الخميس، 2 يونيو 2016

احلام النوارس / قصة قصيرة / للاستاذ صالح هشام / المغرب

*أحلام النوارس~~قصة قصيرة ●
بقلم الاستاذ : صالح هشام /المغرب
بين كتفيك خم دجاج ، ينقب في كل تلافيف دماغك ، الأرض تأبى أن تتحملك : قطرة زيت محجوزة في ماء مرجل يغلي ! كرة بين الفردوس الأخضر و عقوق الأم ! لم يكن لك من خيار آخر .العقوق أرحم من هذه الأرض المتشققة : أحدب يحاول الانسلاخ عن حدبته ، سخيفة :
-(قطران بلادي ولا عسل البلدان) 
تتنكر لكل شيء :
رائحة البحر جميلة ، مغرية ،جذابة : تشمها ممزوجة بروائح الطحالب وعطور الشقراوات واللحم الأبيض ، تقاسيم وجه أمك تتغير ،تهدهدها كوابيس ما قبل الفجر تسرق منها قبلة على جبينها ، تسقط منك لؤلؤة براقة فوق خذها ،تنتعل حذاءك، تختار عقوق أمك وأنت تعرف : لن تلدك مرة أخرى ! تتبخر من البيت : قطرة ماء في صحراء ملتهبة .
روائح عطور الشقراوت و النبيد الأحمر ومتع الحياة ترميك في متاهات استمناء ذاكرتك المثقوبة ، يلتصق بجدارها التافه من الأشياء!
البحر يغفو ، زفراته تتقطع بهدوء : نحنحات محموم يقاوم برودة البلل وحرارة جسد متخشب ! البحر يفتح عينا ويسد أخرى ،يشله أثر النعاس ، يتثاءب يقذف بكتل ضخمة من الزبد فوق رمال مبللة ،تميل إلى الصفرة ، تتكسر عند قدميك ،يتلقفها ناموس التلاشي : مويجات بيضاء صغيرة ،تتناثر فقاعاتها القزحية ،تحلق بها النسيمات وتتبخر في الهواء .
رذاذ البحر عذب يسكرك ينشط منك الذاكرة ، ويستفز فيك رغبة مجنونة : ركوب غمار البحر والموج و الخطر ! تخط أحلامك فوق حبيبات رمال ملونة ! تمتزج ملوحة الزبد بعفونة واقعك ! صفحة ماء البحر تعلو و تنخفظ : حشرجة مكتومة تمخر صدر مقبل على للموت ، تغريك : ترسم ملامح رحلة تيه و هذيان بحرية ، قد تعود أو لا تعود منها سالما !
قويدر رفيق دربك ينعم بدفء حضن شقراء أجمل من القمر وأنصع من الثلج ، وأ عذب من العذوبة نفسها ،تتضوع مسكا كالغزال ! يركب سيارة، عريضة فارهة ، تعب البنزين عبا وبلا حساب، لا يعيرها اهتماما ، جيبه متخم بالعملة الصعبة ! في بريقها تتبدى تقاسيم وجهك القمحية بوضوح. يقول قويدر ، القذر : 
-الدنيا امرأة شبقية تستعذب الاغتصاب : تركلها على المؤخرة ، فتعانقك بملء الصدر وتلفك بالدراعين :(دنيا عوجة وسايقها جربوع ).
الفلس يخلق من البلادة حكمة ! 
العملة تحول قويدر البليد حكيما !
أنت أطلقت عليه هذا اللقب . لم يكن يحسن سوى التلذذ بابتلاع مخاطه الأصفر المائل إلى الاخصرار !
قويدر أذكى منك ! 
ها أنت تقتفي أثره كالكلب، تلتقط أعقاب سجائرشقراء ، ترميها دميته الرومية الشقراء في وجهك ، فأين أنت إذن من هذا المعتوه؟! 
آه عفوا ، من منكما المعتوه ؟ أنت يا مفلس أم قويدر القادر ؟!
إلى وقت قريب كان يستعطفك لتجود عليه بشطيرة رغيف ، أو ثمالة شاي حامض ! قويدر أقدر منك ومن قدرك ، قطع حبل السرة مبكرا ، وعض ثدي أمه ،تخلص من حضنها وارتمى في حضن امرأة فاتنة كنت تراها فقط في السنيما ،وركب موج البحر . 
قويدر يا أبله وضع كفنه فوق راحته و داس فوق أناه بمداسه !
عن جدارة استحق المقاعد الجلدية الناعمة الملمس ، و الرومية الفاتنة ،الدمية الشقراء : قطعة الشمع الناصع ، يلتهمها جوعك ، تتجرع حموضة كبتك ! انفجاراتك البركانية العظيمة يتبخر دخانها ممزوجا ببلل جبينك ! 
روائح العملة الصعبة تمنعه من مصافحة جيفة عفنة مثلك .
(لا تحتقر كيد الضعيف ربما تموت الأفاعي بسموم العقارب ) درس لم تستوعبه جيدا ، قويدر عقرب تموت بسمه موتا بطيئا : بسرعة البرق الخاطف يصافحك ، يخاف منك ، فيك رائحة البؤس والفقر و شئ من ماضيه الأليم !
ماذا فعلت أنت بنصيحة أمك : تشدك أسفل سافلين ،جاذبية الفقر والبؤس ! 
أيعجبها أن تراك أمامها تقتات كل يوم من ريعان شبابك ؟ ربما تتجاهلك وأنت تجمع أعقاب السجائر من أرصفة المقاهي ! تردد على مسامعك أسطوانة إحباط قديمة : البحر يا ولد غدار يستطيب لحم العوام ! 
ما باله هذا البحر ؟ ها هو أمامك كطفل صغير يتوسد قبضتيه ويغوص في أحلام براقة شفافة،لا لون لها كأحلامك الباهتة ،أليس من حقه أن يغضب ويحلم ؟
البحر رغبة جنونية شبقية، تستعذب القلوب الصخرية ، وتكره آهة الجبناء ! زمن قريب جدا ، على شاطئه الجنوني الجنوبي ،كانت حشود الفلك تتهادى وتتمايل في حركة سريعة تبدو :مؤخرات فيلة هائجة ،تهدهدها أمواج البحر .
المراكب تقودها طيور النورس في أجوا ء السماء و الدلافين في أعماق البحر و ترشدها إلى الجنة الخضراء !يحرق مردة البحر السفن قريبا من تلك الصخرة العظيمة التي تحرس أبواب فردوسك ! السيوف تقارع سيوف أشباح تحرس هذا المعبرمن جهنم إلى الجنة ! صراط عظيم يفصل بين الحياة والموت ! بين الفقر والغنى ! بين قويدر الأمس وقويدر اليوم ! لا أمل في الرجوع .. لا رجوع .. لا رجوع.. لا عودة ، هو صبر ساعات قليلة فقط ! 
أحرق أنت أيضا أفكارك القديمة ، أغسل دماغك، الحياة الكريمة تضحية لا رائحة لها ،لا لون لها . لا تخف ربما تعاف أسماك القرش لحمك ! يلمع بريق السيوف في دماغك ! وميض حريق السفن في عرض البحر، يلفك بتاريخ القائد البربري العظيم . 
استأمن دلافين البحر على حياتك.. و هب أنفاسك لطيور النورس ! طاعة والدتك لم تفدك بشيء ! 
تأخذ عودا يابسا تخط خطة هروب عظيم من الجحيم إلى الفردوس على رمال البحر.. على سطح الماء ..على أديم السماء ..تغرم بخطة القائد ، تدقق في كلمات خطبته كلمة ، كلمة ..تتفحص سحنات العابرين سحنة ، سحنة .. تكاد تعد ألياف عضلاتهم ! تجد نفسك لا تقل عنهم أهمية .ستنجح في العبور لا محالة ! 
صفعة قوية تفاجئك من الخلف على قفاك، تظهر لك حشود من النجوم في عز النهار ! ركلة قوية على مؤخرتك تنتشلك من لعبة الهذيان ، تعيدك إلى جادة الصواب :
صوت قوي جهوري رنان ، لم تتبين تقاسيم وجه صاحبه يصرخ فيك : 
-يا ابن العا..... يا ابن الكلب .....كلكم تريدون العبور إلى أرض غير أرضكم ؟ ما بالها أرضكم ؟ يا كلاب ! يا جحدة !! 
يغمض عينيك بقطعة قماش أسود ، يصفد أحلامك ، تستنتج خطأ فهمك لخطة و تاريخ القائد !
بقلم الاستاذ~صالح هشام 
الرباط /المغرب~١٧|١١|٢٠١٥

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق