الأحد، 12 فبراير 2017

منهجية الحضارة - منهجية اللغة منهجية تعبير // بقلم الاستاذ صلاح البابلي

منهجيّةُ الحضارة -منهجيّة اللغة ،منهجيّةُ تعبير..
لقد ذكرت في مقالٍ سابق علاقة طُرق التعبير اللغوي والخطاب الإبداعي بتطوّر المحيط المنتِج 
لأنظمته اللغوية وقد كان الحديث يدورُ حينها على القصيدة المقفّاة {عمودية} ..وبيّنت بان لا علاقة بين تسمية العمود وبين هذه القصائد لا من بعيد ولا من قريب..
ربّما يتذكّر الكثير الكوجيتو الديكارتي -انا افكر أنا موجود-.
بكونها محاولة تأسيس لما اريد له من انشاء انسانٍ مفكر.
وقد غاب عن الكثير أن ديكارت قد رسّخ ما هو أكثر عظمة وأشد أثراً من الكوجيتو وهو حضارةُ المنهج .
ومن المعلوم انك لا يمكن أن تفصل بين حضارةٍ منهجية واللغة المُعبِّره عنها .
فاللغة هي الوعاء القابل لتأسيس الفكر بدءً وإعادة انتاجه -تطوّريا،أو تكاملياً ..استمراراً
لذا كان لزاماً أن تكون طرق التعبير عن هذه الحضار منهجية أيضاً .
اذ لا يمكن ان يصدق القول من دونها .،
اعتماداً على ما أسلفت من ان اللغة هي مظهر الحضارة ووعائها في زمكانٍ معيّن.
ونتيجة للغزو الحضاري الذي تعرض له العرب 
واكتشافهم ان طرق التعبير الإبداعي -وعلى رأسها الشعر- لم تعد مُعبّرة كما يجب في هذه الحضارة ولم تكن سوى مظهراً صدءً للفكر الخارجاني المحيط بوعاء اللغة.
فحاولوا لذلك نبذ الموروث وكتبوا قصيدة النثر 
بعد أن سُبقت بمحاولات عديدة حتى الوصول اليها .
ولكن...
هل كان هناك قصيدة نثرٍ حقيقية؟
في اعتقادي اننا الى اليوم لا نكتب قصيدة نثرٍ حقيقية وعندما أقول حقيقية أعني بها أن تكون 
وجهاً بارزاً لآلية التكامل في الخطاب الإبداعي 
لأنها تحيل دوماً الى تكامل الحضارة المُنتجة لها .
ان كان تكاملاً في رجوعه لنقطة الوعي الأول أو تكاملاً في انطلاقه الى وعيٍ أوحد.
وعلى هذا فان الوعي الجمعي عند العرب في الخطاب الإبداعي تحديداً لم يصل لماهيّة هذا التعبير -قصيدة النثر-
فوفق هذه المنهجيّة الفكرية يجب أن تكون قصيدة النثر وحدةً موضوعيةً متكاملة ..
فمهما تعددت الصور الآنية وطرق صياغتها في جسد القصيدة ينبغي أن تؤول الى تكامل هذا الجسد في ذاته أولاً وفي وعي المتلقّي ثانياً 
لانها تكون ممثّلةٍ لخيالٍ لا يخرجُ عن كونه جزءً من خيالٍ أوسع يحتويه في ذاته هو خيال الحضارة المنتجة لكليهما معاً.
ولكنه غير منظور غالباً .
وعلى هذا تكون قصيدة النثر من أصعب بل الأصعب -طرق التعبير الإبداعي .
لانها سحبٌ مقصودٌ لعاطفةٍ غير مستقرّة أو خيال غير منتظم الى فضاءٍ كتابيٍّ مستقر ويسير دوماً الى تكامل .
أمّا اذا قيل وماذا عن قصائد النثر الحالية؟
فهنا أذكر سببين باعتقادي أنهما قطب الرحا في قولي بعدم وجود قصيدة نثر حقيقية ..
ان المكتوب حالياً هو هجينٌ لفظي بين عاطفة غير مستقرة وفضاء كتابي غير واضح المعالم ومتخلخل البُنى في ذاته وهنا ما زلنا ندور في فلك القصيدة (العمودية) مع الإستغناء طبعاً عن التفعيله وموسيقاها .فيما يُنتج 
ولهذا أصبح كل من هبّ ودبّ يكتب النثر متصوّراً انه ترتيب ألفاظ أو حشدٌ للصور .
وهم لا يعلموا بأن واحدهم مهرّجٌ قردي في فضاء النثر .استعاض عن شجرته بعويل الألفاظ.
والسبب الثاني ..
هو عدم وجود وعي باللغة ككيانٍ متكامل في ذاته 
بحضارة المنهج بحيث ان كل فكره أو صوره هي فردٌ أو جزءٌ يحتفظ باستقلاله ولكنه يميل دوماً الى انتاج جزءٍ أكبر أو فردٍ جامع تؤول اليه اللفظة 
وقد يبدو هذا الكلام صعباً على الافهام 
ولكنه يسهل كثيراً اذا علمنا باننا لم نعرف بعد معنى أن تكون اللغة منهجيّة .
أي أن قصيدة النثر في حقيقتها أُريد لها ان تكون رياضياتٍ شعرية وهنا مكمن صعوبتها .
---صلاح النبهاني---

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق