه هواج ....يا ولي )
وما زلنا يا ويلي
( 8 )
وحدي أنا
..
وهذا الليل يحملني ضفيرة
أين الزملاء
...
فرَ الجميع...
باصات الليل توزع جسدي بين المحطات
أين انتم
قفوا ...أرجوكم قفوا ...
رائحة المكان تفتش عنكم ..
تطرق المناديل ...وتجثو بين الرقاب
حين نتفرق .. نترك قلوبنا على نوافذ الأصدقاء ..
مثل العيون ...تراقب الستائر
أكره الرحيل ....لا تقولوا وداعا ....بل قولوا .....غدا
نلتقي
( 9 )
كلما سمعوني أغني
أوصدوا زنزانتي
و
و
و
وباعوني لحراس الليل
قصيدة المشيب
____________
تأخذَني من يدي إذا مَال رأسي
تمسكُ جلدي الطاعن بالواخزاتِ
خلفها صدور الشَجر تُرتل الألوان
عابرون مسافات مشحونة
بالزنبقِ والنَحل
أقدام المسير على قافيةِ
المُدن البعيدة
تجمعنا تحت غطاء الضباب
صدُرها والوشم سَرير أنفي
كما الليل فمُها الحزين
خِفافا نتسلق سَلالم اللحم
نجمعُ الثمار في سلىتنا
المكشوفة تماما
هي معي قصيدة تشرب دَمي
تثير رائحة الأرض وجذور
العشب
راحلون والسماء شوارع بلا
تقاطُعات
راحلون أيُها الإنسان
العَنيد كما نُريد
(مرينا بيكم حمد وإحنا
بقطار الليل) (1)
هروب شَرعي لحضارةِ الدم
الوردي
نطأ الأنهار ونفتح نوافذ
الجَسد
إذا صَمت الليل تساقطت
عيونها بجيوبِ قَميصي
تجاعيد شعرها الرمادي براكين
المّباخر والطلع
تأوي إليه قُبرات الدفء
وسرب الثريا
إليك عني أيُها الزمن
المُتسلط
إذا اجتاحني الجنون أنحسر
الشَهد بين الفخذين
عويل الشيب نهر يتدفق
بمراكبٍ مشحونة بالأدغالِ
والحب أغصانه لا تموت ، كل
يوم يولد من جديدٍ
وجهها هادئ
جسدها كالنحاس
رائحتها الخيل والصهيل
فلتسافر الخناجر بلحومنا كي
يولد اللحن
دراسة نقدية للناقد محمد شنيشل
__________________________________
دلالة لسان التشظي وكآبة النص
الضجة المستهلكة / أنموذجا
للشاعر العراقي : قاسم وداي الربيعي
____________________
(1)
يحملُ حصاة ملونة بكف عاجز
يرمي بها كأس من شعر
ظنا منه يستحوذ على الجمال
بمحابرهِ المستهلكة
(2)
منْ هذه البحيرة العجوز
لا يؤويها إلا البعوض
غادرتها الزنابق لضجةٍ
يجتمع حولها الشهد
(3)
لا أحدا في الشارع
لا أحدا في حدائق القشلة
لا أحدا في المقابر
يدرك خطورة الضجة
(4)
رأيت أطنانا من الشعراء
لكني لم أجد إلا بعض قصيدة
(5)
هل لي أن أكون شجرة
أنمو بجانبِ قبر السياب
علني أستنشق ما تبقى من شعر..
(6)
تعالوا نكون جمرا لا رمادا
نكون مناجل تلتهم السنابل
كي نعبر وحل الزمان بأمانٍ
(7)
ليس كل ما تحرقه النار خبزا
(8)
أنتَ أفهمني , أيها الضائع
لا تعرج بعيدا بنبؤة كاذبة
أخشى عليك رائحة الفجل الأحمر
(9)
أحرقوا أسلحتكم
أقنعتكم
قبل أن يرتشف المساء قهوته
(10)
لا شيء يربطني بالنبع
سوى دلو أعمى
ودموع
أنا قروي يستهويني الجلوس
في الصف الأخير
أطل على الجميع
كما يطلُ النسر على أفراخه
.......................
قاسم وداي الربيعي
يحملُ حصاة ملونة بكف عاجز
يرمي بها كأس من شعر
ظنا منه يستحوذ على الجمال
بمحابرهِ المستهلكة
تتباين المقاصد الشعرية في رسمها وتقدير مكوناتها عند
المبدع , واقصد في المعنى الأعم انساق الرؤية السياقية عند الشاعر ومدى اصطبار
المتلقي عليها , وبما أننا نؤمن أن نؤسس في دار منهجا
نقديا عربيا لذا سنتعرف على مفاهيم هذا النص وفق المفهوم الدلالي العربي , قبالة أماننا
بان القصيدة النثرية يجب أن نفقد خطوط مضمار السباق ونتنقل بين المحاور بلا استئذان
أو نلتزم بها نظاما معينا , لذا وجدنا اوضوعات الدلالة خير من يمثلها بلاغيا لان
الذي يُنظر للقصيدة النثرية بعين الأكاديمية إنما يحيطها بنظام , إي نظام في حرة
في اختيار وجودها .
أظن هذا التصور قريب جدا إلى مساحة الحرية المطلقة
لمفهوم القصيدة النثرية وذلك لوجود فسح كثيرة يستطيع الناقد أن يتجول فيها دون
الالتزام أسوة بتشظيات النص , أي انه ( النص ) هو من يسحب الناقد إلى معرفته إذا
توافرت فيه ما يشجع على التوهج ليتبضع من ذلك الجمال وتلك اللسانيات وخلق فسحة من
الساحة , ونعتقد أن ذلك يتم وفق ما يلي
:
1ــ الممكنات القرائية : أي تمكن الناقد من القراءة الإبداعية
بدون تفسير الزمان والمكان ( الانتماء ) أكاديميا لان النص قيمة روحية لا تخضع
لحسابات رياضية ولان الأكاديمية تدخل النص في متاهة النظرية والتطبيق وبالتالي الإخضاع
إلى القانون لا التشظي , ولكي تحفل الجمالية وتؤطر النصية مثلما يحصل في بعض
الصفحات التي تؤطر ما تراه جيدا بألوان شتى مع إعطاء رأيه في المنتج يمثل بالنتيجة
رأي ذلك القارئ إذ ليس من المعقول أن يصل ذلك المنتج إلى صفات مثالية , وقد يسأل
البعض ليس كل ما في النص مبعث على الجمال في ممكناته ؟ ونحن نتفق مع هذا القول
الذي اجبنا عليه ولا نريد أن نفسر مبادئ الجمال وفق نظريات جماليات الفنون ونجعل
من المادة الشعرية مادة تخضع لموازين قد تكون مختبريه أو فلسفية تنظيرية ونحن
نحاكي أقدس شيء وهو الروح البشرية التي لا نعرف كنهها أنها تعقد المشهد الجمالي
الفطروي كما وانه لا يوجد تاريخ اعتمد أول جمالية حقيقية في مجالها النظري , ولا
نريد خلط المفاهيم والخروج إلى موضوع أخر يجر لاحقه سابقه وحتى نحافظ على إنتاجية
الكلام نستطرد بقولنا إن القراءة النقدية العربية هي الحجة الحقيقية على النص
المكتوب بالعربية لا غير ذلك من المترجمات التي لا تخلو من مطبات المعنى المنقول
والمترجم والتوظيف وان افتقدنا إليها , فنحن نكتب النصوص بالعربية وننقدها أو
نحللها بالمفاهيم الأوربية والأمريكية ! ولا اعرف كيف يستوي اتفاقا نصان مختلفان
من الولادة إلى الممات ! أو كيف يلتقي مستقيمان متوازيان في نقطة واحدة مهما امتدا
على طول الاستقامة ؟ او من كان لديه ثروة من المال ويقترض من غيره , وان حصل من
يبرر هذا هنا أوهناك والقول الحق أن تأسيس نظرية نقدية عربية لم تنضج بعد وقد يكون
هذا المعنى منسجما مع الرأي القائل ( أن النقد متطفل على الأدب ) .
نحن نعرض هنا أكثر من رأي عسى أن نجد مفاهيم تؤدي بنا إلى
النقدية العربية لا النظرية الواحدة الضيقة .
ونحن من هنا نعرض تلك النظرية ونقول: أن تبويب التراث
العربي بلسانه العربي يخلق لنا أوليات النظام النقدي وهذا ما عول عليه الغرب
واستحال في أدبياتنا إلى معضلة لم نصل فيه إلى أوليات صعود السلم الأول .
أن التفكيك من الداخل هي المحرك الذي يؤدي بنا إلى لملمة
ذلك مرة أخرى والبناء من جديد وفق رؤية حداثوية بمصطلحات عربية وعلماء عرب قدماء أو
مستحدثين...
*******************************************************************************************************
وعليه سوف نقرأ النص الأتي وفق مفاهيم الدلالة العربية
والتي بدأت أصولية التنظير ولنتعرف أكثر على صدق التجربة الشعرية واثر اللسانية
فيها عند الشاعر الربيعي ووفق مفاهيم الدلالة العربية .
يحملُ حصاة ملونة بكف عاجز
يرمي بها كأس من شعر
ظنا منه يستحوذ على الجمال
بمحابرهِ المستهلكة
نحن قبالة جمل شعرية تبدو متحركة في نظامها الظاهر ,
والحركة دليل الفعل , والعمل , والتحول , والولادة ... لكن
واقع الحال في المخيلة يدعي الهدوء وذلك من دلالة العجز ومن شبهه في المحابر
المستهلكة , ثم أن الرمي لا يكون للعاجز...إذن كيف نوفق في معرفة هذه المفارقات
وهي حتمية التخيل في الحداثوية ووفق مباني اللسان دلاليا والممكنات القرائية ؟
نعتقد ما يلي :
1ــ التضاد في المعنى : وهو هنا ليس بلاغيا وإنما اعتباط
لساني أضاف بناء للنص وخصص له مساحة من البوح اللفظي , بمعنى حرية اللسان في
التراكيب الدالة على توليد الطاقة التخيلية وهذه الحرية قد لا توجد في اللغة
وسنثبت هذا في اللاحق من القراءة
2ــ إبطال حركة الأفعال , يحمل , يستحوذ , وتنشيط حركة فعل
واحد يرمي , فعمد الشاعر إلى ذلك وعطل فعلين وابقي على عملهما في حال الحذف كما
يلي ( حصاة ملونة بكف عاجز )و( ظنا منه ...... على الجمال ) الظن ليس يقينا وحذف
الفعل للتأمل
3ــ دور الحركات الصوتية في الكتابة الشعرية التي أغفلها
الشاعر, فلو تتأمل لفظة عاجز وهي اسم فاعل قد أيدها بلفظ أخر إذا كان القصد اسم
فاعل( مستهلكة ) , لكن الحركات حالت دون معرفة اسم المفعول من اسم الفاعل فشظى
المعنى خادما تفسير المتلقي في الانتقاء وقلب المعنى وتلك ميزة الحداثة في حرية
اللسان وخرق القانون اللغوي في النص النثري فاستحالت لسانا لا معجما أو نحوا.
4ــ لا يمكن أن يستخدم الشاعر اللغة المعجمية الجامدة ,
لذا هو أشار إلى اللسان وترك المعنى العام للمتلقي حين داخل المفردات بأنظمة صوتية
وجعل اللفظ لا يدل على المعنى فانشأ سيمائية بلفظ الاعتباط ...
منْ هذه البحيرة العجوز
لا يؤويها إلا البعوض
غادرتها الزنابق لضجةٍ
يجتمع حولها الشهد
نريد أن نعرف هل أن وراء هذا المقطع دلالة ؟ لاشك ليس من
تركيب إلا بدلالة , وكل دلالة لها طاقتها وانفعالاتها التي
تنشط مبنى الشعرية في النص .
أن الألفاظ أو الكتابة أو تلك الحروف التي قبالك
بمجموعها تشكل كلمات , هذه كلها يُصطلح عليها بالدال , أذن ما هو المدلول , وأيهما أفضل
من خلق الومضة في الذهن ؟ المدلول هي تلك الصور الذهنية التي من المفترض أن تتحول
في نفس أو ذهنية المتلقي إلى معاني وتأملات والتي من اجلها تمت لقراءة والاستمتاع
, والأخيرة أفضل , لأنها تتبنى ميزات لا يسعها المقام والأولى مجرد تراكيب , وقد
عرف العرب قبل غيرهم مفهوم السيمائية أو العلامة كما في قوله تعالى ( سيماهم في
وجوههم ) اي علاماتهم .
بعد التعريف نقول أن دلالة هذا المقطع هي ثلاث ليتحقق
طريق التواصل حسب رأي الجرجاني:
1ــ دلالة العبارة :العجز والضعف والإيواء دلالته الساكن (
البعوض ) ومغادرة العنفوان المتمثل بالشباب , والعجز متأت من القوة فلماذا ذكر
الزنابق ؟
2ــ دلالة الإشارة : الجواب هو الورد عامة يذكر لرمز
الشباب حتى قيل في الأمثال ( زهرة الشباب ) قد أشار الشاعر إلى معنى أوضحته الجملة
الشعرية أو المقطع الأول لسانيا
3ــ دلالة الاقتضاء : وتسمى الاتساعية ولا يتم المعنى
بها إلا انو يكون الخطاب صادقا , أي انه لا يثبت عقلا إلا به , وهي ليست من ضرورة
اللفظ , وبتعبير أوضح للقارئ , وجود تقدير محذوف , فلنطبق عمليا على المقطع الأتي
(منْ هذه البحيرة العجوز) : المتلقي لا يجد صدق العبارة في نفسه
لان العجز يدل على العاقل فكيف يثبت ذلك عقلا لغير العاقل ؟ فيكون الجواب أن
المحذوف أضاف خيالا للمتلقي وجعل من التساؤل فكرة أو تأويلا أو مخرجا او.... وكل
ذلك يكون عن طريق التقدير وهو التقادم والإهمال الذي يولد العجز.
لا يؤويها إلا البعوض : أي سكانها من الحشرات , صدقٌ في
العبارة لا يحتاج إلى مخرج تأويلي .
غادرتها الزنابق لضجةٍ : لا شك أن الجمال لا يسكن في أماكن
غير جميلة , والعجز والتقادم الذي حول كل شيء في البحيرة إلى مناخ متعب لا يستهوي أن
يكون سكنا لتلك الزنابق , والتقدير هو الجمال
يجتمع حولها الشهد : لم يغادر الشاعر السياقية في ترتيب
شد التراكيب مع بعضها , فأوضح أن للمكان لسان فهو يجد ا إضافة الجانب الانفعالي
يجعل المتلقي دائما في استعداد لبلورة المفاهيم الشعرية وإعادة الصياغة وفق انساق
من العلامات ولو تأمل المتلقي الجملة الشعرية الأخيرة يجد هنالك بعدا مكانيا بين
الجمل الثلاث التي مرت علينا وبينها , فوحدة النسق متفقة مع الثلاث ومختلفة مع الأخيرة
والصدق ليس كذلك إذا أجدنا فن التقدير وهو كذلك إذا اغفلناه واليك السياقات في
ترتيب الجمل الشعرية
التقدير كانت كل القراءات النقدية هي تأويلية أو تقديرية
أو رؤيوية انطباعية او نفسية انفعالية أو...أي أن جميع معانيها هي اعتباطية
التفسير في دلالتها .. هل استطاع الشاعر أن يصل إلى التواصلية من حيث الحركة والإيماء؟
1ــ يجتمع حولها الشهد : هذا محال أن يجتمع حول
(البحيرة) الشهد فلا قيمة لذلك الاجتماع وهو خارج بؤرة الحدث بالظرف ( حول )..والصياغة
الحقيقية بوجود المحذوف كتركيب لغوي هي
:
2ــ كان يجتمع حولها الشهد : لاحظ المقاربة في تلك
الجملة من حيث المعنى بوجود المقدر الواضح بفضل التقدير, الذي كشف المعنى واظهر
المحتوى والقصد اللساني من الدال
.
************************************
************************************
لا أحدا في الشارع
لا أحدا في حدائق القشلة
لا أحدا في المقابر
يدرك خطورة الضجة
ليس هنالك شيئا يقف في نهاية الطريق ويعلن الانتصار في
اكتشافه الأخير وتلك سمة الحضارة المتسارعة , أننا في خير دليل مساق نكتب عن
الدلالة وهي متسارعة التطور , تترك لاحقها بسابقها وها هي تعلن مسارا جديدا لها
بعد أن وجدت اللغة نظام تتوافر فيه مجموعة من الأنظمة الفرعية كنظام بُنى التراكيب
,
والبنى المعجمية , والبنى الصوتية , والبُنى الدلالية
وهذه كلها وقعت تحت مسمى واحد اسمه ( النحو الكلي ) والذي يراه تشو مسكي , ولنقرب
المعنى كل ما ذكره تشو مسكي يعني العناية بالنحو لا باللغة وتشكيل مجموعة من الأنساق
في الذهن الذي يقوم بدوره بترتيب المعنى المتوخى من اللفظ , وبتعبير أخر هو تحويل
السلسلة الكلامية إلى وحدات رمزية , لان الدماغ مركب لإنتاج وحدات كلامية سليمة
التركيب والدلالة .
إذا تحول كلام الشاعر إلى كتلة من القيم أو الإحكام
الحياتية فتلك إسقاطات رؤيوية وانفعالات على مستوى عال من قراءة الواقع والذي ينفي
بالمطلق وجود ( الأحد ) وهو الأخر الحقيقي الوجود الذي غادر المرفق الحياتي .
لقد استخدم الشاعر ( لا ) النافية للجنس ثلاث مرات وهي
استغراقية أراد منها التوكيد على الذم , فهو يضع علامات يستدل بها على مدلوله الذي
وضعه في ذهن المتلقي ليبحث عن سببية اللاحد وإدراك الخطورة الجدية بالمحذوف ووفق
منظور تشو مسكي النحوي نجد أن في هذا المقطع مرتكزات نحوية هي بمثابة العمود (
للنحو الكلي ) من حيث بنية التراكيب والبنى الصوتية والدلالية ..وهي إحدى فوائد
النحو العربي التي تقمصها هذا العالم ( تشومسكي )
*****:::::::*****
رأيت أطنانا من الشعراء
لكني لم أجد إلا بعض قصيدة
*********************
هل لي أن أكون شجرة
أنمو بجانبِ قبر السياب
علني أستنشق ما تبقى من شعر..
حتى يتحقق مبدأ الدلالة لابد من الإيمان بالاعتباطية
وخلق بوصلة تَلقي وإقرار أن اللفظ لايدل على المعنى أي ليس بينهما علاقة ذاتية
وهذه خاصية اللسان والذي يجب أن يُكتب به ولا داع لمفردات لغوية معجمية تسلب
المتعة في التلقي والجمال في كل إيحاءاته ولنقرب المعنى اللساني أكثر فأكثر من ذلك
المثال البسيط لو أن شخصا يسكن في الجنوب وآخر في الشمال فان الألفاظ التي يتداو
لونها ليست كلها مسموعة أو مفهومة عند المتحاورين وقد يكون هذا تعريف مبسط لمعنى
اللسان , واللسانيات علم قديم عند العرب يعتمد وجهي الدلالة من الدال والمدلول وقد
طوره كالعادة عالم اللسانيات دي سوسور بفضل العرب ! .
من حق الشاعر بل من أولوياته أن يعطي رأيه بكل ما يدور
من حوله ويكون له توزيع السلوكيات الكونية , فكلما امتلك خزينا من المفردات الحية
استطاع أن ينتج سلوكا لسانيا بمسوغ النص .
أن الشاعر الذي يهتم برايه الكوني هو المبدع الحقيقي
والذي يجد نفسه مسؤولا عن تنظيم تلك الوحدات الحركية حسب نظامها الصحيح والذ نراه
رؤى في مباني الشعرية , وبما أن الشعر هو سلوك مطلق في إجابته لذا يتجسد رأي
الشاعر فيه من خلال مفهومه للحياة وإسقاطاته الحوارية مع الذات أو مع الأخر تتجلى
فكرة الرأي بنضوج الشاعر نفسه .
تعالوا نكون جمرا لا رمادا
نكون مناجل تلتهم السنابل
كي نعبر وحل الزمان بأمانٍ
كثير من الشعراء يطلقون نداءاتهم في زحمة الوجود والشاعر
هنا أطلق انساقا من الانزياح تمثلت بالتضاد بين ( الجمر ـــ الرماد ) أي صيرورة
الاتقاد والانطفاء , التوهج والاختفاء وقد يزاح المعنى إلى الموت والحياة وحتى
الجملة الثانية لا تنفصم عراها عن الأولى وهي إزاحة الحركة إلى الحياة والالتهام
بمعنى تقريرية وجود وانسلاخ من عالم لأخر كما في الجملة الأخيرة .
ليس كل ما تحرقه النار خبزا
(8)
أنتَ أفهمني , أيها الضائع
لا تعرج بعيدا بنبؤة كاذبة
أخشى عليك رائحة الفجل الأحمر
لا زال الشاعر يمتطي المعنى السياقي , لربما انه يحس أن
كثافة التكرار تجعل من المتلقي في فهم مستمر لمعنى متغيرات الوجود وخطابه هذا يثير
فينا وظائف الحديث اللساني عندما تحدث إلى القريب باستخدام ( أيها ) والتوكيد أنت
أفهمني , لسان حرفي التوهج والعلاقة ... وقد أكدت الجملة الأولى والثانية على
الوظيفة الإنشائية , إي لفت انتباه القارئ إلى أمر( لا الناهية ) القيام به وهو
الصعود إلى الهم وكأنه حقيقة
أحرقوا أسلحتكم
أقنعتكم
قبل أن يرتشف المساء قهوته
الكثير ممن يقرأ النص النثري ينسى أن يتعرض إلى مفهوم
اللسان , وان القصيدة النثرية كُتبت بتراكيب بسيطة لا تتحمل في ولادتها تراكيبا
قوية إلا في الأسلوبية المخصصة سلفا , أي اختصاص محصور بين القلة لذا تعمل على
تعوضها بالانزياح . وبما أن السياقية خطابا فلابد أن يكون له فحوى قد ارتبط بعالم
من الدلالة وهو أما آن يكون :
1ـــ لفظي : أي أن ( القوة ) هنا جاءت لفظ وهي السلاح , أو
جاءت بمعنى ( الموت ) وهو الحرق في ذات المفردة فتشكلت دلالة اللفظ على المعنى أي
العلاقة بين الذهن كمفسر وبين المعنى كلفظ... و( الوجه) جاء بلفظة القناع
2ـــ غير لفظي : ليس منطقيا أن ( يرتشف المساء قهوته ) وان كان الدال
لفظا لكنه انسحب لمعنى آخر هو( الذهنية ) حيث من الممكن أن يرتشف الأعداء قهوتهم
في أرضك وفي ذلك المساء فتحول المدلول إلى لفظة (الأعداء) الغائبة لفظا والحاضرة
ذهنا
لا شيء يربطني بالنبع
سوى دلو أعمى
ودموع
أنا قروي يستهويني الجلوس
في الصف الأخير
أطل على الجميع
كما يطلُ النسر على فراخهِ
أنا مع الرأي الذي يقول أن العلوم تتأثر فيما بينها
ويؤثر احدهما على الأخر والحديث عن عمق الدلالة وإنتاجها فيه الكثير من الكلام
والمباحث التي تتباين في الرؤية لان علم الدلالة قد تأثر هو الأخر بطريدات التطور
فالتجأ أكثر علماء الدلالة والسيمياء يركزون على أن الدلالة كظاهرة محاطة بالكثير
من السمات المنطقية والنفسية وقربها من اللسانيات التي نجدها أفضل ما يمكن
الاعتماد عليه , وأنا أتوقع أن يعود رأي العلماء في مباحث علم الدلالة إلى مناشئه الأولى
ويصبح نظرية أصولية كما ولد وما يدندن حوله إلا مفاهيم لمحاولة استقرائه لفهم
انثيالات وجهييه المتطورين .
وأننا إذا أردنا أن نفهم المقطع الأخير من هذا النص ضمن
المنهج السلوكي للغة وهو (مجموعة من العادات الصوتية يكيفها حافز البيئة ) وأظنه
محفز للاستجابة اللسانية إذا ما فهمنا أن للغة بنية داخلية أوسع فهما من خارجها
.وكما يلي :
1ــ اللسان الانفعالي : حيث يبين الشاعر موقفه من الحياة
, سواء كان وطنا أو كان وجودا وإظهار شدة الانفعال /لا شيء يربطني بالنبع , سوى
دلو اعمي , ودموع /
2ــ اللسان الشعري : هذه إحدى محاسن قصيدة النثر أن تخلق
لك سياقا من تراكيب تصب في أكثر من معنى للإبلاغ , كما استخدم الشاعر الإشارة أن
يفجر ما في ذهن المتلقي ويذهب به إلى تأملات التشبيه بذلك النسر( القروي ) الذي يطل على
فراخه من بعيد ولو أن الشاعر قد استخدم الصقر لما له من ميزات أفضل من النسر لأصبح
التوظيف أكثر قوة وطاقة وإزاحة /أنا قروي يستهويني الجلوس , في الصف الأخير , اطل
على الجميع , كما يطل النسر على فراخه ِ/
هذه ليست أول تجربة على مستوى القراءة النقدية العربية
وكل قراءاتنا كانت وفق هذا المنهج الذي نروم ان يتحول الى شيء يُذكر على مستوى
النقدية العربية
دراسة نقدية ...نجاح أبراهيم .
السومريُّ بين ماضٍ وآتٍ
___________________________
قراءة في قصيدة قيامة الطين ....... نجاح إبراهيم
(قيامة الطين) مرّ العنوان،
يتهادى أمام ناظري فاستوقفني ، لطالما أدهشني الطين لما يحققّ لنفسه من تشكيل،
يزهو به،وذلك من خلال قياماته، خلاف ما نعته إيليا أبو ماضي بالحقير والمتكبر، .
وتوقعتُ أن أرتقي عالياً بها، فأنا عاشقة لكلّ ما يتصاعد نحو زقورة الإبداع. وحين
قرأتُ القصيدة للشاعر (قاسم وداي الرّبيعي)، وللوهلة الأولى ، أحسستُ بتمدّد يأسٍ
طاغٍ ، وثمّة "ثقب أسود يُرى من خلاله وجهاً مهجوراً تسيره أسلاك شائكة"
شعرتُ بعجز الشاعر عن فعل شيء ،أو تجاوز الراهن كحالة فاعلية إبداعية، وأن هناك
تواطأ بينه وبين الغربة والاستسلام لسحرها، إنْ أجيز لي تسميتها بالسحر "
"وفمي يلهثُ بالغربة/ شاحبة مفاتن الزهر/ أمدّ يدي يأتيني الرّحيل." هذا
الابتعاد عن التخطي، والانغلاق على همٍّ ، والتكبل بواقع مثقلٍ بالجدب والمرض هو
ما دفعني للحكم على سلبية موقف الشاعر. ولكن حين اتكأت على اندفاعي لإنصاف السومري
الذي "يجهلُ العثرات" ويفاخر بحضارته الأليفة " الباقية ، أيقنتُ
أنّ في قراءتي العجلى إجحافا بحقه ، هذا المتفاخر الذي يليق بالخلود. فانتضيتُ سيف
قيامتي وهدمت عثرتي ، واشرأب حبري مستنفراً، لأتابع معه ملحمة شمس مسرجة ، يرغب في
أن تصل صرخته حدودها. تتالت القراءات للقصيدة ، فعلمتُ أنّ لها بُعداً لا يمكن أن
أصل إليه
تتالت القراءات للقصيدة ،
فعلمتُ أنّ لها بُعداً لا يمكن أن أصل إليه من القراءة الأولى، وأنّ تلك الانحناءة
/ الرضوخ للطين المستقرّ في أنفاسٍ متخمة برائحة الضفاف اليابسة، ما هي إلا تحفزاً
وتطلعاً للانبثاق. وأنّ ذلك التمجيد للطين الغافي ، يرمز إلى الإنسان الذي خُلق
منه، وعدم مغادرته ضفافه أبداً ، فهو أصل تكوينه ، وكذا يُنظر إليه لرصد لحظة
التخلق / الثورة، وذلك القارب الذي يرسو ، ما هو إلا مهر جامح ينتظر إيعازاً ليرمح
في الفضاء ، مطلقاً مواويلَ عشب كان جدّ السومري قد نسجها بفخر ، ونثرها ، بينما
هو يجمعُ أضلاع القحط لعدم قدرته على تجاوز محنته. بهذه العبارة البسيطة يأتيك "قاسم
وداي الربيعي" بالماضي الذي يشكله الجدُّ، والحاضر المجدب الذي يمثله الشاعر،
ولهذا دلالة ، أولها أنّ الشاعر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالماضي، الذي لا يستطيع
الخروج عنه ، فالماضي تاريخ مشرّف ،يردد (ثورة الرشاش) التي حققت انتصاراً على الإقطاع
في الخمسينيات من القرن الفائت ، انتصاراً على الألم والفقر ، فتلك الثورة،
والرّاهن المجدب ، واقع الشاعر الآن ، وويلات حروب، وما يتمخّض عنها من قتلٍ ودمٍ
ودمار ، وفقرٍ واغترابٍ، آنى له أن يمحوها؟! لهذا لم يخرج الشاعر عن التاريخ ، عن
جدّه، عن كنز سليمان المتوج بالحراسة من الجنّ في (ميسان) ، فمنه ينطلق إلى واقع
وإن كان مرّاً ، ليحظى بمستقبل يستشرفه ، وهذا الأخير لا يأتي إلاّ في لحظة تتصل
جوهرياً بالأمس، مروراً بالحاضر. فالشاعر يرسم أفق المرور، لكنّ الطين يستحيلُ
وحلاً حين لا يرغب فيه، بيد أنّ : "من يريد أن ينقذ المطلق، لابدّ له من أن
يدخلَ وحل التاريخ ، ولئن كان وحل التاريخ يطغى الآن فلا مفرّ من الهجوم عليه.." فكيف هجم (الربيعي) على ماضي
ال
الطين؟ هجم بالرّفض ، وأشار
إليه ، وهل تكون الثورة التي يدعو إليها مجدداً ، ممتطياً دم الأجداد، دون رفض؟! فالرّفض يعني أنه
يرى واقعه المقيت ، يدركه ليلمّ حضوره الطاغي كوجع قديم ، كصمت ثقيل قبل العاصفة ،
كبرق يتلامع، ثمّ يأتي فيما بعد ، الماء، الطوفان، المطهر من كلّ إثمٍ وخطيئة .
القصيدة ،تضجُّ بحلم الشاعر / السومري ، بعودة ثورة الرّشاش ، التي قام بها السلف
ليتجاوز عن حاضر يمثلُّ رخاوة الطين وبلاهته ، وما هو خافت فيه. وذلك حين قال:
" لا تصمت، هذا القادم بلا جلد ."
فإنّ الطين يحتاج ناراً لتصلصله كي لا يظلّ هابطاً ،
رخواً وبارداً ، يحتاج ثورة تمكنه من الصمود. لهذا ارتأى أن يحملَ سلاحه ، حضوره
الشعري اللافت، هذا الحضور الفاجع ، المؤلم ، البهي، النابض، الخالق، الواهب. إنه
البحث عن الحقيقة ، عن حياة مستساغة تؤمّن الكرامة للإنسان ، وحين يعرّيها الشاعر
، ويحاول الشروع بالخطو متسربلاً بالرّفض، يكتشف أحذيته ممزقة. فمتى تستعد الأقدام
لاختراق الطريق؟ في القصيدة ثمّة حضور للمتناقض الآثم ،يتمرّغ بحرية فيها. قد تشعر بمجهول
يترامح ، بيد أنّ الشاعر يعلم علم اليقين أنّ حرفه ذو أثر، وأنّ صمته سيولد صرخة
يُراد بها إيقاظ النيام ، فهل تعدّت هذه الصرخة حدود الفم ، أم أنّ الفم مشبع
بالغربة؟! هي سردٌ لحكاية المتناقضات ليُثرى الشيء بنقيضه، و ليشير إلى الأقوى ،
الأجمل ،إلى تسيّده ، على الفراغ، هو الممتلئ ، على القيد، هو الحرّ الجامح، على
الانغلاق، هو المنفتح، على اليباس، هو الخصب ، على اليأس، هو الأمل . هو الوعي ،
لدى قاسم وداي الربيعي ، الذي أشار من خلال إبراز تلك المتناقضات إلى الأفضل
والأسمى ، إنه العالم الذي أوقفه في فمه ، الوطن المحترق يسكن في الشفاه ، فيلخ
هو الوعي ، لدى قاسم وداي
الربيعي ، الذي أشار من خلال إبراز تلك المتناقضات إلى الأفضل والأسمى ، إنه
العالم الذي أوقفه في فمه ، الوطن المحترق يسكن في الشفاه ، فيلخص فاجعته المكرورة
بوباء الطاعون اللا ينتهي . ويترك القارئ يفتح صفحاته واحدة إثر الأخرى ، ليقرأ
قيامة الماء ثم الطين. فكيف تكون قيامة الماء؟ بالطوفان حتماً ، ليطهّر كلّ ما
عليها ، إنها عملية عماد لكلّ الأشياء ، والناس، والكائنات ، حتى يسود النقاء،
فقيامة الماء لا يقف في وجهها أحدٌ ، ولا يعتصم من غضبها إنسانٌ ، وإن هرع إلى
أعلى الجبال. أما قيامة الطين ؟ فهي تشكيل وخلق وانبعاث للإنسان من جديد، خاصة
الرّجل الذي بدأ الله بخلقه . القصيدة نهرٌ من الرّموز والدلالات ، فالرّمز دالٌّ
أكثر مما يتوقع الحصيف في التأويل، يلقي بالقارئ بعيداً خارج القصيدة ، وما عليه
سوى أن يلاحق قيامته ، إنه كما قيل :"
اللغة التي تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة." يعيد
الرّمز إلى بداية القصيدة، ليحلق به بعيداً، ليجد رجلاً يسرد حكايته الطينية ،
وحين يروح بالسنوات ، يختلط على القارئ ، فلا يعرف ، هل كان السارد رجلاً ، أم
بلدة ملقاة في حضن الأهوار؟ وحين يمعن النظر ، يجد ألماً لا يحدّه ألم ، ويقرأ
واقعاً محلياً ، يتعاظم ليكون عربياً ، تكبر الدائرة ، تكبر جراء تلك الحصاة التي
ألقيت في بركة الماء الرّاكد ، لتصبح بحجم قهر وفقر وغُصة غير خافية ، فالشاعر
يحكي لسان حال الفقراء ، المكافحين ، والمتضررين ، لنقبض على غصة كبيرة في حلق هذا
السومري ، الذي يرى كلّ شيء، لا طعم له سوى المرارة، ولا لون سوى اللون الكالح
لمفاتن الزهر. إنه رمز الموات ، واقع يفرد موتاً مجانياً ، فيوسّع غربة داخلية،
وينشر التفتت، فتطغى الرغبة في الرحيل. فما أقساها الفصول حين تأخذ حضور الموات
والغربة! تشبه عيون مدن نائية ، تجعل الشاعر يشهق بساحاتها ، ويرتعد خوفاً لأنها
تلقي بخطاياها. فمن يخلص المدن من خطاياها؟ كما قال السياب عن بابل. إنها
القيامة التي ولدت القصيدة من رحمها، كفينيق يتخلق من برودة الرماد، إنها القصيدة
الرافضة ، التي تحتضن ذلك الحنظل ، وكلّ الحلوق التي تحمله ، وتقوم به، لترشّ زهور
انبعاثاتها، وتتفجرُ حركة فاعلة ، تلعن الجمود، لتثور حرّة تملأ الاتجاهات
......................................................................................
.
اللذّة الشعرية
قراءة لغوية في قصائد الشاعر العراقي
قاسم وداي الربيعي
الاشتغالات السيميائية والانتماء إلى المفردة الشعرية
كتابة : علاء حمد
للشعر لمته الثقافية والتي عادة تكون ذات تواصل ثقافي
ليس في مهام النصّ فقط وإنما في مهام التراث مثلا وما قدمه الأقدمون من بديع
وبلاغة ، فهو ليس مجرد موهبة وإنما ثقافة أيضاً.وهذه الثقافة ، ثقافة شاملة كي
يستطيع الشاعر أن يكون مع النصّ بكلّ أنواعه . إنه نص تناسل من نصوص سابقة ومرجع
لنصوص لاحقة أيضاً. وهو يخضع لمقاييس جمالية تحدده كجنس أدبي تصقله وتنميه وليس
مجرّد كلام لا ضوابط له. (( إن لكل عمل فني ماضياً ومستقبلاً، لا بد لهذا العمل من
أن يكون قد وقع تحت طائفة من المؤثرات، كما أنه بدوره لا بد أن يولد بعض
التأثيرات. ولكن المؤكد أن لكل أثر فني حقيقي طابعاً أصيلاً قد لا يسهل إرجاعه إلى
غيره أو تفسيره بغيره / الشعرية: تزفيطان تودوروف ـ ترجمة: شكري المبخوت ورجاء بن
سلامة ـ دار توبقال للنشر، الدار البيضاء ـ)).
______________________________________________________
يعرّف (قاموس الألسنية) الذي أصدرته مؤسسة لاروس (النصّ)
على النحو التالي: - إن المجموعة الواحدة من الملفوظات أي
الجمل المنفذة، حين تكون خاضعة للتحليل، تسمّى: (نصاً)؛ فالنص عيّنة من السلوك ألألسني؛
وإن هذه العينة يمكن أن تكون مكتوبة، أو محكية ...، انتهى كلام القاموس .
تتحدث (جوليا كريستييفا) عن أيديولوجية النصّ وكذلك
الرواية ، أي وحدتها، ووظيفة التداخل النصيّ فيها، وتحلل ما يتعلق بهذه الوظيفة،
تبدأ (جوليا كريستييفا) تحليلها بتقديم تعريف للنص يبرز تخلقه، قالت:
- بما أن السيميائيات ليست فقط خطاباً، فإنّها تتخذ
كموضوع لها ممارسات سيميائية عديدة، تعتبرها (عبر لسانية)، أي متكونة من خلال اللسان،
ولكن غير قابلة لأن تختزل في المقولات التي تلتصق به في أيامنا هذه..
كثيرا ما يمرّ به الشاعر نحو الشيفرة اللغوية والتي تصبّ
في رموز تقود النصّ نحو الجمالية ، ودون ذلك يتوفّى النصّ الشعري ، إذا فقد
الجمالية والرموز وابتعد عن الصور الشعرية والتي تشكّل الجندي المعلوم في قيادة
المعركة بين الشاعر والأخر ، هنا ينتابني الكثير من الأسئلة وأنا اقرأ نصوص الشاعر
العراقي قاسم وداي الربيعي ... قاسم ابن الجنوب وزمن النص ابن الوسط العراقي ، فمن
الضروري جدا ، أن تلعب الذاكرة وتذهب بعيدا في لقطاتها مع الفلاش باك واتخاذ
الملازم الشعرية بذلك .... الفلاش باك حالة صحية وعملية الاستذكار العاطفي للنصوص
وخصوصا عند الطفولة مثلا ، عند المراحل الدراسية ، انتماء الشاعر للبيئة التي نشأ
فيها ...
عادة تحتاج النصوص الى مراجعة سلّتها الفنية من جديد
للبناء وإعطاء الإثارة والمؤثرات ولكن ماهو أمامي ليس هناك أية نوايا نقدية حول العودة
خلفا بعملية بناء للنص ، واستمرّ بما هو مرسوم أمامي من قصيدتين أرسلهما لي الشاعر
قاسم وداي الربيعي ، والذي ينتمي بلغته الشاعرية إلى جيل حداثوي ، يسعى في بثّ
الجهود نحو الأحسن والأحسن ، نحن ألان أمام مرآة عاكسة لترينا الدال والمدلول
واعتماد الشاعر على سيميائية اللغة وحركة الفلاش باك عند المخيلة .. هذا يعني هناك
خيال واسع وما يسعى اليه الشاعر بتحريكه كي يقودنا نحو نوايا شعرية أراد منها أن
يثبت شخصيته الشعرية بين جيله الشاعري ... المهم هو أن الوضوح الذي تكون عليه
(ذاتية) النص هو محك هذا التواصل بين الذات والأخر ، وبين الذات وشخصيات النصوص ( هنا الاشياء
تبني نفسها ويفرضها الواقع في زمن النصّ ) وأن هذه الذاتية يجب أن تبين أحوالها،
ليس من وجهة نفسية، أو اجتماعية تتعلق بطباع المؤلف، وظروفه ، وإنما من وجهة نظر
ألسنية هي (التعبيرية اللغوية) التي ظهرت في النص ، إذ اللغة شيء للوجود المشترك،
ولكنها في الأساس شيء ذاتي، شخصي، وجد صميمي...
والإنسان هو الكائن الوحيد بين الكائنات، الذي يتمتع
بالوعي، والحرية، ويتمتع بالتالي بالتفكير، والتعبير عن النفس ، والكلام قدرة
طبيعية مصاحبة لتحقيق الإنسان لذاته، وعلى الخصوص اقتداره على وجوده.. إلا أن
الإنسان في حقيقته افتقار، ويعيش (جدلية صميمية)، هي جدلية تحرير ذاتيته من
غيريتها.. وعندما نعي وننزل إلى ماهية الشاعر هو الالتزام منّا بالمدركات الحسيّة
التي تشكّل إحدى جوانب القصيدة التي اعتمدها الشاعر قاسم وداي الربيعي ، إذا نحن
أمام شريحة نظامية من المحسوسات في القصيدة ، وهذه الشريحة تتالت علينا من خلال
مخيلة الشاعر ، الذي عكسها علنا بنبراته الشعرية لنقرأ :
(1)
أسرقني متى شئت
أسلخ جلدي أمام عيون القَبيلة
ألق بجثتي مع الجثث المَنسية
لكن أترك عيوني
كي أبصر كل يوم نَخل الجنوب
عنوان أبجديتي ..
من قصيدة من يشتري وجهي في سوق البالات ..
.
أسرقني / أسلخ / القبيلة / الجثة / أترك / نخل الجنوب /
العنوان ... هذه المفردات التي اعتمدها قاسم في لوحته الأولى من القصيدة ، وهو
يحنّ الى أرض الجنوب ، ومن هنا أسس محسوساته ، بينما الشاعر يعيش في بغداد .. اذن
نحن أمام ذهنية راحت مع الفلاش باك لتطرق الاستيعاب الأولية للشاعر ، فالقبيلة
ونظام العشيرة في القرى هو السائد عادة لأهل الجنوب ، ولا ننسى بأن هذه اللزوميات
تتخللها الطيبة والفطرية في التعامل مع الأخر ، ونحن نماشي ونمشي مع الشعرية
الجنوبية البغدادية وتوقيت النص ضمن الزممكانية وتأثير الفلاش باك والعودة بنا من
مخيلة تشبّعت بعادات وتقاليد أهل الجنوب ...
ويؤكد فرويد على أن مرحلة الطفولة بكل انفعالاتها
واضطراباتها تتفاعل في الداخل، وهي التي تحدد سمات شخصية الإنسان، فإذا عانى الطفل
شيئاً من الحرمان في هذه المرحلة ، كانت هي المشكلة لأهم ملامح طريقته في السلوك
وفي التصور، فإذا كان هذا الإنسان فيما بعد مبدعاً وشاعراً ، أصبح محكوماً بجملة
تجاربه الطفولية تلك، والمرجعية الحقيقية لما يستخدمه من رموز يوظفها في عمله الإبداعي،
وهذا يدفع فرويد إلى القول بأن اللاشعور هو مصدر العملية الإبداعية، والأعمال
الإبداعية هي ترجمة لمحتوى مستودع اللاشعور من الرغبات غير المشبعة (عادةً هي
بقايا من الدوافع والغرائز الطفولية)، فيعبر عنها
بطريقة تتواءم مع أعراف وقوانين المجتمع عن طريق آليات الدفاع من تكثيف وإزاحة
ورمز ( دليل الناقد الأدبي ) ... الشاعر قاسم وداي الربيعي ومع ما يطرحه من شخصنه
في المفردات الشعرية التي اعتمدها ، حاله حال الكثير من الشعراء الذين انتموا إلى
وضعهم النفسي ، وخصوصا أن حالة العراق حالة استثنائية وتواجد المنظمات الإرهابية
المخربة على طول الزمان والمكان ، وأراد من خلال طرحه أن يشخص ذاته أولا ويشخّص
الشارع البغدادي ( محل إقامته )
ثانيا ، ومن بعده يخرج للأخر يسحبه بلغته الخاصة وما
يملك من أدوات للاستعمال الشعري ثالثا ... هذه الحالات الثلاثة هي أوجاع الشاعر
اليومية ، ومن هذه النقاط والفكر الذي يحمله ينطلق الشاعر باتخاذ التدابير الشعرية
كي يكون مع الحدث في جميع مجالاته ... لنقرأ :
(2)
لا يهمني أن أسكن في بغداد أم في القلب
المهم أن تكون هناك أرصفة
أكتب عليها قصائدي
(3)
في تسعينات القرن الماضي
سامراء كانت ثكنة يُحاصرها الماضي
كتبتُ لامرأة تحبني كثيرا
سرقها الجوع في حضرتي
لأنني بيت بلا سقف
.
من يشتري وجهي في سوق البالات .. الشاعر لم يتطرق بشكل
اعتيادي والعنونة التي انحاز إليها مع الأخر مقدما مقدمة الرأس وهو الوجه ،
متجاوزا على الأخر ويدعوه الإشراك معه في عملية التنقيب ، هو لم يقل من يشتري وجهي
من سوق البالات ، وإنما قال في سوق البالات ، هذا يعني وجهه مطروحا في هذا السوق
ومضى عليه فترة من الزمن ( هنا زمن القصيدة التي لبس قميصها الشاعر ومقدمة جسدها )
الذي يعجّ بالملابس المستعملة ، وعادة يتم استيرادها من خارج العراق ، ومن روّاد السوق
الطبقة المعدمة ...
الصورة والتقاط اللقطة من زاوية حادّة أعطت للشاعر
التحركات السريعة والكثيرة ، هنا بوليس الآداب للوجوه المستعملة ، فهو أحد روّاد
السوق ، خذني معك واعرض وجهي المتآكل ، عسى أن يحنّ فقير ويشتري وجهي ، صورة
الشاعر بمرآة مقعّرة ، هل تآكل ذلك الوجه العراقي الناصع ؟ هنا السؤال مع ريادة
الوجه وزعامته للجسد ... هذه الرمزية تعطيني على مواقف الشاعر ومن خلال مشهد العنونة
التي قاد جسد القصيدة من خلالها .. فأنبت مفرداته الشعرية ليوزّعها بشكلها الخام
على أعضاء الجسد ..
فالرمزية إذاً، موقف اجتماعي ـ جمالي، قبل أن تكون
أسلوباً فنياً، أو الأصحّ أن هذا الموقف هو الذي انعكس بشكل فني رمزي. ولهذا فإن أي
حركة شعرية لا تتلاءم في أطروحاتها الاجتماعية والجمالية، مع أطروحات تلك المدرسة،
لايمكن لنا أن نعدّها منتمية إليها أو منضوية تحتها، وإن تكن قد أفادت من منجزاتها
التقنية. فالتشكل في الأسلوب الفني لا يؤدي بالضرورة إلى التشاكل في الموقف
الجمالي. مع العلم أن هذا الموقف هو الأساس في التباين المدرسي في الفن.
تتصاعد العلاقة بين المفردة الشعرية والباث من خلال
القصيدة ، فالرصيف هو المنتجع الوحيد للشاعر قاسم وداي ، ومن هذا المنتجع يرسم
رؤيته الشعرية ، يذكرني هنا بجماعة الرصيف عام 1982 وظهورهم في بيروت وأصدروا
منشورهم الجماعي وكذلك كتبوا القصائد حزب زعمهم كانت سريالية ومنهم الشاعر الراحل
آدم حاتم وتوزيع مجموعته الشعرية الوحيدة والتي كانت تحوي على قصائد لاتفي بتجربة
الشاعر والحكم عليه ، وهذه الأشياء بمحتوياتها ولكن روّج الكثير لجماعة الرصيف
آنذاك وحسب ذاكرتي قد أصدروا نشرة أو مجلة جماعية أسموها ( الرصيف )... ويبقى
الرصيف هو منتجع المتسكعين المتشردين وعلى أكتافه تنطق الجريدة ، وهذه العلاقة التي
رسمها الباث أعطت لنا ثمارا طازجة ، ففي اللوحة الأخرى يؤكد الباث لنا على مدينة
سامراء ، سامراء هذا يعني الحضارة القديمة وهذا يعني وجود مشروع الثرثار وهذا يعني
كتب : كتبتُ لامرأة تحبني كثيرا / سرقها الجوع في حضرتي / لأنني بيت بلا سقف ..
وإذا كانت ذات الكاتب الفردية تنتهي عملية إنتاجه
الدلالية بانتهاء الكتابة ( القصيدة مثلا ، لأننا عندما نقول الكتابة هي أعلى
مراحل الإنتاج الأدبي ) ، فإن الذات القارئة غير محددة بزمان، وعملية إنتاجها
الدلالية تبدأ من النصّ لتضيف إليه من عنده خلفية ثقافية واجتماعية تمَّ تشكيلها
من خلال التفاعل مع نصوص سابقة ، وتشكّل هذه سلسلة ديناميكية لدى الشاعر أو الكاتب
، كي يثبت قلمه الاستقلالي وبروز الوجه الحسن وكذلك بما يحتوي من بديع ، وفي مراحل
متعددة . وهذه الخلفية النصّية يمكن تمثيلها بـ (النصّ) التابع في داخل كل منا،
فيوظفها الكاتب الشاعر والقارئ في سعيه إلى إنتاج الدلالة. ولكن بشرط أن تتجلى في
النصّ ضمنياً أو مباشرة، لا أن نسقطها عليه من الخارج فنقع في مغبّة سوسيولوجية
عقيمة. فالنصّ ينتج في إطار هذه البنيات، ويتفاعل معها، ولكنه في الوقت نفسه
يتعالى عليها ، من خلال إمساكه بزمنيتها الجوهرية. أما إذا كان مجرد عاكس لها فلا
يمكن اعتباره نصّاً أدبياً. وإنما (وثيقة ، أو قصيدة على شكل مذكرات خارج إطار
البناء الشعري أو قصيدة النثر ) تاريخية أو اجتماعية فحسب .
إن طول النصّ ليس عاملاً جوهرياً في تحديد القيمة
النوعية للنصّ، فقد يكون النصّ الشعري مقطعاً من ثلاثة أسطر، وقد يكون كتابا ( هنا
النصّ المفتوح ) يستغرق مئات الصفحات. والمهم هو (الرسالة) التي يتضمنها النصّ.
ومع ذلك فإن (حجم) النصّ يفرض شروطاً معينة على ممارسة التحليل النصّي، كما في
بعض التحليلات الأسلوبية، وعمليات الإحصاء الكمي… جاء في المعجم الموسوعي لعلوم
اللغة لديكرو، وتودوروف: إن كل نصّ هو امتصاص وتحويل لكثير من نصوص أخرى. فالنصّ
الجديد هو إعادة إنتاج لنصوص وأشلاء نصوص معروفة، سابقة أو معاصرة، قابعة في الوعي
واللا وعي، الفردي والجماعي ..
الشاعر قاسم وداي الربيعي ، من دون انتظار هو يعوم على
سطح بحيرة مملوءة بالمفردات الشعرية ، كلّ الأشياء أمامنا ( الرأس ، الصدر ،
اليدان ، القدمان ) ما عليه إلا لملمة هذه الأعضاء وتكوين جسد القصيدة ( حالة سريالية
) ، هذا بيان الجنون ، ومن الجنون إلى الجنون نكتب على سطح البحيرة بياننا الشعري
، ونصون وحدته الديناميكية ، فالشاعر مازال مع الأرصفة ، أهاااااااااااااااااا ،
يبدو لي أنه عاشق الرصيف الأول ... المتسكعون ، المتشردون ، الفاطنون ، الأرصفة ما
عادت تستوعب ثرثرتي / أحدثها فيبتل منديلي بدموع الشارع الهزيل / وحيدا أنا أخفي
سري بين الخطوات ... هذه الثرثرة هي بيان الشاعر وهي المخيلة والذاكرة ، عذرا
للفلاش باك ، حاول الشاعر أن يبقيك بعيدا .. لنقرأ :
(7)
كونوا معي جميعكم لاحتفاليتي الأخيرة
تعالوا منتصف الصحراء
سيكون ختان أبلنا العربية
فهي عاقر مُنذ سقوط غرناطة
(8)
الحقائب التي حشوتها بالمواعيدِ
ما كانت مغلقة بأحكام
حين هممت بارتداء أبجديتي
وجدتُ الجميع قد رحل إلا طقوس الأفاعي
بيدر يجثمُ على صدر الأرض المثقوب
(11)
بعض الجدران تراقب خطواتي
النور الخارج من خلف الستائر
يرسم ظلي
أشعرُ بحارس الحي
يرمقني بدهشةٍ
فلماذا لا تضعيني بين الضفائر
كي يصمت الخوف
(20)
منْ يمنحني معول
أثقب رأسي كي تمر بسلامٍ شتائم الآخرين
إن ديناميكية الحدث الذي يعتمده الشاعر قاسم وداي
الربيعي يصبّ في القصيدة الشعرية ، لان القصيدة بالنسبة إليه تحلّق بخيالها ، وهو
يدعوها من خلال الذهنية لدخول الذاكرة كي يسجّلها على الورقة ، هذه النسبية هي
التي نطلق عليها بالشعري ، وتمتاز بمرحلة تامة ، مثلا : عند تكامل النص ، فهناك
نصوصا قبله سبق هذا التكامل ، وهو وليد تلك النصوص الشعرية التي سجّلها في ميزانه
الشعري ..لو نلاحظ هنا حركة النصّ من خلال اللوحات المرقّمة لثبتنا على مرحلة
الشاعر وكيفية التعامل مع النصّ من جوانب عديدة .. مثلا العلامات ، الدلالات ،
المفردات الشعرية والتي دسّها في جمل لأجل الرتابة وكذلك اللغة التي اعتمدها
سيميائيا في تمرير النصّ عبر حركة الخيال التي يملكها الشاعر ، وهنا المشهد الّذي
أعرضه بشكل موجز وما راح به الشاعر قاسم وداي الربيعي ...
بين قصيدة أنفاس السنابل وقصيدته الأولى من يشتري وجهي
في سوق البالات ، هناك تواصلا وارتباطا ومؤثرات ما تزال في ذهنية الشاعر ، لذلك
اعتمد على توليد النص من نصّ ( الأول معرف والثاني حديث الولادة ) ربما الشعرية
العربية لم تتوصل إلا في حالة التوليد المباشر ، ولكن هناك نصوصا جمّة قد تشكّل
مجموعة شعرية بكاملها نتيجة ولادة حديثة من نصّ اعتمده الشاعر ضمن نصوصه الفنيّة
.. لنقرأ :
قُل للدروبِ ما زال في حقيبتي انتظار
على واجهة البنايات
سأكتب ما تبقّى من فصول
أحملُ البذر بجيوبي
لحقول أتلفها النعاس
هذه اللوحة وغيرها ، لو ندقّق قليلا سنلاحظ أن منطقة
الفلاش باك مازال الشاعر في بنايتها ، وهو انطلاقه من النصّ الأول ، كي يكمل مراده
الشعري ، وهي سلسلة من الأوردة والشرايين تصبّ في القلب كي يشتغل ويعطي دورة
الحياة ... وفي عامل اللغة إن العلامات لاتأتي
منفردة ، فمن الطبيعي جدا تأخذ حياتها الجماعية ( إلا ماندر ) هذا في علم
السيمولوجيا والذي يطبّق على السيميائية أيضا .. يلوّح الشاعر قاسم وداي الربيعي
عبر بوابته الشعرية وهو يدعونا إلى مقاسمة همّه اليومي فيفرغ كينونته في قصيدة
متوالية للقصائد التي سبقتها ، وهنا أعني أن الشاعر له فكره العميق الوحدوي
والجماعي .. الوحدوي بما حملته المخيلة ربما لسنين عديدة كما لاحظنا بعدة مشاهد شعرية
، والجماعي هو ما يخصّ الذات زائدا الجماعة من همّ مشترك يتم توزيعه بشكل يومي على
نتاجاته الأدبية وحسب تجنيس النصّ الذي ينتمي إليه الشاعر ... لنقرأ :
قال لي الحلاج ذات يوم
أحذر أن جيوبك مثقوبة
فارتديت جلدي وعانقت ميسان
اللوحة الشعرية التي أمامي ألان لو نلاحظ ، سهلة النطق
على اللسان وهو يرسمها بمفردات انتماءه الجنوبي ( ميسان ) إن انتماء الشاعر هنا،
لا يخلو من شحنة إيجابية على الرغم مما يحمل في طياته من استسلام ظاهر، وباطنه
يمتلئ بالتطلع، ربّما لتجاوز الذاتية والغربة التي هو عليها إلى فضاء أرحب .. فبين ميسان والحلاّج تقف هداة المعدومين وتطلعات الشاعر حول
هذه الهداة كي يكون طرفا أو ( إذا صح التعبير ) جزءا من جسد الحلاّج ومدينته
الريفية الجنوبية ..
الشاعر العراقي قاسم وداي الربيعي
شاعر ينتمي إلى الصور الشعرية ويبعثها عبر مختبره الشعري
بلغته الشعرية الخاصّة التي تشكل الأمواج الناقلة للحدث من المخيلة والى النص ،
وهو يحتكم بالأشياء ويزيل الأتربة عنها لتصبح لامعة كاللغة التي أعتمدها وإثارة
المتلقي والآخر .. لذلك ما ألاحظه كثيرا ما يجتمع مع
ذاته ، منتميا إليها وهي تشكّل بالنسبة إليه الأخر المعني أيضا ، وبلغته المتواصلة
استطاع أن يكسب المتلقي وقراءة ما يدور في النصوص التي يقدمها ...
وتتعلق مفردته الشعرية عادة بالأشياء التي حوله ، وكذلك
بيئته التي نشأ بها ( فالشاعر ابن الجنوب العراقي ، محافظة ميسان ) والجنوب
العراقي عرف بهدوء الطقس وإصرار الناس هناك على المتابعة التثقيفية ، وقد برز
مثقفون وشعراء لابأس بهم ، رافعين راية العراق من خلال ما قدموه لهذا البلد الجميل .
منْ يشتري وجهي في سوقِ البالات
__________________________
(1)
اسرقني متى شئت
اسلخ جلدي أمام عيون القَبيلة
الق بجثتي مع الجثث المَنسية
لكن أترك عيوني
كي أبصرَ كل يوم نَخل الجنوب
عنوان أبجديتي ..
(2)
لا يهمني أن أسكن في بغداد أم في القلب
المهم أن تكون هناك أرصفة
أكتب عليها قصائدي
(3)
في تسعينات القرن الماضي
سامراء كانت ثكنة يُحاصرها الماضي
كتبتُ لامرأة تحبني كثيرا
سرقها الجوع في حضرتي
لأنني بيت بلا سقف
(4)
الأرصفة ما عادت تستوعب ثرثرتي
أحدثها فيبتل منديلي بدموع الشارع الهزيل
وحيدا أنا أخفي سري بين الخطوات
(5)
قال صاحبي أترك للطيور هذي القصائد
فهي راحلة صوب النخَل
العشاق هُناك كثار
وزقاقك المنسي يتنفس الطلع
(6)
خارج عثرات الأزمنة
حملتُ عيوني وجرائد الأمس
أبحثُ عنها في شبابيكِ الأفق
وهي مغلقة نديمها بؤسي
(7)
كونوا معي جميعكم لاحتفاليتي الأخيرة
تعالوا منتصف الصحراء
سيكون ختان أبلنا العربية
فهي عاقر مُنذ سقوط غرناطة
(8)
الحقائب التي حشوتها بالمواعيدِ
ما كانت مغلقة بأحكام
حين هممت بارتداء أبجديتي
وجدتُ الجميع قد رحل إلا طقوس الأفاعي ..
بيدر يجثمُ على صدر الأرض المثقوب
(9)
غريب يقبع خلف ( كراج الكيات) (1)
هناك وسائد من الضياءِ
أمني نفسي بالعومِ بين مسامات جلدها
أقبل ما بين الأجنحة
وأثير الفوضى
(10)
صفير الريح تفزعني
البرد يجتمع بقوةٍ خلف قامتي
قميصي مزقته رمال الأرصفة
ما كتبته لكِ سرقته المحطات
البرد يثني عزيمتي بالوصولِ
فلماذا تحرميني مواقد البرونز
(11)
بعض الجدران تراقب خطواتي
النور الخارج من خلف الستائر
يرسم ظلي
أشعرُ بحارس الحي
يرمقني بدهشةٍ
فلماذا لا تضعيني بين الضفائر
كي يصمت الخوف
(12)
هربتُ أبحث عنهــــا في المُدن المنسية
أصنع من أضلاعي جدارا من الرملِ
أحلم بظلها لوجهي المُحترق
وجدتُها ترتدي النهر نخلا وتطلق اليدين
(13)
لا تصفق كثيرا أيُها الجمهور
مسرحي صحراء ودوي ذباب
بنصفِ سيف أقاتل الحماقات
فر الجميــــع .. إلا قافيتي تمسك سطوح الطين
(14)
زمـــن الطفولة .... كنا نصطاد الريح
ونشتمُ فاجعة المحطات
كلما أشرقت الضفائر
افترشنا النهر ورتلنا تسابيح الصور
(15)
يا آخر الزمان
عدتُ ألوذ بالصهباء
بعد أن فقدتُ وجهي في سوقِ ( البالات (
(16)
وحدقتُ في السماء
كطير يفترش الظلام
مائدتي كتب باردة
ورسائل الغرام تمسح أذيالي
أين نلتقي وأحلامي المثخنات فرقها الطاعون
(17)
أنا بلا أنيس يجلدني الليل بسوطِ الاغتراب
أبحثُ بين الفقاعات عن شواطئ الحَنين
عن مراكب الخبز والجوع
ما أقسى الشعر في مملكةِ الصَمت
وأنا الصَامت مُنذ مَهد الحضارات
(18)
عاشق أنا منذ قرن
في سومر احترقت حروفي بين القصب اليابس
كتبت وكتبت ..فما عادت قصائدي تجدي نفعا
سرقها الغراب
وأنا مات النور في جَسدي
(19)
في بغداد يمضي الناس كما يشاؤون
وأنا أمضي كما تشاء الأرصفة
وما زلت أمضي
(20)
منْ يمنحني معول
أثقب رأسي كي تمر بسلامٍ شتائم الآخرين
(21)
دعهم يمرون كما يحلو لهم
يزرعون الموت ويعرون الجياع
وأنا أشدُ حزامي
أجمع غبار ساحة الميدان وأصنع حضارة
(22)
إذا جف النهر حبيبتي
فتعالي نلعق ما تبقى بين الضفتين
(23)
فلاح الشاهبندر
ما كنا أثرياء صديقي
كان العوز رفيقنا الدائم
حين افترشنا سطح منزلنا
كي تتسامر النجوم
______________________________________________
*
.. البالات : هي الملابس المستعملة والقديمة تستورد من
خارج البلاد يلجأ اليها الفقراء لأنها رخيصة الثمن وهناك سوق كبير في بغداد تباع
فيه هذه الملابس يسمى سوق البالات ويقع في منطقة الباب الشرقي ببغداد
(1)الكيات : نوع من أنواع السيارات الخاصة بنقل الركاب
أنفاس السنابل
قُل للدروبِ ما زال في حقيبتي انتظار
على واجهة البنايات
سأكتب ما تبقى من فصول
أحملُ البذر بجيوبي
لحقول أتلفها النعاس
وحده عمود النور
يمنحني سرير لمبيت ليلة واحدة
دون ثمن..
كم نحتاج من الوقت
كي نجمل وجه الحجر
فقط مطرقة عسى نحرك شقوق الموت
ونبعثُ الحياة
قال لي الحلاج ذات يوم
أحذر أن جيوبك مثقوبة
فارتديت جلدي وعانقت ميسان
لا تركل الأرض بقدميك
فهي حُبلى بأنفاس السنابل السومرية
أنقش على جدارِ القلوب أسمك
خير من بناء مدينة أبراجها أقنعة
لماذا أنا
قطارات عشقي لها دوي
كدويي الشعر
أبراجها في رأسي دائما تعلن الرحيل
قلتُ للشيطان أحبها
هي سفن ترحل بأوردتي
أغواني بالفقرِ وسرقها
سأنتظر حتى تبعثرني مقاهي (( زيونة ))
كالمتشرد أبحث عن كلمات
أشاهد عورة الدنيا
أنادي بالجميع هلموا للسلام
فيصفعني حميرُها
...........................................................................................
دراسة نقدية للدكتور أنور الموسوي
كثرا ما كنت أرى الكلمات توضع في بعض البناءات الشعرية ،
لمجرد توصيل المعنى ، و كأنّها أشياء قابعة على جانبي الطريق ، طبعا كان لها
تأثيرها و دورها، إلا أنها لم تكن تلبس البهاء الأكمل ، و كنت أودّ لو أنّها صيغت
و وضعت بطريقة أخرى . طبعا هذه الجملة لا يمكن بيانها بسهولة ، لكن حينما وقع نظري
على ومضات للشاعر العراقي الفذ قاسم وداي الربيعي ، و وجدت ذلك التوظيف و التقنية
العالية ، التي تعطي الكلمات وزنها ، فلا تكون فقط موظَّفات على جانبي الطريق ، بل
تكون كقمم شاهقة مبهرة تصنع عالما رفيعا من الفكر و الخيال ، هذا النموذج الذي
تمّنيت أن تكون عليه الكتابة الفنية ، النموذج الذي تبرز به الكلمة و تتجلى ، انّه
اختراق عمق المعنى بالكلمة البارزة ، انه التجلّي الكامل للغة ، انه طغيان اللغة .
حينما تقرأ ومضات قاسم وداي ، تجد أنك تبحر في عوالم و
ليس كلمات ، و تتلمّس وجوها و ليس مفردات ، لا يمكن أن تتجاوز المفردة إلى ما
بعدها إلا و تشعر انك قد قطعت إضعاف الزمن المطلوب للانتقال ، أن هذا التباين
الظاهر بين زمن الرؤية و زمن القراءة ، يعني و ببساطة طاقة تعبيرية للمفردات تزيد
من زمن القراءة . و حينما يكون للكلمة ذلك البروز و الظهور تشعر انك تتلمّس جسدا ،
و كيانا ثلاثي الإبعاد ، انه بحق النحت بالكلمات. يقول قاسم وداي :
( أفكر أن أكتب لها ..لكني أعلم أن قلبها مثقوب من شدةِ
الصدمات .. )
انّ الزمن البصري لهذا المقطع المكاني لا يتجاوز الثانية
أو أكثر ، لكن زمن القراءة أطول بكثير ، بل انّه من شدة طوله يتلاشى المكان و تحلّ
الرؤية المعنوية بدل البصرية ، أن هذا المقطع حينما نريد أن نقرأه فانا مضطرون أن
نقرأه بهذه الطريقة :
( أفكرُ
….
أن أكتبَ
….
لها
…..
لكنّي
….
أعلمُ
….
أنَّ
…
قلبها
….
مثقوبٌ
….
من شدة الصدمات …..)
أن هذا النبر ، و التعمّق ألبوحي ، و التركيز على
المفردة ، إضافة إلى ما أشرنا إليه من إبراز و ظهور للكلمات بما لها من معاني ،
يزيد من طاقة اللغة ، فانّ عالم الدلالة و الإبحار في فضاءات المفاهيم ، و ما
يتعلق بها من انثيالات ، يتسّع بسعة الزمن المستغرق في القراءة . و ربما لا نحتاج
كثير بيان للإشارة إلى عملية البروز و الظهور للكلمات هنا ، و أنها قد جاءت بصورة
تختلف كثيرا عما نجده في بعض الكتابات من التسارع الكتابي ، بحيث تغرق الكلمة في
النص ، و لا تجد لها أثرا كبيرا إلا من خلال التركيب ، وفي هذا خسارة فنية و
امتاعية ، بحيث يكون ثقل التعبير على كاهل الفكرة و المعنى الكلي .
ان ما يجب التأكيد عليه أن حجم الإبداع الكتابي يتناسب
مع مقدار الطاقة اللغوية ، و مقدار توهج اللغة ، و كل استثمار للغة يعطيها طاقة إضافية
و توهجّا اكبر ، و أسلوب إبراز و إظهار المفردات أو النحت بالكلمات هو توظيف فني
عالي المستوى يكسب لغة النص طاقات إضافية و توهج اكبر .
في مقطع فذّ أخر يقول قاسم وداي :
( منْ يقول لها ..أنها أجمل عاصفة تنفسها الشراع )
نلاحظ و بوضوح الإبراز التوظيفي و التقنية العالية في
الصياغة :
( من يقول لها …
أنّها
…
أجمل عاصفة
…
تنفّسها الشراع )
أن هذه الصياغة جعلت من كلمة ( يقول ) غير التي نعرف ، و
جعلت كلمتي ( أجمل و عاصفة) اكبر مما نرى ، و جعلت كلمتي ( تنفس و شراع ) بأحجام
معنوية و زمانية أوسع مما لدينا .. إذن النحت بالكلمات ليس فقط يبرز المفردات و إنما
يوسّع مفاهيمها الآنية ، و بهذا التوسّع تتعاظم طاقة اللغة ، و تتوسع عوالم المعنى
الكلّي للنص .
و في مقطع نحتي أخر يقول قاسم وداي :
( لا تحزني أيتها الأم ..هو خلف الأسلاك الشائكة يتوحد
بالبياض )
نلاحظ الإبراز و الإظهار للمفردات :
( لا تحزني
أيتها الأم
هو خلف الأسلاك الشائكة
يتوحّد
بالبياض
)
فإضافة إلى التعبيرية الومضية و المعنى المركّز و البوح
العالي في هذا النص ، فانه أيضا يمثل صياغة فذة تعطي للغة طاقات تعبيرية اكبر و
تبرز الكلمات و تنحت وجوهها فكأن الكلمات تخرج من الورق بأجساد تامّة ثلاثية الإبعاد .
و
في مقطع إيحائي بوحي عاطفي يقول قاسم وداي
( حبيبتي …هم يكتبون ..يحتفلون …….ونحن ننتظر )
لاحظ مدى التعبير الإيحائي و التوقف الاضطراري للزمن المصحوب طبعا
بانثيالات معنوية :
( حبيبتي …
هم يكتبون …
يحتفلون …
و نحن ننتظر …)
و في مقطع أخر يتمدد به زمن القراءة :
(بمجرد أن أراها .. سأكشف عن صدري
كي ترى سوطها ورصاصاتها ..وكأس السم )
نرى بوضوح النبر في الصياغة ، الذي يخلق الإبحار ، و إبراز للمفردات و ما
خلفها من انثيالات و إيحاءات . انك حينما تقرأ هذه النصوص تشعر بوجود كيان بارز و
خلفه أصوات و كيانات أخرى ، أنها لغة ثلاثية الإبعاد ، انه النحت بالكلمات . انه أبداع
رفيع لقاسم وداي الربيعي