الخميس، 2 فبراير 2017

ملف خاص بموسوعة ينابيع الابداع العربي والانسانية جمعاء // للاديب المبدع قاسم سهم الربيعي // العراق

الاسم الرباعي: قاسم سهم عباس عاجب الربيعي.
التولد : ٣٠/١٠/١٩٦٢
محل التولد: بصرة.
التحصيل الدراسي: بكالوريوس علوم سياسية بدرجة إمتياز.
الإهتمامات: هواية الأدب والتاريخ وخاصة الأدب العربي بكل عصوره  وقراءة امهات كتب الأدب العربي وامهات كتب التاريخ،مولع بالشعر الجاهلي وخاصة المعلقات ،مهتم جدا بشعر المتنبي .

لدينا الكثير من المقالات الأدبية والسياسية والإجتماعية وقد تم نشرها في الصحف والمجلات العراقية والعالمية ، مقالة ميكيافيلي تم نشرها في مجلة النور الورقية والتي تصدر باللغة العربية في السويد، ومن المقالات الأخرى قراءة وضبابية في جمهورية إفلاطون ،تم نشرها في جريدة الزمان العراقية.
لدينا الكثير من الدراسات والبحوث الأدبية التي تخص الأدب العربي.

لدينا كتاب لم يطبع لحد الآن بسبب ظروف خاصة ،بعنوان ميكيافيلي آراؤه السياسية ..الإستراتيجية.
أهتممت بكتابة الشعر وقراءة الأدب منذ المتوسطة ،واستمريت بالكتابة لغاية أواخر الثمانينيات ثم تركت لأسباب اقتصادية وعدت للكتابة وانا مستمر حاليا.
لي مجموعتان جاهزة للطبع ولكن لظروف خاصة تأخر طبعهما
الأولى ديوان بعنوان هذيان يقظ والثاني حروف نازفة
النصوص

أملٌ منزوعٌ أحﻻمٌ يائِسَةْ                        :::::::::::::::::::::::::::::

من عُجُفِ القَحَطِ
تُورِقُ الحروفْ.
من رَحَمِ الوَجَعِ
تولدُ القصيدةْ.
دوامةُ أفكارٍ تحلق بنا
في جنباتها
آﻻفُ متاهاتْ.
أملٌ منزوعْ.
أحلامٌ يائسةْ.
فقراءٌ توسدوا
بُؤْسَ الأماني. 
يحلمونَ كثيرا.
من الخيباتِ صُنِعَتْ
أوهامٌ كاذبةْ.
شماعةُ السقيفةِ
مازالتْ تُﻻزِمُنا.
أنْجَبْنا مئاتِ السقائِفْ.
نفدَ صَبْرُ أيوبْ.
يوسُفُ لم يعُدْ .
أﻻ يستفيقَ أصحابُ
الكهفِ من رقدتهمْ.
فارَ التنورْ.
تأخرتْ سفينةُ نوحْ.
متى تُلقي عصاكَ ياموسى
لِتَأْكُلَ مايَأْفكونْ.
ضاعَ الحمارُ وضاعَتْ
معهُ الأسفارْ.
لا أرى حتى عودَ
ثُقابٍ في آخرِ
النفقْ.

قاسم سهم الربيعي

للهيبةِ أثمانْ…
………………… ..

يرتقي القممَ .. يجوبُ الفلواتِ..
سماؤهُ صافيةٌ ﻻيشوبها غبارُّ ..
ليس لفضاءاتهِ حدودُّ ..
يعتاشُ من صيدِ مخلبهِ… كبلوهُ بقيدِ غرابٍ ..
لا... لم يخلقُ للنعيقِ ..
ﻻ.. لاطعامَ لمن أطعمَ !....

موائدُ فتاتِ العقبانِ !..لم يعتدْها ..
الغربانُ متخمةٌ …
أضحى خلفَ أبوابَ الحلكةِ الموصدةِ ..
قضبانٌ صدئةٌ تحجبُهُ ..لا إشراقةً للشمسِ ..
لم يعتدْ موتَ الجوعِ المخيفِ .. يعبثُ بسكينتهِ .. ظلُ السجانِ اللاّمرئي ..
عصفورٌ جلادٌ … للهيبةِ أثمانِها ..
أسرابُ خفافيشِ الظﻻمِ اِنتهكتْ حياضَهُ..

تكالبَتْ الوحوشُ والغيﻻنُ .. تستبيحُ حرمَةَ جسدهُ ..
ولِغَتْ في دمهِ المراقِ ..اِحتفلتْ موائدُ العُهرِ على بقاياه ..
تراشقتْ ثملةً .. كؤوسُ نخبِ خيانتَِهِمْ ..
من جرحهِ النازفِ قبيلَ الصبحِ ..
تراقصوا على أطرافهِ المبعثرةِ ..
الكبواتُ متلاحقةٌ ..متى النهوضُ؟ ..
لينفضَ غبارَ السنينِ…
متى يلملمُ شتاتَهُ ؟ ..ويلعقُ جراحَهُ ..
متى يعودُ ؟..
متى ينتهي السؤالُ ؟ ..
سؤال ..؟!!

قاسم سهم الربيعي

بَعْثَرْتِني فاجمعيني
::::::::::::::::::::::::::::

تدلى الرمانُ من
غصنِها.
يﻻمسُ الشفاهْ .
ينتشي النسيمُ من
خمرهْ .
شقائقُ النعمانِ على
خديها أينعت. ْ
حانَ القِطافْ .
ثغرٌ يَفْتَرُ عن
جُمانٍ وعن
بَرَدْ.
أشنَبُ الريقِ مدووفٍ
بالعنبرْ.
ريّا نشرها كالمسكِ
يخالطُ أنفاسي .
أغرقُ في بحرٍ من
الهيمانْ.
تُبَعْثُرُني تلك الشفاهْ.
أُمارسُ فيها كُلَ طقوسِ
الغوايةْ.
تبحرُ فيها أشرعتي
لترسوَ على الضفافْ.
في باحةِ عينيها
أتْلُ اورادي أتبتلْ.
يرتجفُ قلبي لصوتها
يكادُ ينسلُ من بينِ
الأضالعْ.
ضحكتُها عزف نايٍ
أوتغريدُ بلبلٍ عندَ
الصباح.
أنوثةُ النساءِ في قهقاتها
بُعثرتْ .
متى اَعتلي رئمتيكِ؟
لأمسحَ عن ماستيهما
غبارَ القحطْ .
أقطفُ من واديهما
الحبقْ.
فالقلبُ مازالَ عاشقاً
وإن ضحكتْ برأسي
نوارسُ السنينْ.

قاسم سهم الربيعي
هلوساتُ محمومٍ
:::::::::::::::::: :::

حُمىّ تلتحفُني..
تسحقُني..
تحتويني قشعريرةٌ..
تصطكُ أسناني ..تطقطقُ..
تهتزُ فرائصي..
يحملُني غثياني في
بحرٍ مجهولِ المعالمِ…
أرى نملةً تكبرُ .. تصيرُ
قطاراً ..
ما أوجهُ الشبهِ بينهما ؟!...
ظنوني ترتابُني
حدَ الجزعِ…
 الكونُ أصفرُ..
لماذا يتغيرُ الكونُ
في نظري؟…
تتموجُ الغرفةُ ..
لاتثبتُ ؟..
تغزلُ في رأسي…
ينتفخُ سَحري جُبناً
مِنَ الآتي..
بالكادِ التقط
أنفاسي…
وهنٌ يعتريني…
ياهْ ؟!..
أتُراني عبرتُ الى
ضفةِالشيخوخةِ ؟..
يجوزْ ؟……..

قاسم سهم الربيعي

تجلياتٌ في امرأة
::::::::::::::::::::::::::                        

صباحٌ تجلى بحضرتِها
أيُ أشياءٍ  رسمتْ هذا
الصباحْ.
وقارٌ اِنْحَنى عندهُ
كُلَ وقار ْ.
ثَمُلَتْ كُلَ الخمورِ على
الشفاهْ.
ينجذبُ النسيمُ لعطرِها.
أترقبُها بشغفٍ ..تضطربُ
الآهاتْ.
تلتهبُ الجوانحُ ..ترتجفُ
الأوصالْ.
أُخادعُ النفسَ بالوصالِ
كذباً..
علَّها تسكنُ بذكراها.
يامن أضرمتْ صبوةَ النيرانِ
بخافقي .. ﻻ وعينيكِ غيرَ
عذبُكِ ﻻيطفيها.
ﻻ تحرقي قلبيَ الملهوفَ
بحسراتِ الإشتياقْ.
إرْني لي بِنَظْرَةٍ.. دَغْدِغي
كوامِني .
إنفُخي في رمادِ نارٍ
خَبَتْ من سنينْ.
جودي بعطفةٍ وتكرمي.
تعالي نُفتشُ عن خبايا
اللذةِ القابعةِ بين أقبيةِ
القِبابْ.
تعالي نشهقُ  النشوةَ العاهرةَ ..
الموصدةِ بأقفالِ العفةْ.
لنفتحَ الأبوابْ.

قاسم سهم الربيعي

هدهديني
:::::::::::::::::

أُقلبُ صفحتي ..
لا أرى حروفك على
حروفي..
ماعادت تحتملُ روحي
 الجفا..
وإن قيدتها بجروحي..
تنفلت مني ..لاقدرة على
كبحها ..
ظمآنةٌ ..حملها الظمأُ
على شواطيءِ شفاهكِ ..
ترتوي..
تنامُ بين أهدابِكِ  ..
تحضنُني روحكِ..
أشهقُ.. أشرقُ بأنفاسكِ العبقة.
من يُهَدْهدُني ؟ ..
من يُسْكِنُ آلامي ؟..
من يُرَبِّتُ على وجعي ؟..
تاهتِ الروح لا أجدها..
الدنيا ضياعٌ من دونكِ..
الكونُ أظلم .
تعالي ..
إلمسيني..
 دفئيني بحضنكِ ..
أنيري عتمةَ دروبي ..
أُسكني فزعي ..
أُطردي وساوسَ السنينِ..
لعل الجراحاتِ تندملُ..
ألا تعودين ؟…

قاسم سهم الربيعي .. تَساؤﻻتْ
::::::::::::::
تهجرُ الفراشاتُ حقولَها !… يستوطنُ الجرادُ محلها !… يتركُ النحلُ خليته !…
تَعيثُ ألدبابيرُ بها دماراً وخرابا !… ترعى ألذِئابُ الحملان !… يطربنا نعيق الغربان ; يضجرنا تغريدُ البﻻبلْ؟.
تساؤلاتٌ أثارتْ لواعجي ؟… جاءني صوتٌ يُزَمْجِّرُ من بعيدٍ ،مَزقَ غشاءَ  مَسامعي !… صفيرٌ يُدوي برأسي كعصفِ زمهريرٍِ في يومٍ قَر ْ!. قالَ إحزِمْ أقنِعتكَ ،إحمِلْها على ظَهْرِكَ ،إسلخْ وجهَكَ… إلبَسْ كُلَ يومٍ قِناعْ ؟!. لأن الزمانَ ليسَ ذاكَ الزمان… عندها عرفتُ بأن الخطأ في هذه المعادلةِ أنا…  لأني كنتُ إنسانْ ؟.

بقلمي قاسم سهم الربيعي

نوتاتُ وجعْ
::::::::::::::::::                                   
أقبعُ بين طياتِ العتمةِ ..أتقرَّى نفسي ﻻ أجدني…  توخزُني حِرابُ الزمنِ ..توغلُ في جَسَدي… توهمُني أقدامي ..أتعثرُ بالمشي.. قوافلُ الدهرِ مَخُرَتْ في عُبابي ..تكسّرتْ مجاديفُها فوقَ  أحضاني .. غرقَتْ بين أغواري ..سنونٌ كشفتِ العوراتِ المُتسترةِ بثوبِ الوقارِ.. البؤسُ بؤسُ النفوسِ … المتسلقونَ يقفزونَ سريعاً…  الإملاقُ سُبّةٌ على الكريمِ ... الأحﻻمُ ..أوهامُ سرابٌ تقضُّ المضاجعَ.. آمالٌ معقودةٌ في المجهولِ… أُقلِّبُ أيامي أجدُها يباباً تذروها رياحُ الشحِ ..تتهرَّءُ النفوسُ .. تنصهرُ الذاتُ بلوعاتِ الحرمانِ … عبثيةُ الأقدارِ ترسمُ مَساراتنا.. المحطاتُ تُهرولُ مسرعةً نحوَ قطارِ العمرِ…… ﻻ جَدْوى……...

قاسم سهم الربيعي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 الأغتـراب 
قـراءة فـي نـص الشاعـر قاسم سهم الربيعي (غربة الروح)
بقلم/ حسين الساعدي

(مشيت وفي منتصف طريق الحياة ، وجدت نفسي في غابة مظلمة حينها أدركتُ أنه قد ضاعت مني معالم الطريق)
"دانتي ، الكوميديا الإلهية"

أن قراءة أي نص شعري يقع بين خيارين لا ثالث لهما ، أما البحث في مكونات النص النحوية والبلاغية وتراكيبه اللفظية وصوره الشعرية ، وأما الغوص في متاهات النص لكشف عما يحمله النص من رؤى فلسفية ودلالات وأنساق وأطر والتي عادة ماتحكم فضاءاته لتظهر مدى أتصاله بمحيط النص . لأن (كينونة النص تكمن في التأمل الفلسفي الذي يشكل المدخل الى عالمية النص) . (عبد الجبار الفياض حكيم من أوروك/محمد شنيشل الربيعي ص106 ) .
ونص الشاعر "قاسم سهم الربيعي" أرتأيت أن أسلط عليه الضوء من خلال الخيار الثاني ، لأعطاء رؤية فلسفية ، لأنه يتمحور حول موضوعة مهمة تناولتها الكتابات الفلسفية ألا وهي "الأغتراب Aliénation " أو" الغربة" .
نحن نعلم إن الإنسان كينونة وجوهر هذه الكينونة هو الروح والعقل ، والشاعر "قاسم سهم الربيعي" عبر عن كينونته من خلال نصه الشعري الذي عنونه "غربة الروح" مبين رؤيته بما يحيط به من هواجس ترجمها بصور أنفعالية حادة . شكلت دلالات متعددة ومتباينة ، فلسفية ونفسية وأجتماعية ، مثلت نمطاً معيناً من الشعور المنفصل عن الذات والمجتمع . وهذا بدوره ولد شعوراً داخلياً بـ(فقدان الحرية والإحباط والتشيؤ والتذري والأنفصال عن المحيط الذي يعيش فيه) .

عامٌ اِنقضى
وأنتَ مازلتَ مُكبلاً
بقيودِ عتمةِ
السديمِ… 
عامٌ اِنقضى وأنتَ 
حبيسُ جدرانٍ 
موصدةٍ… 
عامٌ اِنقضى.. 
لاسلوى غيرُ هموم
ودموعٍ تحتضنُكَ… 
عواصفٌ تجولُ برأسِكَ..
خيوطُ ذكرياتٍ 
طبولَها في جمجمتِكَ
الخرفةِ… 
وحشةٌ تبعثرُكَ حدَ الضياعِ… 
من يبددُها ؟...
بمن تلوذُ وقد اِنفضّوا عنكَ..
بمن تَتَأسى ؟..
بحروفٍ تنزفُ وجعَكَ..
أم تسبحُ في بحرٍ من السرابِ؟… 
كفكفْ دموعَكَ واقصرْ
أيها الجبلُ.. 
معاولُهُمْ تثلمُ سفحَكَ
وماثَلَموا… 
غيضَ معينِكَ ..
جفَ الضرعُ..
أقحلتْ رياضُكَ ..
ذبلتْ أزهارُكَ..
غادرَتكَ الفراشاتُ..
تحومُ حولكَ الدبابيرُ ..
أفُلَ نجمُكَ… 
أتظلُ قابعاً في دياجيرِ المثاليةِ ؟...
أيُ فضيلةٍ دون رغيفِ خبزٍ يسدُ
رمقَ بطونٍ خاويةٍ ؟!..
يُفَثّيءُ لهثاتِ أفواهٍ فاغرةٍ ؟!...
ستسقطُ الفضيلةُ في براثنِ الخطايا !… 
غَمْغِمْ ..لا تتعدى
حنجرَتَكَ ؟..
اَطلقْ قهقهاتِكَ الهيستيريةِ..
إصرخْ ..
إصرخْ..
إصرخْ..
ما أشدَ الغربةِ حينَ تحطمُ 
جدارَ البوحِ ؟!.. 
وتُبيحُ الألمَ؟! ..
ياوحشةَ الروحِ؟!…

النص يحتوي صور شعرية شكلها الشاعر في حالة تنبئ عن أنعدام الإحساس بالإنتماء وأغتراب الذات وعدم الشعور بالمغزى من الحياة ، حين يتلمس أشكالية الزمن الذي يعيش فيه ولايحسه ، وهو موقف صعب ، "عامٌ اِنقضى" ، "مازلتَ مُكبلاً / حبيسُ جدرانٍ" ، ثم يسترسل بمناجاته يرى الهواجس تقرع ذاكرته كـ"طبول" مرة و"عواصف" مرة أخرى ، ولكن "لاسلوى غيرُ هموم" . تساؤلات يبحث عمن يبدد وحشته ، يستنجد "بحروفٍ تنزفُ" وجعٌ أو سباحة في "بحرٍ من السراب" ثم يعود يلملم أشتات نفسه ويبعث بها العزيمة والإصرار على المطاولة "كفكف دموعك/أيها الجبل/معاولُهُمْ تثلمُ سفحَك/َوماثَلَموا" .
لكن سرعان ما نرى حالة "نكوص" في الكشف عن مكابداته الدفينة ومناجاته وحالة التي تنتابه ، فالشاعر يقع في دائرة (الوعي الخاطئ) على حد تعبير "إريك فروم"(تعتقد أنك سعيد، وذلك نتاج وعيك الخاطئ. لديك أنطباع بأنك حر، وهذه إشارة لا تخطئ أبدًا: فأنت مستلَب. أنت ترى أبدًا القيود التي تخنقك، وذلك برهان على دقَّتها وفعاليتها.) . "غيضَ معينِكَ/جفَ الضرعُ/أقحلتْ رياضُكَ/ذبلتْ أزهارُكَ/غادرَتكَ الفراشاتُ/أفُلَ نجمُكَ" .
الأغتراب Aliénation مفهوم شاع إستخدام بشكل واسع في العلوم الانسانية ، وهو من أكثر المصطلحات تداولاً في الكتابات التي تعالج مشكلات المجتمع الحديث ،وعلى الرغم من التباين والأختلاف في توضيح هذا المفهوم ، فأنه يقوم على ثنائية العلاقة الجدلية بين الظواهر الأجتماعية والنفسية التي تشكل (ظواهر الضياع والأستلاب عند الإنسان المعاصر) .
نحن نعلم جيدا أن الأغتراب حالة ذاتية ذات أبعاد (نفسية/أجتماعية) تعبر عن أزمة الإنسان المعاصر في ظل التباين الحضاري المادي المتسارع والذي شكل منحنى تصاعدي ، أما في الجانب الآخر تدني قيمي أجتماعي تنازلي ناتج عن عدم الأنتماء لواقع المجتمع وقيمه . ومن مظاهر هذا الأغتراب هو (الأغتراب الذاتي) الذي يعد من أصعب مفاهيم الاغتراب .
أن نص الشاعر قاسم سهم الربيعي ( غربةُ الروحِ ) يدور في فلك الأغتراب الذاتي ، فقد جاء متخم بالتساؤلات الوجودية الدالة على حالة الأغتراب التي لاتمثل غربة الجسد المنفصل عن وطنه ، وأنما (غربة روح) متصارعة بين الوعي واللاوعي ، وهو ما ذهب إليه عالم النفس (سيجموند فرويد 1939 -1856) (شعور الأنفصام والصراع بين قوى اللاوعي الدفينة في الذات وبين الذات الواعية) . ونسحب هذا الصراع الى المفهوم الوجودي للأغتراب عند الفيلسوف الوجودي "سارتر 1905 -1980" عندما اعتبره (حالة طبيعية في عالم فاقد للهدف وللغاية)،شكل حالة اللامعنى ، من خلال تجرد الحياة من المعنى أو الهدف . 
فالغربة الذاتية عند الشاعر ، هي (أنفصال الذات عن عمق الذات) ، من خلال الحاجز النفسي بين الإنسان ومحيطه وعدم الإنسجام مع هذا المحيط ، فليس أصعب على الأنسان من الإحساس بالغربة والأصعب منه (غربة الروح) . حين يحس الإنسان وهو بين أهله وأصدقائه كالغريب . فالأغتراب ، تجربة إنسان يشعر بالغربة عن الذات .
هناك العديد من المفكرين والفلاسفة ناقشوا مفهوم الأغتراب من جوانب مختلفة الفلسفي والأقتصادي والأجتماعي والثقافي والأخلاقي والنفسي . ويعتبر " "فريدريك هيجل 1770- 1831" و" كارل ماركس 1818 -1883" أول من وجهوا الفكر نحو موضوعة الأغتراب من خلال كتاباتهم الاولى ، والتي كانت بمثابة الحجر الأساس في بلورة الفهم الفلسفي للأغتراب . لقد أعطى "هيجل" فهماً فلسفياً للأغتراب حين أعتبره (لحظة ضرورية في عملية الحياة حينما تصل فيها الروح للحالة الحقيقية من معرفة الذات) ، أما "كارل ماركس" فربط الأغتراب بالجانب الأقتصادي وصراعاته . و(فرويد) يعود بأسبابه الى الصراع الجنسي . أما عند عالم النفس ألألماني "إريك فروم (1900 - 1980 فهو "نمط من التجربة يعيش فيها الإنسان غريباً عن نفسه ، حيث يفقد دوره بوصفه غاية إنسانية للعالم" ، ويذهب عالم الأجتماع الفرنسي "إميل دوركايم1917-1858"
فقد وضعه "موضع الخلل في العقل الجمعي" . 
لقد جسدت حالة الأغتراب في المجتمعات الغربية من خلال روايات "ألبير كامو 1913 - 1960" و "فرانز كافكا 1883 -1924" وطروحات " كولن ولسون 1931- 2013" في كتابه "اللامنتمي" . وإذا أردنا أن نحدد نتائج الأغتراب النفسية والأجتماعية فهو يدور في إطار العزلة ، وأنعدام الإحساس بالإنتماء و أغتراب الذات وعدم التكيف مع الأوضاع الأجتماعية . وجميل ماكتبه الفيلسوف "أبو حيان التوحيدي 310 - 414 هـ " حين قال:( أغرب الغرباء من كان غريباً في وطنه) .
- على مشارف الأفول
قصيدة نثر للشاعر العراقي قاسم سهم سهم الربيعي

هذه التجربة الشعرية الناضجة تثبت بما لا مجال فيه للشك أن الفن فن بالإبداع الجذاب لا بالمقاييس المسبقة. فقاسم الربيعي يقف بهذا النص المكثف بإيحاﺀاته العميقة و استعاراته الطازجة جنبا إلى جنب من سبقوه من فحول الشعر العربي الذين رثوا أنفسهم. كعبد يغوث الحارثي و امرئ القيس و مالك بن الريب و حافظ إبراهيم.

يبدأ النص بالاستعارة الضدية :
أجدب الربيع
أينع الخريف

فالشباب(الربيع) ولى و صار يبابا ..و نَضُجَ خريف العمر و لم يبق إلا موات الشتاﺀ..إذ يعود المرﺀ إلى أمه الأرض بعد رحلة العمر كما تعود النوارس :

عادت النوارس مثقلة بشواظ السنين
أنكرتها الشطآن

و ذلك لأن مرور الزمن لم يترك الصورة الأولى على بهائها . فيدُ الزمن لم تترك شيئا على ماكان عليه :

أشرعة ممزقة
مرساة ضائعة

و أكثر من ذلك التجاعيد و أخاديد الزمن على الوجه :

خرائط شقوق أرضٍ
أضناها الظمأ
رُسِمَتْ  على ملامحي
مشوبة ببؤس القحط

و في هذه اللوحة الرثائية يماثل الشاعر بين الذات و الطبيعة لأنه يرى العالم - على طريقة الرومنتيكيين - من منظار الذات.
فشقوق الأرض و جفافها و قحطها هي تجاعيد وجه على مشارف الأفول.

و الاحتفال بالطبيعة بحرا و برا ما هو إلا صدى العالم النفسي لشاعر يودع العالم و لا ينسى أزمة الذات في دوامة الغياب :
دوامة أمواج تتقاذفني
مكنونات قلقة
أفكار مضطربة
رأس لا تستقر على شيﺀ
خلجات تنفثني في فضاﺀات العدم

و في هذه الدوامة و التمزق الداخلي هل من مهرب ؟ :

أهرب مني إلي
لا منجاة
ألوذ بجلباب خيباتي
علها تسعفني
أتكئ على ظلي
أتعلق بخيوط أوهام واهنة

حالة احتضار متخيَّلة يحاسب الشاعر فيها نفسه :

أضللت الطريق ؟
أم الطريق أضلني

و الدخول في ظلمات الموت المطبق يستحضر له.  الشاعر الليل المَرْقَسِيّ :

"و ليلٍ كموج البحر أرخى سدوله "
هذا الليل الثقيل المطبق يعزف لحن عواﺀ
يختلج بين الأضلع
رياح البين تختزل أفراحي
تدكدك العمر مؤذنا بالرحيل
لا مناص ..

إذن كما قال الشاعر قبل أسطر أنه يهرب و لكن

لامنجاة

ها هو يؤكد أنه :

لا مناص

فالموت حين يأتي يصبح هو الحقيقة التي لا تدفع ..و لا بد أن تقع.

على مشارفِ الأفولِ
::::::::::::::::: ::::

أجْدبَ الربيعُ..
أيْنعَ الخريفُ...
عادتِ النوارسُ مثقلةً
بشواظِ السنين..
أنكرتها الشطآن ُ…
طيورُ السنونو هجرت أعشاشها..
دون رجعة…
أشرعةٌ ممزقةٌ ..
مرساةٌ ضائعةٌ…
دوامةُ أمواجٍ تتقاذفني...
مكنوناتٌ قلقةٌ..
أفكارٌ مضطربةٌ..
رأسٌ لايستقرُ على شيءٍ..
خلجاتٌ تنفثُني في فضاءاتِ
العدمِ…
أهربُ مني ..إليَّ..
لامنجاةً…
ألوذُ بجلبابِ خيباتي..
علَّها تُسعفني ..
أتكيءُ على ظلي..
أتعلقُ بخيوط أوهامٍ
واهنةٍ… 
أأضللتُ الطريقَ؟..
ام الطريقُ أضَّلني ؟…
خرائطُ شقوقِ أرضٍ
أضناها الظمأُ ..
رُسِمَتْ  على ملامحي..
مشوبةٌ ببؤسِ القحطِ…
"وليلٍ كموجِ البحرِ أرخى سدوله..." ١
يعزفُ لحنَ عُواءٍ ..
يختلجُ بين الأضلُعِ…
رياحُ البينِ تختزلُ
أفراحي…
تدكدكَ العمرُ مؤذناً بالرحيلِ..
لامناص ؟!…

أحمد السيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق