الجمعة، 3 يونيو 2016

أحتجاج مروحة / قصة قصيرة / للاستاذ هادي المياح / العراق

إحتجاج مروحة
لقد سئمتُ هذا العمل المضني ، أدور في دائرة مغلقة لوحدي ،مثل رِحى بِلا طحين..اسأل نفسي لو كنتُ في سباق لانتهى من زمان ، َووِزعتْ الجوائز. انا الوحيد في هذا العالم أعيش في دوامه. أدور ليل نهار. لا احد يعبأ بي.
لا احد ينصفني..
بدأتُ اكره نفسي يوماً بعد يوم. ومللتُ من جسدي الذي تراكم عليه الغبار. غبار خدمتي الطويلة، في غرفة متروكة من المنزل. انا لا أعدّ نفسي بمستوى من حولي، ولا حتى الذين في شمالي أو يميني. ليت هناك من يقدِّر جهدي.
وتعبي...
أنا أَثبُتْ دائما ً في مكاني، لي مسقط رأس واحد لم يغيّره زمن. هنا ولدت، وهنا أموت. أميلُ بطبعي للاشتراكية، أدور باستمرار لخدمة الآخرين. وبنفس الوقت، أعشق استمراريتي ودوراني فبداخلي تنمو بذورٌ نرجسية.
لكنني خُدعتُ..
ولم أشعر بخديعتي طوال سنين مضت. لم أحسب في يوم ما، سيتم إلغاء خدماتي. لأي سبب كان..لتقادمي، استهلاك أدواتي، او ظهور ما هو أفضل مني..
لم اتمتع بوقتي كغيري..
لم ارتد لباساً او حلّة جديدة في مناسبة تمر..أشعر بالغيرة تنمو بداخلي، وتنتابني موجة من الاسى. قد يصدر مني أنيناً خفيفاً مؤلماً،بسبب ذلك. لكنه لم يوقف حمّى غلياني. 
أريد ان ابكي، ابكي لوحدي. لكنني مهما حاولت، لا أستطيع ذلك! 
وبغتة، ودون سابق إنذار، انفجرتُ في نوبة من البكاء الصامت، حتى شعرت بالالم يتشبع في جسمي. وانخرطت جميع آهاتي المتراكمة، وسيطر عليّ رويداً رويداً ، دافع شرير، مهد للانقلاب على الذات ثم الانتقام ..
لقد تخلى عني الجميع..
وقررتُ فوراً ان أنتقم منهم... بدون استثناء.
وبدأت أعد لذلك، أفكر بجدية للتغيير. ترافقني معاناتي وتوجسي من المجهول. وأدركت انني أقاتل من اجل وجودي ،إما أن أكون... او لا أكون .
مضى على معاناتي وقتاً طويلاً، وأنا غارقة في الدوران. أُفكر وأفكر، لعلّني أجِد مخرجاً بديلا من دون خسائر.. 
وفي يوم ما..
كانت منافذ الضوء الداخل للغرفة تكاد تنغلق بشكل تام..وعمَّ سكون شبه مطلق. لم أسمع غير صوت أنيني ووجعي.. وفجأةً، سمعتُ طرقاً خفيفاً على الباب، وخربشة مفتاح يحشر فيه، قلت في نفسي من القادم يا ترى؟ 
وتمنيت آنذاك ان يكون أحدهم قد عاد..لا يهمني من!
وفُتحَ الباب بقوة…
وظهر شبح لشخص ضعيف، لكنه طويل ، يكاد رأسه أن يصلني، لطوله..اقتربَ مني، اقتربَ اكثر..وأمسكَ بي..مرَّر كفيّه على اطرافي..توهمتُ بانني غُمرتُ بدفق حنانه..فإرتبكتُ، وإختلّ توازني ورحتُ اتمايل دون وعي.. كنتُ أحسب انه آن الاوان لظهور من ينقذني.. ويحلّ عقدتي، ويزيحُ عني غبار السنين.
الا انه..
أدار لي ظهره. وتركني لحظة، ثم عاد.. 
لم أُصدّق عيناي، كان يحمل بيديه عدة متكاملة، وراح يقطّع أوصالي شيئاً بعد شيئ، غير آبه لالمي، حتى تَحوْلتُ بلحظات الى أشلاء مبعثرة، تكومت على قارعة الرصيف، في سوق الجمعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق