الأربعاء، 22 يونيو 2016

الواقع وعاء صورة الاعمال الشعرية لسلمان داود محمد / بقلك الاستاذ عيال الظالمي / العراق

الواقع وعاء صورة الأعمال الشعرية لسلمان داود محمد
...............
i اعتمد العرب في نقد الشعر وتقييمه على أربعة أركان أساسية هي : الموسيقى (العروض) – اللغة – الموضوع – الصورة الشعرية التي تعتمد على ثلاث طرق أساسية (التشبيه ، الإستعارة ، الكناية ). فالصورة تركيب لغوي يمكن الشاعر من تصوير معنى عقلي وعاطفي متخيل ليكون المعنى متجليا أمام المتلقي، ليستمتع بجمالية الصور والتي تزين النص وتجسد وتشخص وتجرد وتشابه بإيحاء عقلي جميل . ولتعطي جمالا للنص وعالم من الخيال لتقديم المعنى .وحين التعرض إلى نتاج قطب شعري عراقي يشكل علامة فارقة في القصيدة الحديثة ومنهل من مناهل الأدب النثري،فاذا تحدثت عن (سلمان داوود) أكون قد ظلمته ، لأني صغير النجاد في عالم النقد ، وشحيح اليد في عدِّ مقدار العطاء الذي أغاث به القصيدة النثرية ، يتحرك على مساحة شاسعة من الوعي الثقافي ، والإلمام بعناصر القصيدة ويغتصب تركيب الجملة الشعرية،لكي يضعك في حيرة التلقي من صيحة وتأمل وتعجب ليحوك الصمت جلبابه حتى تتمعن في كيفية الأداء ونسج الخيال مع فداحة الألم الذي سوّر معظم حياته ليقول:-
تزوج حب رابع
من امرأة في حب سادس
فاحتشدت في أول طفل
عشر ضحايا…
فهذه الصورة التي شكلتها الكلمات عبر تركيب لغوي،عاطفي،خيالي،لتصوير معنى عقلي يجمع بين شيئين من خلال علاقة المشابهة،وقد تكون تجسيدا أو تشخيصا أو تجريدا . لكنه البسه صبغة الواقع المرير،وخصوبة المفردة أعطته هيبة الصناعة،وجزالة المعنى ،وقد جاءت الصورة ملفته ، ومن قصيدة (غيوم أرضية ) :
الموت مكنسة قرمزية …
المباهج أكذوبة تتلثم بالآدميين …الحقيقة زهرة من خسائر…
الحب دم يزاول دفن الأقفاص …
النظافة إبرة توقظ في رحم المهانة
طفلة من آسف …
اعتمد الشاعر المكونات التي تشكل الصورة وهي اللغة والعاطفة والخيال ، وهي صور معنوية تظهر محاسن ومساوئ الوضع المعاشي والإفصاح عن تجربته المعقدة . توظيف الطيور للتعبير عن الغربة في الوطن والوحدة والشجن إلى حد تمازج مشاعره مع الصورة بما تحمل من صفات مادية ومعنوية ، في عصر 4كانت الملمات لاحتشادها تسهو عنها العين :-
عصافيري تتسكع في ( السايلوات )
وأشجارك تبحث عن وظيفة …
إمهليني قضمة من صباح ريثما انفض عباءتي
بقايا سماء تعج بإخفاقات
وأوزع خفاشاً يصوب المظلات نحو القمر..
تختلف الصور بين ما هو تصوير حسي لمتشابهين دون الولوج لمعان نفسية ، ومركبة تجمع بين حسي ونفسي عاطفي وكلية تعتمد تكثيف عناصر الصورة وتنسيقه في سياق تعبيري واحد . ومكونات اللغة(نسيج الالفاظ) والعاطفة(نفخ الروح ) والخيال الرابط الذي يحدد من خلاله معالم الصورة شكلا ومضموناً ،وظف المفردة البسيطة ليزجها داخل كون محتدم من المعاني ، ولات مهلة لتتفحص أبجدية قراءة ما مرَّ من قهر وإهمال وتسلط :
كنت شريفاً بالسخرة
انسج من فقراتي القطنية سروالا لعصا
وأغربل الدموع لأجني الحدقات …
عود ثقاب يبحث عن معبودات من أصل خشبي – هذا أنا
وما تبقى أشباه دفوف تقدم الوجوه اعتذاراً لهطول الأكف
وعندما تتكون الصور الحية في النص الشعري تخلق الجمال والإبداع ، لما لها من مفعول وتأثير , فلا بد من خيال يخرجها من النمطية والتقرير والمباشرة, فالخيال هو الذي يحلِّق بالقارئ في الآفاق الرحبة, ويخلق له دنيا جديدة, وعوامل لا مرئية تخرجه من العزلة والتقوقع،و(سلمان )له أنهار تنام على شواطئها بلابل السرد الموشى بحبكة التركيب الأخاذ ، تطفو على جفون أعشاب رموشها فراشات القول الدقيق ،لذا يلزمنا اللجة حين يقول:-
أحبكِ
كأن مساءاتي شديدة الصباح
والشظايا مترعة بالفشل
فأضرم الهدهد في شرك باذخ
وأدرّب سخطي على قرنفلة …
أهيئ السموات لخطوتين
حينما أسرج الدمعة بالينابيع ..
ويمتد إلى الجانب الشعوري الوجداني في تكوين الصورة الشعرية بخيالات عذبه تؤدي إلى إظهار نصوص شعرية جميلة . وتمكن من إيجاد القصيدة المبدعة هي تلك التي تحتوي على عناصر الجمال وبخلق الصورة الشعرية من خلال المفردات المنتقاة التي لا يجيد اختيارها إلا شاعر متمكن، ولذلك نجد ان هناك العديد من القصائد التي لازالت حتى الآن تحتفظ بجمالياتها وصورها المبدعة والتي جاءت مواكبة لعصر نحن فيه بحاجة لصورة شعرية عميقة ،كصور (سلمان داود )في قصيدة النثر ،التي تصلح لعصور قادمة ومؤرخة لماضي متشظي:
إتلفْ المحبة بازدراء شجي
ودَعْ الرضاب لإخماد الحرائق…
– زنْ الحمص بأبي هريرة
وارزمْ الوجوه بأغصان الضنك ..
-اشملْ برضاك أباطرة الخَلف
واطعنْ ظهيرتي بسؤالك……..
يمتلك من الفنية التصويرية برسم صوره ابتداءاً من معنوناته لمجاميع المعاناة [ غيوم أرضية _ علاماتي الفارقة – إزدهارات المفعول به ] :وهذه المعنونات تتعلق بالتجربة الشعورية ككل ،وأما معنونات قصائده المشبعة بالجروح والقروح لمجمل عقود تواجده على قيد الوطن ، تسمو عالياً من حيث الشكل في الصياغة والأسلوب ، واستخدام الألفاظ ، والموسيقى . من حيث المضمون في صدق التجربة وعمقها ومدى تأثيرها في حياته ومكابداته [عاهة إبليس –انتهاكات – رفقة البوم – مراثون انفرادي –نثرنة الصنم ] أما الصورة البيانية ؛ فتختص بالناحية البلاغية الجمالية في استخداماته كشاعر كبير،من حيث التصور والخيال ، ومدى إبداعه في جلب الصور المثالية للمعنى .فكانت مقدماته لمجاميعه وخزات موحية ( العالم خطير مثل طفل يدخن وبذيء كبائع الطيور…..) _ (أحتاج إلى قياصرة لا ينضبون كي أقرّي الفساد من الأبدية …) – (خشية أن تشقى – إكره نفسك جيداً وأقترح الله …) ومن هذا فان الصورة الشعرية تتعلق بإبداع الشاعر في فن القصيدة الشعرية ،ومعرفته للقواعد اللغوية في لغته. يبرع في الصورة المشهدية الكلية والصورة الجزئية:
كنتَ ترى عرق الجباه يدل على شمس تبول ، فمن للغسيل؟
ومن لحبال تتآكل بين خائنين :
الثور المجنح والساقية \\ هذا بخمس خطى وريش معاق
يبيع شطائر المسلات الى السائحين
وتلك تضاجع ناعوراً امام صفير المضخات
فلماذا تطوف الشجيرات حول المكائن – حتى استحال البرتقال ضجيعاً لمعصرة..؟
تتضافر العناصر التقليدية في تركيب صوره بمشهدية كلية ، يُظهر فيها أثار النار وحريقها ، ومن تمزيق جدران الصمت وارتفاع الأصوات وانفجار الثورة ، ففي هذه الحركة ، وفي هذا الصوت تتفاعل كل العناصر لإظهار المعنى في صورة شعرية مشهدية ،الصورة الملونة بقوله:
اخوض في عفن الأبواب وأطرق “ما ” فترد العرصات كعادتها “كو”
“ماكو” أي لا يوجد ” ما يصلح للهضم ،كي تحتاج الى دورات مياه
أو “ماكو ” مياه في قائمة الماء\\ ولا جيوب في كفن الضوء
كذلك “ماكو” حليمات في السوق ………….الخ)
وهذه الصورة كما نحسها ، تؤدي مشهدا شعريا متكاملا ، يعتمد على الطبيعة كأحد مرتكزات الصورة الشعرية، بألوانها المختلفة ؛ لتأكيد تجذر الإنسان بأرضه ، وتوحده بعناصره زمنه ،لا يتشامخ الغموض الدلالي،بل ينساب قريب من ذهن المتلقي، وعدم غموض الرمز إنما نمّى لغة لأن لغة النثر هي لغة الإيضاح ولابد للكلمة أن تعلو على ذاتها، أن تزخر بأكثر مما تعنيه، أن تشير إلى أكثر مما تقول، عبر إدراك الشاعر لقدرات المجاز في منح اللغة مساحة أوسع من دلالتها المعجمية، فكان عند حسن الإيقاع بخطيئة التردي الثقافي في مجمل الوقت القاسي وقت الحروب القسرية ومن قصيدة (خروف العلة) :-
وفقاً لركاكة النصوص فازت الخوذة بالأبدية
وعاد المنصوص عليه الى وحشته نادماً
ينتحر المياه أمام رهبة اللاأحد
ويكسر أنف العدو بعفونته الباسلة
يوم ذاك- تعثرت الصواريخ بحقائب مدرسية………..
فالشاعر (سلمان داوود) لا يستنفذ في الكلمات كل طاقاتها التصويرية والإيحائية والموسيقية، فلغته الشعرية تنظم وتشد مصادر اللغة العادية وأحياناً تنتهكها. وقد أراد ان يستعمل الكلمات بمعان جديدة بعد أن تآكلت واستهلكت من فرط الاستعمال، بإيجاد حل لمشكلاته، ومثلما اهتم «بودلير» ب«جمالية القبح» أظهر القبح المستشري على يد النظام وفقهه القهري العسكري ،ففي قصيدة (فارزة):
اذن
الى الوراء در أيتها الأهمية…\\الى الوراء در أيتها القناديل..
الى الوراء در أيتها المنصات…\\ الى الوراء در أيتها المفارز..
الى الوراء در أيتها الشجون…\\الى الوراء در أيتها الفلسفات..
الى الوراء در أيتها القصيدة …\\اتركو زهرة الآفاق تنبح خلفي ،
لقد سقطت خوذتي.
وقد قرانا أن «رامبو» عمل على تلوين الكلمة وإيقاعاتها الداخلية،وصنع روائح الإحساسات المنبعثة من الألفاظ ألواناً وروائحاً مختلفة ، فقد أوجد (سلمان داوود) روائحاً لأبجديته هو خرقاً للقواعد وخروج على المألوف أو هو احتيال منه بلغته النثرية ليكون تعبيراً غير عادي عن عالم عادي:
صار البهتان يبيض أساقفة
وأمك المدعوكة في منتصف الدرب تسمى”باتا” تتمزبل تحت الأنواء
تبحث عن قبعة الرازح تحت بيوض “التوماهوك”
عن دوارق تضميد تساوم جرحى ، فانمسحت جزمات
عن سرقات السادن “كيشوانوس” \\ عن خرطوم مياه لا يبكي
شاخت من إنجاب صحون وسلالات أباريق وشجون
ثم انتشرت في توديع الإسكافي حفاة…
لذا حين أقول أبدع تصويرا أغوص في أقوال الكتّاب . المنفلوطي:(إن التصوير نفسه أجمل المعاني وأبدعها، بل هو رأس المعاني وسيدها ) ويقول راي :(إن الصورة وحدها تكسب العمل جمالاً ) حيث تعبر بمهارة عن تمازج الرؤى والأفكار والأحاسيس تجمع بين الخيال والقدرة الفنية، فالخيال هو الروح والقدرة الفنية هي الجسم و الطاقة الفنية هي الإبداع ،ومن بين حسنات الصورة الشعرية تعميقها للبعد التجسيدي للنص الشعري، فمن قصيدة (ممتلكات الظل- م12):.
سأخون قداسة الندى
وأرمي في خطأ الجلنار حياتي
فروحي التي ألّمت بها آلهة نائمة
تجهش
الآن
بالطبول …
تعامل لشاعر مع صوره الشعرية آتٍ من تعود تلقائي ،ولأعود الى مستوى عتبات العناوين ،وما يضاعف الحيرة والتساؤل.إننا هنا أمام صورة مركبة. وهذا النوع من التعاطي مع الصورة الشعرية لا يمكن إلا أن يعمق الإحساس والدلالة ،ويربك الذائقة التقليدية، التي اعتادت على الصورة الشعرية البسيطة، التي تعمد إلى تجسيد المحسوس بالمحسوس ، والمجاز يدفع بالتفكير والإحساس إلى حدودهما القصوى فمن (ندم آدم):
بلا ندم
أثير من صمت طائش
وأقطف نفسي من سدرة الخشوع..
ما كنت وحيدا لأخون شكوكي
فالنار ظلي
والكارثة كلب قناعاتي
هذا التعامل الجميل مع الصورة الشعرية يخدم جمالية النص الشعري ، ويساهم في تعميق الدلالة ، ويبث ظلالا من المعاني ، تسعف على تحريك آلية التأويل . فهناك عناوين داخلية تشي بالكثير ففي قصيدة [تنبيهات الناقوس الخشبي] تبرز معنونات (( سأم مبتهج- دخان مُر – مطر أفقي ) وكذاك عنوان يختم به الأعمال (“انتَ ” بكسر العين ) يحمل حساً جمالياً وقلقاً عميقاً ،هنا أراد الشاعر إشراكنا به ، الصورة اتسمت عنده بكثير من الأحاسيس الجياشة ، الأعمال الشعرية تكونت من ثلاث مجاميع، شكّلها ببلاغة تعبيرية ، ساهمت في تعميق الدلالة والإحساس وزرع جسور الثقة بينه وعصوره المزدهرة بكساحٍ يوزع الأقواس على البيوت وبجوار ليس له ذكر في البطاقات الشخصية ، لعلمه الواسع بأن هناك أفكار تعمل بالأجرة في حانوت السرد ، وأرصفة حررتها البلدية من هيمنة الورّاقين ،فليس مفيد أن تتذرع بالأحلام 
………
عيال الظالمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق