الجمعة، 18 أغسطس 2017

فلاح الشابندر / شاعر تجاوز زمن كتابته : بقلم الاستاذ حسين الساعدي / ج أول / العراق

فـلاح الشـابنـدر 
شاعـر تجـاوز زمـن كتابتـه 
بقلم / حسين الساعدي 
الجــزء الاول
الحدس حالة لا شعورية تظهر بشكل مفاجئ وتلقائي وفطري بغض النظر عن وجود معرفة منطقية مسبقة ، لأنها (أدراك مباشر لحقيقة فردية جزئية ، خالي من أي عنصر منطقي) ، إذن هو إدراك حسي للأشياء والأفكار ، يعتمد الخيال عوضاً عن المنطق .
وإذا أردنا أن نبحث الحدس الشعري عند الشاعر "فلاح الشابندر"، فهو يعطي إجابات عن أسئلة كامنة في اللاوعي يؤطرها برؤية كونية ، تفتح آفاق واسعة للشاعر . ونحن نعرف إن الشعر يُسبر بواسطة اللغة أعماق اللاشعور فيتحول الى شعورٍ شعريٍ يحمل بذوره الفكرية والفلسفية ، لأن الشاعر يعيش الحالة الشعرية بوصفها كينونة ، مرتبطة بقلق وجودي ، ناشئ عن وعي الشاعر المحاط بالشك والأندهاش من اللامعقول والألم ، وهذه لوازم القلق الوجودي الميتافيزيقي الحدسي . فعندما يقترن الحدس الشعري بالحدس الفلسفي ينتج فكرة ، والفكرة لا يمكن تقييدها بقيود بل هي طليقة ، تخترق الوعى ، يقول "كروتشه":(ثمة معرفة تأتي عن طريق التصور والأدراك الذي تفرزه المعرفة العقلية ، وعن طريق الأحساس ، وهو نفسي ذاتي ، ويتم تفاعل الأدراك مع الحس ، أو تفاعل التصور مع الصورة عن طريق الحدس) .
الشاعر "فلاح الشابندر" يمتلك حدس شعري حاد ، ونزوع صوفي ، مؤطر بنظرة ميتافيزيقية ، ورؤى وجودية ، ومن هنا تبرز المعايير الجمالية للغة الشعرية عند الشاعر "الشابندر" وقوة التأثير في النص الشعري . أضافة الى الصور الشعرية المركبة والفنية والمجاز والتكثيف والأنزياح والترميز ، فهو يعتمد في تنشئة النص على الحدس والخيال واللغة المجردة . وفي هذا الوصف تتشكل شاعرية "فلاح الشابندر" ، فيمتلك طاقة أبداعية في نقل الحدس الشعري بصورة فنية ومتعة جمالية رائعة تهز وجدان المتلقي . فنرى إن نصوصه تكونت في اللاوعي فسبقت زمن كتابتها .
اصعب خطاياك ان تسكت
واخطر خطاياك ان تكرر نفسك
اني خائف عليك 
ويؤرقني ارقك.....!!
فما بال هذا العالم مستغرقٌ في حلمه حتى العمى
اني خائف عليك 
ويؤرقني سهوك ...... عفواً
حلمك ......
الشعر وعي معقد وحدس وترميز ، لا يأخذ شكلاً بسيطاً ، ولغة الشعر عند الشاعر "الشابندر" لغة مشفرة برمزية مفرطة وأنزياح ، وعند التأمل في نصوصه ، كأنه لا وجود للغة الشعرية فيها ، لكن في نفس الوقت هي من مكونات النص ، ولا يحس بها إلا من يمتلك الذائقة الشاعرية . فالنص الشعري عند الشاعر "الشابندر" ، وليد لحظة مأزومة ، نص ممتنَع بطبعه ، غارق برمزيته ، منفتح على رؤى فكرية وفلسفية متعددة ، يستوعب النظرة الكونية للوجود ، وضع بأسلوب تجريدي يثير الدهشة عند المتلقي ، مبتعد عن الوضوح والمباشرة ، يمكن أن يقرأ أكثر من قراءة ويؤول أكثر من تأويل . وهذا يقارب وصف الشاعر "عبد الستار نور علي" في قراءته لنصوص الشاعر "فلاح الشابندر" حين يقول: أن القارئ لنصوصه (يحتاج أن يستبطن أولا ً، ثم يستقرئ ثانياً ، ثم يستبصر ثالثاً) ، لغرض الوصول الى غايته في فهم النص . "الشابندر" يعيش محنة وقلق وحيرة الشاعر والقصيدة ، فأين مكمن المحنة؟ في أحدى ومضاته يطرح سؤال وجودي .
محنة الشاعر و القصيدة ....
من يكتب من...؟
إذاً على المتلقي أن يكون لديه قدر من الوعي على فهم نص الشاعر " الشابندر" . ولذلك عندما أعترض البعض على "أبي تمَام" بسبب غموض شعره قائلين:(لماذا لا تقول ما يفهم ؟ ، أجابهم : ولماذا لا تفهمون ما يقال ؟) ، وعليه فالمتلقي يحتاج إلى تنمية الذائقة النقدية والفنية لديه وتكون له رؤية واعية للنص الشعري ، حتى يعي ما يُكتب ، وهذه مسؤولية تقع على عاتق الأدباء والنقاد للأرتقاء بالذائقة النقدية عند المتلقي .
أتكتبَ الصخب بالصخبِ 
اتعد الانفاس في الغرق ... ترسم الهياج
تكتبُ تُصحح الخطأ وتخطئ الصحيح
تقاوم الفراغَ بلوثةٍ جميلةِ و أثمه
صورّ تنسخُ صوراً.....
تصبرُ .....وتصابرُ .... حُلُم اليقظة.!
فضولُ الضوء يستفز حلمكَ... جنونك الجميل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق