الأحد، 12 فبراير 2017

قصيدة عمودية - حمارق يحمل أسفاراً /// بقلم الاستاذ صلاح البابلي // العراق

قصيدةٌ عموديّة..
حمارٌ يحملُ أسفاراً..
كل خطابٍ ابداعي تمارسه جماعةً ما لا بدّ أن يكون نتاج حضارةٍ خاصّة بحيث لا تشذ بنيتها الصوتية واللغوية عن مقدار النتاج العقلي لتلك الحضارة وهذا شاملٌ لجميعِ صورِ الخطاب الإبداعي داخل البنية الصوتية لأفراد تلك الحضارة 
وعليه يتطوّر هذا الخطاب بتطوّر المحيط المنتِج لأنظمتهِ التواصلية .
ونظراً لعدم أو لفقر المحتوى العقلي -كنظام- للحضارة العربية كان مجلى ظهورها الأبرز هو الخطاب الشعري في نظام القصيدة ذات الشطرين .
والمؤسف أن يُطلق على هذه القصيدة كلمة (عمودية).
وهذا يحيلنا الى مفهوم العمود في أدبيات الهندسة الإلقائية والكتابيّة معاً.،
فالعمود يُقصد به القدرة على انتاج الترابط التام بين جزئيات الصورة-المعنى-وظيفياً في تكوين كلّيّةٍ عقليّة واحدة أي انتاج كيان قائم بذاته ومترابط جزيئياً في مكوناته .
وهذا لم تعرفه الحضارةُ العربيّة بتاتاً .
والإجابة هنا تدور في مركزية عقلية تنطلق من الوعي السائد -حينها-
فعند ذلك قالت العرب بوحدة البيت الشعري ،
ومعنى هذا ان القصيدة عندهم -بوصفها صورة عن المحيط- أشبه ما تكون بقطيعٍ من الأبل 
كل بيتٍ فيها يمثّل كياناً بذاته ولهذا من السهل جداً التلاعب بترتيبها فلا يهم ان كان الجمل الأول أو الرابع ما دام يعطي صورة واحدة للناظر من بعيد.
وهذا يُحيل الى أن الثقافة المنتجة لهكذا خطاب ثقافة أفقية وليست عمودية ..
هذا هو الأمر المهم .
أمّا الأمرُ الأهم فهو علاقة النظام العمودي بثقافة العنوان 
لان العنوان يمثل أعلى مركزيةٍ عقلية وأسمى تجلٍ مجرّد للعقل ولهذا لا تجد في طوال التاريخ العربي عنواناً واحداً لقصيدة وهنا أراهم أذكياء جداً في هذا الجانب .
وما نراه حالياً من انتاجٍ ابداعي يضع فيه بعضهم عناوين لقصائدهم (العمودية) هو الجهل بعينه 
فشتّان بين ثقافةٍ عمودية وخطابٍ أفقي ...
---صلاح النبهاني---

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق